عن بعض المعارضة السورية وعدائها لكفاح الشعب الكردي
طارق حمو
مراد قره يلان، رئيس اللجنة القيادية في حزب العمال الكردستاني، أعلن بان العملية النوعيّة التي نفذها مقاتلو الحزب وطالت مواقعا عسكرية تركية جاءت ردا على قتل طائرات الجيش التركي لثلاثة من قادة الحزب في 10/10/2011. الكردستاني لم يعلن عن فقدانه لقياداته الثلاثة ( رستم جودي، علي شير كوجغري وجيجك بوطان)، بل تكتم على الحادثة وخطط لعملية رد نوعيّة انتقاما لهم.
عملية الرد العسكرية جاءت بعد اسبوعين فقط ووقعت في منطقة (جلي) التابعة لولاية جولمرك/هكاري وشارك فيها 200 مقاتل وطالت 9 نقاط عسكرية تركية، واستمرت حوالي 6 ساعات، واسفرت عن مقتل 81 جنديا تركيا وجرح العشرات. زلزلت العملية كيان الدولة التركية واستدعت ردود فعل غاضبة وهستيرية. هي العملية الأكبر للكردستاني ضد الجيش التركي منذ اعلانه الكفاح المسلح في 15/08/1984.
ردود الفعل الهستيرية لم تصدر عن اركان الدولة التركية فقط، بل صدرت عن مجموعة متجانسة من الدول والجهات والاحزاب والشخصيات العربية أيضا، وبشكل خاص اتباع حزب العدالة والتنمية التركي من المرتمين في حضنه الآن، وبعض “اساطين المعارضة” من الشموليين عشاق نظرية المؤامرة تلك. ردود فعل عصبوية وموتورة اتهمت الكردستاني ب”العمالة للنظام السوري” لأنه وبشنه لهذه العملية الانتقامية انما انتقم من حزب العدالة والتنمية الذي “يضيّق على النظام في دمشق” و”ينتصر للمعارضة الديمقراطية”!. وتنوعت الشروحات والسيناريوهات في خيال بعض اطراف المعارضة السورية العروبية والاسلاموية التابعة للحزب الاسلامي التركي الحاكم الى ذلك الحد الذي جعلنا نتحول عن متابعتها لعصبويتها في الاتهام، وقلبها المتقصّد المقزز للحقائق، وذهابها المازوشي في التهويل واللطم ولكن أيضا في تجميل وجه حزب العدالة والتنمية القبيح!.
شاهدنا ردود افعال انتفت فيها الموضوعية والمصداقية وطغى عليها التسرع في الاتهام والركون لنظرية التآمر والمؤامرة تلك. ردود أفعال غاب عنها أي المام بواقع القضية الكردية في تركيا، او معرفة بتطورات وتفاعلات المشهد السياسي الكردي هناك. للأسف ظهرت بعض الكتابات من شخصيات مثقفة ( صبحي حديدي: حزب العمال الكردستاني والنظام السوري: وكالة أم عمالة؟. صحيفة “القدس العربي” اللندنية) كنا نشهد لها بسعة المعرفة وعمق التحليل ومراقبة حصيفة للمشهد السياسي في عموم منطقة الشرق الاوسط. خذلتنا هذه الشخصيات وارتكنت على عجزها في مواجهة النظام السوري وفشلها في العمل المعارض الجماعي ضده والقصور الكبير في ترجمة مطالب الشارع الثائر، لتفرغ كل تلك العقد في رأس حزب العمال الكردستاني وتجرّم ـ بجرة قلم ـ كل نضاله وكفاحه المرير من أجل حقوق وهوية الشعب الكردي في اقليم كردستان الشمالية، وتحوّل هذا النضال( في كل أشكاله وتنويعاته السياسية والعسكرية) إلى “عمالة” و”وكالة” للنظام السوري. اساءت هذه الشخصيات لنضال ثوار الكردستاني عندما صورتهم كمرتزقة وبيادق بيد النظام السوري مرةً، واساءت لروح الكلمة وتجنّت عليها، عندما ذهبت هذا المذهب الغارق في الدلالات النفسية المهزومة، والقريب من تفسير منظري النظام في “التآمر” و”المؤامرة”، وصورّت وكأن النظام في دمشق آيل للسقوط حتما تحت نوعيّة نضالاتها، ولكن حزب العمال الكردستاني واكراد تركيا هما من يمنعان ذلك ويسندان وتد خيمته المنهارة، مرةّ أخرى!.
المجلس الوطني السوري، الذي يٌسيطر عليه تنظيم الاخوان المسلمين الاصولي، سارع في اصدار بيان من احد فنادق اسطنبول لتجريم العملية والانتصار لسياسة الارهاب التركية. والموقف هذا كان متوقعا من هكذا مجلس يٌسيطر عليه ـ وينفذ فيه ـ رجالات واتباع حزب العدالة والتنمية. وتعدى الموقف لشجب وادانة عملية الرد العسكرية التي نفذها مقاتلو الكردستاني ( رغم انها طالت جنودا في حالة حرب ومواجهة، ولاتعتبر في المقاييس القانونية الدولية أي نوع من الارهاب) ليشمل نضال الشعب الكردي في عموم اقليم كردستان الشمالية المحروم من كل حقوق الانسان، والذي يصل تعداد نفوسه الى حوالي 20 مليون كردي، أي مايقارب من تعداد الشعب السوري.
بيان المجلس الوطني السوري استفز كل الشعب الكردي، وليس فقط مؤيدو حزب العمال الكردستاني وهم بالملايين. الكتلة الكردية في المجلس المذكور رفضت البيان واعلنت برائتها منه وهو اضعف الايمان. ورب ضارة نافعة، اذ اكتشف كل الشعب الكردي وجه هذا المجلس القبيح والجهات التي تتحكم فيه والاجندة المعادية للشعب الكردي التي تتغلب عليه، وكيف ان البعض قد حوّله، من وراء ظهور رفاقهم، الى حصان طروادة لحزب العدالة والتنمية، الذي يريد تعويض خسارته وفشله في الحالة العراقية عام 2003، ومنع اعادة أي تجربة كردية في سوريا، حتى ولو ادى ذلك الى التسبب بحرب اهلية في البلاد.
حزب العمال الكردستاني ليس عميلا لأحد ولن يكون. حزب العمال الكردستاني كان يحارب حزب العدالة والتنمية عندما كان أردوغان “حبيب قلب” اسرائيل وطائرات “الهرون” التي اشتراها من الدولة العبرية تدك مواقع المقاتلين الكرد في قنديل، وهو، كذلك، يحارب العدالة والتنمية وعلاقته تعطلت مع اسرائيل واللوبي اليهودي في العالم. حزب العمال الكردستاني سيحارب الدولة التركية طالما هي تغتصب حقوق الشعب الكردي وترفض الاعتراف بهويته القومية وتصر على منع ملايين الاطفال الكرد المتوجهين للمدارس كل صباح من التعليم بلغتهم الام. حزب العمال العمال الكردستاني سيفعل ذلك سواء بقي نظام بشار الاسد او ذهب. فقضيته ليست في ذلك.
منذ بداية ثورة الشعب السوري من اجل الحرية والديمقراطية حذرنا من الغدر وقلنا بان المجموعات السورية المعارضة التي تتجمع في تركيا لاتضمر الخير للشعب الكردي وهي ستنفذ كل الشروط التركية، ولن تقبل باقرار أي حقوق للكرد في سوريا. عرفنا بان حزب العدالة والتنمية شكل ومنذ اليوم الاول للثورة السورية “غرفة عمليات خاصة” لمتابعة التطورات في سوريا واختراق الساحة الكردية هناك. اشرنا الى تصريحات رجب طيب اردوغان والذي حذر رئيس النظام السوري بشار الأسد من “وجود مؤامرة ضد النظام في دمشق” عندما اجتمعت الاحزاب الكردية في القامشلي في 14/04/2011 واطلقت (مبادرة احزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا). كانت تلك معلومات موثقة حصلنا عليها من مصادرنا داخل الحكومة التركية ولم يكن تحليلا من عندياتنا. وقلنا للجميع بان حزب العمال الكردستاني لن يسمح لتركيا ولعملائها بالنيل من الشعب الكردي في سوريا مهما حصل.
ونحن هنا لانفشي سرا اذما اذعنا بان حكومة اقليم كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني في اتصال وتشاور يومي، ومنذ انطلاقة الثورة السورية، مع الاحزاب الكردية السورية ومع الفعاليات المؤثرة، وهم لن يتركوا الكرد هناك وحدهم، سواء في مواجهة النظام الغاشم او في مواجهة أي قوة أخرى تنوي الغدر بهم.
ليعلم كل الذين يضمرون الشر للكرد بانهم لن يهنئوا بسوريا مستقرة ليس للكرد فيها حقوق. ليعلم من يريد تطبيق نموذج حزب العدالة والتنمية التركي في سوريا، وحرمان الشعب الكردي من هويته القومية ومن الادارة الذاتية لمناطقه بانهم لن يتمكنوا من تحقيق اهدافهم، مثلما لم يتمكن رجب طيب اردوغان من تحقيق برنامجه المعادي للكرد منذ مجيئه عام 2002، وهاهو الآن يترنح تحت ضربات الحركة القومية الكردية رغم كل الدعم الذي تلقاه ويتلقاه من أوروبا واسرائيل والولايات المتحدة الاميركية وايران والنظام السوري وحكومة المالكي في العراق.
الحكومة التركية ورغم كل هذا الصخب والتهديد ب”الانتقام الكبير” مثلما ذهب رئيس الدولة عبدالله غول، وسفك المزيد من الدماء، الا انها عاودت مؤخرا فتح قنوات الاتصال مع حزب العمال الكردستاني لايجاد مخرج للازمة وحل القضية الكردية بما “يضمن بقاء الكرد ضمن الحدود التركية مع احتفاظهم بنوع من الادارة الذاتية، شرط تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح”. وزيارة نيجيرفان البرزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الاخيرة لانقرة جاءت من هذا الباب. البرزاني ابلغ المسؤولين الاتراك بانه لاحل دون حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله اوجلان، وبانهم في حكومة اقليم كردستان العراق مستعدون للعب دور الوسيط في اي مباحثات حل بين الحكومة التركية وبين قيادات الكردستاني. أي رهان تركي على تعاون عسكري كردي عراقي مع آلة الحرب التركية رفضه البرزاني بشدة. وهناك قريبا زيارة سيقوم بها مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني لأنقرة، وهي ستصب في نفس الاتجاه. وسيحمل البرزاني معه مقترحات حل جديدة ترمي الكرة، مرة اخرى، في ملعب الحكومة التركية.
والسؤال لبعض المعارضة العربية التي تتجند الآن لخدمة حزب العدالة والتنمية ومحاربة الكرد في سوريا: ماذا سيكون موقفكم اذما اتفقت تركيا والعمال الكردستاني على صيغة حل ما وانهاء الصراع الدائر بينهما منذ ربع قرن؟.
في 22 و23 من الشهر الجاري، عقد ( المؤتمر الوطني الكردستاني) وبحضور اكثر من 200 شخص من ممثلي أكبر الاحزاب الكردية من كل اجزاء كردستان، اضافة الى المفكرين والكتاب والصحفيين الكرد، لقاءا تشاوريا موسعا في العاصمة البلجيكية بروكسل لتدارس الاوضاع في كردستان ورفع توصيات الى القيادات الكردية. وكان الموضوع السوري على رأس الأولويات. وتم بحث المؤامرة التي تحيكها تركيا عبر المجموعات السورية المعارضة المرتبطة بها للنيل من الشعب الكردي في سوريا.
الكرد لايؤيدون النظام السوري الحالي، بل هم يطالبون برحيله مثلهم مثل غيرهم من أبناء الشعب السوري، وهم موجودون في كل تكتلات المعارضة السورية. الكرد موقنون بان النظام الحالي أوغل في دم الأبرياء والتفاوض معه من اجل الاصلاح أمر غير مقبول و”مضيعّة” للوقت. أما النظام فهو لايقتل المتظاهرين الكرد لحساباته الخاصة، وهذه ليست “منّة” منه ولا”نقيصة” تتهمنا بها أطراف المعارضة السورية، وخصوصا تلك المرتبطة بالجهات الخارجية. الأمر الاهم بالنسبة للكرد هو سوريا ديمقراطية تعترف بهويتهم القومية وتضمن لهم ادارة مناطقهم بأنفسهم. أي نظام يرفض هذه المطالب سيكون نظاما معاديا وخصما للكرد، مثل النظام الحالي، وربما أسوأ منه.
من يريد الاستفراد بالشعب الكردي والنيل منه لن ينجح. الكرد في سوريا ليسوا وحدهم. خلفهم أمة كبيرة تمرست على النضال وكفاح الطغاة وجبالها مليئة بالثوار ذوي العزم الشديد. الكل يريد سوريا جديدة، والكل يقبل بها. أما “سوريا جديدة” ولكن تابعة لتركيا، فستكون وبالا على الجميع. ومن يتحمل المسؤولية هم الجالسون في أنقرة واسطنبول الآن، من الذين ينفذون كل ما تمليه عليهم “غرفة العمليات الخاصة بسوريا” التابعة لحزب العدالة والتنمية…
ايلاف