إيلي عبدوصفحات المستقبل

عندما تمتزج الميتافيزيقيا بالتكنولوجيا الحديثة مرافقو «السيد» أقوى منه؟!/ إيلي عبدو

غالباً ما يجذب مرافقو أمين عام حزب الله حسن نصر الله انتباه الكاميرات. وجوههم المتجمهة، عيونهم التي تترصد أي حركة مريبة، استعدادهم الدائم للإنقضاض على عدو مفترض، بزاتهم السوداء التي تشي بالرعب أكثر من الأناقة، يجعلهم محط أنظار العموم وهدفاً مستساغاً لعدسات الإعلام.

السيد المحمي سلفاً بـ»العناية الإلهية»، بحكم موقعه الديني والسياسي، الذي لا يكف عن انتاج الانتصارات، لا يبدي أي اهتمام بمرافقيه. حين يهم بالصعود إلى منصة الكلام، نشعر كأن هؤلاء عبارة عن أشباح أو كائنات وهمية. ما يفتح المجال لواقعة الخطابة أن تكتسب بعداً ميتافيزيقياً، ذاك أن السيد محمي بعناصر غير مرئية، يطغى بشخصيته عليها ولا يعيرها انتباهاً.

الجمهور المستلب بفصاحة الأمين العام، يتواطأ أيضاً، فيزيح انتباهه عن المرافقين ويمنح الخطيب المفوه كل العناية. الأمن عند الحزب لا يشذ عن تفسيراته الدينية المطلقة. يصبح المرافق أقرب إلى الملاك الذي يؤمن حماية الأطفال، على ما تقول أسطورة يومية، تتداولهم الأمهات ليشعرن براحة ضمير حين يهملن أطفالهن قليلاً.

فكرة الأمن تكتسب عقائديتها، لتقفز نحو تفسيرات واسعة، تنفع في سحق العدو المتعدد الأفرع. فيغزو الحزب شوارع بيروت ويرعبها بقمصانه السود، ثم يذهب إلى قتال السوريين دفاعاً عن بشار الأسد. ما يقال في السياسة لتبرير هذه السلوكيات، غالباً ما يدخل في سياق الثرثرة اليومية، التي يتبارى المتخاصمون في لبنان على تزويدها بوقائع دائمة.

«الأمن الإلهي» هو الغاية الأكثر وضوحاً لفهم ارتكابات الحزب. الأمن الذي يُدخل السلاح في رواية دينية مذهبية ويقفل عليه. أحد نواب الحزب صرخ مرة داخل الندوة البرلمانية «سلاح المقاومة أبدي كما موسى وعيسى ومحمد» . المماثلة مع الأنبياء التوحيديين ليست بريئة، تنطوي على دعوة لإحاطة السلاح بحماية إلهية، تنفتح بدورها على سلوكيات ميليشياوية يسهل تبريرها. يصبح المقاتل المدجج بالسلاح أقرب إلى «الكائن الإلهي» الذي يجهل طعم الهزيمة.

كثيرة هي الروايات الأسطورية التي تحكى عن بطولات عناصر الحزب خلال المعارك ضد إسرائيل، أو «الكيان الصهيوني» كما يحلو للحزب أن يسميها. روايات تستمد عناصرها الدرامية من السرديات الدينية، التي تصنع أبطالاً خارقين. تتدخل القوة الخفية لإنقاذهم كلما وقعوا في مأزق أو تهديد.

لكن ما يميز عناصر الحزب أن إلهيتهم المفترضة تمتزج بأدوات الأمن الحديثة، من بنادق آلية سريعة العمل وحقائب رصد وأجهزة لاسلكية. فتتقاطع الميتافيزيقية الخارقة مع التقنية الأداتية، لتنتج أمناً إلهياً صارماً، لا يشذ برهة عن حماية سيده. ما نظنه وهماً أو شبحاً يصبح أقوى من موضوع الحماية المكلف به. إذ يتوارى السيد خلف مرافقيه، لحظة مروره لبلوغ منصة الخطابة. يغرق بين أجسادهم الضخمة، نرى يده فقط تلوح للجمهور العاصف. لحظة وصوله إلى موقعه المرتفع وانطلاقه بالكلام، لا شيء يتغير.

الجمهور المذهول بكلام الأمين العام، لا يعرف أن علّة وجوده ليست سوى المرافقين الذي يحيطون به . كلام السياسة والتهديد والتخوين.. أمور روتينية تتكرر في كل خطاب، إلا أن الثابت الوحيد يبقى المرافقون، الذين يكثفون في وجودهم خليط الأمن والعقيدة، العنصرين البارزين في تكوين حزب الله. السيد والجمهور يكملان الصورة، يمنحانها مزيداً من المعاني والدلالات. في حين أن المرافقين يتكاثرون ويتنقلون بين أدوار ووظائف متعددة . الأرجح أن تفوّق المرافقين على سيدهم، القادم لممارسة الخطابة، في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليس سوى استكمالاً لتفوق الحرسيين الثوريين على وليهم في الجمهورية الإسلامية. النموذج يقلد المثال.

السيد والولي، يحاولان طوال الوقت إقناع الجمهور بقدسية الوظيفة، التي يؤديها المرافقون بإتقان ودقة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى