صفحات الناس

عن الدروز في سورية –مقالات متنوعة-

درعا والسويداء.. التحالف الضروري لمواجهة “الجار السيّء”/ فادي الداهوك

بدأ تنظيم “الدولة الإسلامية” في المناطق المحاذية لريف السويداء الشرقي مرحلة جديدة من خطّة التوسع التي يسعى إليها باتجاه الجنوب. وإلى الآن، لا تشير التحركات إلى عمل قريب قد يقوم به التنظيم في السويداء، على الرغم من أن حسابات أنصاره على “تويتر” باتت تتحدث بشكل يومي عن المنطقة التي يتعرّفون إليها حديثاً.

يستند الحديث عن نيّة التنظيم مهاجمة السويداء إلى معطيات كثيرة، أبرزها أن منطقة البادية باتت تحت سيطرته بشكل كامل تقريباً، لاسيما حين أنجز السيطرة الكاملة على معبر التنف الحدودي بين سوريا والعراق، وهو موقع متقدّم جداً للتنظيم باتجاه مناطق تمركزه في الشمال الشرقي للسويداء، في مناطق بير قصب، والقصر، وتل أشهيب، وشنوان، ورجم الدولة وتل دكوة، والموقع الأخير هو المكان الأغنى بمقومات الحياة الطبيعية وبعناصر التنظيم والأسلحة.

الهجوم على منطقة مثل السويداء بحاجة إلى قرار مركزي من التنظيم، وتوفر طرق إمداد سريعة. إلى الآن، لا يتوفر شرط الطرق بسبب تحرك قوات التنظيم من البادية إلى الجنوب السوري عبر المجال الصحراوي، كما أن الهجوم على قرية الحقف الدرزية قد لا يكون قراراً مركزياً اتخذه التنظيم، بقدر ما كان قراراً للتجمعات المبايعة له من البدو أو أمراء ذلك القاطع، لكن على جميع الأحوال ينذر هذا التطور بجدّية التنظيم، وقدرته، على فتح طريق له باتجاه السويداء، وصولاً إلى درعا والقنيطرة، وهي مناطق حيوية جداً في الخريطة السورية.

اختيار التنظيم للسويداء كممر باتجاه توسعه في الجنوب مردّه إلى أنّها هدفٌ سهل، فالنظام لا يملك ثقلاً عسكرياً فيها، أو في محيطها، بعد الانهيارات التي شهدتها قواته في المنطقة الجنوبية، وإنما يملك سطوة أمنية، والأخيرة أصبحت مهددة من قبل سكان السويداء أنفسهم، الذين باتوا يمتلكون تشكيلاتهم المحلية المسلحة، وهي أصبحت قادرة على مواجهة تلك السطوة بشراسة، تمكنوا بفعلها من تخليص عدد كبير من المعتقلين الذين كانت تقبض عليهم فروع الأمن من أجل سوقهم إلى الخدمة العسكرية.

تبدو الخيارات محدودة جداً أمام السويداء لمواجهة هذا الخطر، كما أن تحركات سكّانها، مقارنة مع تحركات التنظيم، تبدو بطيئة جداً ويحكمها منطق “دونكيشوتي” يستحضر ماضٍ قديم لا يجاري المعركة وتطورات الزمن، فلا هم المقاتلون الذين كانوا مع سلطان باشا الأطرش أثناء الثورة السورية الكبرى ولا “داعش” عدو واضح مثل الاحتلال الفرنسي. كما أن الانتشار الواسع للدروز في المنطقة، بين الأردن وسوريا وفلسطين ولبنان، لا يعوّل عليه أمام هذا النوع من التهديد لتحسين شرط المواجهة مع التنظيم، فـ”داعش” ليس حركة مسلّحة لها داعمٌ يمدّها بالسلاح يمكن الضغط عليه من خلال علاقات الزعامات الدرزية التقليدية، سياسية أم دينية، من أجل تجنيب السويداء للمعركة. ولهذا، لن يكون أمام دروز السويداء إلا الاندماج مع الثوار في درعا، الذين يُبدون وضوحاً تاماً في عدائهم للتنظيم. وهذه الحقيقة يتنبّه لها “داعش” بصورة لافتة، مع دخوله رسمياً، الثلاثاء، بمعركة في منطقة اللجاة والإعلان عن وجوده في مساحة كبيرة من حزام قرى درعا الشرقية المتاخمة لقرى السويداء الغربية، ما يعني أنّه انتقل الآن إلى مرحلة عزل السويداء عن درعا منعاً لأي مساندة، أو سيناريو تحالف، بين ثوار حوران والسويداء لمواجهته.

بات من الواضح أن التنظيم سيحافظ على حالة من عدم الاستقرار في الجنوب في هذه المرحلة، من خلال بدء تحركات العشائر المبايعة له، وهي عشائر متنقّلة في الولاء، إذ كانت سابقاً على علاقة وثيقة مع النظام في نطاق التجارة والتهريب وعمليات الخطف، وأثبتت التجارب في أرياف حلب وحمص وحماه أن تلك العشائر هي حاضنة قوية للتنظيم، وأصبح التوسع من خلالها سياسة ثابتة عنده، إذ إنها تتقاطع معه في أشياء كثيرة، لاسيما عدم اعتراف الطرفين بمفهوم الدولة والهوية الوطنية.

قوات الجيش الحر في درعا ستقدر على حسم المعركة سريعاً في اللجاة لكن ذلك لن يعني أن المنطقة ستستقر نهائياً. وفي هذه المعركة “جيش اليرموك” التابع للجبهة الجنوبية، هو رأس حربة حالياً، وربما هي فرصة مواتية للتفكير في ملاقاة هذه الخطوة من السويداء، خصوصاً أن للدروز تجربة قريبة مع “جيش اليرموك”، وتحالف “صقور الجنوب” الذي ينضوي جيش اليرموك في صفوفه، عندما قاد معركة السيطرة على بصرى الشام ومنع هجوماً للمتشددين على الجبل، وإذا تحقق ذلك ستكون السويداء ودرعا قد رفضتا جاراً سيّئاً سعى للإقامة بينهما.

المدن

 

 

 

 

السويداء أمام خيار مصيري لم يفت أوانه بعد/ منير الخطيب

تميّز سلوك الدروز في تاريخ سوريا الحديث بغلبة النزعة الاندماجية لديهم، على حساب النزعات الانفصالية التي ظلت نزعات هامشية. هذه الغلبة لنزعتهم الاندماجية تجاه الأكثرية هي التي قبعت في خلفية موقفهم الإيجابي والفاعل من المشاريع الكبرى، التي شهدها التاريخ السوري المعاصر: فشاركوا بفاعلية في الثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وكانوا حاضرين في مشروع الدولة الدستورية في مرحلة ما بعد الاستقلال، ثم، اندفعوا بقوة إلى قلب المشروع القومي الناصري في مرحلة الوحدة السورية–المصرية، حيث كان هوى جبل العرب، آنذاك، هوىً ناصرياً جارفاً.

إن الاستقراء التاريخي لحضور الدروز الوازن في هذه المشاريع الثلاثة، قياساً لوزنهم الهامشي في مرحلة البعث. يؤشر: أولاً، على احتضان الأكثرية السنية لهذا النزوع الاندماجي عندهم، وبالتالي، حرص الأكثرية على حضورهم السياسي في تلك المشاريع الكبرى بتمثيل يفوق كثيراً وزنهم الديموغرافي. فمثلاً، كان تعيين سلطان الأطرش قائداً عاماً للثورة السورية الكبرى قراراً سنياً، فقد أصر الزعماء الدمشقيون وعلى رأسهم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر على هذا التعيين.

ويؤشر ثانياً: إلى فعالية المجال الوطني/القومي في حماية الدروز وغيرهم من الأقليات، فطريق الحماية الوحيد للجميع هو المشاركة في تشكيل فضاء وطني عام، ينفي الصفات الهوياتية في حيز الدولة. لذا، فإن تضّييع أحدى هاتين الثابتتين: النزوع الاندماجي مع الفضاء الأكثروي، ونزوع الانتماء إلى المجال الوطني، يقود إلى التهلكة.

لم يستطع انحياز النخب المنتمية للطائفة الدرزية إلى الثورة السورية، من حجب الموقف الباهت من الثورة لشرائح واسعة من الطائفة الدرزية، ولم يستطع حجب الموقف الركيك والانتهازي لمشايخ العقل والزعامات التقليدية. يشي هذا: بأن الدروز أمام هذا التحول التاريخي الكبير الذي تشهده المنطقة العربية في أمّس الحاجة إلى إعادة تشغيل نزعتهم الاندماجية، التي حاولت السلطة، وما زالت، تسعى إلى تعطيلها في سياق مشروعها التدميري لسوريا، الذي عبّر عنه بكل وضوح وصفاقة شعار “الأسد أو نحرق البلد”.

أمّا وقد تحقق إحراق البلد، يبدو الحديث عن الخيار الوطني السوري ضرباً من “فانتزيا”، لكنه يظل المخرج التاريخي الوحيد لاستعادة الحياة الآدمية، التي تهاوت مقوماتها في البلدان المشرقية على متاريس الطوائف والمذاهب. كما أنه خيار واجب وضروري في مواجهة اللعب غير الأخلاقي من قبل محور المقاومة بمسألة الأقليات، بما في ذلك الأقلية الدرزية، التي يكثر الحديث هذه الأيام عن تواجد لمسلحي “داعش” على حدود مناطقها في محافظة السويداء.

لا شك، أن وجود “داعش” على أطراف محافظة السويداء خطر حقيقي وجدي، لكن الأخطر من ذلك هو الوعي الأيديولوجي الضيق الذي يعمي البصر والبصيرة عن التعامل بعقلانية مع هذا الخطر القادم، وأولى خطوات النظر العقلاني، تتمثل بالكشف عن الأطراف الإقليمية والمحلية، التي تدعم هذا الخطر القادم إلى السويداء، كذلك الكشف عن الجهات الإقليمية والداخلية التي تقف ضده. وعلى ذلك من الضروري توضيح المسائل التالية:

أولاً، أصبح من نافل القول: أن إستراتجية النظام وحلف الممانعة منذ مرحلة الثورة السلمية، ارتكزت على استقدام التنظيمات المتطرفة لتجهض المضمون السلمي الديمقراطي لها، وتخيير العالم بين “داعش” والنظام. وفعلاً أجهض هذان الطرفان المحتوى المدني والسياسي للثورة السورية. وأيضا، من نافل القول: أن النظام وحزب الله لم يخوضا أي معركة جدية مع “داعش”، وأن جميع معارك “داعش” استهدفت معارضة النظام بشقيها المدني والعسكري، وكان واضحاً أن دخول “داعش” إلى الرقة وتدمر أشبه بعملية تسليم وتسلم. يصبح جلياً إزاء هذه الإستراتيجية الواضحة للنظام، أن تهديد “داعش” للسويداء يخدم توجهاته، ويخدم المتاجرة بمسألة الأقليات.

ثانياً، إن استهداف “داعش” للسويداء يحقق للنظام، إضافة للمتاجرة بمسألة الأقليات، جملة من الأهداف الأخرى: أولها، يريحه من أعباء الانتشار الواسع وسط تآكل واهتراء آلته العسكرية، وتصاعد التفكير من قبل حاضنته الطائفية وحلفائه الإقليميين للتركيز على الشريط الممتد من الساحل إلى دمشق عبر حمص والقلمون. وثانيها، إن دخول “داعش” المحتمل عبر الريف الشمالي للسويداء يؤدي إلى الوصول إلى مناطق تواجد القوى المسلحة في الجبهة الجنوبية، والتي باتت تشكل خطراً على دمشق، ما يفتح إمكانية اشتباك “داعش” معها. وثالثها، أن تواجد “داعش” في البادية الشرقية للسويداء يشكل تهديداً جدياً للأردن والسعودية، من خلال إستراتيجيته القائمة على إزالة حدود سايكس- بيكو. فـ”داعش” بهذا التواجد يهدد بإزالة ساق خريطة الأردن الجغرافية، التي وضعها الانكليز لفصل بلاد الشام عن الحجاز. ورابع الأهداف، يحقق “نظرية الفوضى الخلاقة” التي أصبحت فعلياً نظرية محور المقاومة.

ثالثاً، إذن من مصلحة الأردن والسعودية إقليمياً دعم السويداء في مواجهة “داعش”، كما هو مصلحة لأهل حوران وتعبيراتهم السياسية والعسكرية أيضاً. وهذا سيتلاقى، مستقبلاً، مع ما يدور الحديث عنه حالياً حول إنشاء مناطق عازلة، حيث ستكون السويداء ضمن المنطقة العازلة الجنوبية في حال قامت، وبالتالي مصيرها مربوط عضوياً بمصير حوران.

رابعاً، إن انحياز الدروز إلى المشروع الوطني السوري ينسجم مع تاريخهم وتراثهم ومصلحتهم، في مواجهة المشروع الإيراني في المشرق العربي القائم على تفكيك المجتمعات، واقتلاع الطوائف من أنسجتها الوطنية ووضعها في سياق معاد للأكثرية السنية، على حساب منع تشكل دول وطنية في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين.

خامساً، نجح أهل السويداء خلال السنوات الأربع الماضية في تجاوز الأفخاخ التي نصبها النظام للإيقاع بين درعا والسويداء، لكن ذلك لم يعد كافياً، فالمصلحة الوطنية ومصلحة أهل الجبل معاً، تستوجبان إعادة لحم العلاقة مع حوران بكل تعبيراتها، فحوران هي عمق الجبل الاستراتيجي، وليس للجبل غير حوران ومحيطه الطبيعي في دمشق وريفها، ودروز السويداء بحاجة إلى بلورة هذا الخيار التاريخي الذي لم يفت أوانه بعد.

المدن

 

 

 

دولة الدروز/ يوسي ميلمان

جبل الدروز هو جزء من هضبة بركانية في جنوب شرق سوريا، على حافة الصحراء، على بعد نحو 60كم من الحدود مع الاردن وعلى مسافة مشابهة من هضبة الجولان. على مدى نحو 15 سنة ابتداء من 1921، وجدت في هذه المنطقة «دولة الدروز» ـ اقليم حكم ذاتي عمل في اطار الانتداب الفرنسي على سوريا الكبرى. وكان يسمى في البداية «دولة السويداء» (على اسم المدينة الكبيرة في الاقليم)، وبعد ذلك تغير الاسم ليصبح دولة جبل الدروز.

في 1925، بقيادة الزعيم الدرزي سلطان الاطرش (الذي تنصب تماثيل على صورته في القرى الدرزية في هضبة الجولان، وقعت ثورة ضد الحكم الفرنسي، قمعت في غضون سنتين. واستمر الحكم الذاتي حتى 1936، عند الغاء مكانة الاقليم الخاصة، وانقضى حلم الاستقلال الدرزي.

