عندما أحرق السوريون صور نصر الله
طارق الحميد
رد السوريون سريعا على الدعوات التي أطلقها قبل أيام زعيم حزب الله وطالبهم فيها بضرورة الوقوف مع النظام السوري «المقاوم والممانع»، بحسب قوله، وجاء الرد السوري الشعبي بإحراق صور حسن نصر الله نفسه في جمعة «حماة الديار».
وهذا الرد ليس الأول من نوعه، بل قبله كان الشعار الذي ردده المتظاهرون السوريون ويقول: «لا إيران ولا حزب الله.. بدنا واحد يخاف الله»، وهذا يعني أن قراءة حزب الله، وقياداته، للانتفاضة السورية خاطئة، كما كانت قراءتهم خاطئة لباقي أحداث المنطقة. ونقول خاطئة، وإلا لما خرج نصر الله قبل أيام يدعو السوريين إلى «الحفاظ على بلدهم ونظامهم المقاوم والممانع»، فيخرج السوريون ليحرقوا صوره بعدها بأيام قليلة جدا!
وعليه، فنحن هنا أمام عدة احتمالات؛ فإما أن نصر الله يصدق الرواية الرسمية السورية، وهذا أمر لا يصدق. ولكن إذا كان بالفعل يصدق الرواية الرسمية، فلا عذر له اليوم بعد أن رأى إحراق صوره في سوريا، بل واجبه نصح النظام السوري بأنه من المفروض اليوم تغيير الخطاب الإعلامي الرسمي، والاحتمال الآخر أن نصر الله لا يشاهد إلا قناة «المنار»، وبالتالي فإن على قيادات الحزب أن يقوموا بتغيير القناة عبر الريموت كنترول، مثل المشاهدين العرب الذين غيروا ريموتهم منذ احتلال حزب الله لبيروت. وبالطبع يجب ألا يشاهد قياديو الحزب قناة «العالم» الإيرانية، فذلك يعني أن لا شيء قد تغير، بل يجب مشاهدة محطات محترمة، ولا بد طبعا من قراءة الصحف، حيث تمنحهم العمق، وتساعدهم على التفكير.
هذا ليس تهكما، بل إنه المنطق. فلو تنبه زعيم حزب الله للأخطاء التي ارتكبها بتدخله في الشأن السوري لاتفق مع هذا الكلام. ففي خطابه الأخير أراد نصر الله أن يقول إن حزبه لا يتدخل في سوريا، لكن خطابه بحد ذاته كان تدخلا صارخا في الشأن السوري، ودفاعا فعليا عن النظام ضد الشعب المقموع. ويكفي أن حزب الله وحده في منطقتنا الذي أدان فرض عقوبات على النظام السوري ورموزه، رغم كل ما يحدث للشعب السوري!
والأمر الآخر الذي لم يتنبه إليه نصر الله هو أنه لم يعد هناك قيمة لخطاباته، سواء أنها تحولت لمصدر إدانة للحزب، أو كونها تضره أكثر ما تفيده، وهو أمر يثبت يوما بعد آخر. فقيادات الحزب لم تتنبه بعد إلى أن الحزب بات معزولا اليوم في المنطقة، ومعه إيران الغارقة في انقساماتها. والأدلة على عزلة حزب الله كثيرة حيث لم يستطع الحزب تشكيل حكومته في لبنان إلى اليوم، ومنذ أربعة أشهر، وما زالت تطارده محكمة الراحل رفيق الحريري، وها هم السوريون ينتفضون ضد النظام الحليف له ولإيران، ويحرقون صوره أيضا، وها هي حماس تدخل مرحلة «الاعتدال الإيجابي» بعيدة عن الحزب وإيران وسوريا!
لذا، فمن الواضح اليوم أن حزب الله لم يستطع رؤية كل ذلك، أو هو غير مصدق من هول الصدمة. لكن بعد إحراق صور نصر الله نفسه في سوريا، لم يعد هناك عذر للحزب حيث علق الشعب السوري الجرس لهم، ولآخرين بالطبع.
الشرق الأوشط