عن أصدقاء شعبنا/ أكرم البني
بديهي أن تنتشر اليوم عـــبــارات الاســـــتخفاف والـــــتهـــكم المـــريــرين بمواقـــف من يســـــمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري طرداً مع التفاقم المستمر لمأساة السوريين، ومع تكرار محطات التعاضد بين من يعتبرون أصدقاء النظام وآخرها إسقاط مشروع القرار الفرنسي حول الحرب الدائرة في مدينة حلب.
والحال، فإن أصدقاء النظام لم يترددوا أبداً، في استخدام الفيتو خمس مرات ضد مشاريع قرارات تطالب بتطويق العنف والقصف العشوائيين وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، ولم يوفروا جهداً في تعطيل مختلف المبادرات السياسية لمعالجة احتدام الصراع وتفريغها من محتواها القائم على تغيير السلطة وإرساء مرحلة انتقالية تقوم على أسس ديموقراطية يحدوهم رهان على مزيد من التصعيد العسكري طلباً للحسم، في حين اكتفى أصدقاء الشعب السوري، بعقد مؤتمرات واجتماعات مخيبة للآمال، بدءاً من المؤتمر الأول في تونس عام 2012 حتى الاجتماع الأخير الذي عقد أخيراً في لندن، من دون أن يكلوا من تقديم مشاريع إلى مجلس الأمن للجم التمادي في العنف والتدمير، هي أشبه برفع العتب، ما داموا يعرفون مسبقاً أنها ستصطدم بالفيتو، وما داموا يجاهرون اليوم باحترام القرارات الأممية حتى لو أخلت بدورها البسيط في حفظ أرواح المدنيين وحمايتهم، مع أنهم لم يتوانوا عن التحرر من التزامات المجتمع الدولي حين تعارضت مع مصالحهم وسبل تعزيز نفوذهم في بعض بؤر التوتر العالمي.
لقد قرن أصدقاء النظام أقوالهم بأفعال وكانوا جادين في تقديم كل أسباب الدعم والمساندة، السياسية والعسكرية والمالية، لاستمراره، بينما ترك أصدقاء الشعب السوري صديقهم المنكوب وحيداً في الميدان، يتعرض من أطراف متعددة لمختلف أساليب الفتك والتنكيل، ولا يغير هذه الحقيقة تشديد هجومهم على السياستين الروسية والإيرانية الداعمة النظام، ولا مطالبة هذا الأخير بالرحيل، ولا تشديد العقوبات ضد بعض الشخصيات الحاكمة، ولا التهديدات الخلبية باللجوء إلى الخيار العسكري أو إلى خطط بديلة لا تزال طي الأدراج، بينما الثابت هو المزيد من السخاء في تدبيج عبارات الاستنكار المنددة بالقمع والعنف، ورفع الصوت عالياً، وبمختلف اللغات، للتعبير عن القلق والأسف لما يحصل من ضحايا وخراب وتشريد!
وبينما يقبل أصدقاء النظام السوري به على علاته، يدافعون عنه ويرفضون ما يكال له من اتهامات، ويتناوبون على تغطية كل ما يحصل على أنه مواجهة مشروعة ضد قوى إرهابية تهدد الاستقرار والسلم العالميين، لم يتردد أصدقاء الشعب السوري في نقد المعارضة السياسية جهاراً ونهاراً، وإلقاء اللوم على تفككها وتشتت مواقفها السياسية لتبرير انكفائهم وسلبيتهم، وأحياناً الادعاء بأنها ليست أهلاً للثقة في تشكيل بديل يقود سورية في المرحلة الانتقالية، وحين استجابت غالبية الطيف المعارض لأصدقائها الغربيين وجددت أطرها التنظيمية وووحدت قواها وخطابها، لم تقبض إلا الريح، فكيف الحال حين يمنح الأصدقاء الأولوية لمواجهة خطر صعود قوى إسلاموية تهدد استقرار المنطقة وحقوق الأقليات، ويغفلون حقيقة أن استمرار تلكؤهم وسلبيتهم تجاه تصاعد العنف، كان أحد العناصر التي أضعفت المعارضة السياسية ومكنت التنظيمات الجهادية من النمو واستجرار مختلف أنواع المتطرفين إلى سورية بصفتها الساحة والفرصة التي لا تعوض لوضع برنامجها الإسلاموي موضع التنفيذ، زاد الأمر سوءاً استبعاد المعارضة ذاتها من تشكيل التحالف الدولي المناهض لتنظيم «داعش».
