عن تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة حول الجولان، وأنه سوف يبقى “تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد” –مجموعة مقالات-
مذاهب الجولان/ صبحي حديدي
لا جديد في تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة حول الجولان، وأنه سوف يبقى «تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد»؛ ما خلا أنّ هذه «الأبدية» تسعى إلى طراز من الاحتفاء بدنوّ الذكرى الخمسين لوقوع الهضبة السورية تحت الاحتلال الإسرائيلي. تصريحات مماثلة، مع اختلافات طفيفة في اللغة والمقاصد، صدرت عن نتنياهو نفسه في أطوار سابقة من ولايته كرئيس لوزراء إسرائيل، كما صدرت عن إسحق رابين ومناحيم بيغن وإسحق شامير وشمعون بيريس وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك وأرييل شارون وإيهود أولمرت.
أمّا بعيداً عن الجعجعة اللفظية، فالحقائق على الأرض تقول إنّ إسرائيل تستولي على مياه نهرَي اليرموك وبانياس، وتعتمد على الجولان في تأمين 50٪ من احتياجات المياه المعدنية، و41٪ من احتياجات اللحوم، و21٪ من كروم العنب المخصصة لصناعة الخمور (38٪ منها تصدّر للخارج)، وقرابة 50٪ من احتياجات الفاكهة. وهنالك قرابة 20 ألف مستوطن إسرائيلي، يقيمون في 34 مستوطنة، ويحتكرون استغلال الغالبية الساحقة من الأراضي الصالحة للزراعة. كذلك يظلّ بين أبرز الحقائق على الأرض ذلك التشريع الذي صدر عن الكنيست سنة 1981، وقضى بضمّ الجولان إلى الدولة العبرية عن طريق تطبيق القوانين الإسرائيلية على كامل المرتفعات المحتلة.
على الجانب الذي يخصّ النظام السوري، أغلق حافظ الأسد مصير الهضبة المحتلة بمفاوضات أيار (مايو) 1974 تحت خيمة سعسع، التي أسفرت عن تطبيق نظام لفصل القوّات أسكت المدافع الثقيلة مثل الرشاشات الفردية الخفيفة؛ فلم تُطلف رصاصة بعدها إلا لإخافة الرعاة وقطعان الماشية! ولقد تواصلت تلك المفاوضات على نحو او آخر، سرّاً أو علانية، في عهد الأسد الأب كما في عهد وريثه الأسد الابن، حول تفاصيل تخصّ «الحدود»، التي بقي مفهومها غائماً وعائماً، ومحلّ مساومات بلا طائل.
على الصعيد الشعبي انخرط المواطنون السوريون في بلدات وقرى هضبة الجولان المحتلة في حال من المقاومة الدائمة لسياسات الاحتلال، خاصة بعد القرار الإسرائيلي بضمّ الهضبة. المثال الأبكر، والأبرز، كان الإضراب الذي بدأ يوم 14/2/1982 وامتدّ حتى 19/7 ذلك العام، وعُدّ الأطول في تاريخ سوريا الحديث. وثمة عشرات التفاصيل المشرّفة التي اقترنت بتنفيذ ذلك الإضراب، والتي يتناقلها الجولانيون بفخار مشروع، واعتزاز بالغ لا يخلو من غصّة كبرى: موقف التخاذل الذي اتخذه النظام السوري، في حين أنّ أجهزته الأمنية ومعظم وحداته العسكرية الخاصة الموالية كانت منهمكة بتنفيذ المجازر في الداخل، ضدّ مدن وبلدات وقرى سورية!
وحين بدأ إضراب الجولان المحتل، كانت 12 يوماً قد انقضت على شروع النظام السوري في تنفيذ مجزرة حماة (30 إلى 40 ألف قتيل)؛ وقبل، وبعد، القرار الإسرائيلي بضمّ الجولان، كان النظام قد ارتكب مجازر أخرى، في جبل الزاوية، وسرمدا، وجسر الشغور، وسوق الأحد وحي المشارقة في حلب، وساحة العباسيين في دمشق… كما شهدت السجون السورية تصفيات جماعية مباشرة ومئات الحالات من الموت جرّاء التعذيب.
ولم تكن مصادفة خالية من قرائن المنطق أنّ النظام ذاته الذي دكّ مدينة حماة سنة 1982، عام الإضراب الجولاني المجيد، هو ذاته النظام الذي دكّ حمص في الذكرى الثلاثين للإضراب، سنة 2012؛ ما خلا أنّ الوحشية كانت أوسع نطاقاً: الأسد الأب مارسها لاجتثاث مجموعات مسلحة محدودة العدد والعدّة، وتأديب المجتمع بأسره؛ والأسد الابن يمارسها لقتال الغالبية الساحقة من الشعب السوري الأعزل، بما ملك نظامه من آلة بطش أمنية وعسكرية ومالية، وبما ارتهن لروسيا وإيران وميليشيات المذاهب.
لكنّ للجولان مذاهبه أيضاً، كما برهنت خمسة عقود: في مقاومة الاحتلال والتشبث بالهوية، من جهة؛ وفي رفض نظام الاستبداد والفساد وجرائم الحرب في الداخل، من جهة ثانية.
القدس العربي
شهادة: وهم الأبد في الصراع على هوية الجولان/ ياسر خنجر
لا ينطلق تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن «الجولان سيبقى تحت سيطرة إسرائيل إلى الأبد»، من وهم مطلق، ولا من ثقة حقيقية حول سيرورة التاريخ؛ إنه غرور المستعمر ممزوجاً بقراءة لحظية خاطئة للواقع. هذه القراءة الخاطئة ترتكز أولاً على أن الدولة السورية لن تكون قادرة على استعادة الجولان طالما أنها تصب كل اهتمامها على بقاء بشار الأسد في سدّة الحكم، الأمر الذي بات واضحاً كل الوضوح في أداء مؤسسات الدولة جميعها خلال أكثر من خمس سنوات على الثورة. وهنا يتقاسم بنيامين نتنياهو وبشار الأسد وهم الأبد في إحكام سلطتيهما على البلاد التي يحتلانها. وهي ترتكز أيضاً على معرفة إسرائيل بنقاط ضعف النظام، وقدرتها على استغلال هذه النقاط لضمان معادلة الوضع القائم، حيث تدرك أن أشد مخاوف النظام هي احتمال فشله في مواصلة حكم سوريا وليس احتمال فشله في استعادة الجولان.
أما في الإجابة عن سؤال لماذا لا تنطلق هذه التصريحات من وهم مطلق، فذلك لأن إرادة الشعوب وتطلعها إلى التحرر هي الغائب الرئيسي عن حسابات المستعمر، وهي الركيزة الأساسية لكسر سلطته. وفي حديثنا عن منهجية الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، فقد تنبه المستعمرون إلى تطهير البلاد من غالبية سكانها الأصليين، فهدموا 131 قرية سورية إضافة إلى مدينتي القنيطرة وفيق، وهجّروا 131 ألف مواطن (يبلغ تعدادهم اليوم حوالي 500 ألف) تمهيداً لمشروعهم الإستيطاني، ولم ينج من مذبحة الهدم والتهجير الإسرائيلية غير سبعة آلاف مواطن يعيشون اليوم في خمس قرى شمال الجولان المحتل. رغم ذلك فإن مشروع الإستيطان الإسرائيلي في الجولان لم يكن ناجحاً على قدر التغوّل في التهجير والهدم، حيث بنت إسرائيل 33 مستوطنة على أنقاض بيوت السوريين المهجّرين لم يتجاوز عدد سكانها 20 ألف مستوطن. هل تنبّه نظام الأسد إلى تلك المعادلة أيضاً، واختار ذبح أو تهجير كل من تهدد إرادتهم استمرار سلطته؟
في قرية عين فيت التي تبعد بضع كيلومترات عن بيتي، أطلّ من فتحة في الجدار كانت نافذة البيت مرّة، فأرى فلسطين تلوّح لي، وأصغي إلى أشواق اللاجئين، ركام بيوتهم شاهدة على وحشية الاحتلال وجرائمه، مثلما تشهد مخيمات لجوئهم على إهمال النظام لقضيتهم. وحده العشب ينبت طويلاً حيث كانت خطاهم تؤثث المكان.
من هنا يمكننا النظر إلى التصريح الإسرائيلي، الذي جاء عشية مرور 50 عاماً على سقوط الجولان في قبضة الاحتلال، على أنه انسجام مطلق بين مطامع إسرائيل الاستعمارية، واستمرار بشاعة المجازر التي يرتكبها بشار الأسد في محاولة الإبقاء على نظامه. لقد سبقت تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي ممارسات عملية أشد إيلاماً من القول بأبدية سلطان دولته على الجولان، وليست هذه أول مرّة تحاول فيها دولة الاحتلال فرض حطب رغبتها المقطوع من شجر الواقع على الأرض التي تحتلها في فلسطين والجولان. للمفارقة فإن جرح الجولان النازف منذ عام 1967 قد بدأ حين أصدر وزير الدفاع السوري آنذاك، حافظ الأسد، البلاغ الشهير رقم (66)، معلناً سقوط القنيطرة قبل أن يصل إليها أي جندي إسرائيلي. تلى ذلك التبجح الإعلامي الصادر عن إذاعة دمشق، بالتعليق الشهير على انتهاء المعارك: «الحمد لله، لقد استطاعت قواتنا الباسلة حماية مكاسب الثورة أمام الزحف الإسرائيلي، الحمد لله الذي أفسد خطة العدو وقضى على أهدافه الجهنمية، إن إسرائيل لن تحقق نصراً يذكر، طالما أن حكام دمشق بخير». فلا عجب إذن في أن يتواصل قتل السوريين اليومي، حين يردد القتلة مقولة «الأسد أو نحرق البلد».
عام 1974 أعلن حافظ الأسد عن تحرير الجولان ورفع العلم السوري في سماء القنيطرة، وكانت طعنة ثانية في هذا الجرح، فالجولان قد «تحرر» وفق الرواية الرسمية لنظام الحكم في سوريا، ودخل ما بقي منه تحت الاحتلال في سراديب النسيان حتى أواخر عام 1981 حين أصدر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قرار ضم الجولان وفرض الجنسية الإسرائيلية على مواطنيه السوريين. ولقد كان الإضراب الكبير لأبناء الجولان السوريين، والوثيقة الوطنية التي أصدروها يومذاك، شاهدين ودليلين على أن الهوية ليست مرهونة بدولة تفرض احتلالها بقوة السلاح أو قرارات الحكومة، ولا بنظامٍ يُهمل ثم يتناسى أن جزءاً من الدولة التي يحكمها ما زال محتلاً ويتمسك سكانه بانتمائهم متطلعين إلى يوم التحرير. تعتقلهم إسرائيل في زنازينها حيناً، ودائماً في حدود الدولة الدخيلة في اغتراب عن هويتهم الحقيقية، وكثيرون منهم يدركون تماماً أن هذا النظام الذي يذبح إخوتهم في الهوية والمواطنة لا يقل عن الاحتلال بشاعة وإرهاباً، ولا قتلاً وتشريداً.
عام 1997 اعتُقلتُ مع مجموعة من رفاقي بتهمت مقاومة الاحتلال، وبقيت في السجن الإسرائيلي سبعة أعوام ونصف. لم أسأل الاحتلال موافقته قبل أن نعلق العلم السوري على سطح مركز الشرطة الذي أحرقناه، ولم ننتظر نظام الاستبداد ليحرر الجولان. كنا فقط نحاول التأكيد على أن الهوية السورية للجولان وسكانه من عمق التاريخ، ليس من السهل اجتثاثها ولا هي تصدأ حين يوجعها الخذلان.
