عن الحقوق في فيلم وصورة/ منهل السراج
لو أن للمثقف أو السياسي عفوية الشعب الذي ينتمي إليه، ربما جنب شعبه المعاناة، ولم يتوجب على الشعب تسديد أثمان رجاحة العقل في ميزان العالم.. انتماء المثقف اوالسياسي للشعب يجعله بقواعد ميزان العالم، مالكاً لمصير شعب، مضحياً به أو “حافظاً” له، لا توسط ولا تفرد بين الاثنين. يطلب أن نتمعن قليلاً في هذا الميزان، فيما لم يمتلئ إلا بضحايا من الشعب الذي يُعتقد أن المثقف يمثله.
مبادرته مع واقعه، هي إحدى أوليات حقوق الانسان، فإن كان كاتباً، فالفعل هو رأيه المطروح في مقاله، ولكن حين تكون مبادراته المتتالية، محدثة لكوارث، فعليه أن يكف ويعترف باستقبال الواقع، لا أن يتمترس عند إرادته ويصر على أن الواقع لم يحسن الاستقبال. إنما في الوقت نفسه، أن نبادر ونكون مدققين متأنين كافين، فلا أحد، أعتقد، نجح في تهيئة الواقع لحسن فهم الإرادة.
إنما ما يمكن مناقشته، هو مبادرات الآخر وإرادات الآخر.
خلال الأعوام الثلاثة، كانت التجربة كاشفة، و أهم ما يمكن الاعتراف به، بأن ليس كل ما هو واقع عبارة عن إرادات، إنما مبادرات، وبالتالي علينا أن نكف عن تجريم الاخر ومصادرة إرادته، إنما نقاش مبادرته.
صورة لصغيرة سورية في أحد المخيمات. حسب التعليق، إنها رفضت هدية من زائرة للمخيم، وقالت لها، إنها تعرف أنها تقدم لها الهدية كي تتصور معها.
رفض البنت يُفسَر بأنه ثقة جميلة بالنفس، وإيمان عميق بقيمتها ربما كإنسان قبل أن تكون لغرض كونها لاجئة. إنما البكاء يعني، خوفاً وعدم ثقة بالآخر. هذه هي خلاصة المعاناة.
أود أن أبوح بدوري، بصعوبة ومعاناة كتابة كلمة، المخيمات، و كلمة سورية، كذلك معاناة في تبسيط الواقع والتعليق عليه.
رفض كتابة المقال أونشره، رفض للواقع كله. وقد يكون هذا الرفض هو مباردة الكاتب، رفض الايغال في هذا الواقع، إلحاح بشكل ما، لتبديله بواقع آخر، واقع يمكن للإنسان قبوله كي يصفه ويعلق عليه ويتعامل معه. طالما اعتقدت أن الثقافة، خاطرة، وتشبه عفو خاطرة هذه البنت.
حدث ما حدث، ولم يعد يجدي تكرار كلمة ال رفض، إنما يجب صد هذه الأوضاع، لا التصدي لها، يجب أن يقع فعل صد ومنع لمن يريد أن يمعن في هذا الواقع ويتوهم أنه يمارس حريته.
لا تريد البنت، الصورة التي لم تنجد أحداً، ولا تريد لجهة أن تتلقف صورتها، لأن هذا يعني خطر تخاطف الصورة وخطراً، ويعني أن صورتها أكثر قيمة منها. كذلك يعني أنها بصورتها سوف تراكم خبراً جديداً وتالياً يشبه سابقيه ويفعل فعل سابقيه.
كل يوم، نقرأ ونسمع مقتل شباب تحت التعذيب، وكلما قرأنا إعلاناً للخبر، يعني لنا، أن خبراً سوف يليه، شاب آخر توفي تحت التعذيب، كأن معرفة الخبر، تولد خبراً يليه.
كأن ملاحقة الفاعل بالتعريف، تعني تنشيطه وإكثار ضحاياه، هذا هو الواقع السوري منذ عقود. قبل هذه السنوات الثلاث، كان الانتقاد يغني فعل المستبد، والآن متابعة أفعال القتل، ترمم الواقع المبني على القتل.
ماهي الغاية من الاسهاب في شرح طرق التعذيب وعرض صور المعذبين؟
إن لم يستطع السجين وذووه، وهذا منذ عقود، أن يكف هذا الفعل عن نفسه وعن آخرين، ماهو معنى أن تعرض معاناته بتفاصيلها، ومن ثم تصويره ونشر صور لا يتحمل مراقب رؤيتها، إلا أن هذا إمعاناَ في جعله موضوعاً ومادة وغذاء.. وانتهاكه، معتقلاً وغير معتقل، حياً وميتاً، ومصادرة مصيره، واعتداء على خصوصيته وخصوصية ذويه، في حين لم نسمع أن جهة اعتنت بأن ترتب لضحية، حتى مدفناً.
صار معروفاً للصغير والكبير أن الأمر بنتيجته لم يتعلق بهدف تعميم واقع جيد على الجميع، إنما بهدف الاستئثار بفئات من الشعب، وانتهاك حياتهم.
موقع الآوان