بعد نحو 30 سنة من ذلك تسلى يغئال الون، رجل الجليل وصديق الدروز في البلاد، بفكرة ان تساعد اسرائيل في استئناف استقلالهم. ومن خلال الموساد أجرى اتصالات مع عائلة الاطرش، وحسب شهادة الون زار حتى السويداء. وكانت فكرة الون جزءا من فكر جغرافي ـ استراتيجي ساد القيادة في اسرائيل في الخمسينيات حتى السبعينيات، وحظي بلقب «الحلف الاقليمي». وحسب هذا الفكر، كان على اسرائيل، المحوطة بعالم عربي معاد، ان تبحث عن حلفاء في دول غير عربية في الشرق الاوسط وعلى هوامشه (تركيا، إيران، اثيوبيا) وفي الاقليات الدينية ـ الاثنية مثل الاكراد في العراق، المسيحيين في لبنان والدروز في سوريا. وكانت الموساد مسؤولة عن عقد الاتصالات السرية مع هذه الدول والاقليات.

في حرب الايام الستة ـ التي نحيي اليوم ذكراها الـ 84، بعد أن احتل الجيش الاسرائيلي سيناء، غزة والضفة وقبل أن يتقرر احتلال هضبة الجولان، حاول الون، الذي كان في حينه وزير التعليم وعضو كبير في الكابينت اقناع رئيس الوزراء ليفي اشكول، وزير الدفاع موشيه دايان ووزراء آخرين، رئيس الاركان اسحق رابين وقائد المنطقة الشمالية دافيد اليعيزر، عدم الاكتفاء باحتلال الهضبة.

في المذكرات المسجلة روى الون يقول: «تحدثت عن هذا مع ددو، كنت في غرفته الحربية وتحدثت مع بار ـ ليف وغليلي. يوم آخر، حد اقصى يوم ونصف واذا بنا في جبل الدروز كي نشجع الدروز بان لهم اعترافا قوميا. زرت السويداء عدة مرات وحلمت بالجمهورية الدرزية التي تقع في جنوب سوريا، بما في ذلك الجولان، في حلف عسكري مع اسرائيل. كما بنيت الكثير على الطائفة الدرزية في البلاد، التي كانت منظمة في الجيش الاسرائيلي في أن يشكلوا جسرا بيننا وبين الدروز الاخرين».

اما اقتراحه، لاقامة دولة فاصلة درزية بين الاردن، سوريا واسرائيل، فلم يؤخذ به.

لعله يمكن للمسألة الدرزية أن تطرح مرة اخرى على جدول الاعمال في اسرائيل قريبا، فتجرها إلى التدخل في الحرب الاهلية في سوريا، وذلك على خلفية فقدان الاراضي من جانب نظام الاسد وضعف جيشه في مواجهة منظمات الثوار.

حاليا لا يلوح تغيير في السياسة الاسرائيلية من الحرب او في وضع الحدود في هضبة الجولان. فجبهة النصرة التي تسيطر على الجانب السوري من الهضبة، تواصل الحفاظ على الهدوء في الحدود التي تمتد نحو مئة كيلومتر.كما أنه لم يطرأ تآكل في السياسة او التدخل الذي يعلن عنه المرة تلو الاخرى زعماء اسرائيل في ظل الحرص على حماية المصالح الامنية الحيوية. هذه المصالح، التي يصفها وزير الدفاع موشيه يعلون بانها «خطوط حمراء» تتضمن الرد بالنار على مصادر النيران المقصوده (خلافا لتلك العشوائية) من الاراضي السورية وكذا، حسب منشورات اجنبية، الهجمات على ارساليات السلاح المتطور من سوريا إلى حزب الله في لبنان (ولا سيما الصواريخ الدقيقة) من خلال سلاح الجو. حدث كهذا لا بد يصبح محتملا كلما وجدت عن ذلك معلومات استخبارية دقيقة.

ومع ذلك، رغم السياسة المعقولة والمعتدلة نسبيا لاسرائيل (حتى وان لم تكن اخلاقية على نحو خاص)، والتي تكتفي بالمساعدة الانسانية بالجرحى وبالتوزيع المصادف للغذاء والدواء على اللاجئين السوريين في الاردن، من شأن الحرب الاهلية الوحشية أن تجتذب اسرائيل إلى الدوامة الدموية.

الخطر على مصير الاقلية الدرزية في سوريا آخذ في الاتساع. «وضع اخواننا الدروز في الفترة الاخيرة صعب جدا، سيء، سيء جدا، مقلق للغاية»، قال لي في مقابلة خاصة نائب الوزير ايوب قرا الذي يوجد على حد قوله على اتصال يومي مستمر، مباشر وغير مباشر بزعماء الدروز في سوريا.

على هذه الخلفية، اجتمع أول أمس زعماء الطائفة الدرزية في اسرائيل، الذين يقيمون اتصالا وثيقا بوزير الدفاع والجيش الاسرائيلي، للتشاور والاستعداد للسيناريو الاسوأ. ولم تتخذ في هذا البحث قرارات، ولكن من الواضح أن زعماء الطائفة في اسرائيل سيصعب عليهم الوقوف جانبا بلا فعل امام سفك دماء اخوانهم.

واشار النائب قرا فقال: «حتى وقت اخير مضى لم يتجرأ داعش على الاقتراب من التجمعات الدرزية، ولكن طرأ قبل بضع اسابيع تغيير دراماتيكي».

وحسب تقارير وصلت إلى قرا و إلى جهات في اسرائيل في قنوات معلومات مختلفة، اقترب رجال داعش، بالدبابات والمركبات من طراز «هامر» التي سقطت غنيمة في ايديهم في المعارك ضد الجيش العراقي، إلى مسافة بضع عشرات الكيلومترات من جبل الدروز، وباتوا في الجانب الاخر من المدينة الكبرى في منطقة السويداء. «وصلت الينا تقارير وصور فظيعة عن قطع رؤوس واحراق رجال ونساء دروز حتى الموت ممن علقوا في الخطأ في كمائن رجال داعش او اختطفوا من جانبهم»، يقول قرا.

حتى الحرب كانت الطائفة الدرزية تتجمع في ثلاث مناطق اساسية. واحدة منها في الشمال- في منطقة حلب وفي محافظة ادلب ـ تتعرض لهجوم شديد من جبهة النصرة وجيش الفتح (الذي يجمع ثماني منظمات). في هذه المنطقة توجد 18 قرية كان يسكن فيها نحو 25 الف درزي. ولكن بسبب اشتداد المعارك وضعف الجيش السوري، الذي يجد صعوبة في الدفاع عن حلب وادلب، فر غير قليل من السكان الدروز إلى منطقة الشاطيء حيث تتجمع اغلبية الطائفة العلوية (الطائفة التي تعتبر قريبة من الشيعة) والتي تنتمي عائلة الاسد لها.

منطقة درزية اخرى، لا تزال آمنة نسبيا، هي في سفوح جبل الشيخ السوري حتى القنيطرة. القرية الاكبر في هذه المنطقة هي الخضر. في الماضي سكن في الخضر وفي قرى اخرى نحو 40 الف درزي. اما اليوم فبقي فيها نحو 25 الف والباقي هرب إلى اماكن آمنة في منطقة جبل الدروز. تواجد الجيش السوري هزيل للغاية في جبل الشيخ، وتسيطر في هذه المنطقة جبهة النصرة وميليشيات محلية اقيمت في القرى المختلفة.

قبل بضعة اشهر حاول نصرالله نشر رجاله في المنطقة. وقاد المحاولة سمير قنطار، المخرب الذي نزل إلى الشاطيء في 1979 مع ثلاثة من رفاقه في قارب مطاطي على شاطيء نهاريا بتكليف من جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة ابو العباس. وتحرر قنطار من الحبس المؤبد في صفقة تبادل الاسرى والجثث مع حزب الله في 2008 (صفقة الداد ريقف واودي غولدفاسر.)

تواجد رجال النصرة في منطقة الحدود مع اسرائيل بارز وقوي، وحاليا لا توجد مؤشرات على ان رجال داعش يحاولون الاقتراب من المنطقة. بين النصرة وداعش توجد كراهية شديدة تعبر عن نفسها في المعارك التي يخوضونها فيما بينهم في مناطق مختلفة في سوريا.

ويضيف نائب الوزير قرا يقول: «اعتقد انه نقلت رسائل من

جهات مختلفة من النصرة وداعش بانه محظور لمس الدروز. وقد التقطت الرسائل».

هل اسرائيل هي التي نقلت الرسائل؟

«كل كلمة زائدة مني قد تلحق ضررا ولهذا فإني سأقول ان الرسائل نقلت والتقطت».

حسب منشورات أجنبية يوجد تعاون سري وهاديء بين اسرائيل والنصرة. ومن غير المستبعد ان يكون مثل هذا التعاون اذا كان قائما، يسمح بوجود تفاهمات غير مكتوبة ونقل رسائل، في انه اذا لم يحفظ الهدوء في الجانب الاسرائيلي من هضبة الجولان، واذا كان هناك مس بالدروز في الجانب السوري من الهضبة فستعمل اسرائيل بكل قوتها ضد النصرة او ضد كل تنظيم آخر. ومع ذلك، يستعد جهاز الامن لامكانية لا تبدو حاليا واقعية، في انه عند الازمة الشديدة سيفر المئات ان لم يكن الالاف من الدروز باتجاه الحدود سعيا لاجتيازه نحو اسرائيل. في مثل هذه الحالة سيكون شك كبير في أن تتمكن اسرائيل من الوقوف على الحياد. ولكن مشكلة اكبر وأخطر قد تنشأ على مسافة ابعد من الحدود.

التجمع الثالث والاكبر هو في جبل الدروز ـ نحو مليون درزي. وهم يسكنون في مدينة محافظة السويداء وفي مئات من القرى الصغيرة. «في المرة الاولى منذ اندلاع الحرب الاهلية يتجرأ رجال داعش على الاقتراب من هذه المنطقة»، يكشف النائب قرا النقاب ويضيف: «في الماضي لم يتجرأوا على عمل ذلك. اما الان فهم يتحدثون حتى عن احتلال جبل الدروز. داعش يوجد على مسافة بضع عشرات الكيلومترات وهم لا يطلقون النار ولا يقصفون القرى، ولكنهم اختطفوا دروزا واعدموهم. عقب الوضع الخطير هذا أعلن الزعماء الدروز عن حظر التجول الليلي ودعوا السكان إلى تخزين الغذاء».

وعلى حد قوله، ثارت مؤخرا مشكلة صعبة اخرى. فبسبب الضائقة في القوى البشرية في الجيش السوري المتفكك، طلب النظام تجنيد 27 الف شاب درزي، على حد قوله تملصوا من الخدمة او فروا من الجيش. وقيل للقيادة الدرزية انهم اذا لم يفعلوا ذلك فسيكف الجيش عن حمايتهم.

وشدد نائب الوزير على أن «هذا البلاغ ادخل الدروز في حالة ضغط وخوف أشد. فهم يفهمون بانهم ملزمون بالدفاع عن أنفسهم وبدأوا باقامة ميليشيا، يترأسها دروز خدموا في جيش الاسد برتب ضباط، حتى رتب عالية. وهم يتوقعون المساعدة من كل مصدر ممكن».

من اسرائيل ايضا؟

«لا تسحبني من لساني. أنا في وضع حساس بصفتي نائب وزير ايضا. ولكن واضح اننا، اخوانهم، لن نبقى صامتين اذا تعرضوا لخطر الابادة. وانا اعتزم العمل بكل الوسائل التي تحت تصرفي لان احمي ليس فقط الاقلية الدرزية في سوريا بل وايضا كل الاقليات الاخرى في سوريا وفي العراق ـ اكراد ومسيحيين ـ في مواجهة داعش ومنظمات اخرى للإسلام المتطرف».

بتعبير آخر يمكن التقدير بانه اذا تعرض الدروز في سوريا لخطر وجودي، سيصعب على اسرائيل الوقوف جانبا.

معاريف 5/6/2015

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى