على ماذا يعول بشار الأسد؟!
ياسر الزعاترة
يتساءل المتابع للشأن السوري عن العناصر التي يعوِّل عليها بشار الأسد لاستمرار تشبثه بالحكم ورفضه العملي للمبادرات الإنقاذية التي تعرض عليه، لاسيما أن أحدا لا يقبض حكاية القتال حتى النهاية التي يتبجح بها للصحافة الأجنبية (لم يمنح مقابلة لصحيفة أو فضائية عربية)، والتي لا يراد منها غير إقناع الغرب بأن عليهم التفاهم معه على ما يريدون من أجل مصلحتهم، وهذا هو جوهر تصريحاته لصحيفتي “صندي تلغراف” و”صندي تايمز” البريطانيتين، وكذلك حال تصريحات ابن خاله “خازن مال” العائلة (رامي مخلوف) لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
لعله يعوّل على صفقة ما مع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، عنوانها إقناعهم بأنه بديل أفضل بالنسبة إليهم من البديل القادم الذي يروج بأنه سيكون عنوان تحول في التاريخ السوري باستلام الإسلاميين للسلطة، ما يرتب خطرا على الدولة العبرية، وما تصريحات رئيس الهيئة الأمنية والسياسية لوزارة الدفاع الإسرائيلية سوى مثال على المخاوف الإسرائيلية التي ينبغي أن يأخذها الغرب في الاعتبار، وفي تصريحاته للصندي تلغراف سعى الأسد إلى إقناع الغرب بأن الصراع الدائر في سوريا هو بين القوميين العلمانيين (المفضلين للغرب بالطبع) وبين الإسلاميين الذي سيشكلون خطرا على مصالحه ومصالح الدولة العبرية، وهو ما كرره ضمنيا رامي مخلوف أيضا.
وبطبيعة الحال فقد حاول إقناعهم بأنه قوي وقادر على تجاوز الأزمة، وليس من مصلحتهم تبعا لذلك المقامرة بالانحياز ضده، مع أن تحالفه المزمن مع طهران لا يمنحه فرصة دفع استحقاقات ذات بال للغربيين، لكن إمكانية خروجه من المحور المذكور لا تبدو مستبعدة إذا وجد مصلحة نظامه في كفة والتحالف مع إيران في كفة أخرى، وتبعا لها حزب الله.
لو كانت الدنيا كما كانت من قبل لكان بالإمكان القول إن مساومة من هذا النوع تبدو ممكنة، أعني لو كانت أمريكا هي سيدة اللعبة الدولية بلا منازع، لكن الأخيرة لم تعد الآمر الناهي في الكون، إذ يتوفر منافسون آخرون من بينهم روسيا والصين اللتان سيكون لهما موقفهما المناهض لصفقة من هذا النوع.
أما مساعي إقناع الغرب بقدرته على البقاء فلا تبدو صعبة وحسب، بل وغير مجدية أيضا، اللهم إلا إذا صدق مقولة حسن نصر الله حول أن الأمر لا يتطلب أكثر من إشارة من واشنطن. صحيح أن بوسع الغرب استبعاد الخيار العسكري الذي تتصاعد نذره بمرور الوقت في ظل الحماسة التركية له، لكن أحدا حتى الآن لا يبدو مقتنعا تماما بأن استبعاده يمنح بوليصة تأمين للنظام، لاسيما أن الاحتجاجات الشعبية لا تبدو في وارد التوقف، هي التي لم تطلب إذنا من الغرب حين اندلعت، بل فاجأت الجميع بمن فيها المعارضة السورية نفسها.
صحيح أن الوضع لا يزال تحت السيطرة بقدر ما بسبب نشر الجيش في الشوارع وعمليات القتل بالتقسيط والاعتقال اليومي، إلا أن البلد لا يمكن أن يستمر على هذا الحال إلى أمد طويل، ثم إن تخلي إيران عنه سيعني انكشاف ظهره أمام الداخل الذي لا يبدو في وارد التوقف عن الاحتجاج مهما طال الزمن.
ثم إن الموقف العربي لا يأتمر بالكامل بأمر الغرب، فهناك من بين دوله من يملك الاستعداد للمضي في برنامج دعم الانتفاضة السورية أيا يكن الموقف الغربي، مع العلم أن مواقف الدول الغربية لا تبدو موحدة أيضا، وقد لاحظنا ذلك الخلاف الذي شاب مواقفه في الملف الليبي.
هناك من يرى أن النظام لا يعول فقط على الحل العسكري، بل يضيف إليه مساعي لشق المعارضة السورية واستقطاب بعض قواها من أجل تشكيل ما يسميه معارضة وطنية تقبل بالحوار تحت سقف النظام، الأمر الذي يمنحه فرصة البقاء مع إصلاحات شكلية، لكن المشكلة أن هذا الطيف من المعارضة لم يحصل على ثقة الشارع.
في ضوء ذلك كله يبدو النظام كمن يطلب المستحيل بعد فقدانه الشرعية، وأيا يكن موقف الغرب، فإن أقصى ما يمكن أن يجنبه إياه هو الحل العسكري الذي يطيل عمره بعض الشيء (لا نتمناه بالطبع نظرا لتداعياته القاسية)، من دون أن يمنحه فرصة البقاء بعدما أثبت الشارع استعداده لمعركة طويلة ومريرة لن تتوقف قبل تحقيق الانتصار.
ليس لدى النظام في ضوء هذه المعادلة سوى الرحيل الفوري بعد أن فقد شرعيته الشعبية، ولن تنفعه المظاهرات التي يرتبها بهدف المعالجة النفسية لا أكثر، لاسيما أنه يعلم أن المظاهرات المقابلة لو حصلت على ذات التسهيلات لنظمت مليونيات تتفوق حتى على المليونيات المصرية واليمينة.
البلد برسم الدمار في حال اندلعت الحرب الأهلية، وليس من مصلحة العلويين الاصطفاف خلف النظام في معركة من هذا النوع، ولعل بعض عقلائهم يقنعونه بأنه يغامر بهم في معركة خاسرة، ومن الأفضل أن يرحل بدل وضعهم في مواجهة دموية مع بقية الشعب. ولعل تصريحات رفعت الأسد من باريس إشارة في هذا الاتجاه، وإن انطوت على دعم لنظرية الانقلاب من داخل النظام، وطائفته تحديدا.
لم يعد أمام الأسد غير الرحيل بدل انتظار نهاية القذافي، وهي فرصة قد تبدو سانحة هذه الأيام، لكنها ستغدو صعبة وربما مستحيلة بعد زمن لن يطول.
الدستور