صفحات العالم

علويستان


توني بدران

إلى متى سوف يستمر الأسد في البقاء في دمشق؟ يبدو أن نظامه يترنح: الانفجار الأسبوع الماضي أودى بحياة صهره و ثلاثة من أرفع المسئولين في النظام و الانشقاقات العسكرية مستمرة و قوات المتمردين وصلت إلى أكبر مدن البلاد. إن وجهة النظر السائدة في واشنطن و العديد من العواصم الأجنبية لم يعد ما إذا كان الأسد سوف يفقد العاصمة بل متى.

ليس لدى الأسد أي نية للتخلي عن دمشق دون قتال. منذ انفجار الأسبوع الماضي, الفرقة الرابعة من الجيش السوري – و التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد- قامت بشن حملة مكثفة لاستعادة السيطرة على أحياء العاصمة من يد المتمردين. من أجل تأمين دمشق, قام النظام بسحب القوات من الجولان وشرق سوريا. إن السيطرة على العاصمة أمر حيوي بالنسبة للأسد لكي يثبت أنه ليس مجرد زعيم للعلويين, و لكنه يجسد الدولة كلها.

الطاغية السوري, يخوض معركة خاسرة. مع اشتداد القتال في كل من دمشق و حلب, فإن النظام يفقد السيطرة على سوريا برمتها و المنطقة الكردية شمال شرق البلاد. المناطق التي يغلب عليها السنة في سوريا أفلتت من قبضة الأسد, و ليس هناك أي طريقة واقعية بالنسبة له لكي يستعيد سلطته عليها.

و لكن يتبقى لدى الأسد كرت لم يلعب به بعد: إن النظام السوري يمهد الطريق من أجل التراجع نحو الجبال الساحلية في سوريا, و هي الموطن التقليدي لطائفة الأسد العلوية, لشهور مضت, بدا واضحا أن هذا هو الطريق الذي يتجه إليه الصراع السوري. عاجلا أو آجلا, فإن الأسد سوف يترك دمشق.

إن التسارع في تراجع النظام السوري يبدو أنه سرع من هذه العملية. مع وضوح الصدع الطائفي , فإن التقارير تشير إلى وجود هجرة داخلية و ذلك مع تحرك العلويين إلى الجبال الساحلية, و هي ترداد للديناميكيات التي حصلت أيام الحرب الأهلية في لبنان. بعد اغتيال المسئولين الأمنيين السوريين بفترة وجيزة, أورد ناشطو المعارضة و دبلوماسيون غربيون أن الأسد قد انتقل إلى مدينة اللاذقية الساحلية. و لكن هذا الادعاء لم يتم التحقق منه, و لكن مكان تواجد الرئيس لا زال أمرا غير مؤكد.

على الرغم من حقيقة أن النظام السوري هو مشروع عائلي, إلا أن الأسد يسعى لتقديم نفسه  في الصراع على أنه المحاور الشرعي و الوحيد مع العالم الخارجي. للأسف, فقد ساير المجتمع الدولي هذا الأمر. جميع المبادرات الدبلوماسية من أجل حل الأزمة السورية اشترطت الحوار مع الأسد و امتنعت عن دعوته إلى التخلي عن الحكم.

لقد بدا و منذ وقت طويل, أن محاولة الأسد للسيطرة على جميع الأراضي السورية كان ضربا للحقائق الديمغرافية و الجغرافية عرض الحائط. على نقيض جميع التطمينات المبكرة فيما يتعلق بالجيش, فإن قوات الأسد ليست أكثر من مجرد ميليشيات طائفية. هذه القوة البشرية المحدودة كانت تعني منذ البداية أن الأسد لن يكون قادرا على إعادة فرض سلطته على المناطق السنية و محيطها الخارجي.

هذه الجغرافيا الطائفية قررت تصرفات النظام. و قد وضع الأساس لحرب طويلة الأمد, لقد كان على الأسد تحصين العلويين خلفه و تعزيز مواقعه في الجبال العلوية الساحلية و المطلة على البحر المتوسط, في المنطقة ما بين جسر الشغور في الشمال قرب الحدود التركية و تل كلخ في الجنوب قرب لبنان.

لقد قام الأسد بالتحرك من أجل تأمين جميع نقاط الدخول التي تقود إلى المعقل العلوي. في خطوة تذكر إلى حد ما بالحالة اللبنانية, فقد بدأ و بشكل واضح بتطهير الجيوب السنية المعادية داخل الجيب العلوي كما بدأ بخلق منطقة عازلة في السهول التي تفصل الجبال الساحلية من الداخل. و قد كان هذا هو الحساب الذي يقف خلف عمليات القتل الجماعي في قرى مثل الحولة و تلدو و الحفة و تريمسة, و جميع المناطق السنية سواء داخل أو على الحدود الشرقية للجيب العلوي في السهول الوسطى.

إن القاسم المشترك ما بين جميع هذه المناطق هي ترابطها مع الجغرافيا الإستراتيجية و الطائفية في سوريا. المناطق القريبة من حمص و الحفة على سبيل المثال, هي طرق وصول تاريخية إلى الجبال الساحلية. إضافة إلى ذلك, فإن قرى مثل تلدو و التريمسة تشير إلى المنطقة الشرقية التي تتناثر فيها القرى العلوية بشكل غير مريح بالقرب من القرى السنية. كما أنها تقع استراتيجيا على المحور الشمالي الجنوبي  من دمشق إلى حلب, و المحافظات الثائرة حمص و حماة و إدلب.

و على كل حال فإن دمشق, تقع خارج هذا الجيب بشكل كلي. في العاصمة, فإن النظام لا يمتلك مستودعا ديمغرافيا من المجتمعات العلوية الموالية التي تخلق توازنا مع خصومه. لقد قام النظام بالرد على هذه المشكلة من خلال نشر القواعد العسكرية الممتلئة بالموالين من العلويين داخل دمشق و ذلك من أجل السيطرة على طرق المواصلات الرئيسة خارج المدينة. نتيجة لذلك, فقد كتب الخبير السياسي الجغرافي الفرنسي فابريك بلانش بأن العاصمة أصبحت مدينة محاصرة. علاوة على ذلك, فإن التقارير الإخبارية الواردة أشارت إلى تدفق الكثير من اللاجئين السنة إلى دمشق من المحافظات الثائرة و هذا الأمر أدى إلى تعقيد المعادلة الديمغرافية في العاصمة.

و لذلك, فإن هذه العوامل الجغرافية و الديمغرافية سوف تؤدي بالأسد في مرحلة ما إلى التخلي عن دمشق و تحصين نفسه في معاقل العلويين القوية.  كما حدث في لبنان, فإن هذا الأمر قد يقود إلى حرب طويلة ثابتة, حيث سوف يصبح دعم الرعاة الخارجيين – خصوصا إيران و روسيا – أمرا حاسما بالنسبة للأسد.

البعض سوف يجادل بأن الجيب العلوي أمر غير قابل للاستمرار على المدى الطويل, و لكنها سوف تكون سياسة تأمين تحمي الأسد عند تراجعه. و ذلك مع  تذكير نظام الأسد للعالم بأنه يمتلك مخزونا كبيرا من الأسلحة الكيماوية. و بينما يخشى الكثير من المراقبين من قيام الأسد بتسليم هذه الأسلحة إلى طرف ثالث مثل حزب الله, فإنه على الأرجح سوف يقوم بالتمسك بها بقوة. هذه الأسلحة هي آخر ما تبقى لديه و أقوى رادع لديه ضد خصومه من السنة, و هي تمثل رافعة ثمينة من أجل ضمان سكوت العالم الخارجي

مع سياسة التأمين هذه, فإن الأسد قد يصبح أمير حرب فوق محمية إيرانية روسية على البحر المتوسط. لقد تضمنت الأسابيع الأخيرة الماضية ضربات قوية للأسد, و لكن هذا ليس نهاية للصراع السوري. و لكنها بداية لمرحلة جديد, إن نهاية اللعبة ليس في دمشق, بل في الغرب.

فورين بوليسي

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى