عندما تأسرنا الكلمات
منذر خدام
ما إن صدر البيان الختامي لمؤتمر هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الوطني الديمقراطي حتى بادر كثيرون من المعارضة، أو ممن يحسبون عليها، في تلاقي غير مقصود مع مواقف الموالين للنظام في تسفيه ما جاء في البيان. لم يكن ذلك غريبا أو غير متوقع إذا أخذنا بعين الاعتبار واقع المعارضة السورية المؤسف، وحرمان السوريين من أية حياة سياسية طبيعية لعقود من السنين. ليس هناك أسوأ من تبنى السياسة على الهواجس، وأن تتحدد المواقف السياسية استنادا إلى الرغبات، في تغييب مقصود أو غير مقصود لتحليل الواقع وما ينطوي عليه من ممكنات للتغيير أو للهدم ومن ثم البناء، وأي بناء؟!. ومما يزيد من كثافة شبورة الرؤية غياب المفاهيم الضرورية للقبض على الواقع معرفياً.
في هذه المقالة بودي الدخول في حوار مع نماذج من الآراء التي انتقدت البيان الختامي الصادر عن مؤتمر هيئة التنسيق لتبيان مدى وجاهتها فحسب، فالنص ليس مقدساً، وليس كاملا بطبيعة الحال.أمام هذا الواقع المعقد والمتحرك تحت ضغط قوى مختلفة الميول والنزعات والاتجاهات، ما إن تتفاعل معه معرفياً، حتى تجد بعد حين إن كل شيء قد تغير وتجد نفسك مضطراً لتفاعل جديد وهكذا دواليك. من هنا تبرز أهمية تجاوز العوارض الثانوية والقبض على ما هو جوهري وضروري. هذا لا يعني أبداً أن الجوهري والضروري يقبل أي طريقة أو شكل للتعبير عنه، ففي حالات كثيرة يضيع الجوهري والضروري في تلافيف شكل وطريقة التعبير .
لنحدد إذا بداية هذا الجوهري والضروري الذي نتحدث عنه، ثم لنختبر بعد ذلك طريقة التعبير وشكل التعبير عنه. يتفق جميع أطياف المعارضة اليوم بما فيها قوى الحراك الشعبي على أن الجوهري والضروري في واقع سورية اليوم هو الانتقال من واقع الاستبداد إلى فضاء الحرية والديمقراطية،في تعبير واضح عن إرادة الشعب السوري في رفض العيش في ظل الاستبداد، إنه يطمح إلى الحرية والديمقراطية. بكلام آخر ليس بين الاستبداد والديمقراطية من حل وسط ، فإما استمرار الاستبداد، وإما الانتقال إلى الديمقراطية. هذا الجوهري والضروري اليوم هو ذاته منذ أكثر من قرن من الزمن، أي منذ ما اصطلح عليه بعصر النهضة، لكنه لم يسود وعي المعارضة إلا منذ بضع عقود من السنين وبصورة ضبابية، ليكتسب اليوم وضوحا كاملاً.
منذ نحو عشر سنوات كانت المعارضة السورية قبل أن تتوزعها تشكيلات مختلفة تعبر عن هذا الجوهري والضروري بالحديث عن انتقال سلمي آمن ومتدرج من الاستبداد إلى الديمقراطية خلال مدى زمني منظور(خمس أو عشر سنوات)، في قراءة تبين أنها غير دقيقة لواقع النظام وأطروحاته في عهد الرئيس الابن، مما جعلها تسقط رغباتها على واقع تبين أنه لا يتحملها. وعندما علت أصواتها منادية بالإصلاح(انتبه الإصلاح) رد عليها النظام بالقمع وغلق المنتديات التي بدأت تعيد تشكيل الوعي السوري،بما صار يعرف بربيع دمشق.
