عن انتخابات مجلس الشعب في سورية –مقالات متنوعة-
مجلس أم البيارق/ عمر قدور
مع أن تداول اسمها أتى غالباً من باب السخرية، إلا أن “أم البيارق” كان لها نصيب من الشهرة يفوق نصيب أقرانها من أعضاء مجلس شعب النظام. أم البيارق، التي كانت عضواً في الدورة السابقة للمجلس، مرشحة للفوز بمقعد في “انتخاباته” الحالية في الثالث عشر من الشهر الحالي. وبحسب صورة واسعة الانتشار، نراها تلبس بدلة مرقطة وتعقد على رأسها كوفية حمراء، مع مسدس بارز على زنارها العسكري أسوة بالبروز الفاقع لمساحيق التجميل على الوجه، ومايكروفون مرفوع بقبضتها اليمنى إلى الأعلى بينما يدها اليسرى وراء ظهرها، في وضعية أقرب إلى الدبكة من المهرجان الخطابي.
مهلاً، ستتوالى صور مرشحين آخرين وهم يعقدون حلقات الدبكة، من دون أن نعلم سبب احتفالهم ذاك، وهي ظاهرة تتكرر مع كل مناسبة “انتخابية” من هذا القبيل، ما يدفع السوريين إلى الحيرة بين تسميته “مجلس الدبكة” أو “مجلس التصفيق”.
بالعودة إلى أم البيارق، وهذا لقب مأخوذ من ملصقات حملتها الانتخابية، سنجد تعريفاً بها على الموقع الرسمي للمجلس، كممثلة عن الفئة “ب قطاع باقي فئات الشعب”. اسمها أميرة الغانم، وهي عضو في لجنتي “المصالحة الوطنية” و”حقوق المرأة والأسرة والطفل”، ما قد يدفع إلى التساؤل عن علاقة البدلة العسكرية التي تلبسها في حملتها الحالية باللجنتين السابقتين! أهم من ذلك، في سجل نشاطاتها في المجلس خلال أربع سنوات سابقة، دائماً حسب الصفحة الرسمية له، نرى التفاصيل التالية: الأسئلة الموجهة للسلطة التنفيذية (0)، المهام والمناصب التي تقلدتها (0)، لقاءات ومؤتمرات (1)، مقالات (0)، تصريحات (0)، مقترحات القوانين (0).
السجل الصفري للسيدة “النائب” لا يحول بينها وبين الترشح ثانية، بل يعزز حظوظها بالفوز. وهي على الأرجح لا يعنيها الوضع المعقد لها كمحافظة تخضع لسلطتي النظام وقوات الحماية الكردية، ولا تبالي بكون دائرتها الانتخابية (محافظة الحسكة) عانت من موجات نزوح ضخمة جداً تقلل من حجم الناخبين المفترضين، بمن فيهم العدد الضخم من الأسر التي هاجرت تحت ضغط عمليات التجنيد القسري. لكن ذلك كله ليس مهماً حقاً، إلا لمن شاء المجادلة وكأن السيدة النائب حالة متفردة في سجل مجلس شعب النظام، وبناء عليه شاء أن ينزع عنها صفتها التمثيلية بالمطلق. وأن نقول بأنها تمتلك صفة تمثيلية حقاً، من حيث أنها تمثّل النظام على أتم وجه. وهذا ليس بالأمر الجديد أيضاً، فاليوتيوب يحمل لنا تسجيلاً للذكرى، تسجيل الكلمة التي ألقاها بشار الأسد في 30/3/2011 في مجلس شعبه، والضحكة التي ملأت وجهه بينما كانت قواته تقتل المتظاهرين، والأهازيج التي ردّدها الأعضاء مديحاً له، وهو المديح الذي بلغ ذروته بقول أحدهم أن رئاسة سوريا قليلة عليه وأنه ينبغي أن يكون رئيس العالم.
لقد كان ذلك صادماً للبعض في وقته، إذ كانت وسائل الإعلام العالمية تترقب الخطاب، وأتيح للمهتمين معرفة رئيس النظام ومجلس شعبه، أي رؤية ما لا يخطر في بالهم من ابتذال تفوّق على الجريمة ذاتها. وقد سرى يومها افتراض مفاده أن العالم لن يسمح بقتل السوريين، ومن ثم التنكيل بجثثهم على النحو الذي فعله رئيس النظام وأعضاء المجلس في ذلك الاحتفال الذي بُثّ على الهواء مباشرة. أسوأ التوقعات لم يكن ليصل إلى أن النظام سينظّم انتخاباته مرة أخرى، بل ها هو ينظمها للمرة الثانية بعد الثورة، وها هم مرشحوه ينقسمون بين ارتداء الثياب المرقّطة وحلقات الدبكة، أو يجمعون المظهرين معاً. وكي تبلغ الإهانة مداها، ها هو النظام يعلن عن الانتخابات أثناء انعقاد مفاوضات جنيف، كأنه يتجاهلها ويتجاهل مندرجاتها، ثم يقوم الرئيس الروسي بتبرير الانتخابات بوصفها شأناً دستورياً سيادياً.
مجلس أم البيارق هذا لم يعد حتى مثار نكتة، الأهم أنه راح يفقد تميزه باطراد منذ اندلاع الثورة، وعطفاً على التطورات الإقليمية والدولية التي شهدتها السنوات الأخيرة. الابتذال السوري، الذي كان يُفترض انتهاؤه، تطور الحديث عنه بصفته النظام الذي ينبغي الحفاظ عليه تحسباً من الفوضى. صارت أم البيارق وأقرانها من أصحاب سجل النشاط الصفري مطلباً دولياً، وبدل أن يقدّم إسقاط النظام كما كان مأمولاً المثل الجيد صار منع إسقاطه كفيلاً بتقديم النموذج الذي يجب الاحتذاء به خارجياً. هكذا لم يعد من أحقية، على سبيل المثال، لمثقف لبناني مرموق كي ينال الترشيح لأمانة اليونسكو، ولا يوجد من اللياقة ما يمنع ترشيح أم البيارق نفسها بدلاً منه عن المجموعة العربية. لم يعد من رادع أمام رئيس دولة عربية أخرى أن يصف دول الخليج بأنها تملك أموالاً “زيّ الرز”، وأن يبدي استعداده لبيع نفسه، بعد نجاح نموذج بشار في بيع نفسه والبلد معاً لأكثر من مشترٍ.
القائمة طويلة، حتى لا نغامر بالقول بأننا نشهد انحطاطاً متسارعاً يبدو بمثابة الثورة المضادة على كل ما كان متوقعاً قبل خمس سنوات. العالم “المتقدم” نفسه يبدو كأنه لم يسلم من الموجة، فإذا رعى أوباما موضوع عدم سقوط النظام السوري سنجد بين مرشحي الرئاسة من يزايد عليه في غياب الاعتبارات الأخلاقية، مع إضافات عنصرية ليست مستمدة بالتأكيد من قاموس مسؤول لبناني بارز. وإذا تجاوزنا ما سبق، ووضعناه على كاهل الإسلاموفوبيا، فلا شك أن أحداً لم يتوقع انحدار الحملة الرئاسية الأميركية إلى النقاش على الهواء مباشرة في كفاءة العضو الجنسي لدونالد ترامب.
لم يكن العالم دائماً بهذا الانحطاط، وليست هذه سنّة الكون كما يروج منظّرو الانحطاط. المسألة على الأرجح أن الابتذال يصل إلى كماله، إلى نسخته الأنقى، وأننا نشهده الآن عارياً من كل ما تجمّل به سابقاً، ومهما قلنا في هجائه فلن نزيد لأن في استمراره الإهانة الأكبر.
المدن
تحولات الانتخابات البرلمانية في سوريا/ فايز سارة
تمثل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أجراها نظام الأسد، مشهدًا آخر في مسرح اللامعقول الذي كرسه نظام الأسد في السنوات الخمس الماضية في سوريا، وكان بين مشاهده الأخرى الأكثر إثارة قتل واعتقال ودمار وتهجير وإفقار وتجويع للسوريين، فاقت كل ما يماثلها من مشاهد، ظهرت على مسرح اللامعقول العالمي طوال عقود طويلة من الزمان في بلدان العالم المختلفة.
والانتخابات الأخيرة في بعض جوانبها، لا سيما في مسارها وفي نتائجها، بدت استمرارًا لنهج كان قد كرسه الأسد الأب في عهده الطويل، وقد بدأه بمجلس معين في عام 1971، قبل أن يرسم تجربة الانتخابات المحسوبة النتائج بصورة مسبقة ودقيقة للغاية، ولم يتم خرق تلك النتائج إلا مرات قليلة، وفي مناطق محدودة. وعمليات الخرق القليلة كانت نتيجة أخطاء من النظام وأجهزته، وخروجهما عن النهج المعمول به، أكثر مما كانت ثمرة لنشاط جماعات أو شخصيات عملت على خرق مسار الانتخابات ونتائجها، أو واحدة منها.
وبدا من الطبيعي أن يرث الابن فيما ورث من تركة أبيه الميت، تجربة الانتخابات البرلمانية، فكانت تجارب عهده الانتخابية مثل تجارب أبيه مع تعديلات طفيفة وغير جوهرية، غير أنه، ومع انطلاق ثورة السوريين على النظام في عام 2011، فتح الأسد الابن الباب أمام تبدلات عميقة في الانتخابات البرلمانية، فكانت تجربة عام 2012، التي تمت بداية العام الثاني من الثورة، ثم جاءت التجربة الأخيرة بعد دخول ثورة السوريين عامها السادس.
ففي عام 2012، وبدل أن يذهب نظام الأسد إلى حلول للقضية السورية تستجيب للمطالب الشعبية، وتتعامل معها بطريقة تتجاوز الحل الأمني العسكري الذي اتبعه، وتفتح الأبواب لحل سياسي، أصر على إجراء الانتخابات وجاء ببرلمان من مؤيديه ومن الشبيحة، ليدعموا سياساته وممارساته ضد الشعب، غاضًا البصر عما يحيط بالبلاد وبالسوريين من ظروف استثنائية، مؤكدًا رغبته في الاحتفاظ بالسلطة مهما كانت النتائج، قبل أن يضيف إلى ذلك فعلاً آخر مماثلاً في الانتخابات الرئاسية، التي جددت لبشار الأسد في عام 2014 وجوده على رأس نظام فقد شرعيته السياسية والوطنية والأخلاقية.
ثم جاءت انتخابات عام 2016، لتكون مسارًا إلى الأعمق في نهج النظام ورئيسه، متجاوزة وقائع تضرب في الأعماق فكرة إجراء أي انتخابات برلمانية، حيث تتوزع السيطرة في البلاد على سلطات الأمر الواقع المتصارعة، القسم الأكبر مساحة منها تسيطر عليه قوى الإرهاب والتطرف من «داعش» و«القاعدة» وأخواتهما، وقسم آخر تسيطر عليه قوى المعارضة المسلحة، وقسم تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سياسته الملتبسة، وقسم أخير يسيطر عليه النظام وحلفاؤه، وفي هذا الشق من السيطرة تنتصب قوى خارجية، تتبع دولاً، بينها إيران وروسيا وميليشيات من الأفغان والعراقيين واللبنانيين وغيرهم.
والنقطة الثانية في الوقائع المحيطة بانتخابات عام 2016، تكمن في حال السوريين الذين وزعتهم السياسات الدموية والإرهابية للنظام وحلفائه وجماعات التطرف إلى نحو ستين في المائة موجودين داخل الأراضي السورية، وأربعين في المائة مهجرين ولاجئين في بلدان الجوار وفي الأبعد منها. بل إن المقيمين في الداخل السوري لا تجمعهم ولا تساعد الظروف على مشاركتهم في عملية انتخابية، إذ لا يسيطر النظام بصورة كاملة إلا على محافظة واحدة هي طرطوس، وعلى أغلبية محافظة اللاذقية، وله سيطرة ملتبسة على محافظة السويداء، ووجود نسبي في بقية المحافظات، ما عدا الرقة وإدلب الخارجتين كليًا عن سيطرته.
النقطة الثالثة في الوقائع أن الانتخابات جرت في أجواء مساعٍ دولية لحل سياسي وفق مضمون القرار 2254 الذي انعقد مؤتمر «جنيف3» على أساسه، وعلى أعتاب جولته الثالثة، التي قيل إنها للبحث في موضوع الانتقال السياسي في سوريا، الأمر الذي يعني عدم جدية النظام في التعاطي مع المساعي الدولية أو استهانته بها على الأقل، من خلال سعيه إلى تكريس وقائع تعيق جهود التسوية.
النقطة الرابعة المحيطة بالانتخابات، تزامنها مع استئناف العمليات العسكرية للنظام وحلفائه في ثلاث جبهات على الأقل، تشمل دمشق وحلب والمنطقة الوسطى، في خرق واضح للهدنة، وهو ما ترافق مع إعلان مجيء قوات إيرانية إلى سوريا للقتال مع قوات النظام، وزيادة المشاركين في حرب النظام من الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية بهدف انتزاع أراضٍ جديدة من سيطرة قوة المعارضة، وخلق وقائع ميدانية تحسن وضع النظام على الأرض، وتفرض تلك الوقائع على مجريات المفاوضات سواء لتحسين ظروف الفريق التفاوضي للنظام أو لتعزيز قدرته على تعطيل الحل السياسي.
وسط تلك الوقائع، تبدو انتخابات النظام البرلمانية، مجرد مشهد مسرحي، لا يخفف من معناها إعلان النظام، أن إجراءها هو استحقاق ينبغي الحافظ عليه، ولا تبدل نتائجها، التي جلبت مطبلين ومزمرين وشبيحة من المؤيدين والمرتكبين، ليصيروا أعضاء في مجلس شعب دمية، يقارب التجربة العملية في الانتخابات البرلمانية السورية الشائعة، بل ويزيد عليها الكثير!
الشرق الأوسط
فنانون سوريون إلى مجلس الشعب… أنزور ورمضان والطويل وتوفيق اسكندر لاعبون وأدوار… وللخاسر جائزة ترضية في جنيف/ راشد عيسى
يتجه النظام السوري إلى تصليب عود مجلس الشعب (البرلمان) المقبل، الذي سيشهد انتخابات عمّا قريب، ولذلك، على ما يبدو، أوعز لبعض فنّانيه الخلّص لترشيح أنفسهم. ولا غرابة في ذلك بالطبع، فقد أثبت فنانو النظام أنهم صقور وقت الحرب، وأنهم جديرون بوزارة دفاع لا ثقافة، أو نقابة فنانين، أو برلمان وحسب.
لا يغيب عن البال أن مخرجاً مثل نجدت أنزور تجرّأ على ما لا يقدر العسكر على قوله، حين طالب بقصف مناطق المعارضة بالبراميل، حتى لو احتوت على مدنيين، فهؤلاء، بحسبه، ليسوا سوى حواضن للإرهاب. لقد تجرأ الرجل إذاً على أن يكون على يمين رئيسه، الذي رفض الاعتراف، في مقابلة صحافية، بأن قواته استخدمت البراميل في قصف أحياء المدنيين.
إذاً فإن أنزور على رأس قائمة مرشحي البرلمان من الفنانين، وله رصيد كبير في خدمة النظام، وفي خدمة أنظمة أخرى من قبل. أعماله الفنية كانت دائماً تنهل من ملفات الاستخبارات، سعودية كانت، أم سورية، أو ليبية، خصوصاً تلك التي تناولت الإرهاب والتفجيرات، فأنزور تمكّن، من بين كل مخرجي الكرة الأرضية، أن يحصل على السماح بزيارة كتاب السيناريو الذين يعملون لمصلحته بزيارة أقبية المخابرات، والحديث وجهاً لوجه مع سجناء متطرفين، للاستفادة من رواياتهم وتحويلها إلى حكايات متلفزة.
«حربجية» أنزور لا تحتاج إلى تحرٍ، علاقته مع النظام لا تخفى، ومقابلاته كذلك، إلى جانب أعماله، التي يجب أن توضع في إطار الدعاية الحربية، وتلحق بـ «إدارة التوجيه المعنوي والسياسي».
