عندما تنحني فوق بئر/ بيجان ماتور
آثار أقدام
عندما تنحني فوق بئر
وحين لا ماء
ترى فيه وجهك
عليك أن تتراجَعْ.
رغم أن الماء يقتلك
يقتلك لحظة تراه.
احذر البئرَ الناضبة.
جحيم الفكر الجافّ
رطبٌ
وثمة آثار أقدام
كلِّ الذين مضوا من قبلُ.
■
تلال مقفرة
في الرائحة التي ساقها المطر عن التلال المقفرة
أتطلّعُ إلى أمي، وأبي،
عجوزان بعمر التلال هما، وأكثر.
■
نجوم غابرة
ما يُهمَسُ به
للعتمةِ التي توشك على وُلوج
دارِ الموت؛
عليكِ أن تغمضي عينيك.
عليك أن تفكّري بأن ليس ثمة ما يُرى.
عليك أن تؤمني به.
حين من هباء النجوم الغابرةِ تُولَدُ الأنجمُ الجديدةُ،
ينجلي الليل.
■
ذات ربيع
والربيعُ يؤلِّفُ ما بين جثث الأشجار المتناثرة،
ستكون الحكايةُ التي تحكيها الأوراقُ
عن موت صديقي.
■
قبور الصغار
وهكذا متنا.
انسللنا وتنحّينا خارج الظلمة.
رأتنا أشجار الزان
والعظام الصغيرة.
مرَّ علينا الليل والنجومُ مرورَ الكرام.
دُفِنَّا على جانب الطريق.
■
شاهماران
عند دَرَكِ الجبل الكبير
يعيش زاحفُ البازيليسق .
عند درَك الجبل الكبير،
نَهِمٌ هو الموتُ.
■
وحدة
الوحدة، في حضور صوتٍ خشن
من حنجرة راعٍ
تمسك بتلابيبنا في الجبال.
■
أندلسيا
هناك ينتظرُ الزمنُ الصحراءَ.
قعقعة كعابٍ إسبانية ونحيب.
كلّ شيء قد تكسّر.
كلّ شيء يسلِّمُ بما سيكون.
■
الكلمات
تحدثتُ معهم وقد تحلّقْنا حول طاولة
مغطاة بالأسود، عروسٍ تزيّنتْ للموت.
شاعرٌ مرَّ بنا كلصّ. جسدُه سربُ كلمات.
تأمّلتُ الشعراء. كلٌّ يقود ظلاً
كمن يصحب كلبه لقضاء حاجته في الخلاء.
لن تردمَ الكلماتُ آلامَنا الفاغرة.
■
كتلة الجليد
منذ آلاف السنين وأنا أرقد بلا حراك، تحوّلتُ إلى جليد في تلك البحيرة.
أنتَ أيقظتَني.
نهضتُ ووجدتُ نومي في ضبابةِ غابةٍ أتلفها حريق.
مُسَمَّرٌ جسدي إلى الليل.
إلى جلديَ انسرَبَ بياضٌ من الضوءِ البَطينِ في الجليد
وذكّرَني
أنكَ خطرتَ فوق تلك البحيرة
تاركاً آثار الخطى، والجلد.
■
خَلْق
اسمعوا وعُوْا، تنشقُّ الأرضُ عن الجبال.
تَتضاءلُ الأنهرُ التّحتيةُ
إلى دمٍ رخِيٍّ جوفيّ.
ينبجسُ عِرْق أزرق لازورديّ
من الغبار.
ربما ليس سوى الريحِ تُدركُ الأرضَ.
تمَسُّ الريحُ الأشجارَ والإنسانَ ثم تميل إلى السكون.
■
مطر أسود
اغمرني.
دعني أبدِّلْ جلدي،
كما النهار، كما عصافير الصباح.
بينما يتساقط مطر أسود.
■
بئر الحب
قد وقعتَ في بئر حُبٍّ
يحفظ جدارُه
بقايا يدٍ وقلب.
■
عزلة
الحجارة أيضاً تحتاج العزلة.
وأشجار الزيتون،
كذلك دواخلُ البيوت حيث تتوارى الظلال المبهمة.
■
العودة
ستكون العودة إلى الموقد الأبويّ
عودةً إلى الظلام.
ليس سوى الدّم يحتدمُ هناك.
في قلب البيت تماماً…
كلّ شيء سيبقى عالقاً في الذاكرة.
___________________
ميثولوجيا شخصية لشاعرة معاصرة
ولدت بيجان ماتور عام 1968 لأبويين كرديين في إحدى قرى مرعش. بدأت دراستها في قريتها، ثم في غازي عنتاب، وهي المركز الثقافي الأهم في المنطقة. درست الحقوق في جامعة أنقرة لكنها لم تمارس المحاماة أبداً. وخلال دراستها في جامعة أنقرة نشرت قصائدها في عدة دوريات أدبية.
وجد النقادُ أن أسلوبها “قاتم وسوداويّ”. غير أن شعرها “الشامانيّ” وحِسّه الوثني المنتمي إلى الماضي بدلاً من الحاضر، والذي يتحدث عن مسقط رأسها وطبيعة وحياة قريتها، أثار قدراً أكبر من الاهتمام.
نُشر كتابها الأول “رياح تعوِّل في الدُّور” سنة 1996، دون أن يكون هناك ما يربطه بالتيار العام للشعر والشعراء الأتراك، ورغم ذلك حظي الكتاب بأكثر من جائزة. أما كتابها الثاني “ليس للرب أن يدرك رسالة مخطوطي” (1999)، فقد لقي الترحيب الكبير. في كتابها هذا، والكتابين اللاحقين اللذين صدرا في سنة 2002، تابعتْ بيجان ماتور لغتها المتفردة وعالمها التخييلي اللصيق بذاتها وبشعرها على السواء.
ترجم شعرها إلى قرابة عشرين لغة. واعتُبر كتابها الأخير “كيف هجرني إبراهيم” (2008)، أفضلَ كتبها على الإطلاق. في هذا الكتاب، الذي صُنفت تخييليتُه الجديدة على أنها سوداوية للغاية، ابتكرتْ الشاعرة أُنطولوجيتها وميثولوجيتها الشخصيتين المستمَدّتين من التقاليد الصوفية التي توغل في القدم لآلاف السنين.
في أيار/ مايو 2009، نشرت كتاباً مصوراً بعنوان “ديار بكر: بوابة الشرق”. والكتاب حول مدينة ديار بكر، وهي موطن أسلاف الشعبين الكردي والأرمني. كتبت تاريخ المدينة الذي يعود لثلاثة آلاف عام، ضمن نص شاعريّ تتخلله صور يمثل تاريخ المدينة من غابر العصور وحتى يومنا هذا. تعمل في الكتابة الصحفية. وتعنى مقالاتها بالسياسة الكردية واليومية العالمية، والشأن الأرمني، ومشاكل الأقليات، وأدب السجون، وقضايا المرأة.
بيجان ماتور، التي تؤمن أن ليس من تخوم فاصلة بين الشعر والحياة، تجوب العالم مثل بدويّ في صحراء. لكنها تتوقف بين حين وآخر في اسطنبول، المدينة التي تقيم فيها لبعض الوقت.
* ترجمة وتقديم: أحمد م. أحمد
العربي الجديد