على المقاومة أن تختار
حسام عيتاني
تقترب سريعة اللحظة التي لا يعود فيها من معنى لمناشدة «سيد المقاومة» وحزبها في لبنان، إعادة النظر في مواقفهما من هذا الحدث أو تلك الظاهرة. ويطل اعتقاد يزداد رسوخاً عن اختيار «حزب الله» الوقوف في خندق المعادين لمصالح وتطلعات الشعوب العربية.
فقد دأب لبنانيون كثر، ومنذ عقدين تقريباً، على حض «حزب الله» تارة على مساندة الحركة النقابية والمطلبية، وتارة على بذل الجهد للتصدي للفساد. وأخيراً دُعي الحزب إلى اتخاذ موقف صريح من آراء عنصرية معادية للشعب الفلسطيني وحقوقه ومن تصريحات فاقعة في تحريضها الطائفي والمذهبي، اتخذها حليفه ميشال عون أثناء معركة نهر البارد وأثناء السجال حول المحكمة الدولية ورئاسة الحكومة. تجاهل الحزب الدعوات تلك بذرائع شتى، منها انشغاله بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ومنها عدم رغبته في «تلويث» نفسه في وحول الداخل اللبناني.
ولم ينتبه الحزب إلى أن للداخل هذا قيمة وأثراً عليه، سوى بعد انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005. ومنذ ذلك الحين، لم يعد من شغل لديه سوى اللعبة المحلية، مستخدماً فيها الضغط والتهويل واللجوء إلى العنف، خصوصاً بعد حرب تموز(يوليو) 2006.
وما زال البعض يستصرخ «حزب الله» لتأييد هذا السعي أو ذاك، مما لا يفترض أن يختلف فيه عاقلان. ويترفع الحزب في أحيان كثيرة عن الرد ولا يظهر أمينه العام سوى عند المنعطفات الخطيرة، كتفنيد تسريبات «ويكيليكس» التي هزت أركان التحالف الممسك بناصية الطائفة الشيعية.
أما انقضاض النظام السوري على مواطنيه والأخبار المتداولة عن قتل ما لا يقل عن ألف إنسان في اقل من شهرين، فمن النوافل التي لا تستأهل وقفة من الأمين العام. بل أن وسائل إعلام الحزب لا تترد في إسداء الخدمات للأجهزة السورية من خلال الترويج لنظرياتها وأخبارها السيئة التصنيع.
وما كان يحكيه مسؤولو الحزب في جلساتهم الخاصة عن تعرضه لمضايقات سورية، وخصوصاً من النوع الذي عبر عنه الأمين العام السيد حسن نصرالله في خطاب النبطية عشية انتخابات عام 1996 وعن اعتقال مقاومين وتعذيبهم للضغط على الحزب، فلم يعد له وجود. بل بات من المشروع التساؤل عن معنى مقاومة يريدها الحزب معنى وحيداً لحياة اللبنانيين، في حين أنها لا تتردد في نسج التحالفات مع أنظمة القمع والاستبداد في المنطقة. ولا تستنفر آلتها الإعلامية والسياسية سوى عندما يمس الظلم أبناء فئة معينة يهتم الحزب بمصيرها، على غرار ما فعل في البحرين.
ربما فاتت السيد نصرالله وحزبه ملاحظة بسيطة قوامها أن نهاية المطاف الذي يعد اللبنانيين به، موجودة أمام أعينهم في إيران وسورية. وأن إقامة دولة يهيمن فيها الحزب على مجالات الثقافة والاجتماع والاقتصاد، لن تختلف عن الدولتين السورية والإيرانية في شيء.
بكلمات أخرى، يريد لنا من يدافع عن النظام السوري اليوم، أن نجلس نشاهد أبناءنا يقبّلون أحذية ضباط الأمن، كمثل ذلك المراهق الذي وقع في قبضة قوات الأمن في درعا بعدما كتب شعارات على جدران بلدته. ويريدون أن تداس أطقم أسنان أمهاتنا، مثل أمهات بانياس، بعدما تسقط من أفواههن بفعل ضربات المدافعين عن «عرين العروبة»، أو مثلما «عفّس»، بكل محبة، ذلك المسلح أبناء قرية البيضا. إن مستقبلاً كهذا، لا نريده. وعلى المقاومة أن تختار.