نقيب الفنانين
نقيب الفنانين زهير رمضان، لا يستطيع الخروج من دوره كمساعد في الجيش، في فيلم المخرج عبداللطيف عبدالحميد «رسائل شفهية». إن كبر دوره قليلاً سيكون مختاراً هزلياً لضيعة هزلية هي «ضيعة ضايعة»، أكثر قليلاً سيكون نقيباً للفنانين، ومن ثم نائباً في برلمان نظام البراميل، وهو قد جرّب حظه من قبل في إلقاء براميل على زملائه من الفنانين، معارضين وموالين، إذ راح يشطب ويصدر قوائم بفصل الفنانين كلما أتاح له الوقت، كأنما ينتقم لكل تاريخ التهميش والاستعلاء عليه كممثل بلا موهبة، احتاج دائماً ليد المخابرات الممدودة، كي تساعده في الحصول على دور في التلفزيون، أو في السياسة.
للفنانين سيوف
مرة سئل الفنان أيمن رضا، الكوميديان السوري الموهوب، لماذا عدم مشاركته في أحد مسلسلات نجدت أنزور، وكان مسلسلاً فانتازياً حربياً يمتلئ بالسيوف والرماح والخيل وجثث القتلى، فأجاب «ليس لديّ سيف لأشارك». أما عارف الطويل، الممثل المرشح عن ريف دمشق إلى مجلس الشعب، فيبدو أن لديه مخزنَ سيوف بحاله، كيف لا، وهو يرى في نفسه أحسن مدرب في مبارزة السيوف، وأن على يديه تتلمذ أشهر محاربي المسلسلات التلفزيونية، هؤلاء الذين كانوا على الدوام ذخراً لمسلسلات أنزور الفانتازية.
لكن وقفة عارف الطويل إلى جانب النظام السوري، محارباً ومجادلاً ومنافحاً عنيداً، تشي بأنه ينام على مخازن للذخيرة والعتاد، ويبدو أن هذا ما يحتاجه النظام كي يصلب عوده.
عارف الطويل سيفوز غداً، سيصل إلى النيابة. ومن دون أن يكون مضطراً لإعلان أجندة سنعرف جميعاً ما أجندته، إذ ماذا يفعل برلمان للنظام السوري في وقت الحرب، برلمان يُنتخب بقوة السيوف، والبراميل، غير أن يصفق، ويطالب بمزيد من قصف ما تبقى من السوريين الأعداء؟
المكان الأثير
أما الممثل توفيق اسكندر، وهو الركن الأخير في رباعية الفنانين المرشحين لمجلس الشعب، فهو يعلن أن لا حاجة لأجندة للدخول إلى مجلس الشعب. يقول «لا أبحث عن الشهره لأنها لا تنقصني»، مع العلم أن لا أحد يعرف من هو اسكندر غير أبناء حارته، ويعلن أن ما يدفعه ليس سوى «الرغبة في تثبيت أسس النصر، الذي يخطه جيشنا الباسل بقيادة المفدى الرئيس بشار الأسد». وحين يسرد على صفحته على «الفيسبوك» سيرته الذاتية، ويقول كيف درس ومثّل وعمل في نقابة الفنانين، يؤكد أنه حينما بدأت الحرب «ابتعد عن عمله ووسطه الفني وأصبح جندياً مع حماة الديار»، وهذا بالطبع ليس فيه أي نوع من المجاز. فصوره بالسلاح والبدلة العسكرية تملأ صفحته، كما تملأ صفحات موالي النظام.
انسحب اسكندر إذاً من موقعه كممثل مغمور، لا يلتفت إليه أحد، إلى مكانه الأثير كمقاتل في ميليشيا تدافع عن النظام، يبدو لي أنه لم يكن يوماً سوى ذلك، طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية، أو ممثلاً في أروقة التلفزيون، أو إدارياً في «نقابة الفنانين».
جائزة ترضية في جنيف
أما إذا حدث وتضاربت رغبات فروع الأمن في ترجيح كفّة أحد المرشحين للبرلمان على حساب أحد الفنانين، كما حدث مع المخرجة سهير سرميني في دورة انتخابية سابقة، فليس هناك ما يقلق، يمكن حينها أن يعطى الخاسر، تماماً كما سرميني، مقعد أمين عام مساعد لحزب من أحزاب «معارضة الداخل»، مثل «حزب الشباب السوري»، الذي مثلتْه سرميني في مفاوضات جنيف الأخيرة، وأطلّت عبر الشاشات لتقول إنها تمثل معارضة دمشق، في أوضح عملية تضليل للمجتمع الدولي، الذي يتصنّع الغفلة، أو أنه يتواطأ إلى هذا الحد مع حيل النظام.
