عين الإسلام كوباني على وشك السقوط بأيدي مجاهدي دولة الإسلام”. هذا الإعلان لم يصدر عن أبي بكر البغدادي، ولا القائد العسكري لتنظيم “داعش” في سوريا أبو عمر الشيشاني. تولاه جون كانتلي، الصحافي البريطاني المحتجز لديها منذ العام 2012. قدمه من داخل المدينة، لأول مرة منذ بدء القتال فيها. واستهل التنظيم الفيديو الدعائي، بصور جوية إدعى بأن طائرة من دون طيار تابعة له، إلتقطتها، في أوسع حملة دعائية للتنظيم.
لا مجال للشك بالصور، ولا بموقع تصوير المقطع. المسؤولون الأميركيون اعترفوا بصحته، على الرغم من نفيهم مضمون الشريط، بأن “داعش” قارب على السيطرة على المدينة. وتتمثل الدعاية في ثلاثة أوجه: دعاية عسكرية، بدأت من الإعلان عن قدرات التنظيم لجهة تسيير “طائرة مسيرة” في منطقة يفترض أن تكون طائرات التحالف فرضت حظراً جوياً عليها، إضافة الى إبراز الوجه العسكري الآمن لمكان تصوير المقطع. والثاني يتمثل في إطلاق إسم “عين الإسلام” على المدينة، على غرار الأسماء التي يطلقها التنظيم على مدن خضعت لسيطرته، مثل “ولاية الخير” (دير الزور) وغيرها… والثالث يتمثل في استخدام صحافي بريطاني، ما يؤكد أن المقطع موجه للغرب، ويتضمن رسالة بأن الغارات الجوية التي فاقت المئتين على كوباني، لم تمنع التنظيم من التمدد، واقتراب السيطرة على المدينة.
الغرض من الفيديو، تعلن عنه الصور قبل المضمون، بما يمنع أي شكوك حول صحته. “داعش” على منطقة حدودية مع تركيا، وتتقدم الى العمق. ما قاله كانتلي، حول سيطرة التنظيم على الأحياء الشرقية والجنوبية من المدينة، هو موثق في بيانات “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. لكن الخلاف حوله، يقع في كونه “سيطرة كاملة” أم وجوده في “منطقة إشتباك مباشر”. أعلن التنظيم وجوده الفعلي عبر أول تقرير ميداني من داخل المدينة، خلافاً لكل التقارير في وسائل الإعلام العالمية التي تصور من منطقة حدودية في تركيا، وتنقل المعلومات عن ناشطين أو مسؤولين أكراد.
على هذا النحو، يُفسر الإحتفاظ بكانتلي، كذراع دعائي للتنظيم. لم يقطع رأسه، كما حال زميليه جيمس فولي وستيفن سوتلوف، وكذلك رأس موظف اغاثة بريطاني هو ديفيد هينز. المهام الموكلة إليه، كصوت إعلامي رديف للتنظيم، أم متحدث بديل باسمه، من داخل ساحات معاركه، أهم بكثير من خسارته. خرج بتقرير محبوك “لتكذيب التحالف والمسؤولين الأميركيين والمسؤولين الأكراد”. وفيما يحجم قياديو التنظيم عن الإدلاء بتصريحات إعلامية، يعد كانتلي مجبراً، جزءاً من الحملة الإعلامية. تكتسب صورته زخماً إضافياً نظراً للغته الموجهة الى العالم، ولموقعه كمركز يشد انتباه العالم، بعد ظهوره السابق في 18 سبتمبر / أيلول الماضي ببزة برتقالية على شفير الإعدام.
ويأتي فيديو “كانتلي” كجزء من حملة دعائية ينفذها “داعش” في المواقع الإلكترونية، للإيحاء بقرب سيطرته على كوباني. قبل ساعات من نشر الفيديو، نشر مقربون من التنظيم صوراً لمقاتلين لهم في منطقة حدودية مع تركيا، لم يتضح ما إذا كانت داخل الأراضي السورية أم التركية.
وكانتلي (43 عاما) مصور صحافي حر تعاون مع الصنداي تايمز والصنداي تلغراف ووكالة الصحافة الفرنسية وغيرها من وسائل الاعلام، وقد خطف في تشرين الثاني 2012 مع زميله جيمس فولي الذي قطع رأسه لاحقا جهاديو “داعش”.
وبعد اختفاء استمر قرابة عامين، ظهر كانتلي في 18 ايلول مرتديا زيا برتقالي اللون في شريط فيديو بثه تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي اكد انه يحتجزه. ونشرت اشرطة فيديو عديدة تظهر كانتلي يتحدث امام الكاميرا منتقدا الحكومتين الاميركية والبريطانية او الضربات الجوية التي يوجهها التحالف الدولي للتنظيم المتطرف. كما أطلق تنظيم “داعش” شريط فيديو بعنوان “أعيروني سمعكم” يظهر كانتلي، معلناً أنه سيقوم “بتبديد حقائق التلاعب التي يقوم بها الإعلام الغربي في ما يتعلق بالتنظيم، وذلك خلال سلسلة من حلقات مصورة سيبثها التنظيم في وقت قريب”.
وتوفي في لندن والده بول كانتلي في 22 من الشهر الحالي، وذلك بعد اسبوعين من مناشدته التنظيم المتطرف اطلاق سراح ابنه.
مقطع الفيديو هذا، هو الجزء الأخير من سلسلة مقاطع دعائية ينشرها التنظيم تدعى “أصغوا الي” والذي يقدمها كانتلي. وكان كانتلي قد كشف قبل يومين ان التنظيم المتطرف يستخدم تقنية “الايهام بالغرق” لمن يحاول الفرار، وذلك في آخر مقطع فيديو للرهينة البريطاني الذي نشره “داعش” في مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه التقنية متبعة لدى التنظيم منذ فترة، وكانت قد كشفت صحيفة واشنطن بوست الامريكية في آب/غسطس الماضي، أن الصحافي الأمريكي جيمس فولي الذي لقي حتفه في سوريا على يد مسلحي التنظيم كان ضمن أربعة رهائن على الأقل تعرضوا للتعذيب عن طريق الإيهام بالغرق.
المدن