ليست حكومة الاحتلال أول الواهمين بامتلاك الأبد، هي فقط ترتب إيقاع خطابها مع وهم امتلاك الأبد في شعارات قرينها. ومن دلالات الثورة السورية، فيما هي تطلّع السوريين إلى تقرير مصيرهم والتخلص من نظام المذبحة الأسدي، أنها في الوقت عينه تهديد لاستمرار وجود الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، حيث أن انتصار الثورة السورية ـ والثورة مفهوم تحرري ليست داعش وأشباهها إلّا نقائض لها وأعداء ـ هي الخطوة الأولى على طريق امتلاك السوريين لقرارهم، وهي كسر «لأبدية» حكم نظام يصمت ذليلاً أمام كل الانتهاكات الإسرائيلية، ثم يواصل مجازره في قتل السوريين. الرهان الإسرائيلي على أبدية احتلالهم للجولان هو رسالة سياسية واضحة، تنسجم تماماً مع الرهان على أبدية بقاء عنق سوريا تحت سكاكين بشار الأسد.
وإنني كمواطن سوري من الجولان المحتل، أعلن أنه إذا كان ثمن تحرير الجولان كل هذه المذابح المستمرة بحق السوريين منذ استولى حافظ الأسد على الحكم، فهذا أكثر مما أحتمل. إنني أرفض مقايضة تحرير الجولان بحرية أهلي السوريين وسوريا من جزّارها، كلاهما حقّ على السوريين ولهم. تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي ليست أكـثر من تناغم قبيح مع سياسة نظام الأسد المجرم، بالدفع في إتجاه هذه المقايضة.
كاتب سوري من مجدل شمس المحتلة
القدس العربي
إسرائيل تستغل الأزمة السورية لانتزاع شرعية دولية لضم الجولان
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
عقدت الحكومة الإسرائيلية، في السابع عشر من إبريل/ نيسان 2016، اجتماعها الأسبوعي في هضبة الجولان السورية المحتلة، للمرة الأولى منذ وقوعها تحت الاحتلال قبل 49 عامًا. واستهل نتنياهو الاجتماع بالقول إنّ هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل “إلى الأبد”، وأنّ إسرائيل لن تنسحب منها تحت أي ظرف. فما هي الأسباب التي جعلت الحكومة الإسرائيلية تعقد هذه الجلسة الاستفزازية في الجولان، وما هي الرسائل التي أراد نتنياهو إيصالها؟
“فرصة تاريخية”
سنّ الكنيست الإسرائيلي قانون ضم الجولان السوري المحتل للسيادة الإسرائيلية في الرابع عشر من ديسمبر/ كانون أول 1981 باقتراحٍ من حكومة مناحيم بيغن. وقد أثار ذلك الضم معارضةً عربيةً ودوليةً شديدةً، ولم تعترف به أيّ دولة أو هيئة دولية. وعلى الرغم من ضم الجولان، أجرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مفاوضاتٍ علنيةً وسريةً، مباشرةً وغير مباشرةٍ، مع النظام السوري، بشأن الانسحاب من الجولان وإعادته إلى سورية مقابل توقيع اتفاق سلامٍ شاملٍ بين سورية وإسرائيل، وتطبيع العلاقات بينهما. وقد فشلت هذه المفاوضات، في كل مرّة، بسبب تعنّت إسرائيل ورفضها الانسحاب إلى خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967.
“قادة إسرائيل ومنظّروها يروّجون مقولة إنّ سورية التي كانت قائمةً قد انتهت، ولم يعد بالإمكان إعادة تشكيلها، وأنّ التقسيم على أسسٍ طائفية وإثنية وجهوية بات أمراً واقعاً”
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 2010، سنّ الكنيست الإسرائيلي، بمبادرة من حكومة نتنياهو، “قانون الاستفتاء العام”، بغرض وضع العراقيل أمام أيّ انسحابٍ من أراضٍ تخضع للسيادة الإسرائيلية، وكان المقصود بذلك الجولان والقدس الشرقية المحتلة. وأكّد هذا القانون أنّ كلّ انسحابٍ إسرائيلي من منطقةٍ تقع تحت السيادة الإسرائيلية يحتاج إلى أغلبيةٍ في استفتاءٍ عام، وقد أيّد القانون 61 عضواً في الكنيست من بين مجموع أعضائه البالغ عددهم 120 عضوًا.
وعند انطلاق الثورة السورية في عام 2011، واختيار النظام السوري تحويلها إلى حربٍ أهلية، اتخذت إسرائيل موقفاً يهدف إلى إطالة أمد هذه الحرب، وإضعاف سورية إلى أقصى درجةٍ ممكنة. ومنذ عام 2014، ولا سيما بعد ظهور تنظيم الدولة (داعش)، أخذ قادة إسرائيل ومنظّروها يروّجون مقولة إنّ سورية التي كانت قائمةً قد انتهت، ولم يعد بالإمكان إعادة تشكيلها، وأنّ التقسيم على أسسٍ طائفية وإثنية وجهوية بات أمراً واقعاً. وعلت أصواتٌ تدعو إلى استثمار الحرب في سورية، ليس لدفع خيار تقسيمها فحسب، وإنما أيضاً من أجل مطالبة المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي، للاعتراف بضم إسرائيل هضبة الجولان السورية المحتلة، ومنح هذا الضم شرعيةً دوليةً.
وثمّة مؤشرات حول تشجيع إسرائيل دولاً أخرى من أجل تقاسم سورية؛ ليكون احتلالها جزءاً من تقاسمٍ إقليمي لأراضيها. فقد دعا تسفي هاوزر، المقرّب من نتنياهو والذي شغل منصب سكرتير الحكومة في السنوات 2009-2013، في مقالٍ له بعنوان “فرصة تاريخية في الجولان”، إلى استغلال الظروف الجديدة التي نجمت عن الحرب في سورية، وانهيار الدولة السورية والتغييرات في الشرق الأوسط، للعمل، بكل جهدٍ، من أجل أن يعترف العالم بضم إسرائيل الجولان، ومنحه شرعية دولية. وحاجج هاوزر أنه يتعين على إسرائيل، التي عجزت عن إفشال توصّل الدول الكبرى إلى “اتفاق سيء” مع إيران بشأن ملفها النووي، أن تبذل الجهد للحصول على تعويضٍ إستراتيجي ملائمٍ من الولايات المتحدة. وطالب بألا يقتصر هذا التعويض الأميركي على تقديم الأسلحة النوعية الحديثة لإسرائيل، وإنما يشمل اعتراف الولايات المتحدة بضرورة بقاء الجولان السوري تحت السيادة الإسرائيلية، عبر وعدٍ رئاسي من البيت الأبيض وقانون من الكونغرس. وأشار هاوزر إلى أنّ الجولان السوري المحتل، بخلاف المناطق الفلسطينية المحتلة، لا يشكل مشكلةً ديموغرافية لإسرائيل، لأنه يوجد به 24 ألف سوري فقط مقابل21 ألف مستوطن يهودي. والمعروف أنّ إسرائيل شرّدت أهالي الجولان في حرب عام 1967، وكان عددهم حينها نحو 130 ألف نسمة، وقد أقام أكثرهم في أحياء قريبة من العاصمة دمشق، مثل جديدة عرطوز والحجر الأسود وغيرها. وكان هؤلاء الذين وصل عددهم إلى نحو 600 ألف أول من ثار على النظام السوري، مطلع عام 2011؛ ما أدى إلى تشريدهم مرة أخرى. ولكن، على يد نظامهم “المقاوم” هذه المرة.
وفي لقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في التاسع من نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، طرح بنيامين نتنياهو رغبة إسرائيل في بحث موقف الولايات المتحدة من ضم إسرائيل الجولان في ضوء تطورات الحرب في سورية. وذكرت المصادر الإسرائيلية أنّ نتنياهو طرح هذا الموضوع على أوباما باقتضابٍ في أثناء مداولاتهما، وأنّ نتنياهو أشار إلى أنه يشك كثيرًا في إمكانية إعادة توحيد سورية، ما يُوجب تفكيراً مختلفًا بشأن مستقبل الجولان. ولم يردّ الرئيس أوباما على ما قاله نتنياهو بشأن الجولان.
“على الرغم من محاولات إسرائيل المستمرة استثمار الحرب في سورية، من أجل تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها الحصول على شرعيةٍ دوليةٍ لضمها الجولان السوري المحتل، فإنها فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق ذلك”
وفي لقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في التاسع من نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، طرح بنيامين نتنياهو رغبة إسرائيل في بحث موقف الولايات المتحدة من ضم إسرائيل الجولان في ضوء تطورات الحرب في سورية. وذكرت المصادر الإسرائيلية أنّ نتنياهو طرح هذا الموضوع على أوباما باقتضابٍ في أثناء مداولاتهما، وأنّ نتنياهو أشار إلى أنه يشك كثيرًا في إمكانية إعادة توحيد سورية، ما يُوجب تفكيراً مختلفًا بشأن مستقبل الجولان. ولم يردّ الرئيس أوباما على ما قاله نتنياهو بشأن الجولان.
نحو إفشال أي تسوية في سورية
أثار جهدُ الولايات المتحدة وروسيا، في الشهور الأخيرة، للدفع باتجاه التوصّل إلى حلٍ سياسيٍ للصراع الدائر في سورية خشيةَ نتنياهو من أن يسفر ذلك عن حلٍ يحافظ على وحدة سورية. وقد استشاط نتنياهو غضباً عندما اطّلع على مسودة ورقة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، للحل في سورية، والتي جاءت في 12 بندًا، ونصّ الأول فيها على: “احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ من الأراضي الوطنية … وأنّ الشعب السوري مازال ملتزماً استعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية”. وقد أدرك نتنياهو من هذه المسودة أنّ هذا البند لا يعبّر فقط عن موقفي المعارضة والنظام السوري بشأن استعادة سورية للجولان المحتل فحسب، وإنما يعبّر أيضاً عن موقف الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. وقد اختار نتنياهو أن يردّ على ذلك بوسيلتين: الأولى، بتكثيف اتصالات إسرائيل مع كلٍ من روسيا والولايات المتحدة، فقد قام بترتيب زيارة هي الثالثة له إلى موسكو خلال الشهور السبعة الأخيرة. والثانية، بالقيام بحملة إعلامية، تؤكد مكانة إسرائيل ودورها الإستراتيجي في المنطقة ومصالحها الحيوية. وتؤكد، من ناحية أخرى، أنّ هضبة الجولان السورية المحتلة باتت جزءًا من إسرائيل التي لن تنسحب منها تحت أي ظرف، وأنّ أي حلٍ للصراع في سورية يجب أن يقرّ بذلك.
وفي هذا السياق، قام نتنياهو بخطوتين استعراضيتين؛ تمثّلت الأولى بزيارة هضبة الجولان السورية المحتلة في أثناء قيام الجيش الإسرائيلي بتمرين عسكري فيها، فأعلن من هناك أنّ الجيش نفّذ عشرات الهجمات ضد أهداف في سورية خلال الفترة الأخيرة، بخلاف السياسة الإسرائيلية المتبعة التي دأبت، طوال السنوات الماضية، على عدم الإعلان عن عمليات إسرائيل العسكرية في سورية. وقد عدّ محللون إسرائيليون أنّ نتنياهو وجّه تصريحه هذا أساسًا إلى القيادتين، الأميركية والروسية، بغرض تذكيرهما بضرورة أخذ مصالح إسرائيل في الحسبان، في أيّ حلٍ سياسيٍ للحرب في سورية، ولا سيما في ما يخص مطلب إسرائيل الاحتفاظ بالجولان المحتل. أما الخطوة الثانية التي جاءت، بعد نحو أسبوع من خطوته الأولى، فكانت عقد اجتماعٍ للحكومة الإسرائيلية في الجولان، صرّح فيها أنّ هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل “إلى الأبد”، وأضاف أنه هاتف، في الأسبوع الماضي، وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وقال له إنه يشكّ في قدرة سورية على العودة إلى ما كانت عليه، نظرًا إلى ما ادّعاه من “وجود أقلياتٍ مضطهدةٍ فيها مثل المسيحيين والدروز والأكراد” إلى جانب وجود “جهات إرهابية، وفي مقدمتها داعش وإيران وحزب الله وجهات أخرى”. وأضاف نتنياهو “قلت لوزير الخارجية الأميركي إننا لا نعارض التسوية في سورية، بشرط ألا تأتي على حساب أمن دولة إسرائيل”. وأكّد نتنياهو لكيري أنّه “آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعترف بحقيقتين أساسيتين: الأولى، إنه بصرف النظر عما يحدث في الطرف الآخر من الحدود، فإنّ الخط الحدودي لن يتغيّر. والثانية، أنّ هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد”.
وقد قام نتنياهو، في 21 إبريل/ نيسان الجاري، بزيارةٍ خاطفةٍ إلى موسكو، استكمالاً لجهده أعلاه، ولإفشال أيّ حلٍ سياسيٍ، يحافظ على وحدة أراضي الدولة السورية، ويعيد الجولان المحتل إليها، ولرفع مستوى التنسيق العسكري والأمني بين إسرائيل وروسيا، بخصوص نشاطهما العسكري في سورية. وفي مستهل اجتماعه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي دام ثلاث ساعات، حرص نتنياهو على التأكيد أمام وسائل الإعلام أنّ هضبة الجولان السورية المحتلة خطٌ أحمرَ بالنسبة إلى إسرائيل، وأنّ إسرائيل لن تنسحب منها، سواء في حالة التوصّل إلى حلٍ للأزمة السورية أو في غيابه.
وقد تمحورت المحادثات بين بوتين ونتنياهو حول موضوعين أساسيين: أولهما تعزيز التنسيق العسكري – الأمني بينهما، لتجنّب حدوث تصادمٍ بين الطائرات الإسرائيلية والطائرات الروسية، خصوصاً في ظل احتفاظ روسيا بمنظومة الصواريخ إس 400 المتطوّرة في سورية. وثانيهما الرؤية الروسية بشأن وقف إطلاق النار في سورية ومساعيها مع الولايات المتحدة، للتوصّل إلى حلٍ سياسيٍ للحرب في سورية. وقد اتفق نتنياهو وبوتين على عقد اجتماعٍ آخر بينهما في يونيو/ حزيران المقبل، بمناسبة مرور 25 عاماً على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
إجماع دولي على الرفض
سارعت دول عديدة، بما فيها الصديقة لإسرائيل، إلى الإعلان عن رفضها تصريحات نتنياهو بشأن الجولان السوري المحتل. وكانت ألمانيا أولى هذه الدول؛ إذ أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل يتناقض مع القانون الدولي، ومع ميثاق الأمم المتحدة، وأشار إلى أنّ المبدأ الأساسي في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يؤكد أنه لا يحقُّ لأيّ دولةٍ ضم مناطق تابعة لدولة أخرى. كما أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أنّ الإدارة الأميركية لا تعترف بأنّ الجولان جزءٌ من إسرائيل، وأنّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية بشأن الجولان ثابتة، تحت مختلف الإدارات، ديمقراطيةً كانت أم جمهورية، وأنّ مصير الجولان ينبغي أن يُحدَّد بواسطة مفاوضات بين إسرائيل وسورية. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل، واستمرار احتلالها له، يتناقضان مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
“لا يجب أن يصرف انشغال سورية والسوريين بأزمتهم الداخلية الدامية انتباههم، أو يقلّل من إصرارهم على استعادة أرضهم المحتلة”
وقد استنكر كلٌّ من النظام السوري والمعارضة السورية عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الجولان السوري المحتل، وأكدا، في تصريحاتٍ عديدةٍ لهما، رفضهما أقوال نتنياهو جملةً وتفصيلًا. وأكّد رياض حجاب، منسق الهيئة العليا للمفاوضات عن المعارضة، رياض حجاب، في مؤتمر صحافي له، أنّ الجولان أرضٌ سورية محتلة، وأنّ هذه الأرض ستعود حتماً إلى سورية. وطالبت وزارة الخارجية السورية الأمم المتحدة ومجلس الأمن التنديد بتصريحات نتنياهو وبتنفيذ قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل. أما جامعة الدول العربية فقد عقدت جلسة خاصة على مستوى المندوبين الدائمين فيها في 21 إبريل/ نيسان الجاري، ودانت عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الجولان المحتل، ورفضت، في بيانٍ لها على لسان أمينها العام، أقوال نتنياهو، وأكدت أنّ الجولان السوري المحتل أرضٌ عربية سورية محتلة، ينبغي إعادتها إلى سورية.
خاتمة
على الرغم من محاولات إسرائيل المستمرة استثمار الحرب في سورية، من أجل تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها الحصول على شرعيةٍ دوليةٍ لضمها الجولان السوري المحتل، فإنها فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق ذلك. فلم تعترف أيّ دولةٍ، أو أيّ هيئةٍ دوليةٍ بهذا الضم. من جهة أخرى، لا يجب أن يصرف انشغال سورية والسوريين بأزمتهم الداخلية الدامية انتباههم، أو يقلّل من إصرارهم على استعادة أرضهم المحتلة، كما يجب ألا يكون صراعهم ضد الاستبداد سبباً في ضياع البوصلة؛ فإسرائيل تبقى عدوهم، وهي تفعل ما تستطيع لإطالة أمد أزمتهم وإضعاف وطنهم وتمزيقه، في محاولةٍ للظفر بجزءٍ منه. وفضلاً عن ذلك، يجب ألا يقود العنف غير المسبوق الذي يستخدمه النظام السوري ضد شعبه إلى استصغار الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة السورية والفلسطينية، أو أن يقود ذلك إلى التطبيع مع إسرائيل بذرائع وحجج واهية. قضية الجولان المحتل وطنية سورية، وهي أيضاً قضية عربية. فهضبة الجولان أرضٌ عربية احتُلت في سياق حرب عربية – إسرائيلية عام 1967. وتتحيّن الدولة الصهيونية الفرص، لكي يسلّم العرب والعالم بضم الجولان والقدس للسيادة الإسرائيلية. ويجب أن يتذكّر ذلك كلُّ من يتهاون في مسألة التطبيع مع إسرائيل.
الجولان المحتلة: مصدر الأمن والمياه لإسرائيل
طرغت ألب بويراز، هشام شعباني: تمتاز مرتفعات الجولان (جنوب غربي سوريا)، المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1967، بأهمية خاصة بالنسبة للأخيرة، على المستويات الأمنية والجيوسياسية والاستراتيجية، إذ أنها المحافظة السورية الوحيدة التي لها حدود مع ثلاث دول هي، لبنان وإسرائيل (فلسطين قبل 1948) والأردن.
تلك الأهمية دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لاستغلال الاضطرابات السياسية التي تشهدها سوريا منذ 2011، ومهّدت الطريق أمامه لمطالبة المجتمع الدولي بـ»الاعتراف بإسرائيلية» المرتفعات السورية.
وقال نتنياهو خلال اجتماع عقدته حكومته في الجولان يوم 17 إبريل/ نيسان الجاري «إننا موجودون اليوم في الجولان، وهذه هي المرة الأولى التي تعقد فيها الحكومة الإسرائيلية جلسة رسمية في تلك المرتفعات، منذ أن دخلت المنطقة تحت الحكم الإسرائيلي قبل 49 عامًا، كان الجولان جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل في العصر القديم، والدليل على ذلك هو عشرات الكنس اليهودية العتيقة التي عثر عليها في المنطقة، إضافة إلى أن الجولان هو جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل في العصر الحديث.
قوبلت تصريحات نتنياهو، بجملة من الرفض وردود الأفعال العربية والدولية، إلا أنها في الوقت ذاته، سلطت الضوء على الأهمية الجيوستراتيجية للمرتفعات السورية، بالنسبة لإسرائيل التي تحتلها منذ عام 1967.
أكدت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، أنَّ «الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا». وشدد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء 26 أبريل/ نيسان، على أنَّ ضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية المحتلة هو «قرارٌ باطلٌ»، وأن المجلس لا يعترف به.
إلى ذلك، التقى نتنياهو، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، بعد خمسة أيام فقط من تصريحاته، وقال حينها إن إسرائيل تبذل ما بوسعها «للحيلولة دون ظهور جبهة إرهابية ضدنا في هضبة الجولان ويمكن أن يتم استهداف قرانا وأطفالنا بواسطة نيران تطلق من تلك المرتفعات».
وتابع نتنياهو «الجولان ستبقى جزء من إسرائيل، سواء أكان ذلك من خلال اتفاق أو بدونه»، مضيفًا «حان الوقت للمجتمع الدولي أن يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان».
تتمتع هضبة الجولان بأهمية جيواستراتيجية، لا يمكن لدولة مثل إسرائيل أن تتجاهلها، فالقمم التي تضمها الهضبة، تجعلها تشرف على مساحات شاسعة من السهول المحيطة بها في سوريا ولبنان وإسرائيل (فلسطين قبل 1948) والأردن. كما أن مخزون المياه الجوفية الكبير للجولان، يزيد من أهميتها بالنسبة لإسرائيل، التي تعتمد في تأمين ثلث احتياجاتها من المياه، على نهر الأردن والمياه الجوفية في الجولان.
فضلًا عمّا تمتلكه من أهمية دينية بالنسبة للداخل الإسرائيلي، فاسمها يرد في النصوص المقدسة اليهودية، ما يجعلها بمثابة منطقة يصعب على إسرائيل التنازل عنها.
تمكنت إسرائيل عام 1967، من احتلال مرتفعات الجولان، وقطاع غزة، والضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وجزيرتا تيران وصنافير اللتان كانتا وقتها تحت الحماية المصرية، وذلك خلال حرب «الأيام الستة»، التي تعرف أيضًا باسم «نكسة يونيو/حزيران».
وتشكل مرتفعات الجولان، إحدى المحافظات السورية الـ 14، وتعرف باسم محافظة «القنيطرة»، التي تبعد عن العاصمة السورية دمشق، نحو 60 كيلومترًا، وتضم المحافظة مدينتين، «القنيطرة» وهي مركز المحافظة، تم تدميرها بالكامل على يد القوات الإسرائيلية قبل أن تنسحب منها في حرب أكتوبر/تشرين عام 1973، و»فيق»، التي لا تزال مدمرة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفي 1973 شنت سوريا (بمشاركة مصر وعدة دول عربية)، هجومًا عسكريًا ضد إسرائيل، لاسترداد كامل الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وعرفت تلك الحرب باسم «حرب أكتوبر/ تشرين»، إلا أن تلك المحاولة تكللت بالفشل.
وفي 1974، توصلت مصر وإسرائيل برعاية أممية في جنيف (سويسرا)، لاتفاقية «فك للاشتباك» (18 يناير/كانون الثاني 1974)، أعقبها في جنيف أيضًا، اتفاقية لـ «فك الاشتباك» على الجبهة السورية، بين سوريا وإسرائيل (31 مايو/ أيار 1974)، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي (آنذاك) والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي 1981، أعلنت إسرائيل ضم الجولان رسميًا إلى أراضيها من جانب واحد، غير أن المجتمع الدولي لم يعترف بذلك القرار.
وفي 2000، التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود باراك، وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، في «شيبردز تاون» بولاية فيرجينيا الغربية، ما بين 3 و7 ديسمبر/كانون الأول 2000، في إطار مفاوضات سلام برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، إلا أن تلك المفاوضات حول إعادة المرتفعات إلى سوريا، باءت بالفشل، بسبب رفض إسرئيل التخلي عن الأراضي السورية المحاذية لبحيرة طبريا (أكبر خزان طبيعي للمياه العذبة في المنطقة) ونهر الأردن (نهر الشريعة).
وفي 2008، بدأت مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة برعاية تركية، انتهت عقب هجمات إسرئيل على غزة، واستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، بسبب إدانته بالفساد.
وفي 2009، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه سيتبع سياسة أكثر صرامة حيال مرتفعات الجولان، بالمقابل قال الرئيس السوري، بشار الأسد «ليس هناك طرف نفاوضه بشأن السلام». ورغم تصريحات باراك أوباما عند توليه منصب الرئاسة، حول اعتبار «بدء المفاوضات السورية الإسرائيلية مجددًا، من أولويات سياسته الخارجية»، فإن الملف لم يشهد أي تطور.
وفي 2013، امتدت الحرب التي اندلعت في سوريا عام 2012، إلى الجزء الموجود تحت السيادة السورية من هضبة الجولان، حيث ادعت إسرئيل آنذاك سقوط قذائف صاروخية على الجزء الذي تسيطر عليه من المرتفعات، وردت بالمثل على مصادر النيران، كما تبادل الجيشان السوري والإسرائيلي إطلاق النار في مايو/أيار من العام نفسه.
وفي 17 أبريل/نيسان الحالي، قال نتنياهو، خلال اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي الذي عقده في الهضبة، إن «مرتفعات الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد»، على حد تعبيره.
(الأناضول)
مرتفعات الجولان: استمرار الحرب الأهلية في سوريا يعطي الأمان للمستوطنين/ إبراهيم درويش
اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإحتفال بمرور عام على ولايته الرابعة برحلة مع طاقم حكومته إلى مرتفعات الجولان السورية المحتلة حيث كانت مناسبة لقاء ونزهة وصورة جماعية وتصريحات أثارت قلقا وتفاعلات دولية إلا لد ى المستوطنين اليهود في المرتفعات. فقد أكد نتنياهو في 17 نيسان (إبريل) قائلا إن إسرائيل لن تتخلى أبدا عن مرتفعات الجولان. في رفض فاضخ للموقف الدولي الذي يرى فيها أراض سورية محتلة. ولا يعرف السبب الذي دعا رئيس الوزراء لإطلاق تصريحات كهذه، فهو يعرف أن الوضع في سوريا لا يشجع على إجراء مفاوضات حول المرتفعات. وفي الوقت نفسه يعي أن استمرار الحرب الأهلية وتفكك الجيش السوري وتمزق البلاد يعني أن بلاده هي المستفيد الوحيد من الفوضى السورية. وجاءت تصريحات نتنياهو بدون سياق سياسي أو مخاوف عامة، فالمستوطنون في الجولان ليسوا خائفين اليوم من مفاوضات مع نظام بشار الأسد وبالتالي لن يكون هناك حديث حول إعادة الجولان ضمن صفقة تسوية. ومن هنا لم تلق التصريحات اهتماما لديهم، بل سجل الربيع الحالي وعطلات عيد الفصح اليهودي أكبر موجة سياحة في المرتفعات لم تشهدها منذ سنين كما سجلت مازال موليم في مقال لها على موقع «المونيتور» (27/4/2016) . والسبب كما ترى أن إمكانية مفاوضات كتلك التي بدأت بعد مؤتمر مدريد عام 1991 وكادت تفضي بعودة الجولان للسوريين لم تعد قائمة. وتقارن بين زيارة قام بها رئيس الوزراء السابق إسحق رابين للجولان عام 1992 حيث تحدث للمستوطنين هناك قائلا «من غير المعقول حتى في زمن السلم أن نغادر الجولان. ومن يفكر بهذا الإحتمال فهو يتخلى عن أمن إسرائيل». ولا ريب أن معارضي رابين استخدموا هذا الإعلان ضده عندما كشف عن موافقته للدخول في مفاوضات مع سوريا ينسحب فيها من الجولان مقابل سلام كامل مع دمشق. وكان إعلان رابين «الزائف» لمستوطني الجولان وراء ظهور حزب الطريق الثالث الذي قاده أحد ضباط حرب تشرين الأول/ اكتوبر عام 1973 الجنرال أفيغدور كهلاني الذي قاتل على الجبهة مع سوريا في تلك الحرب. وكان هدف الحزب هو منع الإنسحاب الإسرائيلي من الجولان. وترى موليم أن موضوع الإنسحاب من الجولان ظل ومنذ تسعينات القرن الماضي وحتى اندلاع ثورات الربيع العربي موضوعا ساخنا في النقاش السياسي الإسرائيلي. وقادت اللجنة التي يطلق عليها «لجنة سكان مرتفعات جولان» حملة لتحويل الجولان إلى موضوع يحظى بإجماع سياسي، حيث ظل كل حزب يسأل عن موقفه من الجولان ولم يكد يمضي أسبوع بدون زيارة مسؤول أو سياسي كبير لها. ولكن الربيع العربي غير قواعد اللعبة السياسية المتعلقة بالجولان في إسرائيل. فوصول تنظيم الدولة الإسلامية للأراضي السورية وتفكك دولة بشار الأسد جعلت من موضوع الإنسحاب الإسرائيلي من المرتفعات أمرا غير مهم. ومن هنا تعامل مستوطنو الجولان مع زيارة نتنياهو بنوع من الدهشة خاصة أن منظور المفاوضات مع سوريا معدوم إن لم يكن مستحيلا اليوم. وعند مقارنة حملة نتنياهو في الجولان عام 2016 وتصريحات رابين عام 1992 فمن الواضح أن نتنياهو يستخدم مرتفعات الجولان لصرف النظر عن الطريقة التي يتعامل فيها مع موجة العنف أو «الإنتفاضة الثالثة» في الضفة الغربية والقدس. كما وتسمح له بتقديم منظور يتعلق الأمن لا معنى له. ويرى آرون ديفيد ميللر المفاوض السابق والباحث في معهد وودرو ويلسون للباحثين في واشنطن أن نتنياهو يستخدم حالة عدم اليقين في الأزمة السورية من أجل إستعراض سجله الأمني. وقال في تصريحات نقلتها صحيفة «وول ستريت جورنال» انه «يعرف أن تصريحاته لن تؤدي لاعتراضات كبيرة»، ويضيف «لا أحد يتوقع رئيس وزراء إسرائيل التفكير بالتفاوض أو الإنسحاب في ظل هذه الظروف». ومن هنا يتعامل الكثير مع المستوطنين في أمر الجولان باعتباره محسوما ومن ناحية الإستمرار فلا مخاوف من ناحية أو اهتمام بتصريحات نتنياهو، فبحسب ليلاش عشتار التي تعيش في مستوطنة نمرود، تحدثت لمازال موليم من «المونيتور» قائلة «لست وحدي، فلا أعرف واحدا هنا يشعر بالخوف حول عودة الجولان» وتضيف «من هذه النقطة فلا توجد معارك سياسية يجب القتال من أجلها في هذا الوقت. وبشكل عام هناك أمر مثير من ناحية العيش هنا، فعندما تعرف أن هناك حربا تدور على الجانب الآخر من السياج أما الحياة هنا فهي رعوية وهادئة». وتتذكر كيف كان موضوع الجولان في التسعينات من القرن الماضي حديث وسائل الإعلام. وتشير أن الوضع كان خطيرا في ذلك الوقت حيث كان الناس يأتون لزيارة المرتفعات من أجل الوداع وكانوا يعتقدون أن الإنسحاب منها سيحدث في أي وقت.
وتضيف أن الناس كانوا مترددين في دفن موتاهم لخوفهم أن المرتفعات لن تبقى بيد إسرائيل. وتعلق «اليوم، لا حزب حتى ميرتس ( اليساري) حسب رأيي يمكنه أن يتجرأ لإعادة مرتفعات الجولان، ولهذا لم يعد الكثير من السياسيين يأتون للزيارة. وزيارة نتنياهو غريبة». وتقول موليم إن موضوع الإنسحاب من المرتفعات لم يعد يشغل بال المستوطنين بقدر ما تثير قلقهم خطط التنقيب عن النفط. وهذا يعني أن مرتفعات الجولان لم تعد موضوعا سياسيا بقدر ما تتعلق بالمخاوف البيئية. وهو ما يجعل المرتفعات جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل حسب عشتار.
معركة على الحدود
ربما لم تعد إسرائيل معنية بوضع الجولان، رغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بضمها عام 1981 ورفض سكان البلدات الدرزية السوريين الإعتراف بسيادة إسرائيل عليهم، لكن التغيرات على الحدود تجعل القيادة الإسرائيلية معنية بتأمين الحدود، فهذه ظلت ولمدة 40 عاما أو يزيد من أكثر الجبهات هدوء ولم تطلق منها ولا رصاصة واحدة باتجاه الجولان المحتل. إلا ان انسحاب القوات السورية من القنيطرة لتأمين العاصمة دمشق، فتح الباب أمام دخول قوات المعارضة والجماعات المتشددة مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية. وحتى هذا الوقت استطاعت إسرائيل تحصين حدودها وعقد اتفاقيات غير مباشرة مع جماعات المعارضة بعدم استهداف المناطق الواقعة تحت سيطرتها. كما وطورت إسرائيل شبكة من المخبرين داخل الأراضي السورية واستقبلت مستشفياتها آلافا من الجرحى السوريين سواء كانوا من المعارضة المعتدلة أم من المتشددين حيث تلقوا العلاج في مستشفيات صفد. ولأن جماعات المعارضة مشغولة بالإقتتال فيما بينها فالحدود تظل آمنة حتى هذا الوقت. وأشارت في هذا السياق صحيفة «التايمز» (25/4/2016) إلى مخاوف كل من سوريا والأردن من تقدم «كتيبة شهداء اليرموك» التي أقسمت الولاء لتنظيم الدولة تحقق وببطء تقدما في منطقة القنيطرة. وقالت إن مقاتلي الكتيبة البالغ عددهم 900 شخص سيطروا على عدد من القرى منها الشجرة والجملة البالغ عدد سكانها حوالي 10 آلاف نسمة. وقالت الصحيفة إن مخاوف المسؤولين الأردنيين والإسرائيليين تتزايد. ونقلت عن مصدر غربي قوله «هذا موضوع يهم كل شخص» مضيفا أن الأردنيين قاموا بسلسلة من عمليات الإعتقال. ويقول محلل إسرائيلي «إنهم يزحفون نحو الغرب ولا نحب هذا ونحن قلقون». وقامت القوات الإسرائيلية بمناورة عسكرية حول كيفية مواجهة تنظيم الدولة بداية هذا العام. وتعتبر المخاوف من الجهاديين جزءا من المعادلة التي تؤثر على علاقة إسرائيل بالمسألة السورية، فهناك حزب الله وإيران. ففي السنوات الأخيرة استهدف الطيران الإسرائيلي أهدافا في دمشق وعلى الحدود السورية- اللبنانية وفي القنيطرة حيث قتل عددا من قيادات حزب لمنعهم من إقامة قواعد لهم في الجنوب السوري. ويرى الإسرائيليون أن الخطر القادم من الجماعات الجهادية لا يقارن بالتهديد الذي تمثله إيران والجماعات الوكيلة لها. ففي النهاية تمثل هذه القوى الوكيلة دولة ذات نفوذ إقليمي ولديها تاثير على النظام السوري واستثمرت المليارات من الدولارات للحفاظ عليه. ومن هنا فأي توتر على حدود إسرائيل الشمالية قد يجرها لحرب فضلت مراقبتها عن بعد. وطالما استمر النظام ومؤيدوه والجماعات المعارضة وتلك المتشددة في القتال ومحاولة تحقيق نصر وإن بثمن تدمير سوريا بشكل كامل، فستظل جبهة الجولان هادئة.
