صفحات الناس

عندما يمسي “الناشط الحقوقي” ظاهرة/ ديما موسى

 

منذ بداية الثورة السورية، التي رافقتها وعلى نطاق واسع، انتهاكات صارخة لكافة حقوق الإنسان، حاول الناشطون ملء الفراغ وتوثيق أكبر كم من هذه الانتهاكات في ظل التغييب الإعلامي وعدم قدرة الجهات الإعلامية والمنظمات الحقوقية على الدخول إلى سورية على وجه العموم والمناطق التي شهدت الحصة الأكبر من الانتهاكات بشكل خاص. في الفترة الأولى أخذ العمل في هذا المجال اتجاهاً إعلامياً لإيصال صورة ما يحدث في الداخل السوري إلى الخارج، وفي بعض الأحيان إلى سوريين في الداخل ممن لا تصلهم أخبار المناطق الساخنة. كان الهدف في هذه المرحلة كشف الجرائم المرتكبة من قبل النظام السوري للتأثير على الرأي العام ولتحريك الشعوب للتضامن مع الشعب السوري وقضيته.

لاحقاً ومع التصعيد الأمني والعسكري من قبل النظام في مواجهة المتظاهرين والناشطين وعلى نطاق واسع في عدة مناطق في كافة أنحاء سورية، بدأ الناشطون بالعمل على ما سموه “توثيق حقوقي للانتهاكات” وبدأ الكثير منهم تعريف أنفسهم بـ”ناشطين حقوقيين”. بينما بعض من أولئك الناشطين كان لديهم الخلفية القانونية أو الحقوقية وعملوا في هذه المجالات قبل اندلاع الثورة، غالبية الناشطين من الذين عملوا في هذا المجال خلال الثورة لم يمتلكوا المؤهلات العلمية أو الخبرة العملية لهذا العمل. وبسبب النقص في الكوادر المؤهلة حاول الناشطون “الحقوقيون” ملء هذا الفراغ والعمل على إعداد تقارير حقوقية مرفقة بتوثيقات وأدلة معظمها لا يرتقي إلى الحد الأدنى من المعايير لتكون مقبولة أمام القضاء لإدانة الجهة المتهمة بالجريمة. هذا كان واضحاً من بعض التقارير، وبالأخص من اللغة والمصطلحات التي تم استخدامها والتي أشارت بشكل واضح أن التقارير قام بإعدادها غير الخبراء. وأحد المشاكل الأخرى التي نتجت عن هذا العمل هو فقدان أدلة هامة أو تجريدها من قيمتها القانونية حيث تصبح غير قابلة للاستخدام أمام القضاء لأن الأشخاص الذين تعاملوا معها لم يملكوا الخبرة الملائمة. المشكلة الأكبر والأهم والتي أظهرت بوضوح الافتقار إلى الخبرة في المجال الحقوقي لدى الناشطين “الحقوقيين” بدت في التعامل مع الشهود، وبالأخص ضحايا الانتهاكات.

على سببل المثال، في مطلع عام 2012 بدأت تنتشر وبشكل موسع ظاهرة اختطاف الفتيات في مدينة حمص كوسيلة للضغط على عوائلهن أو ناشطي المدينة لوقف نشاطهم وعدم الخروج في المظاهرات المناهضة للنظام. في أغلب الحالات وبعد عودة الفتيات إلى عوائلهن، بدأت مجموعات الناشطين التحدث عن تعرضهن للاغتصاب من قبل الجهات التي قامت بخطفهن والتي حسب تقارير الناشطين ونقلاً عن بعض الضحايا كانت من مؤيدي النظام أو من عناصر الأفرع الأمنية التابعة للنظام. عندما بدأت هذه الحالات بالانتشار، سارع الناشطون إلى التكلم عنها والعمل على توثيقها وبالأخص لمعرفتهم بمدى اهتمام المنظمات الدولية والحقوقية في قضايا المرأة وخاصة العنف ضد المرأة. دفع ذلك أولئك الناشطين إلى ارتكاب الكثير من الأخطاء، أهمها محاولة الوصول إلى الضحايا وأخذ شهاداتهن دون امتلاك الخلفية أو الخبرة المناسبة. وبالأخص في قضايا الاغتصاب في المجتمعات المحافظة، هناك كمّ كبير من المشاكل النفسية التي تواجهها الضحية نتيجة العنف الجسدي الذي تعرضت له بالإضافة إلى الضغط الاجتماعي من قبل المجتمع المحيط بها بدءاً من عائلتها والتي في كثير من الأحيان لا تعامل الفتاة كضحية وإنما يحملوها مسؤولية ما حصل مما يضيف على مشاكلها النفسية الناتجة من اختطافها واغتصابها.

في المجال الحقوقي، يتلقى الحقوقيون تدريباً خاصاً لسبل التعامل مع الضحايا حسب الجريمة المرتكبة في حقهم بالإضافة إلى التدريب الحقوقي والقانوني والذي يحتاج إلى أكثر من بضعة أيام في ورشة عمل. وهناك مختصون نفسيون يعملون مع ضحايا التعنيف الجنسي وتختلف طريقة تعاملهم مع الضحية حسب عدة عوامل، مثلاً العمر والجنس وهوية المغتصب وتفاصيل الجريمة التي ارتكبت في حقهم، ويختلف على أساسها أساليب التعامل مع الضحية وحتى مع عائلة الضحية للوصول إلى معلومات وأدلة يمكن استخدامها لإدانة الجهة المتهمة بالجريمة. لم يكن لدى أغلب الناشطين “الحقوقيين” في تلك الفترة، أو حتى لاحقاً، معظم، بل ربما أي من، هذه الخبرات لتؤهلهم للتعامل مع هذه القضايا، ولكن رغم ذلك حاولوا الوصول إلى الضحايا والتكلم معهن لأخذ شهاداتهن. في النهاية أغلبهم لم يستطع ولم يكن لديه القدرة على إقناع أغلب عائلات الضحايا بأهمية هذه الشهادات وأغلقت الأبواب في وجوههم لمجرد ذكر الجريمة. في حالات أخرى حين استطاع الناشطون الوصول إلى بعض الضحايا، كانت النتيجة شهادات لا قيمة قانونية لها وفي أحسن الأحوال حصلوا على شهادات ومعلومات من الممكن أن تستخدم في قصة إعلامية. وبسبب السباق إلى الحدث لم يستعن الناشطون الذين استطاعوا الوصول إلى بعض الضحايا بذوي الخبرة الحقوقية والذين كان يمكن أن يحصلوا على شهادات وتوثيقات يمكن استخدامها أمام القضاء.

بعد أكثر من 4 سنوات منذ انطلاق الثورة السورية وبعد تعدد الجهات التي ترتكب الانتهاكات في حقوق الإنسان وعلى رأسها النظام السوري، يجب على العمل الحقوقي في الشأن السوري أن يرتقي إلى مستوى أكثر مهنية وأن لا يكون مجال آخر يتسابق المختصون وغير المختصون فيه إلى ابتكار مجموعات فرضياً تعمل عليه دون امتلاك الخلفية المناسبة.

(سورية)

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى