على الحدود السورية – اللبنانية: توقَّفْ ممنوع الدخول/ ضحـى حسـن
“تعميم إلى جميع شركات الطيران – الموضوع: عدم السماح بنقل أي مسافر فلسطيني لاجئ في سوريا- يُطلب إليكم عدم نقل أي مسافر فلسطيني لاجئ في سوريا إلى لبنان، مهما كانت الأسباب، وأياً تكن المستندات والوثائق الثبوتية التي يحملها، تحت طائلة تغريم الشركات الناقلة في حال المخالفة وإعادته من حيث أتى”.
دمشق- يلدا
أصابع قدم صغيرة تتشبث بـ”شحاطة” تلامس “كرة” ملوّنة وتلقي بها باتجاه الحائط. يُسمع صوت قصف من بعيد، يلتفت الطفل نحو نافذة منزله، يرى والدته وهي تُعدّ طعام الغداء. صوت آخر مختلف قليلاً عن الذي سبقه، لكنّه صوت قذيفة بالتأكيد، يبقى محدّقاً في النافذة يتابع خيال والدته المرتمي على زجاج النافذة، “أسامة، يالله أمسك الطابة”، يدير وجهه نحو أخته الصغيرة التي تحمل الطابة وتركض باتجاهه مبتسمة، صوت قذيفة قريبة جداً، تقع الطابة على الأرض وتتدحرج، يتابعها بعينيه، يشد بأصابعه الصغيرة على أنف أخته ممازحاً إياها، يمسك يدها ويهرعان إلى المنزل.
بيروت – عين الحلوة
فُتح الباب، جرَّت الحقائب والأكياس، اللاجئة نفسها، إلى إحدى الزوايا. نظروا حولهم، منزل آخر في مدينة أخرى، وبلد آخر، تشدّ مي طرف كنزة أمها “وين بدنا ننام؟”، تنظر الأم حولها، تتنهد. ودون أن تنظر إلى ابنتها “هلق بنشوف يا بنتي”. تحوم هي وزوجها في أرجاء المنزل القديم الصغير جداً، يفتحون النوافذ لتخرج رائحة العفن من المنزل، 4 ملاعق 4 شوك، صحون، ثياب قليلة، سكين، دمية فتاة مُخاطة بشكل رديء. تخلع الأم حجابها وتضعه جانباً، تدخل إلى المطبخ، تخرج طنجرة يكسوها الصدأ على طرف “المجلى”، يجر زوجها الحقائب الفارغة ويلقي بها خارج المنزل.
دمشق
“خسر زوجي شغلو بالمعمل، والأولاد راحت عليهن المدرسة”، عادت أم أسامة إلى دمشق قبل 3 أسابيع لإحضار بعض الأوراق من هناك، “وصلت إلى دمشق، وصدر قرار من الأمن العام اللبناني بمنعنا من العودة، حاولت المستحيل لنرجع بس ما في أمل. عم يقولوا ممنوع دخول فلسطيني سوري على لبنان”.
المصنع – بيروت
يحكّ ذقنه، يفتح عينيه بجهد كبير، جفناه منتفخان. أمال رأسه قليلاً نحو اليمين ليشتم نفسه، فيبعد أنفه فوراً عن جسده. يسحب الحقيبة من تحت رجليه، يخرج منها فرشاة يمشط بها شعره، يخرج مزيل العرق ويرطب بها تحت إبطيه، ينفض الغبار عن قميصه، ويقف، يتجه مجدداً نحو رجال الأمن اللبنانيين: “صباح الخير معلم”، ومن دون أن ينظر إليه رجل الأمن من خلف الزجاج: “ممنوع تفوت على لبنان، فلسطيني سوري ممنوع يفوت. خبرتك هالشي من مبارح”، يلصق وجهه بالزجاج، ويتحدث بصوت متوتر “صرلي يومين نايم على الرصيف، عيلتي كلها بلبنان وبيتي تدمّر ما في مكان روح عليه بالشام، وين بدي روح، عم قلك عيلتي كلها بلبنان”. يضع كفيه على الزجاج ويشد بقوة، ينظر إلى رجل الأمن الذي تجاهله تماماً، سحب كفَّيه عن الزجاج الذي تعرق من شدة ضغطهما، جر حقيبته وعاد إلى المجهول.
دمشق
“معي أوراق تسجيل الأولاد في المدرسة، وعقد أجار البيت، وعلى حدود سورية ما كان في مشكلة”، تؤكد أم أسامة، “المشكلة كانت على حدود المصنع، يا بنتي نحن قاعدين هلق ببيت اختي هون بالشام عشرين شخص ببيت صغير، وضعنا كتير صعب، فكري نروح على لبنان، هون ما عنّا شي، وأنا عيلتي الكبيرة من فلسطينية لبنان يعني على الأقل هونيك إلنا حدا”.