بالون اختبار إسرائيلي من الجولان لملء الفراغ الأمريكي: غياب عربي تنتظره رهانات على «صحوة» الرؤية الجامعة/ رلى موفّق
بيروت ـ «القدس العربي»: قد لا يكون إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن «الجولان سيبقى جزءاً من إسرائيل إلى الأبد» بالأمر الجديد، فأطماع إسرائيل منذ أن احتلت الجولان في 9 حزيران/يونيو 1967 مُعلنة، وسبق لحكومة الكيان الصهيوني، في الرابع عشر من كانون الأول/ديسمبر1981 أن أصدرت قانوناً أخضعت بموجبه الهضبة، التي تقع جنوب غرب سوريا وتشرف على بحيرة طبريا، لقانون «دولة إسرائيل وقضائها وإدارتها» وأخذت تتعامل مع الهضبة، التي تحتل ثلثيها، على أنها جزء منها، ما دفع بالمواطنين السوريين الذين تشبثوا بأرضهم إلى رفض التخلي عن الهوية السورية.
الجديد في الأمر قيام حكومة إسرائيلية بعقد اجتماع لها هو الأوّل في الجولان، وهي خطوة تكتسب أهميتها من التوقيت الذي اتخذه نتنياهو لهذا «الحدث غير المسبوق» والتي تحمل دلالات كثيرة ورسائل متعددة الاتجاهات.
فالتوقيت يرتبط بالانطباع السائد لدى إسرائيل، ومعها قوى إقليمية رئيسية تتمثل في إيران وتركيا، بأن هناك انسحاباً أمريكياً أو إعادة تموضع أو انحدارا لتلك القوة الدولية في المنطقة، الأمر الذي يستدعي ملء الفراغ الأمريكي بمعزل عن التقييم عما إذا كان هذا الانسحاب هو انسحاب مؤقت أم دائم أم إعادة تموضع.
ويقول المحلل سعد محيو، مدير التحرير في مركز «كارنيغي للشرق الأوسط» التي مقرها بيروت، «إن الإيرانيين حاولوا أن يعقدوا صفقة مع الأتراك لملء هذا الفراغ، لكن تركيا رفضت لعدم إثارة واستفزاز العرب» وأن تحرّك إسرائيل يأتي في هذا السياق.
لكن الأخطر، من وجهة نظر محيو، أن الخطوة الإسرائيلية ليست سوى الخطوة الأولى، إذ أنها لا تقتصر فقط على الجولان التي تريد تل أبيب من خلالها القول أنها لاعب من اللاعبين على هذا المسرح، وأن أي تقسيم لسوريا أو «فدرلة» لها أو تحويلها إلى مناطق نفوذ ستكون لها حصة فيه من بوابة الجنوب السوري، التي هي البداية. فالمشاريع الإسرائيلية أكبر من ذلك، إذ ثمة مشروع جديّ يُبنى على أنه إذا حصل فراغ في مصر، في ضوء توقعات انفجار الوضع فيها، فإنهم ينوون العودة إلى احتلال سيناء ثانية تحت شعار «الحفاظ على الأمن» وهذا ما يُفسر غض طرفها أو تسهيلها غير المباشر لعمل العناصر المتطرفة في سيناء، فضلاً عن استكمال المشروع الذي كان يحمله حزب الليكود سابقاً المتعلق بفلسطينيي الـ1948. ففي القراءة الإسرائيلية أن ظروفاً يمكن أن تنشأ في المنطقة، طالما أنها تجنح نحو التقسيم، تدفع باتجاه عملية «ترانسفير» لفلسطينيي 1948 إلى الأردن لإنشاء وطن بديل لهم واستبدالهم بيهود يستقدمون إلى تلك المناطق.
ولكن هل يمكن أن تنجح تلك الخطط الإسرائيلية؟ وفق أحد المتابعين لشؤون المنطقة فإن الخطط الإسرائيلية للمشاركة في اقتسام المنطقة موجودة لكنهم يعملون لوحدهم حتى الآن، نظراً إلى خسارتهم الشريك القوي، الذي كان يُفترض أن يكون تركياً. ومردّ خسارة تركيا يعود إلى وجود «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي ومشاريعه الطموحة بالعودة إلى «العثمانية الجديدة» والتمدّد خارج الحدود، فلو كانت في الحكم أحزاب علمانية فإن احتمال نسج تفاهم بين الجانبين على تقاسم المنطقة كان أضحى كبيراً وربما محققاً.
كما أن ما تشهده المنطقة لا يؤشّر إلى أن هناك معالم لصفقة جاهزة لبناء نظام إقليمي جديد في المنطقة، فالقوى المؤثرة التي يجب أن يُضاف إليها العامل الكردي لم تجلس إلى الطاولة لصوغ هكذا نظام، ما يجري راهناً يرتبط بموازين القوى التي تفرضها ساحات الصراع وهي موازين غير ثابتة، تتغيّر الحصص بتغيّرها.
على أن الخبير في الشؤون الروسية يوسف مرتضى يرى أن الخطوة الإسرائيلية جاءت لتتماهى مع ما تعتبره تل أبيب شراكة استراتيجية مع روسيا، التي تلعب الدور الأساسي في إعادة صياغة مستقبل سوريا، ولتشكّل رسالة إلى هذا الشريك بأن أي تسوية مستقبلية في هذا البلد الجار لا يمكن أن تتم بعيداً عن شراكتها وضمان حصتها في الحل بتكريس سيادتها على الجولان. فمن وجهة نظره أن المسألة السورية أضحت تتعلق بالأمن الاستراتيجي العالمي، حتى أن الوجود الروسي يحظى بغطاء دولي وأمريكي ــ غربي تحديداً لتأكيد حضورها في مواجهة الأطماع الإيرانية ومنع إيران وحزب الله من مدّ نفوذهما إلى جنوب سوريا نسخاً للتجربة اللبنانية على الحدود الإسرائيلية ــ السورية. فمن زاوية ضمان المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية يبرز جلياً دور موسكو في لجم طهران وذراعها العسكري من التمدّد باتجاه الجولان، وما حصل من عمليات إسرائيلية استهدفت مواقع لـ «حزب الله» ومجموعات قيادية له داخل سوريا وضرب لمخازن أسلحة ومنعها من الحصول على أسلحة كاسرة للتوازن لم يتم من دون التنسيق مع الكرملين، الذي يُعتبر في لعبة الحسابات الدولية الحليف الأوّل لإيران.
إلا أن مرتضى يرى أن مسار التطورات في المنطقة لا يُعبّر عن اقتراب وقت حل الأزمات وتوزيع الحصص، بل عن حال مراوحة يفرضه شلل الإدارة الأمريكية التي دخلت عامها الأخير من ولاية الرئيس الحالي باراك أوباما، والتي ينتظر معها اللاعبون الإقليميون في المنطقة هوية الرئيس الجديد للبيت الأبيض، والذي سيرسم الاتجاهات التي ستسلكها الملفات الملتهبة في المنطقة.
ويذهب المتابعون إلى اعتبار البيان الصادر عن مجلس الأمن أن «وضع الجولان يبقى من دون تغيير» رداً على تصريحات نتنياهو، والذي ما كان ليصدر من دون الموافقة الأمريكية، يؤشّر إلى أن لا تغيير في الأفق القريب لـ «الستاتيكو» القائم، ما يجعل الخطوة الإسرائيلية استعراضية على رغم ما حملته من رسائل مباشرة وغير مباشرة.
الأكيد، في رأي دبلوماسيين عرب، أن إسرائيل استغلت لحظة الانشغال العربي، إن لم يكن الضياع، لتوجيه رسالتها الاستفزازية. فمستوى الرد العربي والإسلامي يعكس حال التشتت الذي يصيب هذين العالمين في ظل الأزمات التي تعيشها المنطقة، حيث أن كل الدول ذات الثقل أضحت منشغلة بالتحدّيات التي تواجهها وتتعدى المستوى الأمني والاجتماعي والسياسي إلى المستوى الوجودي.
ومما لا شك فيه أن عزلة النظام السوري عن محيطه العربي والإسلامي في ظل التطورات التي تشهدها سوريا ساهمت في هزالة الرد العربي. وإذا كان مدير المكتب القانوني للجامعة العربية في بيروت السفير عبدالرحمن الصلح يؤكد لـ «القدس العربي» أن «قرار الجامعة العربية ثابت لجهة ما سبق أن سجلته تاريخياً بأن الجولان أرض محتلة والسيادة عليها هي سيادة عربية»، فإن المواقف العربية الجامعة التي سُجّلت لا يمكن وصفها، حسب مراقبين، سوى بأنها مواقف خجولة لاقتصارها عملياً على عقد اجتماع على مستوى المندوبين الدائمين في الجامعة العربية، اكتفى بتحذير إسرائيل من مغبة استغلال الأزمة السورية الحالية لتبرير استمرار احتلالها. ولم تكن المواقف الإسلامية بأفضل حال، إذ لم يتعدَّ الأمر عقد اجتماع استثنائي للجنة التنفيذية لمندوبي منظمة التعاون الإسلامي.
لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن هناك غياباً عربياً مطلقاً. فسوريا والعراق خارج المعادلة والقدرة على المواجهة، ومصر كقوة إقليمية رئيسية غارقة في مشاكلها الاقتصادية وترتيب وضعها الداخلي على وقع تداعيات «الربيع العربي» الذي طرق بابها ولا تزال تعاني من ارتدادات التحولات بعد حقبة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ومن بعده حقبة حكم «الإخوان المسلمين» مما شلّ دورها، حتى إشعار اخر، كلاعب إقليمي في المنطقة. هذا في وقت تقود فيه المملكة العربية السعودية، كقوة أساسية، مواجهة عربية كبرى في وجه المشروع الإيراني الذي يحلم باستعادة أمجاد «الأمبراطورية الفارسية» ونجح طوال عقود ثلاثة في اختراق النسيج الاجتماعي العربي وفي مدّ نفوذه خارج حدوده بما عُرف بـ «الهلال الشيعي» الممتد من طهران إلى بغداد فدمشق حتى بيروت، إلى حد التباهي بسيطرته على أربع عواصم عربية يوم احتل ذراعه العسكري اليمني المتمثل بالحوثي صنعاء، فضلاً عن محاولته التمدد في اتجاه دول الخليج العربي في محاولة لزرع الشقاق بين مكوناتها الاجتماعية على أسس مذهبية شكلت ولا تزال جوهر مشروعه بتصدير «الثورة الخمينية» كغطاء لتحقيق حلم الماضي المندثر. لكن بالرغم من هذه التحديات التي تواجهها دول المنطقة، فإن الرهان يبقى أن يفتح التقارب السعودي ــ المصري الطريق أمام تحالف عربي حقيقي يجسّد رؤية عربية جامعة ومشروعاً طموحاً يعكس مصالح الشعوب العربية ويردم الهوّة المجتمعية القائمة، يقوم على أساس اتحاد يُنظّم العلاقات بين أقطاره على أسس ديمقراطية، ويوظّف ثروات الأمة العربية من أجل تنمية المنطقة وتطويرها كي تأخذ موقعها الفاعل في محيطها العربي وفي إطار المجتمع الدولي، بما يُمكّنها من الإمساك بزمام قرارها للتصدّي لقضايا الأمة الأساسية. فهل يصح الرهان؟
الأمم المتحدة قلقة بشأن التصريحات الإسرائيلية عن هضبة الجولان
عبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع الثلاثاء عن قلقه بشأن التصريحات الإسرائيلية عن هضبة الجولان على الحدود السورية مع إسرائيل في بيان أثار رد فعل حاد من جانب إسرائيل.
وقال مندوب الصين لدى الأمم المتحدة ليو جيه يي رئيس مجلس الأمن الدولي هذا الشهر للصحافيين بعد اجتماع مغلق «عبر أعضاء المجلس عن قلقهم العميق بشأن التصريحات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة بشأن الجولان وشددوا على أن وضع الجولان لا يزال كما هو.» وأضاف أن قرار المجلس 497 الذي صدر عام 1981 أوضح أن قرار إسرائيل آنذاك فرض قوانينها واختصاصها القضائي وإدارتها في الجولان «باطل وليس له أثر قانوني دولي.»
التعاون الإسلامي تدعو المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بالانسحاب من الجولان
أعربت منظمة التعاون الإسلامي عن ادانتها بأشد العبارات قيام الحكومة الإسرائيلية بعقد جلستها الأسبوعية في الجولان العربي السوري المحتل، وما تلاها من تصريحات لرئيس الحكومة الإسرائيلية التي نادت «بأن الجولان سيبقى بيد إسرائيل إلى الأبد». ودعت المنظمة، التي تتخذ من مدينة جدة غرب المملكة العربية السعودية مقرا لها، المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في إلزام إسرائيل بالانسحاب من الجولان العربية وكافة الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الأرض الفلسطينية، ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية.
واعتبرت منظمة التعاون الإسلامي في بيان لها الاجتماع يأتي في سياق انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي.
موغيريني تذكر بعدم اعتراف الاتحاد الاوروبي باحتلال اسرائيل للجولان
ذكر الاتحاد الاوروبي بانه لا يعترف باحتلال إسرائيل لهضبة الجولان رغـــم تصـــريحــات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيـــامين نتنـــياهو قــال فيها ان الجزء الذي ضمته اسرائيل من الهضبة «سيبقى إلى الأبد تحت سيادة إسرائيل».
وصرحت وزيرة الخارجية الاوروبية فيديريكا موغيريني «يعترف الاتحاد الاوروبي بإسرائيل بحدودها ما قبل 1967، ايا كانت مطالبة الحكومة (الاسرائيلية) بمناطق اخرى، حتى التوصل الى حل نهائي».
واضافت المسؤولة قبل اجتماع للمانحين الدوليين لدعم الاقتصاد الفلسطيني في بروكسل «انه موقف مشترك يكرر الاتحاد الاوروبي ودوله الاعضاء تاكيده».
الجولان: عيون وآذان وفم إسرائيل/ وديع عواودة
الناصرة ـ «القدس العربي»: أغضبت تصريحات رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو حول بقائها الأبدي في الجولان جهات عربية وأثارت حولها أوساط إسرائيلية علامات سؤال حول مدى حكمتها؟ وخلال ترؤسه الجلسة الأسبوعية لمجلس وزرائه الذي يلتئم للمرة الأولى منذ الاحتلال في الجولان، انطوى خطاب نتنياهو على رسالة بعث بها إلى العالم بأسره وفي مقدمته العرب وتحديدا سوريا التي تعيش حربا أهلية دامية. ووثق نتنياهو زيارته في صورة تذكارية تم إلتقاطها له متوسطا وزراءه في الهواء الطلق، وقد امتد الجولان من خلفهم، ثم جمعهم في مجلس مستوطنة كاتسرين، كبرى مستوطنات الجولان. وقال نتنياهو أمام وزرائه وقادة المستوطنين في الجولان المحتلة في مستهل الجلسة، إنه جاء بهم إلى الجولان ليبعث برسالة صريحة وواضحة مفادها أن هضبة الجولان ستظل إلى الأبد في يد إسرائيل. وفور عودته من زيارة خاطفة لموسكو أوضح أنه كرر موقفه هذا على مسامع الرئيس الروسي بوتين فصمت واعتبر نتنياهو ذلك تلميحا على أن السكوت علامة الرضا. بيد أن أوساطا إعلامية وسياسية إسرائيلية سخرت من ذلك وقالت إن الدول الغربية لابد سترد رافضة أو متحفظة وفعلا هذا ما أكدته الدولتان الصديقتان لإسرائيل الولايات المتحدة وألمانيا. ويبدو أن تصريحات نتنياهو ضمن محاولاته الشعبوية لكسب النقاط فهو بذاته سبق وأرسل ممثليه للولايات المتحدة خلال ولايته الأولى (1999-1996) للتفاوض مع سوريا حول الانسحاب من الجولان التي اعتبرتها إسرائيل أذنا وعيونا إضافية لها. وسخرت صحيفة «هآرتس» من نتنياهو في رسم كاريكاتيري يظهر فيه وهو يركب دراجة نارية وهارب بسرعة من الجولان بعدما داس ذيل ملك الغاب الأسد في إشارة لسوريا. ولكن ليس هذا فحسب فهناك أطماع اقتصادية واستراتيجية أخرى لإسرائيل في الهضبة طالما دفعتها لمحاولة الاستئثار بها، فالزراعة فيها متطورة جدا خاصة التفاح والكرز، وتربية الأبقار لاسيما أنها تمتاز بخصوبة ترابها البازلتي وبوفرة مياهها ناهيك عن مصادر المياه. كذلك هناك مشروع كبير للتنقيب عن النفط في الجولان شرعت فيه العام الماضي شركة أمريكية-إسرائيلية رغم أن ذلك ينطوي على انتهاك فظ للقانون الدولي.
بالتزامن أحيا أهالي الجولان المحتل الذكرى السنوية ليوم الجلاء كعادتهم كل عام. وهو يوم جلاء المستعمر الفرنسي وزوال استعماره عن الأرض السورية في مثل هذا اليوم من عام 1946.
ميدان سلطان باشا
وتجمع العديد في ميدان سلمان باشا الأطرش في مجدل شمس، وهتفوا لحرية الجولان وعافية سوريا. وبدا هذا التحرك بمثابة رد على تصريحات نتنياهو، حيث رفع المشاركون شعارات ورددوا أهازيج ملخصها أن «زيارة نتنياهو وحكومته الفاشية لا تستطيع تغيير موقف أهل الجولان وأصحابه، وأنه مثلما تم كنس المستعمر الفرنسي عن سوريا سيتم تطهير الجولان من دنس الاحتلال الإسرائيلي».
كما أعرب الكثير من المواطنين السوريين في الجولان المحتل، عن رفضهم القاطع لما وصفوه بتغيير الجغرافيا والتاريخ من جانب نتنياهو وأن ما ادعاه يجافي طبيعة أهل الجولان وهويتهم القومية.
وذكر هؤلاء أن الجولان شهدت هبة جماهيرية كبيرة شملت إحراق بطاقات الهوية الإسرائيلية عندما سن الكنيست قانون ضم الجولان، وذلك تعبيرا عن رفضهم القاطع للانفصال عن «الوطن الأم» كما يطلقون على سوريا.
50 ألف مستوطن
يستوطن في الجولان نحو خمسين ألفا من اليهود منذ احتلالها في حرب حزيران/يونيو1967 ووعد نتنياهو وزراءه بآلاف آخرين سينضمون إليهم قريبا. ويعيش في الجولان التي تبلغ مساحتها 1860 كيلومترا مربعا نحو ثلاثين ألفا من العرب السوريين موزعين على أربع قرى أبرزها مجدل شمس المتاخمة للجزء الشمالي الممتد من سفوح جبل الشيخ بمحاذاة خط وقف إطلاق النار الذي تم ترسيمه بعد اتفاق فك الارتباط وهو الاتفاق الذي أعقب حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 أما القرية الخامسة وهي الغجر فتقع في الغرب على تقاطع الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين التاريخية. ولم تخف إسرائيل أطماعها في الجولان منذ احتلالها، فقد سنّ الكنيست الإسرائيلي قانونا عام 1981 ضم بموجبه الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل، لكن المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة رفض ذلك في قرار أصدرته هذه المنظمة الأممية حمل الرقم 497. وجاءت تصريحات نتنياهو الجديدة في هذا الوقت بالذات حيث تحاول سوريا لملمة جراحها وإبرام تسوية سياسية بين «الإخوة الأعداء» لتخطر المجتمع الدولي بأن إسرائيل قادرة على تخريب هذه المساعي إذا رأت أنها ستضر بما سماها نتنياهو «مصالحها الأمنية».
وقد ذكر أحد المهتمين في بلدة مجدل شمس، كبرى القرى السورية في الجولان المحتل، أنه خلال الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت قبل عام، تم إجراء مسح لمعرفة عدد الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية وحصلوا على جوازات سفر في الجولان.
واقتصر المسح على 420 شخصا من أصل 23 ألفا يعيشون في قرى مجدل شمس وعين قينيا ومسعدة وبقعاتا، إضافة لقرية الغجر التي يعيش فيها نحو سبعة آلاف وتقع في الجزء الغربي من الجولان وهي البقية الباقية من أصل 137 قرية وخربة، إضافة لـ112 مزرعة دمرتها إسرائيل خلال حرب عام 1967 وهجرت أهلها.
طبيعة استعمارية
وفي الأوساط السياسية العربية داخل الخط الأخضر، أثارت تصريحات نتنياهو ردودا مستنكرة، إذ يؤكد عضو الكنيست مسعود غنايم «المشتركة» لـ «القدس العربي» أن «توجهات إسرائيل بقيادة نتنياهو تؤكد الطبيعة الاستعمارية والعدوانية لإسرائيل». ويرى غنايم أن أي كلام عن سلام بين إسرائيل ومحيطها العربي إنما هو محض كذب وافتراء، وإن ما قاله نتنياهو حول الجولان السوري إنما هو الحقيقة، ويكشف أن إسرائيل متجهة إلى مزيد من الاستيطان وتكريس الاحتلال وفرض الأمر الواقع بالقوة ضاربة عرض الحائط كل القرارات والمعاهدات الدولية، وفق تعبيره. ويعتبر أن الوقت قد حان لكي يعامل المجتمع الدولي إسرائيل كما عوملت دول أخرى لإرغامها على احترام الإرادة والقرارات الدولية أي بفرض العقوبات القاسية عليها.
حاليا اكتفى الرئيس المناوب لمجلس الأمن الدولي السفير الصيني، بالإعلان ان «مجلس الأمن يشعر بالقلق إزاء التصريحات الإسرائيلية الأخيرة بشأن الجولان». وذكر بقرار المجلس 479 الصادر في العام 1981 والذي يحدد أن قرار فرض السيادة الإسرائيلية على الهضبة «لا يحظى بدعم القانون الدولي». وجاء النقاش في مجلس الأمن بناء على طلب قدمته فنزويلا بمبادرة من سوريا. وأوضحوا في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن هذا النقاش لا ينطوي على أي أهمية أو أبعاد عملية، لكنه يعكس عداء الأمم المتحدة لإسرائيل.
وكان نتنياهو قد طرح لأول مرة، موضوع الاعتراف الدولي بسيادة إسرائيل على الجولان قبل نصف سنة، خلال لقاء مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وطلب من الرئيس الأمريكي الاعتراف بسيادة إسرائيل على الهضبة كجزء من التعويض الأمريكي على الاتفاق الدولي مع إيران في المسألة النووية، لأن الإيرانيين والتنظيمات الإرهابية، المدعومة من قبلهم ضالعون في الأحداث السورية. لكن أوباما رفض هذا الطلب. وفي الآونة الأخيرة أعيد طرح هذا الموضوع حين طلب الرئيس السوري بشار الأسد الإعلان خلال النقاش الجاري حول تسوية وقف إطلاق النار في سوريا، ان الجولان أرض سورية يجب إعادتها. وقاد طلب الأسد هذا إلى قرار نتنياهو عقد جلسة لحكومته في هضبة الجولان بعد 49 سنة من السيطرة الإسرائيلية عليها، والتصريح هناك أن «الرسالة الإسرائيلية واضحة: هضبة الجولان ستبقى إلى الأبد في إيدي إسرائيل. إسرائيل لن تتخلى أبدا عن الجولان».
القانون الدولي ومسألة إحتلال أراضي الغير بالقوة: مرتفعات الجولان نموذجا/ عبد الحميد صيام
نيويورك ـ الأمم المتحدة ـ «القدس العربي»:حسم الخلافات بين الدول عن طريق إستخدام القوة قديم قدم التاريخ نفسه. فقد ظلت الحرب أسلوبا مستخدما بين الدول والشعوب والجماعات والأعراق لحسم أسباب النزاع. وكانت العادة المتبعة بعد حسم الصراع لصالح طرف واحد أن يفرض المنتصر إرادته وشروطه على المهزوم والتي قد تصل إلى القتل الجماعي أو النفي والطرد أو الاستعباد والإذلال أو إحتلال الأرض والأملاك أو إجبار المهزومين على ترك ملتهم وتغييرها إلى ملة المحتلين. ولكثرة ما سببت الحروب من مآسٍ ظل كثير من العقلاء، أفرادا وجماعات ودولا، على مر العصور يبحثون عن أساليب تستبدل الصراع في العلاقات بين الدول والجماعات إلى الحوار وقبول الوساطة والتحكيم والصلح. وعرفت صكوك الصلح بين المتحاربين خاصة إذا فشل أي منهما في حسم الصراع نهائيا لصالحه. ومن يزور مقر الأمم المتحدة بنيويورك يستطيع أن يطلع على أول إتفاقية سلام في التاريخ، كما كتب قرب اللوحة المعدنية، بين رمسيس الثاني فرعون مصر وملك الحتيين حتوسيلي الثالث سنة 1259 قبل الميلاد وتدعى أيضا إتفاقية قاديش حيث بدأت المفاوضات بعد أضخم معركة بين الطرفين عام 1274.
ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأت المجتمعات هناك تتنبه إلى ما يمكن أن يعزز إستقرار العلاقات الدولية ونشر السلم بدل التوتر والحروب والاجتياحات، والاحتكام للقانون بدل الاحتكام للقوة والاتفاق على مرجعيات توافق عليها البشر عبر التجربة التاريخية تستقي مصادرها من الأحكام العرفية والقوانين الأساسية. وفتحت إتفاقيات جنيف الأربع التي بدأت بالاتفاقية الأولى عام 1864 المتعلقة بمعاملة الأسرى والجرحى بابا واسعا لما نسميه القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. بعد إنشاء الأمم المتحدة أعيدت صياغة الاتفاقات السابقة وتمت مراجعتها على ضوء تجربة حربين عالميتين أهلكت الملايين من البشر وتم توقيع الاتفاقيات الأربع المعروفة باتفاقيات جنيف بتاريخ 12 آب/أغسطس 1949 وهي:
الاتفاقية الأولى تتعلق بالجرحى والمرضى من عناصر القوات المسلحة.
الثانية تتعلق بالجرحى والمرضى والسفن المعطوبة من عناصر قوات البحرية. والثالثة وتتعلق بأسرى الحرب. والاتفاقية الرابعة وهي الأهم تتعلق بالمدنيين أثناء وبعد الحرب ويبلغ عدد الدول الأعضاء المنضمة لها 190 دولة ما يجعلها من أهم الاتفاقيات في التاريخ.
لقد حددت هذه الاتفاقيات ما إصطلح على تسميته بالقانون الإنساني الدولي والذي هو جزء لا يتجزأ من القانون الدولي نفسه. وحرصت هذه الاتفاقيات أن تكون النصوص واضحة يصعب التحايل على تأويلها بعكس القرارت السياسية التي يصدرها مجلس الأمن والجمعية العامة والتي تصاغ بطريقة مضللة يمكن تفسيرها باتجاهات متعاكسة. ففي حالة القانون الإنساني يصعب على الدول في مجموعها التعامي عنه أو التحايل في تفسيره. قد لا تستطيع الأمم المتحدة فرض الحل بالقوة على المعتدي إذا لم يكن هناك تفويض واضح بذلك، لكن فرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي وبطريقة رعناء وتقبله لم يحدث بشكل فاضح ومهين مثلما هو الحال في الحالة الشاذة التي تحاول إسرائيل فرضها بالقوة مستندة إلى حماية من القوة العظمى، الولايات المتحدة، رغم أن الأخيرة ما زالت تدعي، على الأقل على الورق، أنها ملتزمة بالقانون الدولي.
ويشير القانون الدولي عند وقوع حالة الاحتلال، إلى ثلاثة إتجاهات: مسؤولية القوة القائمة بالاحتلال، ومسؤولية وحقوق وواجبات السكان الواقعين تحت الاحتلال وكذلك وضعية الأرض التي يتم إحتلالها والسكان القاطنين فيها. ويقر القانون الدولي مبدأ لا خلاف عاليه وهو «عدم جواز ضم أرض بالقوة» وهذا ما يفسر عدم إعتراف أي دولة في العالم بضم إسرائيل للجولان والقدس والضفة الغربية وغزة (قبل تحويلها إلى إحتلال من الخارج بدلا من الداخل).
ومن بين النقاط التي تشير إليها إتفاقية جنيف الرابعة كممارسات ممنوعة تحت طائلة القانون الدولي: الترحيل القسري، والاعتقال دون محاكمة، وتدمير الممتلكات، ومنع وصول الغذاء أو الدواء أو التعليم، وإستيطان مواطنين من دولة الاحتلال في الأرض الواقعة تحت الاحتلال. ولا يجوز كذلك إستغلال خيرات الأرض ومواردها الطبيعية أو ضمها أو تغيير معالمها أو تغيير البنية الثقافية أو التاريخية أو العمرانية أو إقامة أي منشآت فوقها أو تحتها.
نعيد التذكير بهذه الاتفاقيات والمعاهدات لأنها تتمتع بالعضوية الشاملة بما فيها عضوية إسرائيل. وتم التوصل إليها وفي أذهان الكثيرين ما قامت به النازية الألمانية وخاصة «المحرقة اليهودية» والتي هزت كيان الدول آنذاك جميعها وشعر الأوروبيون وخاصة الألمان بالثقل الأخلاقي الذي سببته تلك المذبحة لدرجة أن إبتلاع فلسطين وحل ما سمي بـ»المسألة اليهودية» على حساب العرب لم يشكل أي شعور بالذنب أو الأسى لما جرى ويجري للفلسطينيين. وضمن هذا السياق ظلت الدول الغربية تتعامل بمنهج النفاق والقياس بمقياسيين عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
الاحتلال وتعامل مجلس الأمن
بعد إنشاء الأمم المتحدة حدثت حالات عديدة من الاحتلالات تعامل معها مجلس الأمن بقدر ما سمح له من قبل القطبين الأساسييين. فمثلا إحتلت روسيا أفغانستان واحتلت فيتنام كمبوديا واحتلت الولايات المتحدة غرانادا واحتلت الهند وما زالت كشمير وضمت أندونيسيا تيمور الشرقية وضمت المغرب وموريتانيا الصحراء الغربية واحتلت تنزانيا أجزاء من يوغندا واحتلت إيران ثلاث جزر إماراتية عام 1971 واحتلت إريتريا جزر حنيش اليمنية وأخلتها بعد رأي محكمة العدل الدولية لصالح اليمن واحتل النظام العراقي الكويت عام 1990 ومعروف كيف تعامل المجلس مع تلك الحالة النادرة.
أما إسرائيل فحكايتها تختلف عن كل دول العالم إذ إنها إنشئت وتمددت بالاحتلال ولا تعيش يوما دون أن تمدد إحتلالاتها التي لا تتوقف. ولو إنطلقنا من قرار التقسيم الذي منح الميليشيات اليهودية الذين لا يزيدون عن ثلث السكان، غالبيتهم الساحقة مهاجرون جدد من أوروبا الشرقية، 56 في المئة من مجموع أرض فلسطين وترك للسكان الأصليين أبناء البلاد الذين لم يصلوا إلى فلسطين على ظهور البواخر 43 في المئة من أرضهم. لكن إسرائيل أضافت بقوة السلاح 20 ٪ إضافية بتواطؤ عربي ودولي لما منحها قرار التقسيم الجائر. بعد ذلك بدأت تتمدد من كل صوب. ثم إحتلت غزة في حرب السويس عام 1956 ولم تغادره إلا بعد ضغط من الدولتين العظميين وتهديد الاتحاد السوفييتي آنذاك باستخدام القوة.
إحتلالات عام 1967
إرتكبت إسرائيل صبيحة الخامس من حزيران/يونيو 1967 جريمة العدوان التي يعاقب عليها القانون الدولي بعد أن أخذت ضوءا أخضر من الرئيس الأمريكي ليندن جونسون في الوقت الذي أبلغ السوفييت جمال عبد الناصر أن خيار الحرب قد ألغي. لذلك هي حرب عدوانية لم تأت نتيجة تهديد كي تندرج تحت بند الدفاع عن النفس الذي تتعلل به إسرائيل حسب البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
لقد أصدر مجلس الأمن القرار 242 بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967 أي بعد مرور أكثر من خمسة شهور على الحرب. لم يكن الغرب في عجلة من أمره حيث أعطى إسرائيل كل الوقت لتثبت إحتلالها. بينما إجتمع مجلس الأمن بعد ست ساعات فقط من إحتلال الكويت واعتمد القرار 660 تحت الفصل السابع مطالبا القوات العراقية بالإنسحاب «الفوري والشامل وبدون شروط». بينما في حالة 242 الذي صاغه السفير البريطاني بطريقة غامضة على طريقة وعد بلفور فجاءت النسخة الأنكليزية بدون أل التعريف عند ذكر الأراضي المحتلة بينما شملت النسخة الفرنسية أل التعريف. كل ذلك ليعطي الغرب المنحاز فرصة لإسرائيل في المستقبل للتملص من إستحقاقات الانسحاب. ومن منا لا يذكر مراوغاتها في الانسحاب من منطقة طابا المصرية.
على الأرض تعاملت إسرائيل منذ اليوم الأول للاحتلال على أنها لن تنسحب لا من الضفة الغربية ولا من القدس ولا من مرتفعات الجولان دون أن تعلن ذلك في البداية. وظل الأمر عبارة عن مرواغة إلى أن تم إصطياد مصر «السمكة الكبرى» كما سماها وزير الخارجية الثعلب هنري كيسنجر بعد توقيع إتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام الأولى بين العرب وإسرائيل عام 1979.
كان إختبارها الأول في القدس الشرقية حيث أعلنت رسميا ضم القدس واعتبارها العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل بنتاريخ 20 آب/أغسطس 1980. لكن مجلس الأمن إجتمع على الفور، حيث كان للعرب آنذاك شيء من الكيانية، فاعتمد القرار 478 (1980) والذي رفض بطريقة واضحة لا لبس فيها ما سمي بـ «القانون الأساسي» الإسرائيلي واعتبر ذلك «إنتهاكا للقانون الدولي وأن كافة الإجراءات الإسرائيلية التشريعية والإدارية في القدس الشرقية إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها».
ثم جاء دور الجولان حيث قررت إسرائيل يوم 14 كانون الأول/ديسمبر من عام 1981 بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان لكن مجلس الأمن إعتمد بالإجماع القرار 497 في نفس يوم الضم الذي اعتبر ذلك ملغيا وباطلا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي بل وطالب القرار إسرائيل، القوة المحتلة، بإلغاء القرار وذكّرها بأن إتفاقية جنيف الرابعة المعتمدة عام 1949 ما زالت سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967. والأهم من ذلك أن القرار حمل شيئا من التهديد لإسرائيل حيث نص في فقرته العاملة الرابعة على دعوة الأمين العام بتقديم تقرير حول تنفيذ القرار خلال أسبوعين «ويقرر في حال عدم إمتثال إسرائيل يجتمع مجلس الأمن بصورة إستثنائة وفي مدة لا تتجاوز 5 كانون الثاني/يناير 1982 للنظر في إتخاذ الإجراءات الملائمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة».
بيان مجلس الأمن
تأخر مجلس الأمن عشرة أيام حتى أصدر بيانه المتعلق برفض قرار إسرائيل الأحادي بأنها لن تنسحب من مرتفعات الجولان إلى الأبد. فقد إجتمعت الوزارة الإسرائيلية يوم 17 نيسان/أبريل في مرتفعات الجولان لأول مرة وأعلن بعدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بكل عنجهية أن إسرائيل ستبقى بشكل دائم في المرتفعات وأنها لن تتخلى عنها وإلى الأبد. وذهب به الصلف بعيدا ليطالب المجتمع الدولي أن يعترف بالأمر الواقع وقدم أسبابا سخيفة لهذا الموقف من بينها العثور على بعض القطع الأثرية في الهضبة.
بعد عشرة أيام من صدور قرارات من العديد من الدول بالرفض أصدر مجلس الأمن البيان الصحافي الذي تلاه رئيس المجلس الممثل الدائم للصين والذي أعلن أن قرار ضم الجولان المحتل «باطل ولاغ وليس له أي أثر بموجب القانون الدولي كما نص على ذلك القرار 497 لعام 1981. وأن وضع الجولان يبقى دون تغيير».
الشرعية ستبقى كلاما
العبرة إذن ليست في القرارت بل في تنفيذها. الشرعية الدولية يجب أن تعطي أصحاب الحق قوة لتنفيذها وتحويلها إلى برامج تحرير لا ورقة مساومة رخيصة من أجل بقاء الحكم أو السلطة أو حكم العائلة. هناك مئات القرارات التي إعتمدت حول الأراضي العربية المحتلة ومنها الجولان والقدس والضفة الغربية وغزة. ومن المؤكد أن إسرائيل ما فتئت تدوس برجليهاعلى تلك القرارات وخاصة في هذه المرحلة التي يقتل العرب فيها بعضهم بعضا. وإذا إستمرت هذه الحالة فما الذي يمنع إسرائيل أن تعلن نهارا جهارا أن هدفها المرسوم بين خطين أزرقين على علمها ما زال الهدف الإستراتيجي لها؟
الجولان المحتلة: مصدر الأمن والمياه لإسرائيل
طرغت ألب بويراز، هشام شعباني: تمتاز مرتفعات الجولان (جنوب غربي سوريا)، المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1967، بأهمية خاصة بالنسبة للأخيرة، على المستويات الأمنية والجيوسياسية والاستراتيجية، إذ أنها المحافظة السورية الوحيدة التي لها حدود مع ثلاث دول هي، لبنان وإسرائيل (فلسطين قبل 1948) والأردن.
تلك الأهمية دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لاستغلال الاضطرابات السياسية التي تشهدها سوريا منذ 2011، ومهّدت الطريق أمامه لمطالبة المجتمع الدولي بـ»الاعتراف بإسرائيلية» المرتفعات السورية.
وقال نتنياهو خلال اجتماع عقدته حكومته في الجولان يوم 17 إبريل/ نيسان الجاري «إننا موجودون اليوم في الجولان، وهذه هي المرة الأولى التي تعقد فيها الحكومة الإسرائيلية جلسة رسمية في تلك المرتفعات، منذ أن دخلت المنطقة تحت الحكم الإسرائيلي قبل 49 عامًا، كان الجولان جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل في العصر القديم، والدليل على ذلك هو عشرات الكنس اليهودية العتيقة التي عثر عليها في المنطقة، إضافة إلى أن الجولان هو جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل في العصر الحديث.
قوبلت تصريحات نتنياهو، بجملة من الرفض وردود الأفعال العربية والدولية، إلا أنها في الوقت ذاته، سلطت الضوء على الأهمية الجيوستراتيجية للمرتفعات السورية، بالنسبة لإسرائيل التي تحتلها منذ عام 1967.
أكدت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، أنَّ «الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا». وشدد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء 26 أبريل/ نيسان، على أنَّ ضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية المحتلة هو «قرارٌ باطلٌ»، وأن المجلس لا يعترف به.
إلى ذلك، التقى نتنياهو، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، بعد خمسة أيام فقط من تصريحاته، وقال حينها إن إسرائيل تبذل ما بوسعها «للحيلولة دون ظهور جبهة إرهابية ضدنا في هضبة الجولان ويمكن أن يتم استهداف قرانا وأطفالنا بواسطة نيران تطلق من تلك المرتفعات».
وتابع نتنياهو «الجولان ستبقى جزء من إسرائيل، سواء أكان ذلك من خلال اتفاق أو بدونه»، مضيفًا «حان الوقت للمجتمع الدولي أن يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان».
تتمتع هضبة الجولان بأهمية جيواستراتيجية، لا يمكن لدولة مثل إسرائيل أن تتجاهلها، فالقمم التي تضمها الهضبة، تجعلها تشرف على مساحات شاسعة من السهول المحيطة بها في سوريا ولبنان وإسرائيل (فلسطين قبل 1948) والأردن. كما أن مخزون المياه الجوفية الكبير للجولان، يزيد من أهميتها بالنسبة لإسرائيل، التي تعتمد في تأمين ثلث احتياجاتها من المياه، على نهر الأردن والمياه الجوفية في الجولان.
فضلًا عمّا تمتلكه من أهمية دينية بالنسبة للداخل الإسرائيلي، فاسمها يرد في النصوص المقدسة اليهودية، ما يجعلها بمثابة منطقة يصعب على إسرائيل التنازل عنها.
تمكنت إسرائيل عام 1967، من احتلال مرتفعات الجولان، وقطاع غزة، والضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وجزيرتا تيران وصنافير اللتان كانتا وقتها تحت الحماية المصرية، وذلك خلال حرب «الأيام الستة»، التي تعرف أيضًا باسم «نكسة يونيو/حزيران».
وتشكل مرتفعات الجولان، إحدى المحافظات السورية الـ 14، وتعرف باسم محافظة «القنيطرة»، التي تبعد عن العاصمة السورية دمشق، نحو 60 كيلومترًا، وتضم المحافظة مدينتين، «القنيطرة» وهي مركز المحافظة، تم تدميرها بالكامل على يد القوات الإسرائيلية قبل أن تنسحب منها في حرب أكتوبر/تشرين عام 1973، و»فيق»، التي لا تزال مدمرة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفي 1973 شنت سوريا (بمشاركة مصر وعدة دول عربية)، هجومًا عسكريًا ضد إسرائيل، لاسترداد كامل الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وعرفت تلك الحرب باسم «حرب أكتوبر/ تشرين»، إلا أن تلك المحاولة تكللت بالفشل.
وفي 1974، توصلت مصر وإسرائيل برعاية أممية في جنيف (سويسرا)، لاتفاقية «فك للاشتباك» (18 يناير/كانون الثاني 1974)، أعقبها في جنيف أيضًا، اتفاقية لـ «فك الاشتباك» على الجبهة السورية، بين سوريا وإسرائيل (31 مايو/ أيار 1974)، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي (آنذاك) والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي 1981، أعلنت إسرائيل ضم الجولان رسميًا إلى أراضيها من جانب واحد، غير أن المجتمع الدولي لم يعترف بذلك القرار.
وفي 2000، التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود باراك، وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، في «شيبردز تاون» بولاية فيرجينيا الغربية، ما بين 3 و7 ديسمبر/كانون الأول 2000، في إطار مفاوضات سلام برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، إلا أن تلك المفاوضات حول إعادة المرتفعات إلى سوريا، باءت بالفشل، بسبب رفض إسرئيل التخلي عن الأراضي السورية المحاذية لبحيرة طبريا (أكبر خزان طبيعي للمياه العذبة في المنطقة) ونهر الأردن (نهر الشريعة).
وفي 2008، بدأت مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة برعاية تركية، انتهت عقب هجمات إسرئيل على غزة، واستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، بسبب إدانته بالفساد.
وفي 2009، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه سيتبع سياسة أكثر صرامة حيال مرتفعات الجولان، بالمقابل قال الرئيس السوري، بشار الأسد «ليس هناك طرف نفاوضه بشأن السلام». ورغم تصريحات باراك أوباما عند توليه منصب الرئاسة، حول اعتبار «بدء المفاوضات السورية الإسرائيلية مجددًا، من أولويات سياسته الخارجية»، فإن الملف لم يشهد أي تطور.
وفي 2013، امتدت الحرب التي اندلعت في سوريا عام 2012، إلى الجزء الموجود تحت السيادة السورية من هضبة الجولان، حيث ادعت إسرئيل آنذاك سقوط قذائف صاروخية على الجزء الذي تسيطر عليه من المرتفعات، وردت بالمثل على مصادر النيران، كما تبادل الجيشان السوري والإسرائيلي إطلاق النار في مايو/أيار من العام نفسه.
وفي 17 أبريل/نيسان الحالي، قال نتنياهو، خلال اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي الذي عقده في الهضبة، إن «مرتفعات الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد»، على حد تعبيره.
(الأناضول)
تغيّر الموقف الإسرائيلي من سوريا/ رندة حيدر
خلال الاعوام الخمسة الماضية من الحرب الأهلية السورية وقفت إسرائيل تقريباً موقف المتفرج، ووضعت خطوطاً حمراء واضحة أمام تعاظم القوة العسكرية لـ”حزب الله”، وتحركت عسكرياً داخل الأراضي السورية كلما شعرت أن الحزب خرق هذه الخطوط.
والواقع أن مشاهدة السورييين و”حزب الله” والإيرانيين يسفك بعضهم دماء البعض، ورؤية الجيش السوري ينهار، والدولة السورية تتفكك، مشهد لا يؤرق الإسرائيليين ويسدي خدمة كبيرة اليهم ما لم تنزلق هذه الحرب الى داخل أراضيهم.
لكن التطورات الأخيرة في سوريا أدت الى تغيّر التقديرات الإسرائيلية للوضع وبروز رؤية مختلفة للأمور هناك. فبعدما كان الاعتقاد السائد ان الحرب السورية ستستمر وقتاً طويلاً من دون حسم، بات التقدير الآن أنه من الممكن التوصل الى تسوية، وخصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي والمكاسب العسكرية التي حققها جيش الأسد والميليشيات الداعمة له في الفترة الأخيرة، وامكان الانتصار على تنظيم “داعش” من دون تدخل بري أجنبي. وثمة اقتناع الآن بأن اتفاق وقف النار والمفاوضات السياسية بين الأطراف المتقاتلين يمكن ان تشكل مدخلاً الى الحل السياسي.
ولكن على رغم ذلك، لا يعتقد الإسرائيليون أن سوريا ستعود الى ما كانت، ويرون ان عملية التوصل الى حل ستأخذ وقتاً طويلاً وربما تحولت سوريا في نهايتها الى حكم فيديرالي أو كيانات تتمتع بحكم ذاتي. كما يرجحون عدم قدرة الأسد على الاحتفاظ بمنصبه فترة طويلة، وان البديل منه سيكون تحالف يجمع قوى عدة، يشكل العلويون مكوناً من مكوناته.
ثمة اقتناع اسرائيلي بأن هذا كله لم يكن ليحصل لولا التدخل الروسي في الحرب الأهلية السورية الذي لم يغير مسار هذه الحرب فحسب، بل كان له دور أساسي في تغيير الموقف الإسرائيلي منها. والواقع أن التفاهم والتنسيق العسكريين مع الروس في كل ما يتعلق بالشأن السوري ساهم في تبديد المخاوف الإسرائيلية من تحول سوريا الى محمية إيرانية، ومن استخدام “حزب الله” هضبة الجولان قاعدة أمامية لشن هجمات على إسرائيل. ويرى الإسرائيليون ان العلاقة الوثيقة مع الرئيس الروسي بوتين والقائمة على الاحترام المتبادل والثقة والمصالح المشتركة ضمانة اساسية للحفاظ على أمن حدودهم.
الاهم في هذا كله أن حرب سوريا في رأي إسرائيل غيّرت أولويات “حزب الله”. فالحزب الغارق في المستنقع السوري لا يرغب حالياً في مواجهة جديدة على رغم تعاظم قدراته القتالية.
مع اقتراب مرور 10 اعوام على حرب تموز تبدو الحرب المقبلة مؤجلة الى ما بعد انتهاء الحرب السورية.
النهار