صفحات سورية

عن الطائفيّة و- الضابط السنّي الطرطور – ؟!

حمزة رستناوي

ج 1/2
(1)

السلطة السورية تقوم على نظام ولاءات من أهمّها ولاء لشخص الزعيم ” الأسد الأب و الأسد الابن “, و ولاء للأسرة الحاكمة و ولاء طائفي , و لدرجات أقل مناطقي و عشائري , بالإضافة لولاء مصالح اقتصادية تقوم أساسا على الفساد.
(2)
يوجد توزيع غير متوازن و غير متناسب خاصة في المؤسسة الأمنية و العسكرية بين مكونات الشعب السوري من منظور عقائدي فئوي. حيث يشغل الضباط المنتسبون إلى الطائفة العلوية معظم المناصب الحساسة و الوازنة في أجهزة الاستخبارات و الحرس الجمهوري و مفاصل الجيش النظامي.
يمكن في هذا السياق الوقوف على ظاهرة سرايا الدفاع (ميليشيا ذات مكوّن طائفي) بقيادة رفعت الاسد الأخ الشقيق لحافظ , و كذلك التذكير بأسماء الجنرالات الذين لعبوا دورا محوريا في أحداث حرب الأخوين “رفعت و حافظ” 1984 م و تحكّموا في القرار الأمني العسكري في بداية الثمانينات : علي حيدر – شفيق فياض- إبراهيم الصافي- علي دوبا- محمد الخولي- محمد ناصيف..الخ
و قد اعتمد بشار الاسد في قمعه للانتفاضة الشعبية الأخيرة على قادة أمنيين و عسكريين يوالونه و ذي قربة بالأسرة الحاكمة من الفئوية العلوية غالبا.
بالطبع وُجد ضبّاط من الفئويات الأخرى و الفئوية العلوية أيضا تولّوا مناسب قيادية كمصطفى طلاس (وزير الدفاع السابق) و حكمت الشهابي (رئيس الاركان السابق) و داوود راجحة (وزير الدفاع الحالي) و جاسم الفريج ( رئيس الاركان الحالي) ..الخ و لكن من دون صلاحيات و سلطة وازنة على الأرض.
و هذا ليس بالأمر الجديد , فعقب انتصار الضباط البعثيين عن شركائهم الناصرين في انقلاب آذار 1963 ,أمسك بزمام السلطة الفعلية في سوريا ثلاث جنرالات ينتمون للفئوية العلوية (محمد عمران- صلاح جديد- حافظ أسد) جرى بينهم صراع مفتوح على السلطة, انتهى بانتصار حافظ أسد و استلامه زمام الحكم 1970 فيما عرف آنذاك باسم ( الحركة التصحيحية) و في مسار متوازي من الملاحظ أن منصب رئيس الجمهورية تناوب عليه في ذات الفترة الزمنية (1963-1971) ثلاثة رؤساء هم أمين الحافظ – نور الدين الأتاسي – أحمد الخطيب و هؤلاء جميعا ينتمون إلى الفئوية السنّية و لم يكونوا أكثر من زعامات صورية .
(3)
الممارسات الأكثر قسوة تجاه المعارضين السياسيين والمدنيين و القمع الأكثر وحشيّة سواء في مجزرة حماة 1982 أو مجزرة تدمر 1980 وفي أقبية التعذيب أو خلال قمع الانتفاضة الشعبية الأخيرة كانت مختلطة بدوافع ثأر طائفية ضد الفئوية السنّة.
إن الممارسات الوحشية من قبيل : اعتقال الجرحى و تعذيبهم الإجهاض عليهم أو خطف الجثث و التمثيل بها و التفنن السادي بطرق التعذيب و اغتصاب الرجال و النساء , و قنص النساء و الأطفال و حرق الاحياء كلّها ممارسات تم توثيقها منسوبة للسلطة السورية و أجهزتها الرسمية و ميليشاتها شبه الرسمية (الشبّيحة) , هذه الممارسات – من وجهة نظر علم النفس الجنائي – تعكس دوافع تسود في بنى ما قبل الدولة كالبُنى الطائفية العرقية القبلية..الخ. حيث يتجاوز العنف هنا كونه وسيلة لفرض سلطة القانون أو سلطة الدولة .
سأثبت كعيّنات على السلوك الطائفي لمنتسبي الأجهزة الأمنية للنظام السوري شريطي فيديو مع الاعتذار مسبقا للقارئ عن اللغة الشتمائية المستخدمة في محتوى الشريطين و لكن ارتأينا عرضها كما هي لكون حلّ أي مشكلة يقتضي الاعتراف بها دون تجميل أو مجاملة :
الشريط الأول في دير الزور :
يصرّح فيه عناصر في المؤسسة العسكرية / الأمنية الرسمية بالدوافع الطائفية لعملية القتل و التمثيل بجثة معارض مسلّح , حيث نجد شتائم ذات طبيعة عقائديّة طائفية إضافة إلى تأليه بشار الأسد “.
و رابط الشريط هو :
http://www.youtube.com/watch?v=qNz0pj1DUPw
لاحظ قولهم :” بشار الأسد ربكم يا حرصا- بشار الأسد و بس , و علي بن أبي طالب- و الله محيو الطائفة كلها”
الشريط الثاني في حماة:
يطلق فيه أفراد في المؤسسة الأمنية في حماة النار بشكل احتفالي مع شتائم ذات طبيعة طائفية – يعرفها السوريين ضمنا – تُقرن مدينة حماة بالفئوية السنّية و تقرن اللاذقية و الساحل بالفئوية العلوية, و من الملاحظ أن الشتائم تشمل مدينة بأكملها و لا تختصْ بحزب أو جماعة سياسية متمرّدة على السلطة.
و رابط الشريط هو :
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=kT0hAPl2p6E
لاحظ قولهم :” نايكين أخت حماة- نايكين أخت حماة -الله و بشار الأسد- نكنا حماة – كس أخت حماة- شباب اللاذقية ضيعة الجندارية.- حي شباب اللاذقية واحد واحد- شباب الأمن السياسي .”
من الملاحظ أنّ هكذا ممارسات شائعة و متواترة و مستقرّة في الذاكرة الجمعيّة للسوريين و ليست الاستثناء و لم يخضع أيّا من المتورّطين فيها إلى مساءلة قانونيّة , لدرجة أن من يصوّرها و يوثّقها هم المتورّطين أنفسهم دون أدنى إحساس بالخوف من أيّة مساءلة .
(4)
في سوريا لا يرتدي رجال الأمن أي زي خاص بهم , فقط يعرفهم الشعب السوري من المسدس الذي يبرزونه على خصرهم و كذلك غالبا ً من خلال (اللهجة العلوية) و طريقة التحدّث الفوقية مع مواطنيهم السوريين. حيث جرى تسويق لهجة جزء من الشعب السوري كرمز لسلطة القهر و الاستبداد, حتّى أن معظم المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية من فئويات أخرى يستعيرون و يلوّنون كلامهم بمفردات و طريقة نبر اللهجة العلوية في تماهي مع الأقوى , و أذكر هنا قصة عايشها كاتب السطور أثناء سنوات دراسة الطب في حلب , حيث كنّا نجد صعوبة في الحصول على الخبز من الفرن القريب في حي صلاح الدين و كان أحد الزملاء يمتلك موهبة تقليد اللهجات فكان ينتحل صفة رجل أمن للحصول على الخبز بدون الوقوف في الطابور.
فمن الظلم – بحق الفئوية العقائدية العلويّة قبل غيرها – أن تسوّق لهجة أي فئة من السوريين بهذه الطريقة الغير لائقة و أن تقترن في صورتها النمطية بالاستبداد و ممارسة القهر على السوريين.
(5)
في الوعي الاجتماعي الشعبي كما خبره و عايشه كاتب السطور هناك شعور نفسي مسيطر لدى المواطنين من الفئوية السنية بالاضطهاد خاصة في / من قبل: المؤسسات العسكرية و الأمنية و بقية مؤسسات الدولة بدرجات أقل , يُعبَّرْ عنها بعبارة أكثر من شهيرة ضمن هذه الأوساط , حيث يتم وسم الضباط المنتمين للفئوية السنية ” ضابط سنّي طرطور” و كلمة طرطور ذات دلالة تحقيريَّة تعنى بلا قيمة, بينما يتم وسم الضباط المنتمين إلى الفئوية العلوية بأنّهم ضباط ذوي نفوذ و أقوياء, مثلا عندما يحتاج المنتسبون إلى الخدمة الإلزامية في الجيش إلى توصية أو تذكية من نوع ما , أو عندما يقعون بورطة فمن المعتاد أن يتم دفع رشاوى مالية أو بصيغة هدايا لضبّاط – غالباً من الفئوية العلوية – أمن أو ضباط في القصر الجمهوري و يستخدم السكان المحليون في حلب- ادلب- حماة – حمص تعبير:” ضبّاط من مغرّبْ ” كناية على الانتماء الفئوي للطائفة العلوية حيث أن أماكن سكن العلويين تقع إلى الغرب منهم.
و كذلك من الشائع في سلوك الأجهزة الأمنية و في المؤسسة العسكرية تحقير الرموز الدينية و المقدّسات خاصة لهؤلاء المنتمين إلى الفئوية السنّية, حيث أن البذاءة اللغوية و شتم الذات الالهية و النبي محمد و تمجيد و تأليه الأسد سلوك اعتيادي في هذه الأوساط .
و كعيّنة على ما ذكرت سأثبت مقطع فيديو يصوّر منتسبين للمؤسسة العسكرية / الامنية يستهزئون بطقس الصلاة و يدنّسون حرمة أماكن عبادة لمسلمين من الفئوية السنّية في مدينة الرستن , و يستهزؤون بالصلاة و يمكن الاستدلال على الانتماء الفئوي لهم من خلال( اللهجة العلوية) المستخدمة.
و رابط الشريط هو:
http://www.youtube.com/watch?v=tG_wqhX-Eu4
و نفس الملاحظة السابقة حول الشريط المصوّر في مدينة حماة , نلاحظ تضمين الدعاء الساخر شتائم موجّهة إلى أهالي الرستن لاحظ قوله “..ثمّ ننيك أهالي الرستن جميعاً ” و من الصعوبة بمكان تبرير هكذا سلوكيات بكونها تجاوزات من قبل حالات فردية لعدة أسباب:
أوّلاً:تواترها في كامل الجغرافيا السورية و على مدى عام كامل بل و إلى تاريخ سابق للانتفاضة الشعبية.
ثانيا:عدم الاعتذار أو الاعتراف الرسمي بها,وعدم مساءلة المشاركين بها و المسئولين عنهم .
ثالثاً:غياب أي شعور نفسي بالخوف من هكذا سلوك و هاجس المساءلة عنها حيث أنّ الذين يوثّقونها هم المتورطين بها أنفسهم.
و نعود للسياق السابق:
إنّ هذا الشعور النفسي بالاضطهاد و التمييز ضدّ المسلمين من الفئوية السنّية سيلعب دورا هاما في تأجيج الانتفاضة الشعبية الأخيرة ضد السلطة الاستبدادية , و هو يفسر كون جغرافيا و مجتمعات الفئوية السنّية هي الحاضنة الأساس لها .
(6)
في الوعي الاجتماعي الشعبي كما خبره و عايشه كاتب السطور هناك شعور نفسي مسيطر لدى شرائح من الفئوية العلوية بأن السلطة السورية تمثّلهم و أنها “سلطتنا ” بصيغة الملكية , حيث يجري النظر إلى أحداث حماة على أنها انتصار لنا – نحن العلويون- على أنتم “السنّة أو على الأخص الحمويون ” يوجد الكثير من العبارات و الشتائم النابية لتوصيف أحداث ” مجزرة ” حماة ليس بكونها فرض لسلطة الدولة على متمرّدين أو صراع سياسي بل على أنه ذو صراع ذو بعد اجتماعي – عقائدي.و في هذا السياق يجري استخدام كلمة أخوان مسلمين في هذه الأوساط ليس لتوصيف تنظيم سياسي معين له انتشار ضمن الفئوية السنية بل لتوصيف الفئوية السنية على المجمل و الإطلاق , و قريب منه جرى استخدام توصيف “عرعور و عَرْعُوْرَة” لتوصيف كل معارض للسلطة و لو كان غير متدين أو علماني.
(7)
في مجريات “الثورة السورية 2011″ يحظى النظام الاستبدادي بتأييد كبير ضمن الفئوية العلوية مقارنة بباقي الفئويات عداك عن الفئوية السنية.
فوفق دراسة أعدّها مركز الشام للدراسات الديمقراطية و حقوق الإنسان داخل سوريا بعنوان” الاستقطاب الطائفي في سوريا:توزيع الطوائف حسب دعمها للثورة أو النظام” موقع كلنا شركاء” و شملت الشريحة كل المحافظات السورية و في الفترة مابين الأول من تموز حتى 25 تموز لعام 2011 أي قبل اشتداد حملة القمع الدامي بعد رمضان
كانت نسبة المؤيدين للنظام 84% في الطائفة العلوية مقابل 10% في الطائفة السنّية , و هذا التأييد معروف لكل من يعيش في الداخل السوري فكلمة الأحياء و القرى الموالية للسلطة هي تسمية مرادفة للأحياء ذات الغالبية العلوية. و الأحياء والقرى المعارضة هي تسمية مرادفة للأحياء ذات الغالبية السنّية في المناطق الساخنة , و يحضرني هنا هاجس غير مريح و غير مطمأن فوفقاً للخبرة الشخصية لكاتب هذه السطور لم أجد في الوسط الاجتماعي الذي أعيش فيه للأسف أي فرد من الفئوية العلوية – حتّى ضمن غير السوريين من الأتراك – غير مؤيّد النظام السوري أو حتّى يتعاطف مع ضحايا النظام الاستبدادي السوري الجاري الآن أو السابق في الثمانينات , و يتراوح موقفهم بين الانكار أو التبرير بكون الضحايا مجرّد إرهابيين ؟! و طبعا النسبة تختلف مع شريحة الذين أتواصل معهم في الفيسبوك و الفضاء الافتراضي كون معظمهم من المثقّفين و ممتهني العمل في الشأن العام , أيّا كان فمن الخطأ التعميم و النظر إلى البشر على أنّهم جزء من طائفة فقط , و إنّ نسبة التأييد الكبيرة هذه هي صيرورة متحرّكة مع الزمن قابلة للتحوّل.
بالتأكيد يوجد العديد من التفسيرات الموضوعية لزيادة نسبة التأييد – ضمن الفئوية العلوية – للسلطة الاستبدادية منها :
المحافظة على امتيازات و مكاسب سلطويّة .. أو ما يظّنه البعض كذلك – مخاوف تتعلّق بالانتقام منهم من قبل أفراد أو جماعات سنّية متطرفة – الثقافة المنغلقة و استحضار التاريخ بشكل سلبي – ضعف الثقافة الديمقراطية – قمع السلطة السورية لأي حراك وطني معارض ضمنها و افتعال الفتنة الطائفية – كرد فعل على خطاب طائفي عند الفئوية السنّة أيضا – أخطاء و تجاوزات قام بها أفراد من الفئوية السنّية ..الخ.
و لكن تبقى هذه تفسيرات للموقف و ليست تبريرات , فلا يوجد مبرّر أو عذر مخفّف لأي فرد أن يكون نصير سلطة ظالمة و مستبدّة و فاسدة.
قد يكون من المنطقي بل و المطلوب الاعتراض على الظواهر السلبية التي شابت الانتفاضة الشعبية و تقويم المعارضة السياسية للسلطة السوريّة , و قد يجد المرء نفسه في موقف غائم أو حتى سلبي تجاه الانتفاضة و المعارضة , و لكن ليس في موقف مؤيّد لسلطة استبداديّة فاسدة أو محرّض على قتل أبناء وطنه من السوريين!
بالتأكيد التعميم موقف خاطئ و الاصل هو المسؤولية الفردية للأفراد , و لكن السياق هنا هو رصد تأثير البعد العقائدي للكينونة الاجتماعي في الموقف السياسي ,
ففي المشهد السوري يحظى الانتماء الفئوي العقائدي للأفراد و الجماعات بتأثير كبير على الموقف السياسي تجاه ما يحدث , و هذا لا يخصّ الفئوية العلوية وحدها بل هو موجود عند الفئوية السنّية و غيرها من الفئويات العقائدية.
و أي انكار لهذا التأثير تحت مُسمّيات الوطنية السوريّة أو الوحدة الوطنيّة أو القومية العربية و الانسانية ..الخ يتحوّى مصالح إخفاء و هو مناف للبرهان و الحقيقة و الواقع , باختصار يوجد مشكلة كبيرة يجب الاعتراف بها و معالجتها.
*ملاحظة : ما عرضتّه أعلاه كان وجهة نظر تدّعي الموضوعية و لكن مختلطة بهواجس و خبرة شخصيّة , لذلك هي مقال و ليس دراسة .

ج 2/2

(8)

يجري تبرير العنف الوحشي للسلطة السوريّة تجاه المتظاهرين و المعارضين بأنه اقتصاص و ثأر من مظالم تاريخية تعرضت لها الفئوية العلوية , و هنا ينبغي الاعتراف بوجود اضطهاد على أساس عقائدي تعرض له العلويون طيلة قرون و حتى منتصف القرن العشرين و صعود التيار القومي الاشتراكي, اضطهاد مختلط عقائدي اقتصادي اجتماعي حيث أن العلويون من سكان الأرياف الفقيرة على العموم , و ينطبق عليهم ما ينطبق على الفلاحين من سكان الريف آنذاك.

و سأسوق هنا رواية للسياسي السوري فائق المير إبان فترة اعتقاله في أحد الفروع الأمنية – فرع المنطقة في دمشق ” في هذا المكان ومن أمام باب زنزانتي، وحيث يتكوم ما يزيد عن الخمسين آدمي بينهم أخي وقف رئيس قسم التحقيق في الفرع آنذاك وأحد أشرس جلاديه ليقول وبالفم الملآن لسجين يطلب العلاج لأسنانه التي تحطمت بفعل التعذيب: “حين كنتم تحكموننا كنّا نخلع أضراسنا بالكماشة وأنتم تذهبون إلى الطبيب؟!، الآن نحن نحكمكم أنتم إلى الجحيم ولا طبيب لكم، ونحن من يذهب إلى الطبيب؟!”. انتهى الاقتباس. على الرابط:

http://www.zaman-alwsl.net/readNews.php?id=23368

(9)

بشكل عام و ضمن أوساط رجال الدين لم يتقبَّل الوعي الديني للفئوية السنّة المذهب العلوي كغيره من مذاهب الفئويات للشيعة , و لم يجرى الاعتراف بهم كمسلمين مساويين لهم كجزء إشكالية التكفير و التكفير المضاد , فقد سيطر الفكر التكفيري ممثلا بفتاوى ابن تيمية في هذه الأوساط و جرى استلهام هذا الميراث التكفيري من قبل تيارات في الأخوان المسلمين و على الأخص الطليعة الاخوانية المقاتلة 1977 لتصعيد الشحن الطائفي في سوريا و في هذا السياق نذكر ” سعيد حوّى -عدنان عقلة- مروان حديد ” و من ثمّ تنظيم القاعدة كأبو مصعب السوري “كتاب: التجربة السورية” . و لم تجرى مراجعة نقدية علنيّة لمواقف الأخوان المسلمين تجاه “الفئوية العلوية ” رغم أنّهم نأوا بأنفسهم عقب إعلانهم ميثاق الشرف الوطني 2001 و من ثمّ “المشروع السياسي لمستقبل سوريا” عن التكفير و التحريض ضد العلويين و تبنّوا سياسياً خيار سوريا دولة حديثة مدنيّة تعدّدية ديمقراطية تقوم على المواطنة, و لكن تبقى هذه الصيغة السياسية مُلتَبِسَة فكيف تتحقّق المواطنة المتساوية دون فصل إجرائي بين الدين و السياسة “العلمانية”؟

إنّ هذه المراجعة النقدية ضمن إطار المرجعيات العقائدية السنّية و ضمن إطار الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية كالإخوان المسلمين ضرورية لتسهيل بناء سورية كدولة حديثة ديمقراطيّة مستقبلاً , و كذلك لسحب البساط من تحت السلطة الاستبدادية القائمة التي تستخدم الانتماء الطائفي العلوي كأداة لتمكين هيمنتها و سحقها للمجتمع السوري.

و من النماذج السلبية على استخدام الميراث التكفيري المعادي للعلويين نذكر : مقرارات البيان الثالث من رابطة علماء المسلمين( الواجب على المسلمين نحو القضية السورية)             11-7- 2011      الذي انعقد في استانبول و استشهادهم بفتاوى ابن تيمية في هذا الشأن. على الرابط: http://www.almoslim.net/node/149506

و لكن أيا كان الوضع فإنّ الخطاب السياسي للثورة السورية الراهنة في العموم يمكن وسمه بالمعتدل و الوطني الجامع سواء على المستوى الشعبي ( لافتات- شعارات- تسمية أيام الجمع) و كذلك على مستوى الخطاب السياسي الرسمي( المجلس الوطني السوري – و لجان التنسيق المحلية – الهيئة العامة للثورة السورية) , و لم تسجّل هتافات أو شعارات طائفية في المظاهرات معادية للعلويين إلا في حالات قليلة لا يعتدّ بها , و في بعضها كاختراق من قبل السلطة لتشويه صورة الحراك و للشحن الطائفي.

بالتأكيد وجدت تجاوزات و اعتداءات من قبل المحتجّين تجاه علويين أبرياء خاصة في حمص و ريف حماه , و لكنّها ليست سمه عامة للحراك , و جزء منها كان في سياق رد فعل أو وسيلة للضغط بغية الافراج عن مخطوفين أو كثأر عقب هجوم شبّيحة علويين على أحياء و قرى سنّية مجاورة تسودها تقاليد الثأر في اطار عشائري قبلي.

و لكن مع استمرار الأزمة السورية دون أفق بحل سياسي و ازدياد وتيرة القمع الوحشي للشعب السوري و عدم رسوخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع السوري و عدم بناء هيكلية موحّدة للمعارضة و التدخّلات الاقليمية و الدولية المتزايدة , و استمرار اصطفاف و هيمنة قوى القصور المناصرة للاستبداد ضمن الفئوية العلويّة من المرشّح ارتفاع وتيرة الخطاب الجوهراني الطائفي في أوساط الحركة الاحتجاجية

(10)

يجري في أوساط دينية سنّية تفسير العنف الوحشي الذي يقوم به علويون في سلك و أجهزة السلطة السورية و ميليشيا الشبّيحة, بأنه جزء أساسي و جوهري من عقيدتهم و دينهم. و هذا ما تناولته في مقال سابق ( عقائد بلون البشر : عن غواية السلطة و شيطنة العلويين ). على الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=722&aid=295888

من حيث أن العقيدة الفئوية العلوية – و أي عقيدة – ليست بجوهر ثابت , و ما هي إلاّ طريقة تشكّل و صيرورة حركية احتوائية احتمالية نسبية تعرض لمصالح متفاوتة منها ما هو أكثر أو أقل حيويّة و صلاحيّة.و كمثال على هذا التفسير الجوهراني لعنف السلطة السوريّة – و هو تفسير مناف للبرهان – ما يجري ترداده من قبل فضائيات سلفية تعيد انتاج خطاب الكراهيّة كصفا و وصال و الخليجية…الخ و سأثبت أحد أمثلتها كما في هذا المقطع لرجل الدين”محمد الزعبي “

على الرابط:

http://www.youtube.com/watch?v=2Yb2PtoDFTY&feature=related

و من الملاحظ أن هذا الخطاب الجوهراني لا يخدم مصالح السوريين أيّا كان معتقدهم ,والمسلمون السنّة منهم قبل غيرهم , فهو يحرّض على الحرب الاهلية بين السوريين أنفسهم و ليس على الجهاد ضدّ السلطة الاستبدادية , فهو لا ينتصر للمظلومين بصفتهم مظلمومين بل بصفتهم من طائفة معيّنة , و هذا الخطاب كذلك يدخل الثورة السورية في مهب صراعات اقليمية و دولية , و صراع عقائدي سنّي شيعي لا أمل في حلّه دون تدمير سوريّا الدولة و الانسان.

(11)

رغم أن النظام يعتمد إلى حدّ كبير على ضباط ينتمون للطائفة العلوية و رغم الطبيعة العصبوية الطائفيّة للسلطة السورية , إلا أنّ السلطة السورية لا تقوم على أيديولوجيا عقائدية علوية أو دينية – على نقيض سلطة ولاية الفقيه و ايديلوجيا التشيّع في إيران مثلاً – بل تقوم السلطة السوريّة على إيديولوجيا قومية بعثية و تقوم على تحالف مصالح سياسية و اقتصادية تأخذ شكل مافيا أسرية , تقوم باستثمار سوريا بطريقة ريعية زبائنية . فالانتماء الفئوي للعلويين يجرى استخدامه و توظيفه من قبل النظام الاستبدادي لإحكام قبضته على المجتمع السوري , و ليس العكس. و هذا أسلوب قديم قدم التاريخ حيث يقوم الملك أو السلطان باستمالة فئة من المجتمع – قد تكون قبيلة أو قوميّة أو فئوية عقائدية – و اعطاءها امتيازات تفضيليّة على غيرها مقابل ولائها للحاكم , و غالبا ما تكون هذه الفئة تمتّ بصلة الرحم و القربى للحاكم.

هذه النقطة يجب أن تحظى باهتمام كبير عند مناقشة الطبيعة الطائفية للنظام السوري, فهي سلطة تستخدم الانتماء الطائفي لبقاء و استمرارية هيمنتها, دون أن تتبنّى هذا الانتماء كعقيدة, بل يصح العكس حيث أن الطائفة العلوية على صعيد الديني ليس لها هيئة تمثيلية كبقية الطوائف الأخرى, و لا تدرّس المذهب العلوي إلى المنتمين له في مناهج تدريس المدارس الحكومية ,عداك عن عدم وجود محاكم شرعية خاصة بأبناء هذه الطائفة . لا بل إن حافظ أسد و بشار الأسد يجري تقديمهما كجزء من المشهديَّة الإسلامية السنية , و ليس شيء آخر كجزء من حملة علاقات عامة و تسويق شعبي , و كذلك سعى الاسد الأب و الأسد الابن للقضاء على الزعامات و القوى الحيّة المستقلة في الطائفة العلوية , و سعى لإعادة هيكلتها و ربطها عضويّا بالسلطة الاستبدادية.

لذلك إن وصف النظام السوري بأنه طائفي يجب فهمه كولاء على أساس طائفي للسلطة , و ليس كطبيعة طائفيّة جوهرانيّة للنظام بحد ذاته. فالنظام السوري بحد ذاته مفتوح على شرائح من كل الطيف السوري ممن يجمعهم الفساد و المصالح المتبادلة. و النظام السوري كذلك مقطوع الصلة بالمعارضين له بغض النظر عن الانتماء الطائفي بمن فيهم العلويون و هم ليسوا بالقليلين خاصة في شريحة المثقّفين و لكن من دون قاعدة و حاضنة شعبية حتّى الآن و في المستقبل القريب.

(12)

هل يصحّ و صف النظام السياسي السوري بالنظام الطائفي؟

هذه النقطة خلافية خاصة بين الكتّاب و السياسيين السوريين , و أقل خلافيّة لدى الكتّاب الغربيين المهتمّين بالشرق الاوسط.

فمثلاً: جاد الكريم الجباعي في مقاله” في الاستبداد المحدث “. على الرابط:

http://www.alawan.org/%D9%81%D9%8A -%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%AF.html

يرى أنّ : ” النظام السوري ليس بطائفي بل هو نظام توليتاري شبيه بالنظم النازية و الستالينية و الناصرية .”

