عمل للإصلاح بمحتوى غير إصلاحي/ إبراهيم غرايبة
يبدو العمل لأجل الإصلاح في أحيان كثيرة، وكأنّه يعمل ضد نفسه، أو كأنّه يسجل أهدافاً في مرماه، ويمكن اليوم بمراجعة تذكرية، أو في عصف ذهني، بشأن الربيع العربي ومآلاته، أو في تاريخ العمل الإصلاحي على مدى قرن ونصف قرن، منذ تشكل الوعي العربي، بضرورة الإصلاح، استحضار مجموعة كبيرة من أسباب فشل الإصلاح على يد أهله، أكثر من خصومه، أو ببساطة، العجز عن التمييز بين الإصلاح وضده، وغالباً ما كانت الحالة عدم الاكتمال، والعجز عن التقدم خطوة، أو خطوات جديدة، والمراوحة في المكان نفسه. وأسوأ من ذلك السير في حلقة “شريرة”، إنّ صحت العبارة، بدلاً من حلقة متقدمة، أو صاعدة، بمعنى عدم القدرة على التراكم والاستيعاب والإبداع، فالتراكم من جديد في العمل والمنجزات والخطوات، ليحل بدلاً من ذلك تطور، أو تراكم سلبي، يجعل الإصلاح، أو ما بدأ إصلاحاً، يتحول إلى فساد وفشل!
بالطبع، يمكن ملاحظة إنجازات إصلاحية كثيرة، كبرى وصغيرة، ولا يجوز إنكار ذلك، فمن المؤكد أنّ العرب، اليوم، دولاً ومجتمعات وأفراداً، هم في مستوى أفضل في سلم الإصلاح والتنمية عما كانوا عليهم من قبل، ومؤكدٌ، أيضاً، أنّ المسار العام للإصلاح والتنمية، في محصلته العامة والنهائية، في تقدم، لكنه تقدم بطيء مكلف، ومازال، لشديد الأسف، لم يتوفر على الشروط الأساسية لاستمراره ونجاحه وتجدده، ومازال مهدداً ومعرضا للانتكاس، بل إنّه انتكس، في مرّات كثيرة، متسبباً بخسائر وألام جسيمة!
سيكون مناسباً تخصيص مساحة كافية للإنجاز والتقدم العربي، ولكنّ، هذه المقالة مخصصة لما بدأت به، وهو محاولة تشخيص وملاحظة ما أصاب الإصلاح على يد أهله من عطب وفشل!
كان ثمة شعور بالظلم، ولكنّ، لم يكن ثمة وعي كاف بالعدالة المطلوبة، ما حوّل الحراك الشعبي والجماهيري إلى تذمر وسخط، لم تتقدم المجتمعات والجماعات خطوة أخرى نحو رؤية أكثر وضوحاً للعدالة، وما تريده وما لا تريده. هذا التذمر تحول إلى تسلية وخواء وعروض أهدرت الغضب المحرك دائماً للإصلاح والوعي الجديد.
الغضب هو مصدر الوعي والمعرفة والكرامة، والمحرك الأساسي للمجتمعات والطبقات، لكنّه لا يكفي تلقائياً ليشكل الوعي المطلوب، ولا يبلور المعرفة الجديدة التي يوصلنا إليها، والغضب مورد أساسي وثمين، لا يجوز هدره وإطلاقه، والشجاعة الذكية تكمن في الحفاظ عليه، ومواصلته، وليس هدره وإطلاقه مجاناً! لماذا لم يحول الغضب إلى مطالب وأهداف إصلاحية واضحة ومحددة، عدالة الفرص، وعدالة التوزيع، والعدالة الاجتماعية، لماذا لم يكن دافعاً لتقديم المعلومات عن الانتهاكات الكبرى والصغيرة للعدالة في الفرص والتوظيف والعطاءات والإنفاق العام، ومحاسبة الظالمين بالمعرفة؟ لماذا لم ينقل الغضب الناس إلى مرحلة أكثر تقدماً في الإحاطة والمعرفة بما يجري حولها وبشأنها؟ كان، ومازال، ثمة فرصة لتطوير الغضب، وتحويله إلى طاقة إيجابية مستمرة، في ملاحظة الفقر ومؤشرات التنمية في بلادنا في التعليم والصحة والدخل، معدلات وفيات الأطفال ومعدل الأعمار، ونسبة الأطباء والممرضين والمعلمين والمدراس إلى السكان، كيف يحسن الغضب حياتنا ومدارسنا وعياداتنا؟
هذا الغضب المهدور يشبه الثروات المهدورة، وهذا الهدر للإنسان والوقت والمعنى والجدوى يجهض الإصلاح، وينشئ الإحباط، ولا يدع مجالاً أمام الناس لرؤية ما يحبون، وما يجب أنّ يكونوا عليه، غضبت الجماهير وكفى، احتجت وهتفت .. وعادت مرتاحة الضمير، أو أصابها إحباط وخيبة، أو مضت في العدم؛ عدم الجدوى وعدم المعنى، ذلك أنّ الإصلاح، ببساطة، هو تحسين الحياة، أو هو النضال والتضحية لأجل الحياة، ويختلف في تطبيقه وأسلوبه عن التحرير المرتبط بالموت، وبذل الحياة لأجل هدف آخر جميل، أو هو، ببساطة، كيف نحيا، وليس كيف نموت!
العربي الجديد