«الصديق وقت الضيق» هو أشهر الأمثال الشعبية التي تؤكد معنى الصداقة وضرورتها في المصاعب والمحن، فهل ثمة معاناة أشد اليوم مما يعانيه الشعب السوري المنكوب كي تتحرك جهود أصدقائه والإرادة الدولية لوقف مشاهد الخراب المروعة ونزيف الدم المستمر؟! وهل من لحظة تلح فيها حاجته للدعم والمساندة أكثر من اللحظة الراهنة؟!
فأية صداقة هذه، حين يستمر هذا الصمت العالمي المريب، شعبياً ورسمياً، تجاه فتك وتنكيل يتعرض لهما الشعب السوري ولا يعرفان حدوداً؟ وأي أصدقاء هؤلاء، الذين يتركون صديقهم يذهب لمصير مرعب ولا يكترثون لما يحصل له من فظائع وأهوال، كأنهم بشعوبهم وحكوماتهم يتفرجون على تصاعد العنف اليومي، من دون أن يتحركوا لمنعه، أو على الأقل للتخفيف منه؟! والأنكى حين يعلنون خطوطاً حمراً ويحذرون النظام وحلفاءه من تجاوزها، ثم يتناسونها بعد حين، لتذهب أدراج الرياح. فماذا جنى السوريون من خطوط أوباما الحمر، إن استخدمت أسلحة محرمة أو تكررت المجازر، ومثلها خطوط أردوغان، إن تجاوز عدد اللاجئين السوريين في تركيا عتبة المئتي ألف، وإن تكررت أحداث مدينة حماة؟
ثم ماذا تعني الصداقة حين تتأفف بعض الحكومات من زيادة أعداد اللاجئين على أراضيها مستسهلة معاملتهم معاملة لا تليق بالبشر، أو حين يغدو المواطن السوري غير مرغوب فيه في مجتمعات «أصدقائه» وتحاصره عيون المواطنين هناك بالشك والارتياب. والمؤسف أن لغة الأرقام تتحدث عن أعداد لا تتجاوز الآلاف المحدودة من اللاجئين، إذا استثنينا ألمانيا، تم قبولهم في أهم دول أصدقاء الشعب السوري، وأقلهم عدداً في الولايات المتحدة الأميركية!
خمس سنوات ونصف من انطلاق الثورة ليست فترة قصيرة لاختبار صدقية من يسمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري وجديتهم، وللتأكد من عجزهم وتقصيرهم عن لعب دورهم الأممي والإنساني البسيط في حماية أرواح المدنيين، خمس سنوات ولا يزال أصدقاء الشعب السوري يحاولون، ربما إقناع أنفسهم قبل إقناع الآخرين، بأنهم على كثرتهم وما يملكونه من نفوذ لا يستطيعون محاصرة منطق القوة والغلبة ومواقف حلفاء النظام وفرض حل ينهي العنف ويكرس المعالجة السياسية!
والحديث ليس دعوة إلى المقارعة والتصعيد، بل تذكير بالواجب الأممي لمحاصرة الصراع وإخماده، وتسخير ما راكمته شدة المحنة السورية من ضغط أخلاقي لعزل المستهترين بالمعايير الإنسانية في معالجة بؤر التوتر، يحدوه رهان بأن لا يفضي خضوع النخب السياسة للمصالح الأنانية والباردة إلى موت الضمائر والدوافع الأخلاقية تجاه مأساة بحجم المأساة السورية!
الحياة