علي فرزات مخرز في عيون القتلة
فاتن حمودي
طالما لاحقته التهديدات عبر الهواتف ،” ستدفع الثمن غاليا”، ” سنسرسلك بسحارة لزوجتك”، إنه الفنان علي فرزات واحد من أهم رسامي الكاريكاتير العرب الذين استطاعوا اختراق كل الحواجز و التابوهات في المجتمعات العربية ، للتحليق بهذا الفن إلى آفاق أرحب و أوسع حتى أصبح من الأسماء العالمية، التي تتناول شخصية الجنرال الطاغية بكل ممارساته و انعكاسها على المجتمع.
و لأنه رمز فقد أصيب بجروح الإبداع، بعد أن اختطفته شبيحة النظام وسط مربع أمني في ساحة الأمويين بدمشق ، لينكلوا به، و ليس غريبا ما يفعلونه، و هم الذين اقتلعوا حنجرة مغني الثورة القاشوش، و شوهوا الأطفال، و النساء و الشباب وقود الثورة في الشارع السوري.
استطاع فرزات أن يكون مخرزا في عيون النظام السوري من خلال يومياته الكاريكاتورية التي تجسد أعتى أنواع الإرهاب الممارس ضد انتفاضة الشعب السلمية.
مضى في خطه المتهكم عاكسا ما يتعرض له المواطن، و المدن و الشوارع و الأزقة من زحف للمدرعات و قنص للرؤس، و قتل للأطفال، و كأنه يعكس اغتصاب البلاد من قبل عصابة النظام ، مشكلا نصا مركبا من رسوماته التي تحمل المعنى الدينامي الذي يهزاللغم الواقعي .
و هو الذي صوّر الجنرال يسكب في وعاء لمواطن جائع بضعة أوسمة و ميداليات، و الجوع هنا ليس جوع المعدة و إنما التوق إلى الحرية و الكرامة، لذا فقد أكد في أكثر من حوار، ” أن نظام الأسد سقط في حفرة يصعب عليه الخروج منها”، مشيرا إلى أن النظام يملك السلاح، بينما المثقف والفنان يملك قلمه.
هذا القلم و هذه الريشة هي التي تخط و تسجل و توثق، و تلاحق الأحداث اليومية و المتسارعة، من خلال رسم الخطوط، كي لا تنزلق اللحظة إلى النسيان أمام تسارع الأحداث التي يشهدها الشارع السوري ، و التي استطاع فرزات أن يعكسها بخطوطه، ببعد تراجيدي لاذع ساخر مر مؤرق مؤكدا أن الفن موقف و سلوك، فلا يمكن أن يعتنق الفنان فكرا و يمارس سلوكيات مغايرة خاصة إذا كان فنانا حقيقيا..و هنا تكمن معادلة قوة المثقف و سلاحه في وجه الإرهاب الذي يمارس عليه..
و هو الذي اعتبر أن الشارع السوري بحضوره في المظاهرات السلمية، أثبت أنه مدرسة يجب أن يتعلم منها المثقفون..داحضا بذلك أكاذيب ما تردده السلطه من وجود عصابات مسلحة و مخربين في التظاهرات.
و هو الذي حوّل رسم الكاريكاتير إلى منشور سياسي، فأصبح في فترة معينة أهم مادة مقروءة من قبل المواطن في الصحافة السورية، حتى أصدر قرار بمنعه من الرسم في جريدة تشرين السورية، و من ثم إيقاف ” الدومري”، الجريدة الساخرة، و المتهكمة التي استقطبت أسماء ثقافية عديدة رصدت و بشكل حقيقي الأسباب التي أوصلت المشهد السوري إلى هذه اللحظة ، لكن المواقع الألكترونية الاجتماعية كالفيس بوك، إلى جانب بعض الصحف الألكترونية و الورقية، باتت أهم وسيلة لنشر ما تخطه يدا فرزت، و التي شكلت لهم مخرزا في عين تاريخهم الدموي.
و تبقى الصورة شاهدا و وجها من وجوه الإدانة ، فها هو فرزات يرقد في المستشفى، بعد أن تعرض للضرب و التنكيل، على أنامله التى تسمع و ترى و ترسم، بل و تكتب سيرة خريف البطريرك ، و لطالما ارتبط الشكل الكاريكاتوري بإلإطار الفكري، الذي يحمل بعد الرؤيا و السيرورة معا، والذي يصلح لأكثر من فترة زمنية كونه مرتبط بالحرية و العدالة و انتقاد الممارسات اللإنسانية، سلامتك علي..سلامة أناملك العين اليقظة أبدا..