الفنانون أدوار إذاً، منهم من هو على الجبهة مباشرة، ومنهم من هو في «إدارة التوجيه المعنوي»، ومنهم من يحارب تحت قبة البرلمان.
القدس العربي
الإعلام السوري يغطي الانتخابات: عرس الكليشيهات البعثية/ وليد بركسية
لا يغطي الإعلام السوري الرسمي الانتخابات البرلمانية التي بدأت في البلاد، الأربعاء، تحت شعار “العرس الديمقراطي الكبير”، كما اعتاد طوال العقود الماضية. فبعد خمس سنوات من الحرب في البلاد يتخلى النظام عن التشدق بالديمقراطية أمام العالم، منتقلاً في خطابه إلى مفردات جديدة تتمحور حول الاستحقاق الدستوري الذي يرسم هيكلية الدولة السورية القائمة.
المصطلح السابق يصوغه الرئيس السوري بشار الأسد بشكل صريح خلال مشاركته في الانتخابات في مكتبة الأسد بدمشق، وهي أول مشاركة لرئيس سوري في انتخابات تشريعية، وذلك “دفاعاً عن الدستور في وجه الإرهاب”.
وخصصت وزارة الإعلام بالتعاون مع “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” مركزاً إعلامياً في فندق “شيراتون” في دمشق “لتوفير التجهيزات ومعدات النقل اللازمة للقنوات والإذاعات التي ستواكب انتخابات مجلس الشعب”.
ويضم المركز 4 استوديوهات بث تلفزيوني وجزر مونتاح وحواسيب وإنترنت فائق السرعة، وأجهزة للاتصال بالأقمار الصناعية والخدمات التقليدية كالهواتف والفاكس، دون إعطاء معلومات عن هوية القنوات التي تشارك في التغطية أو عدد الإعلاميين في المركز، وتحديداً الأجانب منهم.
وخصصت القنوات السورية الرسمية وقتها بالكامل لتغطية الانتخابات، فانضمت قناة “تلاقي” لـ”الفضائية السورية” في بث مشترك. وفتحت “الإخبارية” الهواء لتغطية مشابهة، بعد أيام من حشد الجمهور الموالي في الداخل للمشاركة واستذكار “القيم البرلمانية التي قامت عليها الدولة السورية” في برامج مختلفة. وفي ذلك ما ناقض الخطاب الرسمي نفسه لكون النظام البرلماني جزءاً من الديمقراطية كقيمة غربية أصلاً.
وكاستمرار لخطاب الإعلام الرسمي منذ 2011 القائم على تحديد الهوية الوطنية بالولاء للنظام والعودة إلى حضن الوطن، يتم ربط الانتماء الوطني بالانتخابات: “إن لم تشارك بالانتخابات فأنت خائن وتحقق رغبات أعداء سوريا”، لتصبح “المشاركة هي الغاية،أما النتيجة فثانوية”، لأن الانتخابات مهما كانت ظروفها “هي تأكيد على هيكلية مؤسساتية ما زالت قائمة في النظام”.
غياب مفهوم الديمقراطية المرتبط بالانتخابات يستبدل بمفهوم الصمود، فالانتخابات “الصورية” في هذا التوقيت ليست موجهة لأداء مهماتها في الداخل كما ينبغي بقدر ما هي “رسالة إلى العالم عن انتصار سوريا بعد سنوات العدوان”. فيما يكرر المشاركون في الانتخابات أمام الكاميرات الرسمية بشكل تلقيني واضح عبارات مثل “أردوغان وآل سعود يتعلمون إجراء الانتخابات من سوريا” و”إنها صفعة لأميركا”.
“الإخبارية” خصصت فواصل كارتونية تبرز ما سبق ويتم بثها بكثافة وخصوصاً المتعلق “بتحدي الولايات المتحدة عبر العملية الدستورية”، وهو جزء من خطاب النظام القائم على الهوية السورية في وجه الغرب، والتي يروجها منذ فترة كمرجعية ثقافية يستمد منها شرعيته الجديدة.
الصراع مع الغرب كان لافتاً أيضاً في استوديو “الفضائية السورية” كقيمة مرجعية لتقييم الانتخابات. فالشعب السوري “بمشاركته الحاشدة” حسب تعبير القناة، يفاجئ العالم والإعلام الغربي، وبالتالي يصبح الغرب ضعيفاً من دون أوراق يضغط بها نفسياً وإعلامياً على الشعب السوري الذي يحقق النصر للنظام. وللسخرية يستعين ضيوف التغطية “بدراسة أميركية حديثة” تقول إن “الشباب العربي بعد 5 سنوات من الثورات يفضل الدكتاتورية على الديمقراطية، وفي ذلك انتصار لسوريا”.
يتم تفسير “إقبال الجماهير على الانتخابات” في تغطية “الفضائية” بالوعي السياسي أولاً وإنكشاف المؤامرة ثانياً، ثم إجراء مقارنة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، لإظهار النظام بشكل لطيف دستوري يوفر رفاهية صندوق الانتخابات للشعب كخدمة ثانوية غير ضرورية، مقابل “الاقتتال الذي تقوم به الفصائل المعارضة في ما بينها في ريف درعا وريف إدلب بشكل يحول حياة المواطنين إلى جحيم”.
بالتالي، تصبح الانتخابات مساحة لمقارنة النظام بالإرهاب التكفيري والتساؤل عن البديل المتوافر في حال الإطاحة بالنظام، وذلك تماماً كخطاب النظام في الأمم المتحدة وجولات مفاوضات السلام المتعددة.
التغطية تحولت إلى كوميديا بعض الشيء عبر مبالغات المراسلين المحليين في إظهار تفانيهم وإخلاصهم للنظام، فتقول المراسلة من مشفى المواساة: “المرضى ينهضون من أسرتهم رغم الألم من أجل المشاركة والإدلاء بأصواتهم، المرضى مواطنون أيضاً”، أو “الشعب الأرمني هو جزء تاريخي من الشعب العربي”، كما يقول المراسل في حلب.
ونشرت صفحات القنوات السورية والصفحات المؤيدة عموماً مجموعة من الوسوم (هاشتاغ) حول الانتخابات، فكان شعار تغطية “الإخبارية” رسمياً وجافاً: #الانتخابات_البرلمانية_السورية_2016، فيما حملت بقية هاشتاغاتها الثانوية الرؤية السياسية العامة للإعلام الرسمي تجاه الحدث (#صوتك_بيكمل_صمودك، #أكيد_رح_نشارك، #خلي_الصوت_سوري، #صوتك_بيغير). بينما اعتمدت قناة “تلاقي” على هاشتاغ “#رح_نصوت_لسورية” مع صور فريق القناة كدعوة للناس إلى المشاركة.
ورغم ملايين السوريين اللاجئين والهاربين من العنف في البلاد، يصر الإعلام الرسمي على أن نسباً كبيرة منهم يعودون إلى البلاد بغرض المشاركة في الانتخابات، ويتم إجراء لقاءات مع بعضهم وتصوير جوازات سفرهم كإثبات على تلك “الروح الوطنية”. ويتم تهميش موضوع النزوح الداخلي والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فيصبح النازحون والمهجرون ضمن المحافظات مجرد “وافدين” يشاركون في مراكز بديلة، كأنهم يقومون بسياحة داخلية ولم تتهدم بيوتهم.
في السياق، كان لافتاً تخصيص الصفحات المؤيدة غير الرسمية (منها “دمشق الآن”) هاشتاغات مستفزة عن الانتخابات في المناطق المعارضة مثل “#اهالي_إدلب_تنتخب” و”#درعـا_تنتخب”، فيما تغيب الرقة وأهلها بالكامل عن التغطية، ويتم اختصار المعاناة المحلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بمفهوم الإرهاب والوطنية وصولاً إلى التشفي لسوء تقديرهم الأمور وعدم دعمهم للوطن.
المدن