بينما يعقّب على مقاله عبد الرزاق عيد الذي يرى بأنّ النظام السوري طائفي في مقال بعنوان”حول طائفية النظام في سوريا!” على الرابط:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=150123

أيا كان الحال:

إنّ النظام السوري – كغيره من النظم السياسيّة – ليس بجوهر ثابت سواء كان هذا الجوهر طائفي أو بعثي أو توليتاري عسكري ..الخ بل هو طريقة تشكّل للأبعاد المتعدّدة للكينونة الاجتماعيّة بما فيه البعد العقائدي الفئوي الطائفي , فالطائفيّة هنا لا تشير إلى البعد العقائدي الفئوي للطائفة العلويّة , بل هي تشير إلى عملية تسييس الانتماء العقائدي الفئوي للعلويين بغية توظيفه في عمليّة اعادة انتاج السلطة و امتيازاتها.

و لعل الغائب عن كثير من الكتابات التي تختلف حول الصفة الطائفيّة للنظام السوري هو وضع تعريف مرجعي مُحَدَّدْ للنظام الطائفي , تعريف يتجاوز الجغرافيا السورية , بحيث نستطيع بناء عليه تبنّي معايير موحّدة تجاه توصيف نظام سياسي معيّن ب ” الطائفي ” بحيث يحقّ لنا التساؤل مثلاً؟

هل النظام السياسي البحريني طائفي؟

هل النظام السياسي العراقي طائفي؟..الخ.

و بينما كنتُ أبحث في هذه الاشكاليّة اطلعت بالصدفة على مقاله هامّة تتسمّ بالدقّة في المعالجة للكاتب ياسين الحاج صالح ” في الطائفية و النظام الطائفي في سوريا, الحوار المتمدن – العدد : 36352 “

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294901

ارتأيت أن أختم باقتباسات منها مقالي هذا:

“ما تغفله النقاشات السورية هو بالتحديد طائفية النظام السياسي في البلد، وكونه المضخة الفعالة لجملة الظواهر التي نطلق عليها اسم الطائفية.

لكن ما المقصود بالنظام الطائفي؟ نتكلم على نظام طائفي حين: (1) يعتمد في عملية إعادة إنتاج ذاته على إعادة إنتاج موسعة للتمايزات الطائفية، و(2) تتفاوت عتبات تماهي السكان فيه تفاوتا يحيل إلى التمايزات الدينية والمذهبية فيه، ويتصل بتكوين نخبة السلطة ونمط ممارستها، و(3) تتوافق بنيته، أو الممارسات الصريحة لنخبة السلطة، مع تنامي الوعي الذاتي الطائفي لدى الجميع، وتراجع الوعي الوطني والرابطة الوطنية. وهذه أوضاع وعمليات محققة في “سورية الأسد”.

“حين نتكلم على نظام طائفي، فإننا نتكلم على نظام وليس على طائفة. هذه نقطة يتعين الإلحاح عليها مرارا وتكرارا، ليس تجنبا لإثارات وحالات سوء تفاهم مجانية، تثبّتنا في المحصلة في الأوضاع الطائفية، ولكن لإظهار أن الطائفية ليست مسألة “طوائف”، روابط أهلية وتمايزات دينية ومذهبية موروثة ، بل هي مسألة سلطة عمومية، تركيبها ونمط ممارستها ونوعية أولوياتها، وما قد تتيحه من مواقع تفاضلية حيال الموارد والخدمات العامة. وسنقول لاحقا إن الأساسي في مسألة السلطة ذاتها ليس من يحكم، بل كيف يحكم: هل يحكم وفق قواعد ثابتة لا تمييز فيها، وبدلالة تصور واضح للمصلحة العامة، أم أن حكمه شخصي اعتباطي ، مستند إلى الهوى و تقلباته؟” انتهى الاقتباس.

* ملاحظات في الختام :

– ملاحظة أولى : القول أن النظام السوري طائفي , لا يعني تجريم أو الاساءة إلى الطائفة العلوية , بل هو توصيف و حكم موضوعي و قيمي للنظام , يشمل من يوالي النظام

أي هو حكم في السياسة و ليس في العقيدة.

– ملاحظة ثانية : الصفة الطائفية لنظام سياسي لا تخص فقط الفئوية العلوية دون غيرها , و لا الفئوية السنّية دون غيرها , بل هو بعد متحرّك عبر الجغرافيا و التاريخ , و منه يمكن وصف النظام الاسرائلي بالطائفي و كذلك النظام السياسي في ايران و و كذلك في البحرين…الخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى