صفحات الناس

على الحدود الأردنيّة السوريّة/ عمّان ــ محمد الفضيلات

 

 

خطوات قليلة قطعها اللاجئ السوري عبد الهادي زرزور، يوم الخميس الماضي، ليبلغ الأراضي الأردنية برفقة عائلته المؤلفة من سبعة أفراد. بذلك، تنتهي معاناة أشهر قضتها العائلة محتجزة في مخيم مؤقت عند الساتر الترابي الفاصل بين بلاده التي فرّ منها هارباً من الموت الذي خطف زوجته، وبلاد اللجوء المسكونة بهاجس أمني دفعها إلى وضع ضوابط صارمة على دخول اللاجئين، جعلتهم ضحايا انتظار طويل في واحدة من أكثر مناطق الأردن قسوة.

وكانت العائلة، وهي مجرّد حالة، قد بلغت الساتر الترابي الحدودي، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد أربعة أيام على مغادرتها مدينة الشيخ مسكين في محافظة درعا، لتجد نفسها عالقة في مخيّم حدودي. يخبر زرزور: “كنا نعرف قبل خروجنا من الشيخ مسكين أننا سنبقى على الحدود مدة طويلة قبل أن يدخلونا الأردن. لكننا لم نملك خياراً. الحياة صعبة هناك”.

يصل عدد العالقين على الحدود الأردنية السورية إلى 16 ألف لاجئ، يتوزّعون على مخيمين حدوديين في منطقتَي الحدلات والركبان شمال شرقي عمّان. في مخيم منطقة الحدلات، 1300 لاجئ وفدوا بأكثريتهم من مدينة درعا وأريافها، فيما يقيم باقي اللاجئين العالقين في مخيم الركبان الذي يغلب عليه الوافدون من المدن والبلدات الواقعة في الشمال السوري.

وكانت “العربي الجديد” قد التقت زرزور في منطقة الحدلات في خلال جولة إعلامية رتبتها قوات حرس الحدود الأردنية، للاطلاع على واقع العالقين. يؤكد أن “الأوضاع صعبة”، لكنه يجد مبرراً للإجراءات الأردنية التي تفرض عليهم البقاء لفترات طويلة على الحدود، قائلاً: “ازداد تدفق اللاجئين باتجاه الساتر، لأن الأوضاع ازدادت سوءاً في سورية. كنا ننتظر دورنا للدخول، وخلال هذه الفترة قدموا لنا ما نحتاج إليه من غذاء وعلاج وتدفئة”. بالنسبة إليه، فإن مشقة الانتظار على الحدود لا تقاس بحالة فقدان الأمان في بلاده.. “المهم الأمان”.

بعفويتهم، يبدو أطفال زرزور ناقمين على فترة الانتظار الطويلة. تقول وعد (13 عاماً) إن “لا شيء جيد هنا. قتلنا البرد”. تضيف وهي تحمل أصغر أشقائها البالغ من العمر عاماً ونصف العام، “حمّود (محمد) كاد يموت من البرد. مش حرام عليهم؟”.

وتسمح السلطات الأردنية لمنظمات الإغاثة الدولية بالعمل في مخيمَي الحدلات والركبان، حيث توفر الخيام للاجئين والطعام والمياه والحطب للتدفئة، بالإضافة إلى خدمة العلاج، بهدف التقليل من معاناتهم التي تزداد مع الشتاء القارص في المنطقتين الصحراويتين. وكان المخيمان الحدوديان قد نصبا مطلع العام الماضي، وفقاً للاستراتيجية الأردنية الجديدة في التعامل مع اللاجئين السوريين والتي تقدّم الهاجس الأمني على الهاجس الإنساني. ويقول قائد قوات حرس الحدود الأردنية العميد الركن صابر المهايرة إن “التعامل مع اللاجئين قبل ظهور التنظيمات الإرهابية، كان تعاملاً إنسانياً بحتاً. لكن بعد ظهورها، أصبح التركيز على الجانب الأمني مهماً”.

ويلفت المهايرة إلى عدم تحديد مدة انتظار للاجئين على الحدود قبل السماح بدخولهم، مؤكداً “نحن نطبق أولويات وإجراءات، وبمجرد انتهائها يدخل اللاجئ”. يضيف: “لن نسمح بدخول لاجئ إلا بعد التأكد من أنه نظيف أمنياً وطبياً. لن يُسمح بدخول لاجئ يحمل حزاماً ناسفاً قد يتسبب بتفجير في مخيم الزعتري. ولن يدخل لاجئ مصاب بمرض وبائي لينشر العدوى بين اللاجئين في الزعتري”. ويتابع أن قواته كشفت العديد من الإرهابيين المندسين بين اللاجئين.

وأولويات الدخول بحسب ما يوضحها المهايرة، تتمثل في إعطاء الأولوية للمرضى ومن ثم الأطفال والنساء وكبار السن. كذلك تكون أولوية للاجئين الوافدين من الجنوب السوري المتاخم للحدود الأردنية. ويوضح أن “غالبية اللاجئين أتوا من قرى وبلدات في الشمال السوري القريبة إلى تركيا ولبنان، فيما ينص الاتفاق بين الأردن والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على استقبال الأردن للاجئين من الجنوب السوري. اللاجئون من المناطق الشمالية ليسوا مسؤوليتنا”.

علي عبد الفتاح لاجئ عبر الحدود الخميس الماضي، يكشف عن استفادة والدته من أولويات الدخول. يقول: “وصلنا قبل ثلاثة أشهر إلى الساتر الترابي، وكانت معي والدتي المريضة. وبعد أقل من عشرة أيام من وجودنا في المخيم، سُمح لها بالدخول”. يصف مدة الانتظار بالطويلة، لكن “الحمد لله أننا دخلنا”.

وكان قد كُشف عن المخيمين الحدوديين للمرة الأولى في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حين ناشدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأردن، السماح بدخول اللاجئين العالقين على الحدود، وعددهم حينها 12 ألف لاجئ. وجاء في مناشدة المفوضية: “أرواح اللاجئين سوف تكون في خطر خلال الأشهر المقبلة”، لكن الحكومة الأردنية تجاهلت المناشدة الأممية، ودعت أخيراً “أي دولة قادرة على استقبال اللاجئين العالقين، إلى استقبالهم”.

تحصي الحكومة الأردنية أكثر من مليون و400 ألف لاجئ سوري في البلاد، في وقت لا تعترف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلا بـ 643 ألفاً.

يتوقع المهايرة تزايد أعداد العالقين خلال الأيام المقبلة، نظراً لاشتداد المعارك في سورية، قائلاً: “اليوم يوجد 16 ألفاً، لكننا لا نعرف غداً أو بعد غد كم يصبح العدد. ربما 25 ألفاً وربما أكثر”. ويؤكد أن “حدودنا ستبقى مفتوحة أمام اللاجئين، لكن الأمن أولوية”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى