عن شبه غير مرغوب
عبد السلام إسماعيل
لم تكن المعاناة الفلسطينية مدركة تماما في أذهاننا رغم كل سنوات الوهم الكثيرة التي كنا نعتقد فيها أننا نعرفها. قد يكون الشعب السوري هو أكثر الشعوب العربية قربا من الهم الفلسطيني الذي تحول مع الأيام إلى هم سوري أيضا، نتشارك في دفع أكلافه السياسية والحياتية وبإسمه تأسست شرعية لنظام طغياني نادر المثيل، لكنه كان اقترابا رمزيا يدور حول صنم إسمه الشعب الفلسطيني والقضية المركزية.
كان الفلسطيني يصرخ ولا يفهم أحد صراخه، كان يلمس الخذلان العربي والإنساني والتآمر الدولي، ويصارع وحيدا الإحتلال والتنكيل والتشريد.
ومع بدء الثورة السورية، بدأنا نتعرف ونعيش معانٍ كانت إلى أمد قريب لا يعرفها سوى الفلسطيني، لكن لا أدري لماذا اعتقد الشعب السوري أنه مختلف عن الفلسطينيين ولن يلقى نفس المعاملة! ربما لمعرفته بالإختلاف المفترض بين عدو الفلسطينيين وعدو السوريين، فهو يفهم أن إسرائيل محمية من دول العالم وبالتالي من الطبيعي ألا تتحرك دولة لدعم الفلسطينيين إزائها. ويعرف أن النظام على عداء مع معظم دول العالم ولن تتوانى تلك الدول عن الإطاحة به فيما لو تهيئت الفرصة، ويعرف حجم الخلافات والقطيعة التي تحكم علاقته مع محيطه العربي.
ربما لذلك كان يعتقد أنه سيلقى كل الدعم والتأييد في مسعاه التحرري، تجلى ذاك الإعتقاد بأسماء الجمع المتوالية، لكنه لم يحصل على أكثر مما حصل عليه الفلسطيني من قبل.
وربما ما يفسر إحساسه بالإختلاف عن الفلسطيني، أن الشعب السوري إستقبل الكثير من الشعوب التي نكبت أوطانها وعاملهم معاملة السوريين، بعضهم ذاب في النسيج السوري، مثل الأرمن والشركس، والآخرين مثل الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين، عوملوا بنفس المعاملة ولم يعرفوا السكن في المخيمات في سورية، حتى ما يطلق عليها مخيمات فلسطينية، هي عبارة عن أحياء سكنية ضمن المدينة المقامة فيها.
خيبة أمل الفلسطينيين المديدة ومأساتهم تكثفت في أقل من سنتين، لكن خيبة السوري أشد، رفض العراق إستقبال اللاجئين السوريين، اللبنانيين لم يرفضوا لكنهم ساهموا في القبض على كثير من الناشطين وسلموهم للنظام، دول الخليج تتشدد في استقبال السوريين من قبل، أما اليوم فقد أوصدت حدودها جيدا في وجوههم. لقد زرعنا لكننا لم نحصد سوى مخيم تل الزعتري في الأردن، حيث الجوع والبرد يفتكان بالسكان هناك. والأنكى من ذلك ما أشيع حول استغلال حاجة الناس وضيق أحوالهم بالزواج من الفتيات السوريات ! معاناة لم يمر بها الفلسطيني قبلا.
لقد تكاثرت المفردات الفلسطينية في حياة السوريين “مجزرة، إستنكار، غارة جوية، شهيد، سقوط عشرات ومئات الضحايا معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، مواجهة مظاهرة سلمية بالأسلحة الحية، حاجز تفتيش، لاجئين، مخيمات، حصار . . الخ” وأصبح السوري يشبه الفلسطيني أكثر من ذي قبل.
خاص – صفحات سورية –