عمران في إعلان “زين”.. جزء من صفقة؟/ وليد بركسية
مهما كانت الأسباب التي دفعت شركة الاتصالات الكويتية “زين” لانتزاع صورة الطفل السوري عمران دنقيش، من سياقها، وتضمينها في إعلان الشركة الاجتماعي السنوي، المخصص هذا العام “لمكافحة الإرهاب” المفترض أنه يُمارس باسم الإسلام، إلا أنها قدمت خدمة “جليلة” للنظام السوري، عبر تشويه واحدة من أشهر القصص الموثقة لجرائم النظام في البلاد، وذلك لأن الصورة في سياق “زين” المضلل الجديد تخلق حالة من التعميم تجاه مسار الحرب السورية منذ العام 2011، بالاستفادة من صورة أيقونية شهيرة.
ويظهر عمران في الفيديو في حوار قصير مع “انتحاري إسلامي” ينوي تفجير حافلة مدنية تكتظ بشخصيات تمثل الناجين من حوادث إرهابية سابقة هي غالباً نتاج “إسلام تكفيري” بالدرجة الأولى. لكن عمران الذي يعتبر رمزاً حياً لضحايا “إرهاب الدولة السورية”، في حلب حيث خسر عمران معظم أفراد عائلته، والذي يمارسه النظام السوري ضد الشعب السوري منذ العام 2011، وهو نوع مختلف تماماً من الإرهاب الذي يدعو إعلان “زين” لمكافحته.
وفيما تبدو غاية الفيديو نبيلة للوهلة الأولى، إلا أن وجود عمران ضمن سياق لا يمت إلى الطفل الضحية بصِلة، يجعل الإعلان مشبوهاً. إذ أن الطفل السوري الذي صدمت صورته العالم الصيف الماضي، لم يكن ضحية تفجير “تكفيري”، بل كان ضحية بريئة لقصف لطيران النظام السوري وحليفه الروسي لأحد أحياء حلب الشرقية، خلال الحملة العسكرية التي شنها النظام حينها لاستعادة حلب بسياسة الأرض المحروقة.
المشكلة في الإعلان أنه ينقل صورة مشوهة للواقع بالاعتماد على صورة أيقونية، ارتبطت في أذهان العالم بفكرة العنف في سوريا. ورغم تكثيف المعارضة السورية، رسمياً وشعبياً، خطابها على إرهاب النظام السوري وربطه بصورة عمران، عند وقوع الحادثة الصيف الماضي، إلا أن ذلك السياق قد يكون منسياً بالنسبة لكثير من “الجمهور” الذي لم تعد الحرب السورية طويلة الأمد ضمن أولوياته أصلاً، خاصة أن سوريا تقدم كل يوم عدداً كبيراً من الصور والقصص المروعة، التي يُنسى أبطالها وتفاصيلهم لصالح السياق العام الذي يتصارع أطراف النزاع على صياغته.
والحال أن مفاهيم الإرهاب قد تكون مختلطة لدى فئات من الجمهور العربي والعالمي، وهو ما يعتمد الإعلان عليه من أجل تعويم الحقائق وتقديم نسخة بديلة منها، عبر الاعتماد على نصف الحقيقة وربطها بسياق عام لا يختلف عليه أحد، ويصبح الوضع أسوأ بالنظر إلى انتشار الإعلان الكبير والمتكرر عبر قناة “إم بي سي” وقنوات أخرى في موسم ذروة المشاهدة التلفزيونية السنوية، إضافة لترجمة الإعلان للغة الانجليزية ما يعني توجيهه لجمهور عالمي أيضاً.
وبالتالي يستطيع الإعلان، بالاعتماد على قوة الصورة وجَودة الإعلان نفسه من الناحية التقنية وحدثيته بالنسبة إلى السياق الحالي السائد في كل العالم، تقديم نسخة مضلِّلة من الحقيقة الأصلية وتشويه سياق صورة عمران الأصلي، بحيث تبدو سوريا في المحصلة دولة ضحية للإرهاب التكفيري فقط، وهي الرواية الرسمية نفسها التي يسوقها النظام منذ العام 2011، والتي طوّرها لاحقاً لتقديم نفسه كبديل للإرهاب، وكقوة مكافحة له أيضاً، بالشراكة مع “المجتمع الدولي” الذي يعني حليفته روسيا فقط.
في ظل ذلك يصبح من الترف الحديث عن “أخلاقيات” الإعلان نفسه من ناحية استخدام صور الأطفال من غير استئذان أهلهم، أو التعدي على براءة الأطفال بتقديم هذه الصور الدموية، وغيرها من الاعتراضات التي سجلها بعض المعلقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فالجريمة، من جديد، هي أكثر من استخدام الصورة بل في استخدامها المشوه، كما أن الجريمة الأكبر ارتكبت عند التسبب في وجود الصورة أصلاً، وقصّتها وناسها، عبر إرهاب يمارسه النظام السوري ضد “شعبه” الذي ترمز إليه صورة عمران الأيقونية.
وقد يجادل البعض بأن الشركة بريئة من تهمة التضليل المتعمد، وأن ما جرى كان نتيجة خطاً فادح، ناتج عن إهمال و/أو جهل في ما يخص الحرب السورية، وهو تبرير غير منطقي عطفاً على الحرفية العالية والاعتناء بأدق التفاصيل في بقية للإعلان وحتمية القيام ببحث موسع ودقيق قبل التنفيذ والتصوير والتقديم لإعلان بهذا المستوى. كما قد يجادل آخرون بأن الصورة اختيرت بسبب شهرتها الواسعة كرمزية لمعاناة أطفال سوريا بالمطلق، لكن ذلك السبب الواهي لا يبرر نزع الصورة من سياقها خدمة لسياق آخر، فضلاً عن أن سوريا للأسف تمتلئ بمئات الصور والمشاهد المروعة للإرهاب التكفيري الإسلامي، إلى جانب إرهاب النظام.
وحتى لو كانت الشركة الخليجية، تريد تجنب تصوير النظام في صورة الضحية للإرهاب عبر اختيار صورة لتفجير تكفيري في إحدى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إلا أن الإرهاب التكفيري، لـ”داعش” و”القاعدة” ليس محصوراً في مناطق النظام. كما لا يمكن تبرير التشويه بفكرة رغبة الشركة في تقديم إعلان “نظيف” بعيد من العنف الدموي الداعشي، مع وجود الكثير من المشاهد الرمزية التي تظهر الإرهاب التكفيري المنتشر في سوريا، في منطقة كالرقة مثلاً. فضلاً عن أن الإعلان يصر على التضليل في مطلعه عبر جملة أيقونية لواحد من ضحايا الطيران السوري من الأطفال، أواخر العام 2013، وهو الذي ردد قبل وفاته بثوان: “رح قول لله كل شي”.
في ضوء ذلك، يمكن الحديث عن احتمال أن يكون التضليل بهذه الصورة مقصوداً، كنوع من استرضاء النظام السوري وشركائه قبل مرحلة “إعادة الإعمار”، أو كجزء من صفقة عقدت أصلاً بهذا الصدد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن “زين” كانت من أكثر الشركات المتحمسة لدخول السوق السورية في مجال الاتصالات، وكان اسمها مطروحاً منذ أكثر من عشر سنوات للفوز بصفقة مشغل الخليوي الثالث في البلاد، وهو احتمال لم ينتف حتى بعد اندلاع الثورة السورية. ورغم الأنباء التي أشيعت مؤخراً حول فوز شركة إيرانية بصفقة مشغل الخليوي الثالث في مرحلة إعادة الإعمار، تبقى لـ”زين” طموحات موازية بديلة كي تكون المشغل الرابع مثلاً، أو ربما احتكار خدمات الإنترنت المنهارة أصلاً في البلاد.
المدن