طابور طويل من النساء والأطفال ومتاعهم. تدخل هي وابنها ذو الـ13 عاماً، تقف في الدور المتزاحم، تمتمات وغضب، وجوه متجهمة وحزينة، صراخ يعلو من الإمرأة التي أمامها: “أهلي جوّا مش منطقي ما تخلوني فوت”، تقترب أكثر، تمد يدها المرتجفة، يمسكها، ينظر إليها، “مدام ممنوع تفوتي على لبنان”، تجيبه بتأتأة واضحة جداً: “أنا مقدمة على فيزا لمّ شمل، زوجي في لبنان”، أخذت نفساً عميقاً كي تكمل حديثها وفي محاولة لأن تتمالك نفسها وتأتأتها المفاجئة.
وقبل أن تكمل ألقى بجواز سفرها من النافذة الصغيرة:”إذا رح تضلي تتأتئي ماعاد إلك فوته على لبنان بحياتك. فهمانة، ارجعي على الشام”، حملت أوراقها، نادت ابنها، نظرت إلى موظف الأونروا الواقف هناك والذي قال على الفور”ارجعوا إلى سوريا وانتظروا قرارات جديده بخصوصكم، ممكن بعد أسبوع، عشر أيام، شهر، شهرين … آسف كتير”.
تعميم رقم 2- لبنان – الأمن العام
الموضوع: الفلسطيني اللاجئ في سوريا الذي يحق له الدخول إلى لبنان- يطلب من جميع شركات الطيران التقيد بما يأتي:
السماح بنقل اللاجئ الفلسطيني في سوريا الذي يحمل: بطاقة إقامة سنوية لبنانية (سنة واحدة، 3 سنوات مجاناً)، سمة خروج مع عودة عدة سفرات غير منتهية الصلاحية. منح الفلسطيني اللاجئ في سوريا سمة مرور لمدة 24 ساعة بحال: كان قد غادر سابقاً عبر مطار رفيق الحريري الدولي، ولديه إقامة صالحة في الخارج ويرغب بالعودة إلى سوريا عن طريق لبنان.
الداخلية اللبنانية توضح
علّق مستشار وزير الداخلية خليل جبارة لموقع NOW حول قرار عمّمه الأمن العام في ما يتعلق باللاجئ الفلسطيني السوري بالقول: “لقد تم إصدار تعميم بمنع اللاجئ الفلسطيني في سوريا من الدخول إلى لبنان، ومن ثم قامت وزارة الداخلية بالتعاون مع الأمن العام بإصدار تعميم آخر يسمح لدخول الفلسطيني في سوريا ضمن بنود وآلية محددة”.
ويكمل جبارة: “تقوم وزارة الداخلية اليوم مع الأونروا بإعادة النظر بهذه الآلية واتخاذ الإجراءات اللازمة ضمن النتائج التي ستصدر ضمن إطار نقاش اللجنة الوزارية المعنية بشؤون النازحين السوريين والفلسطينيين”.
وأضاف: “نحن ندعو أصحاب الشكاوي بالتوجه إلى الأونروا والابلاغ عن مشاكلهم ونحن سنقوم بمعالجتها لأننا في تنسيق مستمر مع الأونروا”.
دمشق
“رحت على عين كرش بالشام لطالع أوراق التصريح لهم، قالولي لازم تجيبي موافقة من الأمن العام اللبناني”، أم مجد، سورية يحمل أولادها وثيقة سفر لاجئ فلسطيني سوري. أعمارهم 2 و4 و6 سنوات، تقول: “السفارة اللبنانية في لبنان قالولي ما دخّلنا، بعتت حدا من الأقرباء على الأمن العام في لبنان، وبعد مفاوضات طويلة، طلبوا على كل ولد 550$ رشوة، اللي عرفتو إنو لازم ندفع على الولد 100$ بس هني بدون أكتر لجيبتون”.
الأمن العام اللبناني
حاول NOW الاتصال بالأمن العام مرات عدّة للحصول على أجوبة أو توضيح في ما يتعلق بالتعميم والمعاملة على الحدود وصحة خبر الرشوة، لكننا لم نلقَ منهم جواباً.
دمشق
“كان موعدنا التلاتا 6 أيار، وصلت على المصنع، قالوا طالع قرار تعميمي بمنع دخول الفلسطيني السوري إلى لبنان، لو بتشوفي كيف المعاملة هونيك، 4 ساعات عالحدود بدون أيا نتيجة”، فدوى الفتاة العشرينية كانت في لقاء مع زوجها الذي يسكن في أميركا وذلك لإجراء الأوراق في السفارة الأميركية لتنضم إليه بعد غياب عام ونصف: “جرّبت كل شي السفارة اللبنانية بسوريا، المصنع كل شي.. ما في نتيجة، ما بتعرفي أديش مجروحة ومزعوجة، يعني معقول كل واحد يضل منا ببلد، ما بدي إبقى بلبنان بدي روح قدّم أوراقي بالسفارة وإرجع لتطلع النتيجة هاد كل شي”.
أمّ أمجد، أمّ أحمد، مجد، أسامة، مي، أسماء وهمية لأشخاص حقيقيين وأحداث حقيقية، حدثت ومازالت تحدث على الحدود بين سوريا ولبنان – المصنع.
موقع لبنان ناو