وحتى لا نبتعد كثيراً لنتفحص أطروحات الانتفاضة الشعبية من خلال الشعارات التي طرحتها وكيف أنها كانت تتغير وتتجذر مع اشتداد زخم الانتفاضة وكذلك مع اشتداد قمع النظام لها. فخلال الأشهر الثلاثة الأولى كانت تركز على شعارات الإصلاح، لتنتقل خلال الشهريين التاليين إلى شعار تغيير النظام، لتركز بعد ذلك على شعار إسقاط النظام ، ومحاكمة الرئيس، بل وإعدامه.وإذا كان تفسيرنا لهذه الشعارات صحيحا، فإنها تعني القبول بشخوص النظام كشركاء في عملية الإصلاح خلال الأشهر الخمسة الأولى من عمر الانتفاضة، لتقطع مع هذه الإمكانية لاحقا تحت ضغط تغول قمع النظام لها، وبعد سقوط ألاف الشهداء، وعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين والجرحى. في البداية كما في النهاية لم يكن أحد يرضى ببقاء النظام الاستبدادي وإنما كانت ثمة اجتهادات مختلفة لكيفية الانتقال منه إلى النظام الديمقراطي، وهذه الإشكالية لا تزال قائمة تثير الخلاف والاختلاف بين قوى المعارضة.
بالتساوق مع ذلك حاولت المعارضة التقليدية في الداخل و الخارج أن تكيف خطابها مع شعارات الحراك الشعبي، في خضوع أثير لما يمكن تسميته بفوبيا الشارع، في تخلي واضح عن واجباتها في إنتاج الرؤى السياسية التي ينبغي أن تملأ شعارات الشارع بالمضمون الملائم. كنت ولا أزال أردد بأن الشارع هو حقل تعبوي، ولذلك من حقه أن يرفع الشعار الذي يريده، غير أن من يملأ هذه الشعارات بالمضمون الملائم هو العقل السياسي والثقافي المعارض، ومكانه ليس في الشارع، بل حيث الهدوء والعصف الفكري. للأسف الشديد لم تستطع المعارضة السورية بكل أطيافها أن تتقدم برؤيتها للمرحلة الانتقالية ما عدى استثناء وحيد ربما هو ما صدر عن حركة معا من أجل سورية حرة وديمقراطية، وكذلك ما عرضته هيئة التنسيق من رؤية غير ناضجة أيضاً. أقول غير ناضجة لأن مؤتمرها ردها إلى مكتبها التنفيذي لإعادة النظر فيها من جديد في ضوء ملاحظات المؤتمرين. هذا يعني ببساطة بقاء مواقف المعارضة عند حدودها المبدئية، في حين حركة المتغيرات في الشارع تتطلب تقديم رؤى وبرامج أكثر تفصيلا.
وبالعودة إلى البيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي الذي انعقد في مزرعة الدريج بالقرب من دمشق والذي عبر فيه المؤتمرون(أكثر من ثلاث مائة شخص) عن مواقفهم المبدئية بدون أن يعترض أو يتحفظ عليه أحد، بودي توضيح النقاط الآتية بصفتي من صاغ البيان بصورته الحالية بتكليف من لجنة الصياغة:
1-حدد البيان في توصيته الأولى موقع هيئة التنسيق من الحراك الشعبي بأن اعتبرت نفسها ” جزءا من الثورة الشعبية وفي قلبها”، دون أن تكون ” وصية عليها ولا تدعي قيادتها”،وكل ما تطمح إليه أن تجسد ” طموحاتها في مشروع سياسي وطني”. ورأت الهيئة أن ” هذه الثورة بما تحمله من مطالب مشروعة هي تعبير عن إرادة الشعب السوري بجميع أطيافه”.
في هذه الفقرة من البيان يتضح حضور الشارع فوبيا في استخدام تعابير غير دقيقة علميا، وبصعوبة يمكن تبريرها سياسياً. مثلا هل حقا ما يجري في الشارع هو ثورة، بما يعني ذلك من وجود برنامج وخطة وقيادة مسبقة، أم هي مجرد تمرد على واقع لم يعد يطاق تطور ليأخذ شكل الانتفاضة. وحتى في صورتها كانتفاضة لم تشمل جميع فئات الشعب لأسباب مختلفة، مع أنها في دلالتها الرمزية هي كذلك حقاً، لذلك أشير في ختام هذه الفقرة إلى ذلك بكل وضوح.
