صفحات العالم

عن المقاومة والممانعة والثورة السورية


فراس أبو هلال’

يعود النقاش حول المقاومة والممانعة وارتباطهما بالموقف من الثورة السورية إلى الواجهة من جديد، بعد التصريحات النارية ‘التشبيحية’ التي أطلقها التلفزيون الرسمي السوري ضد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، على خلفية خطاب الأخير في تركيا وإعلانه تأييد حركة حماس الواضح للشعب السوري وثورته المجيدة.

ولا يبدو أن من المفيد الغوص في تحليل الخطاب الإعلامي السوري الرسمي، الذي ينتهج إسلوبا يجمع بين السخرية البائسة، والاتهامات بالجملة، ونزع الوطنية والانتماء القومي على كل من يؤيد الشعب السوري في ثورته للعيش بحرية، وذلك لأن هذا الإسلوب ليس جديدا على الأنظمة العربية الشمولية، ولأن أحدا لم يكن يتوقع أن يتبنى النظام السوري خطابا إعلاميا صادقا ونظيفا. وإن كان هناك ما يقال في هذا الإطار، فهو أن التصعيد الإعلامي ضد مشعل بهذه الطريقة يدل على حجم الخسارة التي شعر بها النظام بعد الانحياز الكامل من حركة حماس إلى الشعب السورية ومطالبه المشروعة.

المهم إذن في هـــذه التصريحات هو النقاش حول الموقف من الثورة السورية وعلاقته بالانتماء الوطني والقومي، وارتباطه بالموقف من المقاومة والممانعة، والتصدي للمشروع الأمريكي للاستمرار في إخضاع المنطقة العربية والهيمنة عليها.

ولعل هذه القضية من أكثر القضايا التي تشهد جدلا كبيرا على مختلف المستويات منذ بداية إرهاصات الثورة السورية في آذار من العام الماضي، وذلك لطبيعة موقع سوريا في ما يعرف بمحور الممانعة والمقاومة، وهو ما جعل الحالة السورية مختلفة تماما عن الثورتين التونسية والمصرية اللتين حصلتا على تأييد عربي شعبي شبه كامل، نظرا لانتمائهما إلى ما يعرف بمحور الاعتدال الذي بالغ بالخضوع إلى المشروع الأمريكي في المنطقة العربية.

ويأخذ الجدل حول هذه القضية في أغلب الأحيان منحى يفتقر إلى الموضوعية والقراءة الواعية للواقع السياسي في المنطقة. فمؤيدو النظام يقفون ضد الثورة الشعبية، ويتهمونها بالخضوع إلى المؤامرة الغربية، ويبررون كل جرائم النظام السوري تحت مسمى الدفاع عن سوريا القوية التي تمثل نقطة الارتكاز في المحور المقاوم للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، فيما يذهب الداعمون للثورة إلى نزع أي دور نضالي عن النظام السوري، وإلى اتهامه بالصمت حيال احتلال الجولان طوال أربعة عقود، وخضوعه إلى إيران وأهدافها ومطامعها الطائفية.

والحق أن الموقفين ينطلقان من قراءة أيدولوجية للأحداث بعيدا عن رصانة التحليل. فالتأييد الكامل للثورة السورية دون شروط ودون مواربة يجب أن لا يدفعنا لإنكار الدور الذي لعبته الدولة السورية في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية واحتضانهما، في الوقت الذي كانت دول عربية أخرى تمارس دورا مشبوها مغرقا في التبعــــية للهيــــمنة الأمريكية، وكذلك فإن الإدانة الشـــديدة لإجـــرام النظـــام، يجب أن لا تنسينا أن الدعم السوري للمقاومة اللبنانية لعب دورا مهما في دعـــم حـــزب الله على الصمود في وجه إسرائيل حتى تحرير الجنوب بشكل كامل في العام 2000، كما يجب أن لا ننسى أيضا أن دعم سوريا لحركات المقاومة الفلسطينية شكل قاعدة سياسية مهمة ساعدت هذه الحركات وخصوصا حركة حماس على الانطلاق لتشكيل قاعدة علاقات سياسية واسعة مع دول المنطقة والعالم.

ولكن الاعتراف بالدور الذي لعبته سوريا في محور الممانعة والمقاومة، لا يعني أبدا التغافل عن الأدوار السلبية التي لعبها النظام السوري منذ السبعينيات على الأقل والتي تشكل نقاطا سوداء في تاريخه، ابتداء من دوره السلبي في لبنان، إلى علاقته الملتبسة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ودوره في حرب المخيمات، وتل الزعتر، ولعبه على وتر الخلافات بين الفصائل الفلسطينية وتغذيتها، إلى مشاركته في الحرب على العراق تحت قيادة الولايات المتحدة، إضافة إلى تبنيه سياسة ضبط النفس المبالغ فيه تجاه احتلال الجولان من قبل الكيان الإسرائيلي.

وحينما تقرأ المواقف السورية من المقاومة والممانعة، فإن من الإجحاف أن تنسب الجوانب الإيجابية فيها إلى النظام وحده، وأن يغفل دور الشعب السوري الذي يقف في مجمله مع المشروع النهضوي التحرري للأمة العربية، والذي دفع أثمانا باهظة لانتمائه لمحور الدفاع عن هذه الأمة في وجه مخططات الهيمنة، فالنظام السوري لا يمكن أن يكون أكثر وطنية وقومية من الشعب الذي أثبت عبر المراحل التاريخية المختلفة اتماءه الجذري لهذه الأمة.

ويبدو غياب المنطق والعقلانية أكثر وضوحا لدى الذين يدافعون عن النظام السوري بعد كل هذه الجرائم بحجة انتمائه لمحور المقاومة، وهم بذلك يتناسون أن الشعب الذي يقبل بالعبودية لنظامه السياسي لن يكون مؤهلا لمواجهة التبعية الخارجية، وأن النظام الذي يفقد شرعيته أمام أبناء شعبه لن يستطيع الصمود أما المؤامرات التي تحاك من قبل أعدائه.

يقول المؤيدون لنظام الأسد انه يعاقب الآن بسبب مواقفه السياسية المناهضة للغرب، وقد يكون في هـــذا القول جزء من الصحة، لكن هؤلاء يتوقفــــون عن قول نصف الحقيقة الآخر وهو أن الحل الأمني الدموي الذي اتبعه هذا النظام مع ثورة شعبية سلمية حضارية هو الذي أعطى الفرصة للمتآمرين على سوريا لتحقيق مآربهم، وأن استمرار النظام بهذا الحل ‘الشمشوني’ سيحقق الهدف الإسرائيلي المتمثل بإضعاف سوريا وإنهاكها لعشرات السنوات، وأنهم بموقفهم غير الأخلاقي المؤيد لهذا النظام -بحجة المقاومة- يشتركون بدعم المؤامرة الغربية الإسرائيلية لإحراق سوريا العروبة.

‘ كاتب فلسطيني مقيم في لندن

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى