عن أرجحية تكسر موجة المد الاسلامي في دمشق؟..
محمد سيد رصاص
في اللقاء اليتيم الذي جمع السفير الأميركي بدمشق روبرت فورد مع بعض من أعضاء قيادة (هيئة التنسيق)،يوم الخميس29أيلول2011،أجابت ديبلوماسية أميركية كانت ترافق السفير عن سؤال عن “سر الإلحاح الأميركي على انضمام الهيئة لمحادثات كانت تجري في اسطنبول لتشكيل تحالف سوري معارض عريض؟” بالجواب التالي:”من أجل انشاء توازن بوجه الاسلاميين”.
عندما تشكل “المجلس الوطني السوري”في يوم الأحد2تشرين أول2011كان ليبراليو”اعلان دمشق”هم الوحيدون المرافقون في ذلك المركب لاسلاميي(جماعة الاخوان المسلمين)،بعدما رفض يساريو(هيئة التنسيق)الانضمام وكذلك تحالف (الأحزاب الكردية)العشرة : خلال أشهر من عمر المجلس ظهر تناءِ غربي أميركي- أوروبي،باستثناء الفرنسيين القريبون من “اعلان دمشق”ومن ليبراليين مستقلين مثل برهان غليون وبسمة قضماني،حيال(المجلس)،فيماكان الدعم والغطاء الدولي يأتي له من ثالوث أنقرة- باريس- الدوحة،وقد كان الأميركان والبريطانيون هم وراء الصيغ الملتبسة التي أعطاها اجتماعا تونس واسطنبول ،في شباط ونيسان ل”مجموعة أصدقاء سوريا”، فيمايتعلق ب (المجلس)،وفي مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية(2-3 تموز) كان روبرت فورد ،الذي استلم إدارة الملف السوري في واشنطن بعد مغادرته دمشق،هو وراء اقتراح تشكيل هيئة قيادية للمعارضة تمثل بالتساوي المكونات الرئيسية تحت اسم”لجنة المتابعة”،وهو ماصوت عليه أغلبية المؤتمرين بالموافقة ثم رفضه (المجلس)،وقد لوحظ في الاجتماع الذي حصل بين وزيرة الخارجية الأميركية ووفد من (المجلس)، في الربيع الماضي،مقدار السلبية الأميركية حياله،وهو ماكان مفاجئاً لكثيرين كانوا يظنون بأن الثالوث التركي- الفرنسي – القطري، الراعي لهذا المكون من المعارضة السورية، يعبر عن سياسة واشنطن،وهي سلبية اشتدت ،بعد حادثة بنغازي التي أدت لمقتل السفير الأميركي بليبيا على يد اسلاميين، حتى وصلت ،كتراكم كمي،إلى مراجعة أميركية شاملة على مايبدو لمسرى “الربيع العربي” الذي من الواضح،في التجارب التونسية والمصرية والليبية واليمنية والسورية،أن الاتجاه الاسلامي هو الأقوى فيها،هذه المراجعة الأميركية التي يبدو أن من يحكمها هو عقدة عند واشنطن من أن كل “تجارب اليوم التالي”للعمليات الأميركية الكبرى،في كابول2001وبغداد2003،كانت فيها عمليات الحصاد معاكسة لماأرادته العاصمة الأميركية لماوضعت البذار.
في عصر يوم الأربعاء31تشرين أول2012بالعاصمة الكرواتية زغرب،كان تصريح وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون حول (المجلس الوطني السوري)يوحي بمقدار تلك المراجعة الأميركية فيمايخص “الربيع العربي”وماأفرزه من مد اسلامي حاولت واشنطن ،منذ تجربة أيام25يناير-11فبراير2011المصرية،الركوب وتسيير أشرعتها عليه في عموم المنطقة العربية،التي شهدت في أعوام 2011-2012موجة ديموقراطية شبيهة بماشهدته أميركا اللاتينية بالثمانينيات و(الكتلة الشرقية السوفياتية)في عام1989،ركبت الولايات المتحدة آنذاك على موجاتها ضد حلفائها العسكريين السابقين في “حديقتها الخلفية”وضد خصوها الشيوعيين حلفاء الكرملين في أوروبة الوسطى والشرقية:هنا،لايمكن في تصريح الوزيرة كلينتون حصر الأبعاد لتقتصر على موقف من فصيل سوري معارض،وإنما يجب مد ذلك لنطاق أن هذا يعبر عن موقف جديد من الاسلاميين،المهيمنون على ذلك الفصيل، بدأت تأخذه واشنطن في خريف عام2012،وهو مايصل بأبعاده إلى رؤية أميركية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط،تعاكس ماأوحته واشنطن، منذ تلك الأسابيع المصرية التي انتهت بسقوط حليفها بالقاهرة،من أنها ستركب موجة تغييرات داخلية عربية يتزعمها الاسلاميون على حساب حلفائها ومناوئيها من الحكام العرب من أجل “إعادة صياغة نفوذها بالمنطقة”بعدما فشلت في ذلك عبر غزو العراق ومن أجل إعادة تحالفها مع الحركة الاسلامية العالمية،بعد طلاق بدأ مع انتهاء الحرب الباردة، لاستخدامه ضد طهران وموسكو وبكين.
في المحصلة ،كان اللعب في الورقة الاسلامية بدمشق،على الأقل من قبل تركية مع تناءِ أميركي غامض ، قد أيقظ الدبابير الروسية- الصينية-الايرانية،وهو ماأنشأ أزمة دولية- اقليمية كبرى،جعلت،مع توازنات محلية سورية تضاف لتلك الدولية والاقليمية الآتية بفعل دعم موسكو وبكين وطهران للسلطة السورية،امكانية تكرار السيناريوهات التونسية والمصرية،وحتى اليمنية،متعذراً ومسدوداً في دمشق،لصالح “تسوية سورية”ستعبر،كمرآة، عن طوابق التوازنات السورية – الاقليمية- الدولية .
شكَل هذا”الإستعصاء السوري” منصة لواشنطن من أجل الاسراع في الوصول إلى تلك المراجعة الأميركية لمسرى ومآلات”الربيع العربي”،وهو مايبدو أميركياً أنه يتجه إلى تباعد جديد عند البيت الأبيض تجاه الاسلاميين،الذين من الواضح في دمشق أنهم لايستطيعون أن يكونوا في موضع راشد الغنوشي ومحمد مرسي ليس فقط لعوامل سورية أوتلك الروسية- الايرانية وإنما أيضاً تلك المتعلقة برؤية واشنطن للمنطقة وكذلك وهو ماتحسبه العاصمة الأميركية فيمايتعلق بتأثيرات وصول الاسلاميين للسلطة في دمشق على تل أبيب ،التي تحسب بأن وجود اسلاميين في السلطة بدمشق ،بالتوازي مع استلامهم لحكم مصر،سيؤدي إلى انهيار الحكم الهاشمي بالأردن كماكاد أن يؤد انضمام دمشق لمركب القاهرة في أعوام1956-1957إلى حافة ذلك ضد الملك حسين مع رئيس الوزراء سليمان النابلسي والجنرال علي أبونوار،هذا إذا لم نتحدث عن ذلك القلق الخليجي المكتوم،وأحياناً المعلن عبر الإمارات،من صعود الموجة الاخوانية وتأثيراتها،التي يبدو أن الدعم الخليجي للسلفيين في مصر،وكذلك في سوريا، يصب في إطار تشكيل حائط صد أمامها،هذا إذا لم نتحدث عن رعاية بعض دول الخليج لانشقاق مجموعة المحامي هيثم المالح في شباط وآذار عن (المجلس)،التي تعبر عن شيء من القلق ليس فقط تجاه نفوذ (الاخوان) السوريين،وإنما تجاه داعميهم في أنقرة،التي لاتريد دول الخليج أن تكبر عبر الممر الدمشقي كما كبرت طهران عبر الممر البغدادي في مرحلة مابعد الغزو الأميركي لبلاد الرافدين،هذا إذا لم نتحدث عن ذلك القلق الخليجي،الذي ظهر عبر التنائي السعودي عن القبول باقتراح الرئيس مرسي لتشكيل لجنة رباعية مصرية- تركية- ايرانية- سعودية لمعالجة الأزمة السورية،من احتمالات تشكل محورمصري – تركي يظلله الاتجاه الاخواني،أوثلاثي يجمعهما مع طهران يظلله الاتجاه الاسلامي،حاوله أرباكان مع طهران في عام1996ثم كرره تلميذه أردوغان في يوم17أيار2010باتفاق شاركت فيه البرازيل حول حل الملف النووي الايراني ورفضته واشنطن،وتوحي تقاربات ايرانية – مصرية متبادلة بعد تولي محمد مرسي للرئاسة بامكانية تحققه، وهو الذي توجد أسس فكرية أيديولوجية لترجمته السياسية منذ ذلك الانجذاب القديم الذي انوجد عند الخميني وخامنئي تجاه حسن البنا وسيد قطب.