عن السياسة التركية في سورية –مقالات مختارة-
ما الذي بقي من الدور التركي في سوريا؟/ بكر صدقي
كان الرئيس رجب طيب أردوغان يخاطب مؤتمراً حول القدس، عقد الأسبوع الماضي في إسطنبول، حين دفعته الحماسة ليقول: «لقد دخلنا سوريا لإنهاء حكم الدكتاتور بشار الأسد، ولا شيء غير ذلك!». «استغرب» الروس هذا التصريح وطالبوا أنقرة بتوضيحات. فما كان من هذه الأخيرة إلا أن تراجعت عن أقوال رئيسها وقالت إن الهدف هو محاربة الإرهاب.
إنه موقف محزن حقاً أن تصل تركيا أردوغان إلى هذا الحد من الإذعان أمام جارها الروسي المتجبر الذي يعمل بكامل قوته التدميرية على إحراق حلب، حتى لو تعلق الأمر بمناوشات كلامية لا تترتب عليها أفعال. ولكن ما الذي جعل أردوغان يتورط في ذلك التصريح الغريب حقاً، كما قال الروس، في الوقت الذي باتت فيه السياسة السورية لتركيا مقتصرة على عملية درع الفرات المحدودة جغرافياً والمحددة أهدافها؟
من المحتمل أن الاجتماع الذي كان يخطب فيه، وموضوعه القدس، جعل العاطفة تتغلب لديه على برودة السياسة ومتطلباتها الواقعية. يجدر بالذكر أن التيار الإسلامي الأم الذي سينبثق منه لاحقاً حزب العدالة والتنمية، قد حافظ، منذ تأسيسه بقيادة نجم الدين أربكان في أواخر الستينات، على مكانة خاصة للقضية الفلسطينية في خطابه، وفي القلب منها مدينة القدس برمزيتها الإسلامية العالية. من غير المستبعد أن أردوغان قد عبر عن مكنونات قلبه بشأن سوريا في البيئة الحماسية التي فرضها هذا الاجتماع، مدغدغاً في الوقت نفسه عواطف ناخبيه الإسلاميين الذين تعاطفوا مع الثورة السورية منذ بداياتها من منطلق مظلومية الشعب السوري «المسلم» الذي يتعرض لاضطهاد من نظام أقلوي.
غير أن للسياسة الواقعية قولا آخر. فثمة تفاهمات بين أنقرة وموسكو، بعضها أعلن وبعضها ظل طي الكتمان، بشأن المسألة السورية، هي ما سمح لتركيا بزج قواتها في عمق الأراضي السورية، للمرة الأولى منذ بداية الثورة، تحت عنوان «درع الفرات». وكان الهدف التركي المعلن من هذه العملية العسكرية هي محاربة داعش وقوات وحدات حماية الشعب الكردية في الجيب الحدودي الممتد من جرابلس إلى إعزاز، لإنشاء «منطقة خالية من خطر إرهاب داعش» ولقطع الطريق أمام إنشاء كيان كردي متصل على طول الحدود السورية ـ التركية. ويتفق معظم المراقبين، من تركيا وخارجها، أن الهدف الثاني هو الدافع الحقيقي للانخراط العسكري التركي المباشر. وفي الواقع وجهت تركيا أكثر ضرباتها، في إطار درع الفرات، إلى القوات الكردية، وليس قوات داعش، بدليل قصفها المتكرر لمنطقة عفرين التي من المفترض أنها تقع خارج منطقة عمليات «درع الفرات».
أغرى التقدم السريع لقوات الجيش الحر المدعومة من تركيا، في المرحلة الأولى من درع الفرات، القيادة التركية بتوسيع منطقة نفوذها عمقاً حتى مدينة الباب المحتلة من داعش. وقد تحدث الرئيس التركي أكثر من مرة عن نيته بالوصول إلى تلك المدينة الاستراتيجية بموقعها، وخاصةً لجهة أهميتها الحيوية لقطع «الكوريدور الكردي» الذي يعمل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني لإقامته في إطار مشروعه المسمى «فيدرالية روج آفا». لكن الأمريكيين الذين لم يعترضوا على العملية العسكرية التركية في بداياتها، لم يعودوا متحمسين لتوسع تلك العملية جنوباً باتجاه منبج والباب. فهم يدعمون «قوات سوريا الديمقراطية» التي تنافس الأتراك في السيطرة على تلك المنطقة. أما الروس الذين سمحوا لتركيا بدخول جرابلس والمناطق القريبة منها، فمن المحتمل أنهم يراوغون بشأن تقدم العملية التركية جنوباً باتجاه الباب. أي أنهم امتنعوا عن إعلان موقفهم للأتراك وتركوهم يتورطون أكثر من غير أي ضمانات. هذا ما يؤكده قصف طيران النظام موقعا للقوات الخاصة التركية قرب مدينة الباب، وتنصل موسكو من مسؤوليتها عن ذلك القصف، على رغم توقيته المريب الذي حدث في الذكرى السنوية لإسقاط المقاتلات التركية لطائرة السوخوي الروسية.
وقد يكون الفخ الثاني الذي وقع فيه الأتراك، دائماً قرب مدينة الباب، من تدبير غير مباشر للروس أو الأمريكيين، وأعني به أسر داعش لجنديين تركيين ما زال مصيرهما مجهولاً. فقد تحدثت تقارير إعلامية تركية عن انكشاف ظهر القوات الخاصة التركية في تلك المنطقة، بعدما هرب كل مقاتلي الجيش الحر وتركوا الأتراك لمصيرهم. في كل من الحادثتين، قصف طيران النظام وأسر الجنديين التركيين، رسائل موجهة إلى تركيا لوقف تقدمها باتجاه الباب الذي تستميت القوات الكردية للفوز بها قبل الأتراك، كما يسن نظام دمشق الكيماوي أسنانه للسيطرة عليها بعد الانتهاء من حلب الشرقية.
كانت العلاقات بين أنقرة ونظام دمشق في أفضل ما يمكن أن تكون عليه بين بلدين متجاورين، حين اندلعت الثورة السورية. وحاولت الحكومة التركية، في الأشهر الأولى للاحتجاجات الشعبية السلمية، إقناع النظام بإجراء إصلاحات محدودة في النظام السياسي تجنباً لتعمق أزمة النظام أمام الثورة الشعبية. وهناك من يقولون إن أنقرة أرادت من النظام إشراك الإخوان المسلمين في الحكم، الأمر الذي رفضه النظام رفضاً قاطعاً. وهو ما سيكرره الإيرانيون أيضاً، في وقت لاحق، بشأن تطعيم حكومة الأسد بوزارات هامشية تعطى للإخوان، وسيتكرر رفض النظام للاقتراح الإيراني. وهكذا انتهى شهر العسل المديد بين دمشق وأنقرة، لينتقل الأتراك إلى دعم المعارضة السياسية والمسلحة بكل إمكاناتها. وفتحت تركيا حدودها أمام موجات اللاجئين الفارين من جحيم قصف النظام للمدن والبلدات السورية. كانت قراءة القيادة التركية لثورات الربيع العربي، والثورة السورية بصورة خاصة، أنها ستنتهي بسقوط الأنظمة وصعود التيار الإسلامي (الإخواني) إلى الحكم. وهو ما سيعطي زخماً إضافياً لطموحات تركيا الجديدة في توسيع نفوذها جنوباً بعد عقود من الانتظار غير المجدي أمام أبواب أوروبا. في سوريا بالذات التي وضعت فيها تركيا كل ثقلها لمساعدة الثورة على الإطاحة بالنظام، تعقدت الأمور وامتد الصراع طويلاً بسبب خذلان الأمريكيين لحليفهم التركي الذي طالب، مبكراً، بإنشاء منطقة حظر طيران واصطدم بالرفض العنيد لإدارة أوباما. وكذا فيما يتعلق بدعم الثوار بسلاح نوعي. وهكذا وجدت تركيا نفسها وحيدة في مواجهة المشكلة السورية، غير قادرة على التقدم ولا على التراجع. وباتت مسؤولة عن عبء كبير يشكله اللاجئون السوريون على أراضيها، بعددهم الذي بلغ ثلاثة ملايين. ثم كان إسقاط طائرة السوخوي وتداعياتها التي شلت يد تركيا في سوريا.
ما الذي بقي من الطموحات التركية في سوريا، بعد أكثر من خمس سنوات من الانخراط في الصراع؟ بقي فقط موضوعان: منع إقامة كيان كردي على الأراضي السورية، وابتزاز أوروبا باللاجئين السوريين.
٭ كاتب سوري
القدس العربي
تركيا ومعركة الباب/ خورشيد دلي
أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن قوات “درع الفرات” باتت على تخوم مدينة الباب، وأن تحريرها من “داعش” بات مسألة أيام. مضى أكثر من شهر على هذا التصريح وقوات درع الفرات تراوح مكانها، فما الذي جرى، ولماذا تأخرت العملية، وما هي العقبات التي تعترضها؟
عندما انطلقت عملية درع الفرات من جرابلس في 24 أغسطس/ آب الماضي، وضعت تركيا نصب عينها الوصول إلى الباب، ومن ثم منبج، وصولاً إلى التفكير بالرّقة معركة استراتيجية كبرى، وفي حساباتها أن معركة الباب تحقق لها ثلاث فؤائد استراتيجية: قطع الطريق نهائيا أمام إيصال الكانتوتات الكردية ببعضها، فالسيطرة على الباب تعني قطع الطريق بين كوباني (عين العرب) وعفرين بل وتطويق الأخيرة. استكمال ما تقوله تركيا إنه العمق الجغرافي المطلوب لإقامة منطقة أمنية عازلة. الاقتراب من معركة حلب التي يحاول النظام والروس والإيرانيون حسمها عسكريا. لكن، مع وصول القوات المتحالفة معها إلى حدود الباب، بدت تعقيداتٌ كثيرة تواجهها، لا لتعدّد القوات المتصارعة والمتنافسة على دخول المدينة فحسب، بل لأن معركة الباب استراتيجية، ستؤثر على موازين القوى المتصارعة على الساحة السورية، فإلى جانب قوات درع الفرات، هناك قوات “سورية الديمقراطية” المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي تتحفر لدخول المدينة من محورين، كما أن هناك قوات النظام، بدعم من إيران، تستبق القوات الأخرى للوصول إلى المدينة. والأطراف الثلاثة السابقة تتحرّك في الميدان، كما في السياسة، من حسابات متناقضة، ما جعل معركة الباب صعبة الحسم، خصوصاً أن “داعش” سيستميت في الدفاع عنها، نظرا لأهميتها الاستراتيجية والرمزية للتنظيم، إذ تعني خسارة هذه المعركة قطع التواصل بين الرقة وريف حلب الشرقي، وهو ما سيصيب التنظيم بضربة كبرى.
ينظر الكرد ينظر بأهمية بالغة إلى الباب، فبعد دخول الأتراك إلى جرابلس ومارع، وتقدّمهم نحو الباب، باتت الأخيرة الخط الوحيد الممكن للربط بين الكانتوتات الكردية. وعليه، تفوق أهميتها معركة الرقة بالنسبة لهم. ولذلك، تبقى المدينة هدفاً استراتيجيا لهم، إلا أن العقبات التي تعترض مساعيهم كثيرة، فمن جهةٍ، تريد الولايات المتحدة توجيه اللاعب الكردي نحو الرقة، لا الباب. ومن جهة ثانيةٍ، ثمة خوف كردي من أن يؤدي دخولهم المدينة إلى صدام مباشر مع تركيا من دون تغطية جوية أميركية. كذلك، النظام السوري، ومع أنه مشغول بمعركة حلب، إلا أنه ينظر إلى “الباب” معركة كبرى، لا لأنها جزء من السيادة السورية، بل لأنه يرى فيها النقطة التي ينبغي عندها توقف التدخل العسكري التركي، ومن ثم التفرغ لباقي مناطق الشمال السوري، فالوصول إلى الباب سيوقف تقدم قوات درع الفرات، وسيجعله على مقربةٍ من الرقة التي تتوجه الأنظار إلى معركتها ومن يقودها. وعليه، يسعى النظام، بموازاة معركة حلب، التحضير لمعركة الباب، خصوصاً أن قواته لا تبعد سوى 10 كيلومترات عن المدينة، وفي صلب أهدافه الوصول إلى سد الطبقة الاستراتيجي. وفوق هذا كله، ليست إيران التي تسعى إلى فتح ممر استراتيجي بين طهران وشرق سورية عبر تلعفر في شمال العراق بعيدة عن معركة الباب، وقد جاء استهداف الجنود الأتراك رسالةً واضحةً بهذا الخصوص، مع أن أياً من القوى المتصارعة لم يتبنّ عملية استهداف الجنود الأتراك.
في ظل هذه المعادلة الصعبة، والخوف من خلط الأوراق، وتقدم قوات النظام في شرقي حلب، ثمّة أسئلة كثيرة تطرح عن مصير معركة الباب، لعل أهمها، هل ستقف تركيا عند النقطة التي وصلت إليها قوات درع الفرات، أم أنها تنتظر صفقةً ما لاستكمال عمليتها؟ في محاولة للإجابة، ثمّة من يحاول توجبه الأنظار إلى التقارب الجاري على محور موسكو – أنقرة. ويربط هؤلاء بين الموقف التركي المهادن في حلب إرضاءً للروس على أن ينتج هذا الموقف موافقة روسية على دخول تركيا الباب، ويستندون إلى تبرؤ روسيا من مهاجمة الجنود الأتراك، ومحاولة توجيه المسؤولية لإيران، وإن بطريقة غير مباشرة. كما أن بدء مباحثات بين روسيا وقوى سورية معارضة في تركيا، فضلا عن توتر العلاقة التركية – الأميركية مقابلها تحسّنها الكبير مع روسيا، كلها مؤشرات ربما ترجّح التحليلات التي توحي بأن أنقرة تنتظر صفقةً مع روسيا، للتحرّك نحو الباب، لطالما الانتظار يستنزفها ويفقد عمليتها المصداقية وأهدافها
العربي الجديد
تركيا حائرة بين الأطلسي وأوروبا.. وشانغهاي!/ هدى الحسيني
لأكثر من عقد من الزمن، تابع المحللون السياسيون تمنيات تركيا الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى درجة أن كل خطوة اتخذتها أنقرة كان يُنظر إليها من موقع: «هل تساعد أم تؤذي جهود الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟!». لكن في الأسابيع الماضية لمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى أن العالم كله كان على خطأ في التركيز على التوجه التركي نحو أوروبا «مهما كان الثمن»، خصوصًا أنه من الأسهل كثيرًا عليه الانضمام إلى الاتفاقية الأمنية الشرقية إلى جانب روسيا والصين ودول آسيا الوسطى.
الشهر الماضي قال إردوغان لمجموعة من الصحافيين: «تركيا يجب أن تكون مرتاحة، لا أن نقول إن هدفنا هو الاتحاد الأوروبي مهما كان الثمن»، مضيفًا أنه ناقش انضمام بلاده إلى منظمة شانغهاي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأعضاء آخرين من المنظمة الشرقية. وخلص الرئيس التركي إلى القول: «إذا قررت تركيا الانضمام إلى منظمة شانغهاي، فهذا سيتيح لها العمل بسهولة أكثر». «الراحة» المتعلقة بتركيا يمكن ترجمتها بألا تكون ملزمة بالقوانين ومعاهدات الاتحاد الأوروبي، كقوانين مكافحة الإرهاب، وحرية التعبير والحرية الشخصية، والسيطرة على تجارة الأسلحة (من أبرز العقبات في طريق انضمام النظام التركي إلى الاتحاد الأوروبي). ويبدو أنه في الأشهر الأخيرة بدأ إردوغان يتجه وبسرعة نحو طريق «تحرير» تركيا من قيود لوائح الاتحاد الأوروبي. وكان هذا واضحًا بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو (تموز) الماضي، والاعتقالات التي تلت، والقيود على وسائل الإعلام، مع الحرية في التعيينات السياسية. وقد يكون تعيين عدنان تانريفردي مستشارًا رفيع المستوى لإردوغان، هو الأبرز.
