على ماذا تمت الصفقة الروسية – الأمريكية ؟
د. كمال اللبواني
لا تحتاج لمناظير ليلية ولا مخابراتية , بل يكفي النظر بعين المشاهد السياسي العادي لنرى أن شيئا ما جذريا قد حصل بعد طول تأجيل , راقبوا معي إزاحة الصقور من الفريق الأمريكي الحاكم وما رافقها من تصريحات , ثم الإعلان المفاجئ عن نهاية عصر الحروب , وبدء مرحلة سلام , والانتقال في الحرب مع القاعدة للاعتماد على الوكلاء , و تخفيض حجم الميزانية العسكرية , وتغير لهجة الخطاب الأمريكي تجاه سوريا . ثم محاولة تقديم تطمينات جدية لإسرائيل حول البرنامج النووي الإيراني ( عودة نشاط مراقبي الأمم المتحدة ) , والحديث عن انسحاب أمريكي آمن من أفغانستان هذا العام , واطلاق يد روسيا في إيجاد حل (للمشكلة )في سوريا ووضع سقف زمني للتفويض الروسي مدته ستة اشهر , وفي حال فشلها , الانتقال للخطة الثانية وهي الحفاظ على التقسيم الراهن , لاستحالة إيجاد حل , وهو الهدف الخفي الذي يجعل كل طرف يستفيد من هذه المهلة لتحسين وجوده على الأرض لإيمانه مسبقا باستحالة مثل هكذا حل , وهو ما يجعل الروس والإيرانيون يصرون على بقاء الأسد لعرقلة كل إمكانية جدية للوصول لمخرج يحفظ وحدة البلاد . لكن يبدو أنه على هذا التقسيم أن يكون باردا ما أمكن , وهو ما يتطلب انهاك قوى الثورة وإضعافها . وتحصين جبهة النظام المتداعية . واطلاق دعوات التهدئة والعقلانية , والتركيز على القضايا الإنسانية دون الحقوقية والسياسية . ثم اطلاق يد الدول المجاورة , أو القوات الدولية في القضاء على مجموعات ( الإرهاب ) وتثبيت حدود التقسيم . ضمن برنامج يطبق في طول المنطقة وعرضها من العراق حتى لبنان وفلسطين ولا ندري متى يتوسع لشمال أفريقيا والجزيرة العربية , و حتى هضبة الأناضول .
فجأة ومن دون سابق إنذار يتحرك الوحي الأمريكي عشية لقاء بايدن – لافروف في جنيف ويسلم الرسائل ويصدر التعليمات , فتنطلق المبادرات وتنظم الاجتماعات وتتقرر الزيارات , وما بدا صعبا بل مستحيلا طيلة سنتين . يصبح واقعا في يوم وليلة . وتنطلق حملة الترحيب والتبجيل وتضاء الأضواء ويرتفع التصفيق , و معها وبالتزامن تنطلق حملة إعلامية للتطبيل للمبادرة التي ستقدم الحل السحري , وللتشبيح على كل من يريد التمعن أو التمحيص أو التريث , فعلى الجميع أن يسيروا طائعين مغمضي الأعين في الركب الأمريكي الروسي الجديد .. و بالتزامن تعود الروح لتحالف الممانعة الإخواني الإيراني ( فيترجم على شكل تقارب مصري إيراني لافت ) وينطلق مسلسل مبادرات متلاحقة , كلها تضمر هدفا واحدا هو الالتفاف على الثورة و إنقاذ النظام من السقوط على يد ثورة وطنية لن تتسامح مع قاتلي الشعب السوري .
وتفشل كل محاولات لجم من اخطف تمثيل المعارضة والشعب , وسارع لتقديم التنازلات المجانية والمبادرات الفقاعية التي تعتمد على التذاكي السياسي , وعلى استراتيجية الإحراج , مع نظام يشن حرب إبادة على شعبه , لم تحرجه المجازر وجرائم الحرب . واطلاق نداءات السلم والإنسانية والتسامح , بالتزامن مع تفاقم همجية وغطرسة النظام ووحشيته .
فما كان أمامنا سوى أن نرفع قميص الشعب السوري المضرج بدماء 150 الف شهيد ( منهم الموثق ومنهم المفقود ومنهم من تبخر في السجون ) و500 الف جريح , ومليون منزل مهدم غير صالح للترميم إضافة لخراب اقتصادي شامل ودمار شبه تام للبنية التحتية , وملايين المشردين وغيرهم من ضحايا الترهيب والتعذيب والاعتقال والإهانة والتمييز . وكل هؤلاء سوف يشكلون – من دون العدالة – تربة خصبة للانتقام و للعنف( وللإرهاب ) كما يسمونه , طالما أنه سلاح الضعيف أمام غطرسة القوي المتجبر .
ونحن هنا نؤكد لأشقائنا العرب أننا نتعرض لحرب إبادة , وإلغاء من الوجود , وأن المعركة على هوية واستقلال ومستقبل المنطقة .. وأننا جميعا في مركب واحد نبقى معا أو نغرق معا .
و نؤكد للمهرولين أنه واهم من يظن أن ثورة بهذا الحجم وهذا الزخم يمكن سرقتها , أو لجمها , وواهم من يظن أن ما جرى يمكن القفز فوقه بهذه السهولة . و بهكذا مبادرات مرتجلة ,أو أن دعم بان كيمون والمجتمع الدولي سيضيف إليها شيئا غير النحس والعقم والخيبة , التي تضاف لخيبات الأمم المتحدة المخجلة , و تضاف أيضا لخزينة خيبات أوباما و ولائحة تراجعاته , ولسجل الفشل الأوربي في حل جل مشاكله , وتضاف أيضا كصفحة جيدة لن تمحى في دفتر جرائم نظام ايران وروسيا المستبدين .
عندما سيكتشفون جميعا أن سوريا والمنطقة لن تستقر على باطل , وجرائم أفلتت من العقاب , وهي مهد الشرائع , وأن الربيع العربي سيستمر في التفاعل حتى يحقق مصالح شعوب المنطقة , وليس مصالح المتكالبين عليها . الذين عليهم أن يتعلموا احترام إرادة وحقوق الشعوب واحترام المبادئ والقيم قبل المصالح القصيرة النظر .
ونؤكد لأبناء وطننا أن هذه الثورة هي ثورة كرامة وحقوق , وتحرر وطني , من أجل إعادة إنتاج البنى السياسية والثقافية في المنطقة على أسس جديدة بدل المتعفنة , وأن هذه المنطقة التي لن تستقر من دون مشروع مدني حضاري متكامل يحترم الحقوق والهوية والثقافة والتنوع والدين ,
ومن جهتنا يجب أن نعمل لكي لا تذهب هذه التضحيات العظيمة لحسابات المصالح الخارجية التي تبحث عن تصدير مشاكلها وأزماتها البنيوية , ضاربة عرض الحائط بكل ما تدعيه من قيم ومعايير وأخلاق . ويجب أن نذكر مستبدي روسيا وإيران أنكم لستم أهل حق و إصلاح , وأن ما تخشونه آت إلى عقر داركم في يوم لاريب فيه .
ومن أجل ذلك أعتقد أنه على أخوة الحق والكفاح الاعتماد على الذات وتطوير القدرات المحلية والإفادة من المناطق المحررة , وإعادة المهجرين إليها, وفتح ورشات إنتاج لدعم الثورة , و عدم التعويل على المجالس التي تتشكل في الخارج بـتأثير النفوذ الأجنبي ولخدمته , وعدم تصديق خديعة الاعتراف الأجوف بها , و عدم الاطمئنان لسلوكها , كما يتوجب على رموز المعارضة المتلاحمين مع الثورة تشكيل جبهة إنقاذ لحماية أهداف الثورة , تقف في وجه محاولات سرقتها أو حرفها . والله الموفق .
كلنا شركاء