عن «الجهاديين» في سوريا
فايز سارة
يكثر الحديث عن الجهاديين وسلاحهم في سوريا، وهي أحاديث تأتي من جهات مختلفة، ينتظم في عدادها النظام ومعارضوه وكذلك أنصارهما ليس في داخل سوريا فقط، وإنما في الخارج عبر المستويين الإقليمي والدولي، وفي كل الأحوال، يظهر البعض تخوفه من الجهاديين وسلاحهم، خلافا لما يقوم به البعض من تخفيف أثر حضور الجهاديين وسلاحهم وتأثيرهما على الوضع السوري واحتمالاته.
ويقصد بالجهاديين الذين تتم الإشارة إليهم، مجموع المسلحين الوافدين من البلدان العربية والإسلامية مع تركيز خاص على المقبلين من أفغانستان والعراق ولبنان والجزائر وليبيا واليمن، وهي البلدان التي شهدت في العقد الماضي حضورا لتنظيم القاعدة، وتنظيمات شقيقة تماثله في تبني الخط الآيديولوجي والعسكري مثل الجيش الإسلامي في العراق وفتح الإسلام في لبنان. وفي أهم الإشارات التي تناولت مجيء هؤلاء إلى سوريا، قالت لجنة التحقيق الدولية حول سوريا التابعة للأمم المتحدة، إن مئات منهم وفدوا من إحدى عشرة دولة إلى البلاد، وفي الحالات العملية التي تم فيها ضبط بعض هؤلاء، وهم يعبرون من دول الجوار، كانت مجموعاتهم لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وكانت أسلحتهم فردية مؤلفة من بنادق ومسدسات، وقدرت مصادر الأمم المتحدة أن دور هؤلاء الرئيسي يتمثل في تأثيرهم الآيديولوجي على المعارضين المسلحين وخاصة على جنود الجيش السوري الحر.
وإذا كانت المعطيات المحيطة بالجهاديين وسلاحهم، تؤكد على ضعف وهامشية وجودهم، فإن ثمة معطيات سورية أخرى، تؤكد المعنى نفسه، لعل أبرزها حقيقة، عدم توفر بيئة فكرية وسياسية حاضنة للجهاديين وخطهم الآيديولوجي، وهناك دلالات راهنة على ذلك بينها صدور نداءات علنية من أوساط كثيرة بما فيها إسلاميون ومعارضون مسلحون تطلب عدم مجيء هؤلاء إلى سوريا، وضرورة أن يغادر من وصل منهم، ويعود إلى بلاده، وأن تقتصر مساعدتهم إذا رغبوا على الإغاثة. والدلالة الثانية، أن مجموعاتهم القليلة والمحدودة العدد، تعيش حالة من العزلة السياسية والعسكرية والاجتماعية في المناطق التي توجد فيها والمثال الأوضح في ذلك موجود في محافظة درعا.
والأمر الثاني في المعطيات التي تشير إلى ضعف وهامشية حضور وتأثير الجهاديين، هو الاختلاف الواضح بين أهداف الحراك السوري السياسي والعسكري، وأهداف الجهاديين، ذلك أن أهداف الحراك هي إسقاط النظام وتغييره، وإقامة نظام ديمقراطي يوفر الحريات والكرامة والعدالة والمساواة للسوريين، فيما هدف الجهاديين إقامة دولة إسلامية، وهو هدف لا يملك سندا سياسيا وقوة واقعية في بلد فيه تعددية وتنوع حاضران وفاعلان في حياة عامة، تضم مسلمين ومسيحيين وعددا كبيرا من طوائف الديانتين، إضافة إلى تنوع السكان إلى عرب وأكراد وسريان وأرمن وشركس وغيرهم ممن يصعب توطينهم في دولة ذات طابع إسلامي محكومة بالسلاح.
وثمة أمر ثالث يضاف إلى ما سبق، وهو أن السوريين قاوموا فكرة التوجه إلى السلاح في بداية الثورة، ولهذا أسباب متعددة أبرزها إرثهم الصعب الموروث من صراعات السلاح في الثمانينات، وحتى من توجه منهم إلى السلاح، فهو أخذ مساره مضطرا تحت ضغط السياسة الأمنية العسكرية التي اتبعها النظام في تعامله مع الحراك الشعبي، ويستمر في مواصلتها حاليا ضد عشرات المدن والقرى، وفي كل الحالات، التي توقف أو جرى تخفيف عنف السلطة، فإن سكان تلك المناطق بمن فيهم المعارضون المسلحون، انطلقوا للتظاهر المدني مجددا، بمعنى أن خيار العنف والسلاح ليس خيارا أصيلا عندهم كما هو الحال لدى الجهاديين.
والأمر الرابع في معطيات ضعف وهامشية الجهاديين وسلاحهم، أن عددهم محدود في ضوء العدد الإجمالي لعناصر المعارضة المسلحة ومساحات انتشارها الجغرافي. وقد قيل، إن أقل تقديرات حول عدد عناصر المعارضة المسلحة تتجاوز المائة ألف من العسكريين المنشقين إضافة إلى المتطوعين المدنيين، وهم يتوزعون على ثماني محافظات من درعا جنوبا إلى حلب في الشمال ومن اللاذقية في الغرب إلى دير الزور شرقا، مقابل بضع مئات من الجهاديين محصورين في مناطق محدودة.
وتضعنا المعطيات السابقة في تأكيدها هامشية وضعف حضور الجهاديين وسلاحهم في سوريا، أمام سؤال عن معنى التضخيم الإعلامي والسياسي للموضوع، وهو لا شك يتصل بأمرين اثنين؛ أولهما أنه يبرر عجز أو عدم رغبة أطراف معينة ممن يقولون إنهم يعارضون ما يجري في سوريا في اتخاذ مواقف وإجراءات حاسمة في الموضوع السوري، والثاني أنه يعطي النظام في سوريا وحلفاءه مبرر الاستمرار في مواقفهم حيال ثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة.
الشرق الأوسط