2-في التوصية الثانية حدد المؤتمر رؤيته للهدف النهائي للانتفاضة كما يراه وذلك عندما تحدث عن ” التغيير الوطني الديمقراطي بما يعنيه من إسقاط النظام الاستبدادي الأمني الفاسد..” . بداية لماذا وضعت هذه العبارة بالتحديد وليس تلك المألوفة في أدبيات الهيئة وأدبيات فصائلها كافة والتي تقول بالتغيير الوطني الديمقراطي،والتي تعني بالنتيجة تفكيك النظام الاستبدادي ليشيد مكانه نظام ديمقراطي تعددي. هنا بدت سطوت الكلمات للأسف. الإخوة في التنسيقيات أصروا على ضرورة ورود عبارة إسقاط النظام بدون أية توصيفات. وفي حواري معهم خلال جلسات المؤتمر كنت أطرح عليهم السؤال التالي: ماذا تقصدون بإسقاط النظام؟ أجاب من حاوروني منهم بأنهم يعنون بالضبط إزالة هذا النظام الاستبدادي ليشيد مكانه نظام ديمقراطي بدون أن يشارك في ذلك شخوص النظام. ومع توافقي معهم من حيث المبدأ وهذا لا يتعارض مع مواقف الهيئة إلا من حيث استخدام هذه الكلمة أو تلك في النص. قلت لهم ينبغي أن تدركوا أن إسقاط النظام هو عملية قد تطول في ظروف سورية بعض الشيء ربما تأخذ سنوات، لذلك عليكم أن تحددوا الحدث الذي تبدأ به هذه العملية، وهنا بدأ الارتباك باديا عليهم. في تونس ومصر بدأت العملية الانتقالية بإسقاط رأس النظام وحكومته،في ليبيا أخذت العملية شكل حرب أهلية لعب فيها التدخل الخارجي دورا حاسما، في اليمن يؤسس توازن القوى لاتفاق تفاوضي محتمل،في سورية كيف سوف تبدأ العملية؟ ليس هناك من جواب واضح. وهم معذورون في ذلك، فهذه ليست مهمتهم بل مهمة القوى السياسية والثقافية والفكرية، وهي للأسف لم تقم بذلك بعد. وينبغي عدم استسهال هذه المهمة أبدا فهي على درجة عالية من التعقيد، وأية مغامرة هنا قد تضع مصير سورية الكيان السياسي في خطر شديد. فالأسئلة التي تطرحها هذه المهمة ليست سهلة وأجوبتها ليست جاهزة، وعندما حاولت في مقالة لي بعنوان ” النظام الذي ينبغي إسقاطه” الإجابة عنها واجهت مشكلات عدة، كان منها، بل ربما أهمها، كيف يمكنني التحرر من تأثير الشارع فوبيا، لكي أستخدم بهدوء أدواتي المعرفية لأجيب عنها.( أنظر نص المقالة على صفحتي أو على موقعي على الحوار المتمدن). وعلى كل حال كانت محاولة للاجتهاد قد تصيب وقد تخطئ.
وفي سياق الحوار مع محاوري من الشباب عرضت عليهم النص الذي ورد في التوصية أي ” التغيير الوطني الديمقراطي بما يعنيه من إسقاط النظام الاستبدادي الأمني ” فوافقوا عليها بلا تحفظ. وكانت حجتي في إقناعهم هي أن النص ذاته هو الذي ورد في وثيقة الإتلاف الوطني السوري، التي صارت تعرف بوثيقة الدوحة، والتي شارك في صياغتها ممثلون عن هيئة التنسيق الوطني وعن إعلان دمشق وعن التيارات الدينية، والتي كان يؤمل أن تشكل أرضية لتحالف القوى المعارضة الرئيسية. إضافة إلى ذلك كان يرى المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق من ورود هذه العبارة في بيانه الختامي توجيه رسالة إيجابية للشركاء في إعلان دمشق وفي التيارات الدينية، تفيد بأن هيئة التنسيق جاهزة لتوحيد المعارضة السورية بكل أطيافها لتشكيل تعبير سياسي واسع يستطيع التعبير عن الانتفاضة في الحقل السياسي.
3- التوصية الثالثة لم تثر أية إشكالات لدى المؤتمرين، وإن كانت قد استجرت بعض النقد من قبل بعض كتاب الملاحظات على الفيس بوك، وخصوصا لجهة دعوة الجيش العربي السوري والقوى الأمنية للقيام بمراجعة عميقة لمواقفها. إذ كيف يمكن لجيش يقمع شعبه أن يقوم بمراجعة لمواقفه بحسب هؤلاء، عداك عن قيام الأجهزة الأمنية بهذه المراجعة؟!! المسألة بطبيعة الحال ليست سهلة. بداية كلمة الجيش لا تستثني أحدا من منتسبي القوات المسلحة، وليسوا جميعاً منخرطين في قمع الشعب. وإذا كان بعضهم يشارك في تنفيذ أوامر ضد شعبهم، فلا يلغي الطابع الوطني للجيش السوري، وبالتالي ليس صحيحا أن يتهم الجيش بالخيانة كما نادى بذلك بعض المتظاهرين. العبارة الواردة في التوصية لها حمولة سياسية فقط ، وتعد بحمولتها هذه صحيحة مبدئاً.
بالطبع هناك من المعارضين من ينكر بروز ردود فعل مسلحة من قبل بعض المتظاهرين على عنف قوات النظام الأمنية، بل ولا يسمعون الدعوات إلى التسلح وعسكرة الانتفاضة، وهذا شانهم. ما وجد المؤتمر ضرورة التأكيد عليه وعرضه في هذه التوصية هو التشديد على سلمية الانتفاضة وعدم الانجرار وراء الدعوات إلى التسلح من أية جهة جاءت. بل لأقول بصراحة أكثر إن من يدعون إلى عسكرة الانتفاضة يخدمون عن قصد أو غير قصد النظام، ويساهمون في القضاء على الانتفاضة.
4- بالنسبة للتوصية الرابعة فإن الأساسي من المطالب التي تضمنتها وهي مطالب عامة لجميع قوى المعارضة، وهي بالتالي مطالب لهيئة التنسيق، هو تأمين الظروف المناسبة للتظاهر السلمي لكي يفرز الحراك الشعبي قادته من داخله، بدون ذلك مهما اجتهدت المعارضة التقليدية في نشاطها السياسي فسوف تكون مقصرة. لا يمكن تحديد معالم المرحلة الانتقالية بدقة عداك عن ملامح النظام الديمقراطي المنشود بدون مشاركة فعالة وحاسمة لقوى الحراك الشعبي. على كل حال ينبغي قراءة المطالب التي وردت في هذه التوصية من الحقل السياسي فقط، منه وحده تبدوا صحية، أما إذا قرأت من الحقل الفكري النظري فسوف تبدوا مشوشة.
5- بالنسبة للتوصية الخامسة وجد بعض ناقدي البيان في عبارة ” لا يمكن تجاهل العمل السياسي من حيث المبدأ” نوعا من مغازلة سلطة النظام وهذا غير صحيح. مرة اخرى أقول ثمة من لا يستوقفه ما يحتويه النص من فكرة(قصد)، بل بعض الكلمات منزوع منها وظيفتها في تحديد المعنى المقصود. لست أفهم كيف يمكن لقوى سياسية أياً كانت أن ترفض جوهر ما هو فيها تحديدا لها. الحزب السياسي هو كذلك لأنه يشتغل في السياسة، ثم ما ذا يبقى منه إذا تخلى عن السياسة.
لقد توقف البعض عند عبارة ” مصالحة تاريخية” التي وردت في سياق الحديث عن انطلاق المرحلة الانتقالية، مسبوقة بتوقف الحل الأمني- العسكري.ثم هل يمكن الشروع في بناء الدولة المدنية الديمقراطية ما لم يتوقف الحل الأمني العسكري؟ لست ادري كيف اشتق منها بعض نقاد البيان أن المقصود هو إجراء مصالحة مع النظام الذي يريد المؤتمرون إسقاطه؟!! يحتاج المرء حقيقة إلى قوة مخيال عرفاني من النوع الجامح حتى يقول بذلك، وهذا متوفر لدى بعض “المعارضين” للأسف.
6- بالنسبة للتوصية السادسة لم تثر تعليقات تذكر سواء من قبل المؤتمرين أو من قبل نقاد البيان، مع أنها في إحدى لاءاتها تشكل خلافا حقيقيا يجري الحديث عنه بازدواجية واضحة من قبل بعض أطراف المعارضة، وهو الموقف من التدخل الخارجي. نحن في هيئة التنسيق الوطني لدينا خطاب واحد تجاه هذه اللاءات الثلاث: لا للتدخل العسكري الخارجي، ولا للتجييش والصراع الطائفي، ولا للعنف من أية جهة جاء، وهو خطاب مؤسس على اعتبارات مبدئية.فالتدخل العسكري الخارجي والصراع الطائفي واستخدام العنف ضد المتظاهرين، أو عسكرة الانتفاضة، جميعها تشكل خطرا على الكيان السياسي السوري.
ثمة في المعارضة من يرى أن الحديث عن رفض التدخل العسكري الخارجي بصورة علنية يمكن أن يفيد النظام، ولذلك يفضلون التكتم عليه.نحن في هيئة التنسيق الوطني نرفض ذلك من حيث المبدأ، ولا نقبل أن تحمل مطالب الشعب السوري المشروعة على حوامل أجنبية مهما كانت، علينا أن ندرك جيدا أن الخارج عندما يتدخل عسكريا في شؤون سورية تحت أية ستارة فهو يتدخل من اجل مصالحه فقط. من جهة أخرى لا يمكن تجاهل غباء النظام في استدعاء مثل هذه المواقف من جراء تغوله في قمع المتظاهرين، الأمر الذي دفعهم إلى طلب الحماية الدولية، بل وذهب بعض المعارضين في الخارج إلى حد الطلب من حلف الأطلسي التدخل عسكريا في سورية. اللوم كل اللوم يقع على النظام وليس على احد غيره في هذه المسألة، وإذا استمر في تماديه في خياره الأمني العسكري فيمكن توقع كل شيء من الخارج حتى التدخل العسكري.
7- فيما يخص التوصية السابعة ربط المؤتمر بين تنفيذ المهام التي تضمنتها التوصيات الست السابقة وبين ضرورة توحيد المعارضة السورية، في تعبير عن شعور عال بالمسؤولية. لقد ضغط الشباب بقوة من أجل توحيد المعارضة، وتكليف هيئة التنسيق ومكتبها التنفيذي إنجاز هذه المهمة خلال أسبوعين. بصدد ما ورد في هذه التوصية بالإضافة إلى انه صحيح مبدئيا، وهو من المهام الدائمة التي تعمل على إنجازها هيئة التنسيق مع القوى المعارضة الأخرى، إلا أنها خضعت أيضا لشيء من حماس الشباب فانتزعوا توصية من المؤتمر بهذا الخصوص، وهم لسوا على دراية تامة بالحوارات والمفاوضات التي جرت بين أطراف المعارضة الرئيسية أي هيئة التنسيق وقوى إعلان دمشق والتيارات الدينية.
في حقيقة الأمر لم تكن هيئة التنسيق عقبة أمام توحيد المعارضة ، وأبدت مرونة كبيرة في هذا الخصوص، وكانت الهيئة جاهزة لتوقيع اتفاق الدوحة في الموعد المحدد، غير أن الشركاء الآخرين لم يكونوا جاهزين، بل وكما تبين لاحقا لم يكونوا جادين بإنجاز التحالف، وهذا ما وضحه الدكتور برهان غليون باعتباره طرفا أساسيا في الحوارات التي جرت في الدوحة.
بعد كل ذلك هل يستحق التعليق على ما قاله الأخ عبد الرحمن الخطيب بأن المؤتمر هو ” مؤتمر أزلام النظام”،لأنه لم يضع في بنده الأول ” إسقاط النظام “، أو ما قاله الأخ عماد الصوفي بأن ” مجرد أن يسمح النظام بانعقاده فهذه شبهة”،أو قول عمر بركات” استطاع الطاغية ترويضكم بسنوات السجن الطويل، يا خسارة كنا مفكرين غير هيك”…كما أرجو أن يقتنع السيد حكم البابا بعدم وجود أية “خلطة سحرية”. وأخيرا أرجو أن يدقق الأخ فادي عمران بما أرسله لي من ملاحظات في ضوء ما شرحته أعلاه…
تذكرني تعليقات بعض الإخوة “المعارضين” بما كان يحصل معنا أثناء محاكمتنا أمام محكمة أمن الدولة، فإذا أصدرت حكمها بالسجن على أحد منا كنا نعتبره أمرا طبيعيا، فنحن مسجونون أصلا، أما أن تصدر حكما بإسقاط الدعوى بالتقادم(وليس بالبراءة الذي لا تعرفه محاكم النظام السوري) فهذا يستدعي الشبهة، علما انه يكون قد قضى في السجن نحو خمس عشر عاما، خسر خلالها كل شيء إلا كرامته واستعداده للنضال من جديد. كلمة أخيرة أريد أن أقولها لكل من يعتبر نفسه معارضا، لا تكن جلادا حتى على خصمك السياسي، فكيف على حليفك.