تانريفردي علامة أساسية لرياح لتغيير في أنقرة. لديه خلفية عسكرية غنية جدًا، وشبكة كثيفة من العلاقات السياسية، إضافة إلى آيديولوجيا إسلامية قوية. لديه تاريخ طويل مع إردوغان. تعرفا على بعضهما خلال سنوات الأزمات الاجتماعية التي عصفت بتركيا، وأدت لاحقًا إلى انتخابات فاز بها إردوغان. يتكئ تانريفردي على تاريخ عسكري مميز، لكنه طُرِد عام 1997 من القوات التركية الخاصة مع ضباط آخرين، بسبب آرائه الإسلامية الراديكالية.
عام 2012، أنشأ تانريفردي، مع مجموعة من الأمن التركي وقدامى المحاربين الذين يشاركونه توجهه السياسي، الشركة الأمنية «سادات». هدف الشركة «إقامة تعاون دفاعي بين الدول الإسلامية، لمساعدة العالم الإسلامي على تحقيق المكانة التي يستحقها بين الدول العظمى، من خلال تقديم المشورة والتدريب للجيوش وقوات الأمن في تلك الدول». وفي ظل هذا الهدف، اتُّهِمت «سادات» أكثر من مرة بأنها تدعم المسلحين السوريين في تركيا وتدربهم.
من العاملين الآخرين مع «سادات»، حركة «حماس»، التي، ومنذ سنوات، تعتمد على الشركة لتطوير قدراتها العسكرية. وذُكر أخيرًا أن تانريفردي وشركته «سادات»، تعاونا سرًا على إنشاء وحدة كومندوس بحرية تابعة لـ«حماس». وكشف مقربون من الجنرال تانريفردي، لوسائل الإعلام، أن خلية لـ«حماس» من «كتائب عز الدين القسام» اعتُقِلت في مصر، كان من المقرر أن يخضع أفرادها لتدريبات بحرية على أيدي خبراء عسكريين من «سادات» في أحد مرافق الشركة في تركيا. وكانت السلطات المصرية اعتقلت، العام الماضي، أفراد الخلية قبل أن يستقلوا الطائرة في طريقهم إلى تركيا، ولا تزال هذه القضية واحدة من الخلافات الرئيسية بين القاهرة و«حماس».
كرئيس لـ«سادات»، كان تانريفردي ولسنوات عديدة على اتصال سري مع الذراع العسكرية لحركة «حماس». وقال مصدر مطلع على نشاطات تانريفردي إن الجنرال كان يشارك شخصيًا في تطوير القدرات العسكرية للحركة، إنْ كان في التدريب على القتال البحري، أو على التمكن من تقنيات المراقبة المتقدمة. وكشف المصدر أيضًا، أن كون تانريفردي يعرف شخصيًا المسؤولين الرئيسيين في «حماس» بمن في ذلك قادة عسكريون منتدبون إلى مقرها في تركيا، فقد وافق على تدريب رجالها على الأسلحة الجديدة التي تساعدهم في مواجهتهم مع «مصر، وإسرائيل وأيضًا مع منافسيهم في السلطة الفلسطينية».
بسبب سوريا، حولت «حماس» أنشطتها العسكرية إلى تركيا، لأنها أجبرت على التخلي عن ساحات التدريب، ونقل الأسلحة. وعلى هذا النحو، صارت تركيا تمثل استراتيجية عسكرية مهمة لجناح «حماس» العسكري.
الآن وبعدما أصبح تانريفردي، رسميًا، جزءًا من النظام التركي، فمن المرجح أنه و«سادات» مع تدريباتها العسكرية، سيصبحان نافذة «حماس» على تركيا للحصول على مساعدات عسكرية سياسية. والمعروف أن منفذًا لمسؤول أمني رفيع المستوى في تركيا مسألة قيمة للغاية للقيادة العسكرية لـ«حماس»، وهي تسعى جاهدة للحفاظ على هذا المنفذ، لأنه سيكون قوة مضاعفة في استمرار تسليحها.
من ناحية أخرى، هناك الغاز داخل بحر غزة، وهذا ما تتطلع إليه تركيا لنفسها ولتصديره إلى أوروبا.
ومع البيانات السياسية، والتعيينات، والأفعال والأنشطة على الأرض، فإن تركيا إردوغان تؤكد للاتحاد الأوروبي أن لديها خيارات أخرى. ومع احتفاظه بجميع الأوراق على الطاولة، فقد قال الرئيس التركي، الأسبوع الماضي، إنه لم يغلق الباب بعد على الاتحاد الأوروبي، لكن أصبح من الواضح جدًا، أنه يأخذ 80 مليون نسمة في طريق مختلف.
هنا تبرز عضوية تركيا في الحلف الأطلسي. فإردوغان الإسلامي ظهر بقوة بعد فشل مؤسسة سياسية علمانية مهترئة، ونادرًا ما يفوّت الفرصة لإلقاء اللوم في التحديات التي تواجهها تركيا والشرق الأوسط الكبير، على قوى خارجية، ملمحًا بالتحديد إلى جهات غربية يتهمها بأنها تريد شد بلاده إلى الوراء.
الآن وصل إلى سدة الرئاسة الأميركية دونالد ترامب، وأعاد التركيز على المؤسسة الأمنية التي تتخوف من الإسلام الراديكالي. بنظر تركيا فإن إدارة أميركية بهذا التفكير تحتاج إلى الاعتماد على التعاون مع حكومة «إسلامية معتدلة» كحكومة إردوغان. صار معروفًا عن إردوغان رغبته في الحصول على قالب الحلوى وأكله كله. لم ينجح حتى الآن في أي من محاولاته. هو يركز على «حماس» في الوقت الذي يتقبل أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي في أنقرة. إردوغان يهمه التخلص من كل القيود الدولية، إنما في محاولته إدارة ظهره لأوروبا، تظل أنظاره شاخصة إلى التزام الإدارة الأميركية الجديدة بالحلف الأطلسي.
كدولة في الحلف، مع قوات تقاتل في العراق وسوريا والمحافظات الجنوبية – الشرقية، من حق تركيا أن تتساءل عن مدى التزام ترامب، بعدما رأت انكماش إدارة باراك أوباما عن الشرق الأوسط، خصوصًا أن «المرشح» ترامب قال إنه إذا لم يلتزم كل الأعضاء بواجباتهم ودفع 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإنه يشكك في صحة هذا التحالف. وحسب أحدث تقارير الحلف، فإن الملتزمين هم فقط: اليونان، والمملكة المتحدة، وبولندا، وإستونيا.
إنه باب مقلق جديد يُفتح بوجه تركيا. لكن يجب ألا يكون هذا الطلب مفاجئًا من قبل رئيس أدار حملته على أساس «أميركا أولاً».
حتى الآن، يمكن لإردوغان أن يتنفس الصعداء، فهو صد أوروبا، مع استمراره بتهديدها بإطلاق اللاجئين إلى حدودها، وقد يشعر بأن الحصار الذي لحق بتركيا في ظل إدارة أوباما، التي ركزت على حقوق الإنسان وسيادة القانون، سيخف، ربما بنظره وعلى المدى القصير، وسيكون هذا مهمًا جدًا لتركيا في ظل رئاسة ترامب. لكن، إذا كان هدف ترامب «داعش» والإسلام الراديكالي، فهل سينقذ تركيا الانضمام إلى منظمة «شانغهاي»؟! وهل ستقبل روسيا بتسليح وتدريب شركة «سادات» لحركة «حماس»، أم أن تركيا يمكنها أن تتحول من دور المدرب والمسلح إلى دور الوسيط لاحقًا مع «حماس»؟! وحتى تتحقق أهدافه، وهي كثيرة ومتشابكة، سيظل الرئيس إردوغان يختبر باحثًا عن سياسة مستقرة تمكنه من السير عليها!
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”
أردوغان وقع في الفخ/ موناليزا فريحة
في ما عدا التصريح الناري للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي بأن عملية “درع الفرات” ترمي الى إسقاط الرئيس السوري بشار الاسد (تراجع عنه لاحقاً)، لم يعد يُسمع أي كلام عن “إنجازات” العملية العسكرية التركية في شمال سوريا.
منذ الاسابيع الأولى للعملية التي انطلقت في 24 آب الماضي، أكد أردوغان أنها ستصل إلى مدينتي منبج والرقة بعد الباب. والشهر الماضي، قال حرفياً: “لقد اقتربنا من الباب حالياً، وحاصرناها من الغرب أيضاً، وهذا لا يكفي، إذ أننا سنمضي من هناك إلى منبج. لماذا؟ ليس لأننا متشوقون لذلك، بل لأن هناك وحدات كردية”. ومن هناك كرر أنه ينوي التوجه الى الرقة.
لا شيء من هذا حصل، ولا شيء يوحي بأنه قد يحصل في القريب العاجل. ولا يزال “داعش” يسيطر على الباب. أما السبب فيوضح المسؤولون الاتراك أنه مقاومة قوية من “داعش” في المدينة وخطف التنظيم الإرهابي جنديين تركيين.
ليست ذرائع كهذه مقنعة لوقف هجوم بدأته أنقرة بعد أربعين يوماً من محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان، وعلقت عليه آمالاً كبيرة في إظهار تماسك جيشها التي زجت آلافاً من ضباطه وجنوده في السجون، وهدفت من خلاله الى ضمان أمن حدودها وتبديد الشكوك الدولية في نيتها محاربة “داعش”.
مؤشرات كثيرة توحي بأن عوائق أكبر تواجه العملية وتمنع أردوغان من المضي في خطته، في مقدمها القصف الذي تعرضت له قوات تركية على مشارف منبج قبل عشرة أيام تقريباً. ذلك القصف تحديداً اعتبر بمثابة إنذار سوري – روسي لأنقرة، وانطوى ربما على تحذير لها من تسيير طلعات لمقاتلاتها دعماً لفصيل “الجيش السوري الحر” وقواتها في المنطقة.
منذ انطلاق عملية “درع الفرات” كان ثمة اقتناع بضوء أخضر روسي أتاح لأنقرة ارسال قواتها الى منطقة تعد فناء خلفياً لعمليات النظام السوري وداعميه في حلب. حتى أن فرضيات كثيرة تحدثت عن صفقة روسية – تركية لمقايضة منبج بحلب. ولكن مع المكاسب التي حققها النظام في حلب بدعم روسي، صارت الباب على ما يبدو خطاً أحمر، خصوصاً أن المدينة تعتبر بوابة الى حلب، ولم يعد من مصلحة موسكو السماح بدخول قوات من المعارضة السورية تدعمها تركيا اليها.
يبدو أن أردوغان أخطأ مجدداً في حساباته السورية. كان متوقعاً أن تكون الباب ثمناً لصمته المريب عما حصل في حلب، لكنه خسر هذا وتلك. ولا شيء يضمن انه سيتمكن من الاحتفاظ بالمكاسب التي تباهى بأن “درع الفرات” قد حققها.
النهار