صفحات المستقبل

عن المصالحة مع النظام


بعد انقضاء حوالي سبعة أسابيع على بداية ثورة الياسمين السورية، صار المشهد على الساحة السورية مخيف وقاتم لكتير من الناس.. تعددت التهم من عمالة واندساس وتدخل خارجي وسلفية لتقسم الشارع السوري بين معارض ومؤيد لهالثورة..

في مواقف كتيرة اختلفت من 15 آذار لهاللحظة.. في ناس كانت بالبداية مؤيدة للنظام وبعدين انقلبت بعد ما شافت الجرائم اللي ارتكبها النظام.. وبالمقابل في ناس كانت مؤيدة بالبداية وبعدين صارت معارضة وبشدة لاستمرار التظاهرات.. حجة هالناس كانت كما يلي: أنه يا أخي الوضع صار خطير وبيخوف.. الحواجز صارت معبية البلد والعصابات المسلحة فلتانة بين هالمدن، والجماعات السلفية بلشت بالظهور.. في ناس صارت تقول أنه هاد النظام مجرم ومسلح وما حيسلم بسهولة، وأنه الجيش بسوريا مو متل مصر وتونس كونه معروف الانتماء وما حياخد صف الشعب.. وفي ناس خافت من انعقاد مجلس الأمن وقالت لاااااا كلشي إلا التدخل الخارجي.. وألف بشار الأسد ولا يجو الأميركان عبلدنا..

الغالبية العظمى من الشعب السوري سواءً كانو معارضين أو مؤيدين، ركزو من بداية الأزمة على طلب الإصلاح من النظام.. بالنسبة لكتير ناس هاد هو الطريق الأسلم لجني ثمار الانتفاضة الشعبية من جهة ولتجنيب سوريا الآثار السلبية للحرب المحتملة بين النظام والشعب من جهة أخرى.. أنا كنت – وما زلت – من الناس اللي أتمنى حدوث هالإصلاح، بس كمان كان رأيي من البداية المبكرة أنه هاد الشي مستحيل تماماً لأسباب كتير منطقية وكتير بسيطة بنفس الوقت..

طبعاً أنا هون ما حناقش روايات النظام اللي تعددت من بندر بن سلطان، مروراً بقناصي غرف العمليات الأميركية والخلايا التكفيرية والجهادية، وانتهاءً بالقنوات الإخبارية العميلة والمغرضة.. السبب الأول لعدم التعرض لهالروايات هو أني مقتنع بأنه اللي بده يعرف الحقيقة، فالحقيقة واضحة متل عين الشمس وبتوقع كل صاحب ضمير ممكن يعرفها.. السبب التاني والأهم، هو أنه هالروايات ظهرت بشكل أساسي لحتى تحول انتباه السوريين عن الدافع الأساسي اللي خلاهن يطلعو ويهتفو للحريات وضد القمع والفساد..

الشي التاني اللي كمان ما حناقشه هو موقف النظام الحالي من الثورة.. ما حأحكي عن القمع والاعتقالات اللي طالو المتظاهرين.. وما حناقش الدماء اللي سالت.. وما حأحكي عن الموقف المخزي لرئيس الجمهورية اللي طلع عم يضحك بسوق عكاظ وشعبه عم يموت.. أي شخص منطقي بيقدر يحكم من هالشغلات على أنه هاد نظام لا بده إصلاح أو مصالحة.. بس مع ذلك في عالم ضلت تنادي بإيقاف المظاهرات، وأنه النظام فهم الدرس، وأنه هلأ صار مضطر يلبي مطالب الشعب.. لذلك طولو بالكن وعطوه فرصة.. وبعدين إذا ما صار اللي بدكن ياه فأخي نحنا كمان مننزل منتظاهر معكن، ووقتها بيكون صار في شرعية كاملة للمطالب.. كمان ما حنحكي بهي..

الشي التالت اللي كمان رح ننساه هو رغبة النظام المستميتة بإيقاف المظاهرات مع أنه عم يوعد بالإصلاح، وكأنو المتظاهرين قاعدين عقلب بشار الأسد وعصابته.. أنه يا أخي فيكن تصلحو ونحنا عم نتظاهر، ولما تصير الأمور بخير كلنا منرجع عالبيت.. بيردو “المهدئين” وبيقلولك أنه التظاهرات عم تخلق فوضى وأنه النظام هيك مربطة إيديه مشان هيك ما عم يعرف يصلح.. كمان هالشي ممكن يورجي أي عاقل أنه هاد نظام ما في منه أمل وأنه كل مناه هو أنه يرجعو المتظاهرين على بيتهن مشان يعرف يستفرد فيهن فرداً فرداً، والدليل هو زيادة حملة الاعتقالات يوم بعد يوم.. كمان هاد شي كتير واضح لذلك ما حأحكي فيه..

موضوعنا اليوم يا أصدقائي هو حول الفكرة التالية: أنه تخيلو لو أنه الزمن رجع فينا شهرين أو تلاتة لورا.. وكان مع النظام فرصة كتير ذهبية للإصلاح.. الشارع هادي، والعالم عم تهتف لبشار وتقله منركعلك ومنحرقلك واللذي منه.. وأنه بشار الأسد استشف بنظرته الثاقبة أنه يا أخي هالشعب مقفعة معه ويمكن بأي لحظة يثور.. وأنه العينتين قرر فعلاً يعمل إصلاح حقيقي من أجل خير البلاد والعباد.. مرة تانية بقلكن.. الأمور كتير هادية وما في أي منغص بيمنع الإصلاح.. خلينا نفكر بالسيناريوهات الإصلاحية اللي ممكن يفكر فيها..

خلينا نقول أنه فكر مثلاً برفع حالة الطوارئ.. أنه الشعب صرله مدعوس عليه 48 سنة.. ليش لحتى ما نرفعله هالطوارئ ونخليه يتنفس.. بس في مشكلة صغيرة.. رفع حالة الطوارئ (بشكل حقيقي ومو متل الشكل السخيف اللي صار لاحقاً) يعني أنه الناس صار فيها تاخد راحتها وتحكي اللي بدها ياه بدون ما تعتقل لأتفه سبب.. هون رح نفرض جدلاً أنه بشار الأسد بيمون على جماعة الأمن والمخابرات اللي خلفله ياهن أبوه.. رفع الطوارئ بيعني أنه ممكن يطلع أحد هالمواطنين ويسفق مقالة من كعب الدست على حزب البعث ومنتفعيه.. وهون مالنا حجة نلعن سلسفيل أهله لأنه ما بقى في طوارئ.. طيب مو مشكلة.. وكتب المقالة.. فينا ما نرد عليه ونقله خرينا.. صحي ما بقا فينا نقله خرينا.. لأنه صار المواطنين فيهن يتظاهرو براحتهن ويعبرو عن اللي عاجبهن واللي مو عاجبهن.. هون إذا استجابو الناس لهيك مقال وطلعو تظاهرو و سبو عحزب البعث وطلبو بديل.. شو منعمل؟.. طيب خلينا يا أخي نمشي مع هالشعب.. شو بدكن؟ تعددية سياسية؟ تكرم عينكن.. وهي يا أخي تعددية.. شو بدكن أحزاب؟ عملو أحزاب تكرم عينكن.. هون بيظهرو رجال سوريا الشرفاء واللي صرلهن مقموعين من عهد حافظ الأسد وبيأسسولهن كم حزب.. وبيشوفو الناس أنه في أحزاب بتحترم حالها وأنه الانتساب الحزبي مو بس هدفه هو كم علامة بمفاضلة البكالوريا وإنما الإنسان ممكن فعلاً يكون إله دور بإدارة وطنه عن طريق الحزب اللي بيمثله.. بعد فترة بيلاقي صاحبنا بشبش أنه البساط انسحب من تحته.. في أحزاب صار إلها مؤيدين وأفكارها قومية ونضالية، وضد الفساد والمفسدين، وكل اللي فيها سوريين مثقفين.. كلها كم سنة وبيصيرو هدول بمجلس الشعب، وبيصيرو بيطالبو بحقائب وزارية.. كم سنة تانية بيصير بدهن رئاسة الجمهورية.. كش برا وبعيد.. أخي خليلنا الطوارئ.. خلينا نفكر بإصلاح تاني ما يوصلنا لهون..

تعو نفكر سوا بإصلاح تاني.. في إصلاح كتير نادا فيه الشعب.. القضاء عالفساد.. هاد الإصلاح كتير موديرن.. شو بيتطلب؟ بسيطة.. أخي خلينا نعمل قضاء عادل.. ونجيب مدعي عام قبضاي ونقله شوف شغلك مع هالمفسدين.. شو بدكن أحسن من هيك.. هي منكون قضينا على الفساد وأصلحنا ورضينا الشعب.. ويا سيدي مين ما بدكن تحاسبو حاسبو.. عندكن من كل شرطة المرور بالبلد وموظفي البلدية والتموين.. يا سيدي وحتى إذا وصلت للوزراء مو مشكلة.. فداكن وفدا الإصلاح وفدا الوطن..

بيجي واحد من الشباب المخلصين وبيقلو لرئيسنا المفدى.. بس يا معلمنا الناس ما عم تطالب بشرطة المرور.. لكن بمين عم يطالبو؟.. يا معلمنا هدول عم يطالبو بإبن خالك العزيز رامي مخلوف وعم يقولو أنه نهب البلد والناس عم تطالب فيه كأول واحد عاللائحة.. هون بيقله المعلم للشب المخلص: قلهن هي بعيدة عن شواربكن.. هاد من عضام الرقبة.. لاقولكن واحد تاني.. بيبلش الشب المخلص بيقراله الأسماء اللي علائحة الفساد: ذو الهمة شاليش.. بيرجع المعلم بيعصب وبيقله يا حيوان قلنالك بعد عن الرقبة وعضامها.. لاقيلنا واحد من عاللائحة خرج نطبق عليه القانون.. بيصفن الشب المخلص وبيشطب أول 20 اسم عاللائحة.. وبعدين بيقله: لقيتها!! مالنا غير محمد حمشو.. هون المعلم بيصفق بسعادة وبيقله: برابو!! هاد اللي كنا نريده.. عاقبوه لهالكلب لشوف وصادرو كل أملاكه.. بيصفن الشب المخلص مجدداً.. وبيقله بس كل أملاكه يا معلمي هي عملياً أملاك أخوكن الغالي ابن الغالي ماهر الأسد.. بيعصب المعلم بزيادة… لك انت حيوان ولا.. ما كنت تفهم؟ ما في شي واحد عاللائحة ماله من عضام الرقبة والعمود الفقري؟.. بيتردد الشب المخلص.. وبعدين بيقله: في ناس يا معلمي عم تجيب سيرة آبار نفط وما نفط.. وأرصدة بسويسرا وما سويسرا.. هون بيصير المعلم بقمة الانفعال وبيطلع الطبنجة من جيبة البدلة وبيطخو للشب المخلص.. العمى بقلبك شو حيوان.. صحي والله حيوان!!

بعد ما تهدى أعصابه للمعلم بيرجع بيفكر.. أنه يا ترى ما في حل تاني للإصلاح؟.. بعدين بتجي بباله.. لك تعا نطلق سراح هالمعتقلين السياسيين.. خلينا نفرح هالكم ألف عيلة.. وبعدين حرام ما عملو شي.. كلها كم مقالة من هون عكم نكتة بايخة من هنيك.. أصلاً في كتير منهم مسفوق تقارير بالغلط.. وبكل الأحوال هدول تختخو بالحبوس وما بقى فيهن حيل لأي نشاط سياسي أو غير سياسي.. بس بيرجع المعلم بيفكر.. في مشكلة تانية.. المشكلة ببساطة هي أنه إذا طلعنا هالمعتقلين رح يتجرأو اللي برا الحبس عالدولة.. رح يصيرو يقولو شوفو فلان وفلان حكو عالدولة وما صار عليهن شي، وبالتالي رح يتجرأو أكتر وأكتر على النظام.. وكلها كم سنة وبيكونو الشعب كلهن صارو نماريد وبينسو الصرماية اللي كانت داعسة عليهن.. وبيرجع سقف المطالب بيعلى.. وهون كمان الناس رح تكون كسرت حاجز الخوف.. كمان النهاية لهالإصلاح وخيمة يا بشبش…

كلشي مكتوب لهالنقطة كان انكتب قبل دخول الجيش على درعا.. عم ارجع اليوم اقرا المكتوب وعم حس بسخافته.. أنه معقول لسا عم نقول عطو الحكومة فرصة؟ نظام أخد فرصته 41 سنة وشفنا شو طلع من أمره.. لسا بدنا نعطيه فرصة؟ يعني أنا متل ما كتبت مقتنع أشد القناعة بأنه هيك نظام فاسد ولا يمكن إصلاحه لأنه إصلاحه يعني أنه نطير الروس اللي فيه وبمعنى آخر النظام نفسه.. بس مع ذلك كنت أفهم الخيار بوجهات النظر والرغبة بالإصلاح عند بعض الناس.. وأنه أخي بتعرفو انتو الخلاف لا يفسد للود قضية…. يمكن كان هاد الحكي صحيح لقبل ما يفوت الجيش على درعا.. بعدها صار يفسد للود 50 قضية.. هون ما عاد الخلاف فكري أو سياسي وإنما صار خلاف إنساني.. أنه نظام استباح أهل محافظة كاملة بسوريا  الدفاع عن هيك نظام ما عاد قضية وإنما صار كفر…. ومع ذلك بتلاقي المستفيدين والأبواق لسا عم يدافعو عن النظام.. لهالشي صار عندي القناعة التالية: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.. وبالقوة ما قصدي قوة السلاح وإنما قوتنا بالتظاهر وبالضغط عالنظام.. حافظ الأسد إجى عدبابة وابنه ما حينسى كل إنجازات أبوه العظيمة ويوافق على الحكم الديمقراطي بمجرد أنه نطلب منه.. الطريق لسا طويل وصعب بس بعد سنين طويلة صار ممكن..

ملاحظة.. أنا لجمعة الغضب كان عندي شك أنه هالثورة رح تكمل.. يعني بعد كلشي صار من قمع واعتقالات وتدخل للجيش كنت لسا حاطط احتمال أنه الناس رح تخاف.. بس بيوم الغضب أثبت الشعب أنه فعلاً كسر حاجز الخوف.. يعني بطمنكن أنه الأمن ركب أعلى ما بخيله.. كونه أي تصرف أعنف من اللي صار، رح يشكل تهديد حقيقي عجماعتنا من المجتمع الدولي وهنن بيعرفو منيح شو حدودهن وبيعرفو كيف يوصلولها تماماً بس ما يتخطوها..  ومن هداك اليوم صار عندي قناعة تامة.. إما إصلاح حقيقي أو العينتين رح يمشي.. لذلك بقلكن: شدو الهمة يا شباب.. هانت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى