عن النخب ومسارات الحراك الراهن …!؟
جهاد نصره
لقد نجحت المؤسسات الإعلامية الأميرية في جذب معظم المفكرين، والكتاب، والمبدعين العرب الذين للحقيقة لم يكن أمامهم خيارات وبدائل أخرى..! لقد أسبغت مشاركة النخب الفكرية على هذه المؤسسات الكثير من المصداقية والجاذبية..! وقد راق لهذه النخب أنه لا خطوط حمراء أمامهم في تناول قضايا بلدانهم الشائكة..! كما تناول القضايا المعرفية الثقافية العامة كيفما أرادوا لكن: من نافل القول إنه كان محظوراً عليهم على الدوام مجرَّد الاقتراب من أمور تخص بلدان أصحاب هذه المؤسسات وجلّهم من العائلات الحاكمة التي تدس أنفها في كل قضايا شعوب المنطقة ليلاً جهاراً وفقاً لأجندات مصالحها وارتباطاتها…!؟
ربما يكون مفيداً في هذا الوقت الذي يجري فيه الحديث عن دموية العائلات الجمهورية التذكير بحقيقة أن الدعوة الوهابية نفسها انطلقت بإيعاز مباشر من وزارة المستعمرات البريطانية..! وأن الحاكم الأول لمنطقة نجد ـ سعود بن محمد المقرن ـ وإمام منطقة الدرعية القريبة من الرياض ـ محمد بن سعود بن محمد المقرن ـ تحالفا مع مؤسس الوهابية ـ محمد بن عبد الوهاب ـ كي يتسنى للأسرة السعودية الهيمنة على منطقة الحجاز ونجد تمهيداً لتأسيس المملكة وذلك بمباركة الإمبراطورية البريطانية..! كما التذكير بأن عشرة من الذين حكموا الحجاز ونجد الثمانية عشر قتلوا غيلةً بأيدي إخوانهم ويُسجَّل لأمير قطر في هذا السياق فضل الاكتفاء بالانقلاب على أبيه من دون الإقدام على اغتياله…!؟
لقد كتب مؤسس المذهب الوهابي في رسالته كشف الشبهات: (( إن سائر المسلمين من غير أتباع الدعوة مشركين لا حرمة لدمائهم وذرا ريهم وأموالهم..!؟ ومن يومها يعتبر الوهابيون أنفسهم أهل التوحيد الخالص أما باقي المسلمين الذين لم يلتحقوا بهم فهم كفار ومرتدين وأعداء للخالق يستوجب ملاحقتهم والتخلص منهم بكل الوسائل..!؟ ))
وبالرغم من شيوع هذه الفتوى التأسيسية على الملأ الإسلامي فإن معظم منظِّري الحداثة والليبرالية البدوية في صحف الممالك والإمارات يبدون الاستغراب والتعجب من فتاوى المشايخ الوهابيين المتربعين هذه الأيام على صفحات المواقع الالكترونية وشاشات القنوات الفضائية الدينية منها وغير الدينية والتي تدعو للجهاد ضد الأقليات في بعض البلدان.. أو للجهاد ضد الأكثرية في بلدان أخرى كـ ( مملكة البحرين )..!؟
ثم لا ضير من التذكير أيضاً بمناسبة الحديث عن الفساد والاستبداد في الجمهوريات المترنحة بأن المملكة السعودية وباقي إمارات الخليج لا تعرف فصلاً حقيقياً بين الدخل القومي ودخل العائلة الخاص..! وهي لا تعرف دساتير وقوانين من خارج الشريعة الإسلامية..! وبالرغم من هذه الحقائق الكارثية فإنه لم يسجل أن أحداً من السادة المساهمين في عملية تبيِّيض تلك المؤسسات الإعلامية غامر فحاول مقاربة تاريخ هذه العائلات أو واقع بلدانهم وشعوبهم في الوقت الذي يستمر فيه الحديث عن الحداثة والمدنية والديمقراطية المتوجبة في خارج دائرة الممالك والإمارات هذه…!؟ وكأنه بالإمكان الوصول إلى الديمقراطية في بيئات مجتمعية اكتسبت وتوارثت الهوية الدينية طيلة أربعة عشر قرناً من الزمن بمجرَّد التنظير والدعوة…!؟ حتى أنه يظن المرء أحياناً أن هذا الرعيل من كتاب ومفكري النخب العربية ينافسون أشباههم في الضفة الأخرى حيث المؤسسات الإعلامية العائدة للعائلات الجمهورية التي بدأت تخسر من دون أسف مواقعها واحدة بعد الأخرى فهي لم تعرف طيلة نصف قرن وهي الممسكة بالقوة العسكرية الضاربة كيف تفتح نوافذ يتسرّب من خلالها هواء التمدن والتحديث لملاقاة استحقاقات العصر..! وهوالأمرالذي أنجزه بنجاح تام جارهم العسكري ـ أتاتورك ـ مؤسس تركيا الحديثة في عرين الخلافة الإسلامية بعد أن أدرك استحالة الديمقراطية والتحديث من دون العلمنة فبادر بشجاعة فور إلغاء الخلافة إلى إعلان إلغاء وزارة الأوقاف وكافة المحاكم الشرعية ومنع المدارس الدينية الرسمية وبذلك حافظ الأتراك على أديانهم وعلى هوياتهم المذهبية و ربحوا الديمقراطية والمدنية والحداثة.
لقد بقيت نظم ما بعد الاستقلال تدعي تحقيقها انجازاً لم تثبت صحته على أرض الواقع حين الملمّات فهي ظلَّت على الدوام تتغنى بالوحدة الوطنية في مقابل دعوة الأحزاب والتنظيمات الدينية للوحدة الإسلامية..! خطاب الأنظمة الأيديولوجي قام على استثارة الحماسة والمشاعر والعواطف الأمر الذي يستوجب بقاء الأوطان في حالة استنفار شعبي دائم وعليه فقد جرى بموازاة ذلك تسويق متواصل لحزمة من المفاهيم والشعارات المناسبة من قبيل الجبهة الداخلية المتراصة والوحدة الوطنية الفولاذية التي لا يغلبها غلاب والوطن المستهدف والممانعة والصمود إلى غير ما هنالك…!؟
كلا المفهومين الصنمي والإسلامي عن الوحدة الوطنية إنتاج عقل سرابي لا يرتقي لمصاف هذه الوحدة المنشودة فبادئ ذي بدء يجب الإقرار بأن البنى المجتمعية العربية حبلى بالتمذهب والتذررالطائفي الراسخ الأمر الذي يعني قابليتها الدائمة للانفلاش والاحتراب فهل تشي مسارات الحراك السياسي المشروع الذي تشهده معظم البلدان العربية بإمكانية وصول قوى طامحة وراغبة وقادرة على ترقية مفهوم الوحدة الوطنية مدنياً بما يعني ذلك من تحييد المنظومة السياسية والقانونية والتشريعية عن قضايا الأديان والمذاهب…؟
في سورية كان مسار الوحدة الوطنية وإمكان ترقيتها مدنياً متاحاً حين عرف المجتمع السوري تمظهراً حقيقياً فاعلاً للانصهار الوطني الواسع إبان مواجهة الاستعمار الفرنسي على كامل الجغرافيا السورية ومن ثم في السنوات السياسية القليلة التي أعقبت الجلاء غير أن سلسلة الانقلابات العسكرية المتتالية التي تلت جلاء المستعمر أطاحت بتلك الإمكانية قبل أن تسنح من جديد فرصة تاريخية ذهبية بعد معركة كسر العظم بين سلطة البعث شبه العلماني والتنظيم المسلح لجماعة الإخوان المسلمين غير أن ( صاحب ) البعث أهدر هذه الفرصة مغلِّباً مسار التوافق والتحالف مع رجال الدين المعتمدين رسمياً.
لاشيء تغير كنا نتأبط ذراع ( كفتاروا ) وصرنا اليوم نتأبط ذراع (البوطي )…!؟