علام يراهن النظام السياسي في سورية؟
إبراهيم غرايبة
النظام السياسي في سورية يمعن في قتل المدنيين وقصف المدن والأحياء وقمع المظاهرات السياسية بوحشية، ويرتكب المجازر والجرائم بحق الإنسانية. كل ذلك يجري علنا وأمام العالم ووسائل الإعلام، هل يقدّر العقل المفكر للنظام السياسي في سورية أنه سيكون بمقدوره أن يواصل جرائمه وانتهاكاته إلى أن يبيد الشعب السوري أو يسكت المظاهرات، من دون تدخل دولي؟ هل يظن أن العالم سيواصل التفرج عليه بسلبية وحياد؟ هل يتوقع أن روسيا والصين وإيران ستقف إلى جانبه وتحميه وتمنع تدخلا دوليا ضده، ومن ثم ستبقى يده طليقة في الإبادة والاعتقال والتعذيب ومواصلة الاضطهاد والاستبداد الخرافي غير المسبوق؟ هل يتوقع أن الشعب السوري سيخضع في النهاية ويقبل بحكم عصابة عائلية مغلقة تستولي على كل مقدرات البلد ومؤسساته وتسوم الناس الخسف؟ ولا فائدة أو أهمية للحديث عن الخطاب الإعلامي والسياسي الرسمي في سورية الذي يبدو في عزلة عن الواقع، ولا يعلم عن وجود الفضائيات والإنترنت والموبايلات. هل يصدق هذا الإعلام أنه يمكن لأحد أن يصدقه؟ ستكون المشكلة حينئذ طبية وليست سياسية.
ولكن إذا كان النظام السياسي في سورية يدرك ما يبدو بديهيا اليوم، وهو أن العالم سيجبره على الرحيل، وربما تقديمه إلى المحاكمة، فلماذا لا يستبق ذلك بتسويات ومبادرات قد تفيده وتنجيه من الزوال؟ النظام السياسي السوري يدرك جديا أنه مهدد منذ أواخر الثمانينيات، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وكان يفترض أن يفكك وتعاد صياغته كما حدث في اليمن الجنوبي والعراق، ولكن الحظ أسعفه مرات عدة في إطالة عمره، عندما احتل النظام السياسي العراقي الكويت، ووقف النظام السوري إلى جانب التحالف الدولي ضد العراق؛ ثم أدرك النظام السياسي السوري أنه مطلوب عندما احتلت الولايات المتحدة العراق، وبادر وبسرعة إلى الانسحاب من لبنان ومحاولة تكييف أوضاعه مع الظروف المستجدة، ولكن الفشل الأميركي في العراق منح النظام الحاكم في سورية فرصة جديدة، بل وأغراه هذا الفشل الأميركي بالعودة مرة أخرى إلى لبنان وتصفية حساباته مع مجموعة من الشخصيات والقوى السياسية والإعلامية.
يقول البعض إن النظام الحاكم في سورية يراهن على أنه قدم خدمات عظيمة عسكرية واستخبارية للولايات المتحدة، وأنه يشكل ضمانة أمنية لإسرائيل. ولذلك، فإن الولايات المتحدة وإن كانت تنتقده سياسيا وتحرّض عليه إعلاميا، فإنها في الحقيقة تعتمد عليه وتحتاج إليه. ولكن حتى لو كان هذا التفسير صحيحا، وربما كان كذلك في فترة ماضية، فليس ثمة أصدقاء دائمون ولكن هناك مصالح دائمة، وليس متوقعا أبدا أن تظل الولايات المتحدة وأوروبا ترى مصالحها كما كانت قبل الربيع العربي. هل يلعب النظام الحاكم في سورية في الوقت الضائع، ويمارس لعبة الأرض المحروقة وينتقم من الشعب السوري قبل رحيله؟
الغد