صفحات العالم

عن خطاب رئيس بات خارج المنطق والتاريخ


 نقولا زياده

ويحلو للرئيس الاسد الخطابة متجاهلاً ما يجري حوله، فغالبية الصحف ووسائل الإعلام تؤكد ان 60% من الأراضي السورية أصبحت الآن خارج سيطرة نظامه المتداعي. يتغنّى بالتعددية وبالاعتراف بالآخر والتسامح إلى آخر القيم السامية التي سرعان ما تكذبها وتدحضها في الحال شلالات الدم والمجازر البربرية وأعمال الاغتصاب المنظم، والتعسفية المبيتة سلفاً والاعتقال الجماعي على الظن والتوقيف السري ومعسكرات التجميع، فما بالك عن حرق المتهمين وتدمير الأحياء وتقطيع الجثث، فأية تعددية هي هذه الترهات وأي اعتراف بالآخر هو هذا وأي تسامح يطالعنا به في جمهورية السجون والزنازين والمعتقلات والبوليس السياسي وفرق الموت.

إن الدولة التي تقيم وزناً للتعددية والاعتراف بالآخر وتجل الانسان هي التي تمارس عملياً وبالملموس هذه القيم بينما واقع نظام دمشق هو ان كل اصابع الدنيا تشير بأصابع الاتهام الممهور بالوقائع الدامغة الى تورطه في إذكاء وتنظيم وادارة النوازع الدينية والمذهبية والتلاعب المتمادي بكل مكونات النسيج السوري خدمة لهدف أوحد: البقاء في السلطة مهما كان الثمن. فهو الذي يرسل إشارات متواصلة إلى الأقليات على انها مستهدفة ومهددة وانه في حال سقوطه ستتعرض الى هلاك محتوم والى مجازر وتصفيات جماعية.

فمنذ انقلاب 1970 الأسدي الأول اندفع نظام العائلة الواحدة مع ما هبّ ودبّ من الأقارب والأنسباء وكل جلاوزة النظام الفاشي إلى ممارسة سياسة موقعة مدروسة متابعة ذكية استهدفت أمن المسيحيين والعلويين والارمن والاكراد واليزيديين الخ.. السبحة لاكراههم بدافع الريبة والخوف والظنون الكاذبة على الخضوع والامتثال لارادة حكم الفرد الحكم الديكتاتوري الفاشي المتربع فوق رقاب شعب سوريا ونسيجه الطيب المعطاء. فالمسيحيون يرحلون، والأرمن يهاجرون، والأكراد مكتومون لا هوية لهم ولا حقوق.. لقد ظل نظام دمشق يتلاعب بالجميع حى يتمكن من البقاء (survive) تماماً كما فعل بنا في لبنان، وما زال.

التعددية هي إغناء للديموقراطية وتطوير لها في كل الميادين والصعد، فهي تماماً ما قاله أحدهم: “… فلتفتتح مائة زهرة!” والديموقراطية وحدها هي الكفالة والضمانة والحياة السليمة للتعددية، لا أنظمة المخابرات والبوليس السياسي ومعسكرات الاعتقال ومراكز التحقيق وأقبية الزنازين وسيطرة الرعب والخوف والحذر والريبة والقلق السائل في خبز السوريين اليومي، الاعتراف بالآخر هو إطلاق الحريات العامة وتعدد الصحف والرأي الآخر، وحرية التفكير والتعبير والاذاعة والنشر والتوزيع وحوار الانسان للانسان والجماعات فيما بينها بعيداً عن المنطق القسري والعسف والظلم والإرهاب وعسكرة البلاد بالجزم الحديدية وبأسلحة الدمار والهلاك والابادة. إنها النقيض لجهاز الغستابو القائم في سوريا!

ان مفردات جديدة قد دخلت ذاكرة الشعوب العربية فأصبحت مرادفاً للموت: ما بالك بالقوات الخاصة، والفرقة الرابعة والأمن السياسي وفرق الموت وفرق الشبيحة الأوغاد؟ ما رأيك بفرع فلسطين وسجون المزة وصيدنايا وتدمر ولسنا ندري أية سجون اخرى ألقيت في غياهبها شرفاء سوريا وأحرارها ومَن أصبحوا طي النسيان ماذا عن مَن اختطف من شبان لبنان وأين أصبحوا الآن؟ ان مثالك الاعلى ليس باستور ولا فليمينغ ولا سارتير ولا الأب بيار ولا الام تيريزا ولا هو شي منه، بل هتلر وهملر وفرانكو وسالازار وتروخيلو وبينوشيت وكارازديتش وديفالييه سفاح هاييتي.

إن معسكرات اوشوتيز وداخاو وبوخنفالد ورافزنسبروك.. في بشاعتها أقل وحشية من العار الدموي الذي أرسيت عليه حكمك الأسود الجهنمي. فعن أي تسامح وأي تواصل وأي حوار بل عن أية معارضة موصومة بعار الذل والمهانة تزعم دعوتها للحوار؟

إن أهل حماه لا ينامون ولا سكان تدمر ولا محيط الكلية العسكرية في حلب عندما يستفيقون على أصوات اولئك الذين امعنتم فيهم قتلاً وذبحاً وتصفية، فهل تسمع الآن نواح ثكالى بابا عمرو والخالدية وصراخ أهل الرستن وجسر الشاغور وادلب وبصرى الحرير والحراك ودوما، بالله قل لنا مَن قام بذبح ما يزيد على مائة ضحية في الحولة!

وتتحدث بعد كل هذا عن مؤامرة خارجية! فما رأي اللبنانيين بحقيقة مَن خطط ورعى وأشرف ونفذ اغتيال رجل بارّ كبير من لبنان اسمه رفيق الحريري، وماذا عن سلسلة شهدائنا الذين أرديتهم لتروع لبنان وتذيقه طعم الدم المسفوح؟ وما الذي تريده من طرابلس وعكار ومعراب والطريق الجديدة؟ أين هسام هسام وشاكر العبسي؟ أين أصبح الآن رجل جليل مثل شبلي العيسمي؟

ما تسميه المؤامرة في سوريا هو بامتياز صراع داخلي فالشجرة لن تكون بمقدورها إخفاء الجبل الذي تتوهم عبثاً انها تخفيه. انها حركة التاريخ اشبه بقطار يسير بأقصى سرعته وأنت لم تستقله، وكانت الفرصة أمامك متاحة، وهو آجلاً أو عاجلاً سيدهمك ويطيح بك، فهو كالقدر ما لقضائه مرد.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى