سلامة كيلةصفحات سورية

عن أميركا/ سلامة كيلة

 

كل الحديث بات عن تردد أميركا، أو عن ضعفها، أو عن عجزها عن التدخل، حتى في العراق البلد الذي احتلته، وأرادت صياغته بما يجعله دولةً عاجزةً، ومسيطراً عليها، لتذهب إلى إيران، بعد أن اضطرت إلى الانسحاب منها. في سورية، لم تفعل شيئاً ضد النظام، ولعبت بالمعارضة إلى أن أنهكتها، بوعود التسليح التي تتبخر بسرعة، وبمنع “الأصدقاء” من تسليحها. وأوضحت، أخيراً، عبر رئيسها أنها لا ترى في المعارضة قوةً قادرة على هزيمة الأسد. ربما كانت تريد أن تتدمر سورية أكثر مما أرادت أن تسيطر، ولقد لعبت بما ساعد في ذلك، عبر جهلة، ودول إقليميةٍ تريد ذلك أيضاً.

وفي العراق، تقف مرتبكة أمام التطورات الأخيرة التي ربما توصل إلى سيطرة “المسلحين” على المناطق الغربية والشمالية، وربما يصل الأمر إلى أبعد من ذلك. وإذا كانت تريد إضعاف سيطرة إيران على العراق، فإن ما يجري ربما يتجاوز ذلك إلى خروج العراق من كل سيطرة. وهي لم تفعل سوى إرسال مستشارين وطائرات من دون طيار، وربما لا تستطيع أكثر من ذلك.

ولقد انفجر الوضع في فلسطين، بعد أن حاولت الوصول إلى حلّ، وهي تتهيأ للانسحاب من المنطقة، من دون أن تستطيع ذلك، نتيجة وضوح الموقف الصهيوني الذي لا يريد أي حلّ، بل يريد السيطرة التامة على فلسطين، ويبقي السلطة قوة قمع ضد الشعب. لهذا، أرادت إفشال المصالحة بين فتح وحماس، لكي تضمن استمرار المبرر الذي يجعلها تؤكد سبب فشل المفاوضات.

هل هذه سياسة أميركا لنشر “الفوضى الخلاقة” أم هي نتيجة عجز أميركا؟

ما زال بعضهم يصرّون على استمرار سياسة الفوضى الخلاقة، وعلى مقدرة أميركا على تحقيقها، لكن هؤلاء لم يتنبهوا إلى أزمة أميركا. لهذا، ظل يتعامل معها كما كانت قبل سنوات، من دون أن يلمس ماذا عنت أزمة سنة 2008 التي سُميت أزمة مالية. على الرغم من أن كل المؤشرات التي نشرت، في السنة الأخيرة، تشير إلى “ضعف أميركا”، وإلى “أزمة أميركا”، وإلى انسحابها من المنطقة. وعليه، مازال يعتقد أنها صاحبة “المؤامرة الكبرى” التي تجري في سورية والعراق وفلسطين وكل المنطقة.

هذا الوضع هو نتاج الأزمة العميقة التي تعيشها أميركا التي انفجرت، ولم يعد ممكناً حلها، لهذا أصبح مطلوباً إدارتها فقط. الآن، هناك مؤشرات عديدة على انفجار فقاعة جديدة، وانهيار مالي جديد، حيث أشار بنك التسويات الدولية إلى ذلك قبل أشهر، وأكد حدوث انهيار مالي كبير، هذه السنة، أو السنة المقبلة. وهذا ما أشار إليه بيل غيتس، قبل أيام، حين أكد حدوث انهيار مالي قريب. وأكملت رئيسة الاحتياط الفيدرالي الأميركي، جانيت بلين، الإشارة إلى “فرقعة الفقاعات”.

المشكلة هنا، ومن لا يريد أن يفهم الأمر سوف يبقى يكرر الخطاب الذي حفظه منذ أربعين سنة على الأقل. أميركا تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، ليس من حل لها، وما تفعله محاولة إدارة الأزمة، لكي تظل قوة عالمية، على الرغم من أنها باتت مقتنعة بأنها ليست القوة القادرة على الهيمنة الشاملة. طبعاً هذا يعني أن كل النمط الرأسمالي في أزمة عميقة، لم يعد هناك حلّ لها. وعليه، تراجعت قدرة التأثير العالمية بالضرورة، وباتت السياسة الأميركية مرتبكة ومترددة، حيث لم تعد قادرة على استخدام القوة العسكرية المتفوقة، نتيجة الأزمة هذه، على الرغم من كل تطورها التكنولوجي وتفوقها الكاسح. هذه مسألة لا بد من أن تؤخذ في الحسبان، حين دراسة الأوضاع السياسية.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى