صفحات العالم

عن “عاصفة حزم” على سورية –مقالات متنوعة-

 

 

 

 

هل تدفع الخسائر الأخيرة النظام للحوار؟ التراجعات الميدانية تبدّل مسار الرهانات/ روزانا بومنصف

نقلت التطورات الميدانية الاخيرة في سوريا الاهتمام والانظار الاقليمية والدولية بقوة من اليمن التي حظيت بالاهتمام خلال الاسابيع الاخيرة على وقع الابعاد التي اكتسبها التدخل السعودي – العربي في وجه تمدد الحوثيين في اليمن وقبيل بدء ايران مفاوضاتها النهائية حول اتفاقها النووي. اذ شكلت هذه التطورات وتقدم المعارضة في مناطق عدة في مقابل تراجع النظام في نقاط تعتبر استراتيجية بالنسبة اليه، مادة خصبة للمتابعين المهتمين من منطلق انها باتت تؤكد ما تعكسه بعض المعلومات وتواترها في عواصم القرار من تراجع النظريات التي تتصل بالرهان على احتمال بقاء بشار الاسد، لا بل على العكس المؤكدة لاحتمالات انهياره في ضوء تراجعه الميداني العسكري وانهيار قدرته على المواجهة باستثناء القصف الجوي. وهذا التراجع الميداني يبنى عليه في الحسابات العسكرية والسياسية خصوصا، قياسا على مكاسب وانتصارات سابقة قبل اشهر وتقدم النظام في مناطق عدة الى حد دفع عدد من دوائر القرار الى اعادة النظر في دعم المعارضة والاقتناع بأن التخلص من الاسد قد يكون اصعب. إذ ان الصراعات بين اركان النظام اخذت مداها مع وفاة رئيس جهاز الامن السياسي رستم غزالة نتيجة خلافات داخلية أدت الى تعرضه للضرب على يد قائد جهاز امني آخر، وهي تشكل في رأي المتابعين إحدى الدلالات على تعرض النظام لانهيارات في بنيته الاساسية انعكست بدورها في تراجعه العسكري، فضلا عن ضعف امداداته المالية من ايران وروسيا في ضوء كلام عن مبالغ طلبها من اجل استمراريته ولم يتم تأمين سوى الجزء اليسير منها. ولا يساور احد من هؤلاء المتابعين اي وهم حول امكان ان تترك ايران تحديدا النظام ينهار، خصوصا في معقله الاساسي في العاصمة السورية وفي خط الامتداد الساحلي الذي يشكل عمقه المذهبي والسياسي، في ضوء ما تضخّه من سلاح واموال ورجال لدعم بقائه.

الا ان جملة اسئلة اثارتها هذه التطورات التي ترافقت على نحو لافت مع الحملة العسكرية السعودية ضد الحوثيين في اليمن والتفاهم ما بين الدول الاساسية الداعمة للمعارضة السورية، بحيث بدا كأن الازمة السورية لم تعد مرتبطة بالعراق مثلا فحسب، بل باتت مرتبطة بمآل التطورات في اليمن أيضاً وسبل انتهائها في ضوء محاولة ايران تقويض الحملة السعودية او الالتفاف عليها والسعي الى حل يثبت مكاسب الحوثيين قبل الحملة. وهذه الاسئلة تتصل بما اذا كان توالي الخسائر لدى النظام من حيث حجم هذه الخسائر وطبيعتها بات يعتبر مقنعا بالنسبة اليه من اجل القبول بالجلوس الى طاولة الحوار من اجل التفاوض على المرحلة السياسية الانتقالية، خصوصا ان ثمة دعوات وجّهها الموفد الدولي ستيفان دوميستورا الى الافرقاء السوريين من اجل التحاور معها خلال شهر ايار المقبل في جنيف من اجل تبيّن امكان الذهاب الى حل سياسي وفرصه. ام ان طبيعة هذه الخسارة باتت كافية للولايات المتحدة بحيث تراها واشنطن مهددة فعلا للنظام ويمكن ان تحمله على القبول بالبحث عن حل سياسي باعتبار انها لا تريد انهياره كلياً خشية انتصار افرقاء المعارضة من التنظيمات الاسلامية فيطالبون بالحكم او يسيطرون عليه اذا استمرت انتصاراتهم، فتعمد الى توظيف ما تحقق لكنها تحول في الوقت نفسه دون الذهاب ابعد من ذلك، او ان المطلوب خسارة اضافية له تكون اكثر اقناعا. وهل هذه الخسارة ستكون ثابتة من دون القدرة على استعادة المناطق التي خسرها او انه سيسعى الى السيطرة على مواقع يوازن بها خسارته لكي يثبت انه لا يزال في موقع قوي علما ان كل المعلومات المتوافرة من خارج لا تفيد بانه لا يزال كذلك بل على العكس. فمن المؤشرات البارزة التي ابداها النظام والتي تدلل على “ضعفه” والسعي الى محاولة تأمين اموال اجنبية لمساعدته على الصمود هو اعطاء وزير خارجيته الاوامر لكل السفارات والقنصليات بمنح السوريين جوازات سفر او تجديدها للاجئين من الموالين والمعارضين من دون العودة الى الاجهزة الامنية في دمشق كما هي العادة، علما انه سبق لهؤلاء ان عانوا الامرين من التدابير المتعلقة بالحصول على جوازات سفر او تجديدها.

وبحسب المتابعين انفسهم، فان الاسئلة التي تثار أيضاً تتناول امكان ان يقبل الاسد التفاوض من منطلق هل يستطيع القيام بذلك باعتباره لا يزال يمتلك ورقة النظام والقدرة على التصرف بالمقدرات التي لا تزال لديه ام ان ايران هي التي ستفاوض فعلا على النظام نتيجة الاستثمارات التي وظفتها فيه بالمال والرجال والسلاح بحيث لا يمكنه ان يقرر وحده السقف الذي يمكن القبول او عدم القبول به خصوصا انه بات معتمدا على ايران كليا. وما تردد من معلومات عن ضرب غزالة نتيجة خلافات عن دور ايران و”حزب الله” من دون ان ينفيها او يؤكدها احد في النظام تاركا المجال لكل الروايات والتكهنات تعزز واقع هذه الاسئلة وتعطيها صدقية، ولو ان كثرا في لبنان يولون اهمية لبعد آخر في استهداف غزالة الذي تعرض للضرب غداة كشف دوره في الازمة اللبنانية امام المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولأن ضربه حتى مشارفته الموت ينسجم مع موت او قتل غالبية مسؤولي الاستخبارات لدى النظام ايام السيطرة السورية على لبنان.

النهار

 

 

عاصفة حزم” فوق دمشق؟/ محمد برهومة

الدينامية التي أنتجتها «عاصفة الحزم» في اليمن، قد تدفع إيران إلى سلوك براغماتي، وهو أقل ترجيحاً في هذه اللحظة، أو يدفعها الى مزيد من التشدّد والتصعيد والتشنّج على وقع الخسارات في اليمن وسورية.

الربط بين اليمن وسورية صار اليوم أكثر وضوحاً ومدعاة للترقب والتأمل، حيث أنه ليس بلا دلالة التصعيد النوعي للمعارضة السورية في عدد من المناطق، التي تمكّنت مـن السيـطرة عليها في الأشهر الأخيرة من إدلب إلى معبر نصيب وصولاً إلى جسور الشغور فمعسكر القرميد.

في الحقيقة، يصعب عزل الدعم السعودي – التركي عن هذه التطورات، التي تتغيّا، مثلما يجري الأمر مع «عاصفة الحزم» اليمنية، إحداث تغيير في موازين القوى على الأرض، يسمح بإنتاج معادلات سياسية أخرى تفرض نفسها في الميدان، وتدفع باستعجال الحلول السياسية والتــسويـــات والتـنــازلات، واستبعاد منطق الأرض المحروقة ومعاقبة السكان المحليين، الذي يتّبعه النظام السوري، المُصرّ على المعادلات الصفرية أو رابح (النظام) وخاسر (المعارضة والسكان المحليون).

قد يكون صعباً في هذه اللحظة الحديث عن «عاصفة حزم» سورّية. لكنّ دينامية التطورات الجارية في غير منطقة سورية، تجعل هذا الحديث اليوم أكثر جدية من ذي قبل، وتحديداً قبل «عاصفة الحزم» في اليمن. فقبل التطورات السورية الأخيرة لصالح المعارضة، كان منطقياً أنْ يؤخذ، مثلاً، كلام وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي، بجدية واكتراث أكبر وهو يتحدث، قبل أسابيع، ساخراً من طرح فكرة «عاصفة حزم» سورية تلي اليمنية. وحتى إذا اتفقنا على أن العمل العسكري المباشر مستبعد، فالمؤكد أن أنقرة والدوحة، وعمّان التي اتهمتها دمشق للمرة الرابعة بدعم «جبهة النصرة»، لا تريد أي نفوذ إيراني أو لـ «حزب الله» على حدود الأردن. هذا الانسداد من المرهق أن يبقى.

القاهرة ستستضيف لقاء للقوى الوطنية السورية هذا الربيع، وقد تكون مصر مكاناً مناسباً لحضّ المعارضة والنظام في سورية على تسويات سياسية جديدة تُخرج سورية من النفق المظلم، وحال تحقق سيناريو كهذا وتمكّن المعارضة من الاحتفاظ بمناطقها، يمكن التأمين على تحليل «نيويورك تايمز» عن أن «الثورة السورية تجني الآن ثمرة التقارب السعودي – التركي».

* كاتب أردني

الحياة

 

 

مفاجأة سورية بعد اليمن/ زهير قصيباتي

سر «حكمة» الاتحاد الأوروبي أن يبقى متفائلاً بعودة التعقُّل الى السياسة الإيرانية، لتؤدي دوراً في إقناع النظام السوري بقبول عملية انتقالية. لكنّ واقع الحال هو عجز الأوروبيين الساسة عن رؤية مصير سورية وخرابها، وإصرار مَنْ وراء النظام على تعميم هذا الخراب… لا لشيء إلا لدعم «صمود» من يحكم في دمشق، ولو اقتضى سقوط عشرات الآلاف من المدنيين قتلى، بعدما تخطّت النكبة مئتي ألف ضحية.

البيت الأبيض بات أصمّ منذ انتزع الأسنان الكيماوية للنظام السوري، لكنه لـ «الإنصاف» ما زال يستعد لتدريب عشرات من عناصر المعارضة(!) لعلهم يقلبون مسار الصراع. أما الاتحاد الأوروبي، فلعل سياسته في عهد فيديريكا موغيريني، ستبني قصوراً من أحلام «الواقعية» الإيرانية، قبل رحيل الرئيس بشار الأسد.

باختصار، فلنتوهّم أن مَنْ يرعى كل ارتكابات النظام في دمشق ويشجّعه على المزيد، سينقلب إلى داعية سلام ويعتذر من الشعب السوري… لا لشيء إلا لرغبته هو في لعب دور «إيجابي» في المنطقة، ينسجم وروح التطبيع بين إيران والغرب، في مرحلة ما بعد صفقة الاتفاق النووي.

… وسيعتذر من الشعب اليمني عن تسليح الحوثيين وتحريضهم على ابتلاع الدولة وخطف المؤسسات وخداع بقية القوى والأحزاب اليمنية التي شاركت في الحوار، فيما كان زعيم الحوثي، «المظلوم» في الادعاء الإيراني، يضع السلاح تحت طاولة الحوار، بل في ظهر البلد والدولة.

… وسيعتذر النظام الإيراني من الشعب اللبناني عن تدمير نسيجه وشلّ مؤسساته وخنق اقتصاده، والنفخ في نار المذهبية، منذ ربط البلد بدمشق وطهران وبغداد، ومصير صنعاء وحال باب المندب ومضيق هرمز!

هي مجرّد أضغاث أحلام، ولا تُنسى أيضاً عنتريات النهج الإيراني في التعامل مع دول الخليج، وعنجهيته وازدراؤه اللغة الديبلوماسية بين الدول، وإصراره على استفزاز الجيران، وتجاهُل الروابط الخليجية والعربية بين المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون، وكل الدول العربية عموماً.

واضح بالتأكيد، أن طهران حاولت بكل ما هو ممكن الاستقواء بمشروع الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى، لاهثة وراء حلم ردّدته طويلاً لتكون «القوة الأكبر في المنطقة». لكن الأكيد في المقابل أن متغيرات سريعة في الإقليم دهمت المشروع الإيراني المتضخّم الأوردة، وأول المتغيرات وأهمها عملية «عاصفة الحزم» التي قادتها السعودية لاستعادة شرعية الحكم اليمني من قبضة جماعة الحوثيين… وهذه لم يعد لغزاً استمرار قوتها لكونها إحدى قاطرات الأهداف الإيرانية، في بلد عربي متاخم للحدود السعودية. قاطرة كلّفت الخزينة الإيرانية المرهَقة بالعقوبات الدولية والأميركية، الكثير للتمويل والتسليح والتدريب، لتصبح حتى بعد «عاصفة الحزم»، وفق الطروحات الإيرانية المكررة «القوة الأكثر تأثيراً» في تحديد مستقبل اليمن!

أما المتغيّر الثاني فهو على الجبهة السورية، وانقلاب ميزان القوة، رغم كل ما قدّمه «الحرس الثوري» وسواه دفاعاً عن النظام في دمشق، أو ما بقي منه. وما يحصل عملياً في سورية، كما في اليمن، نُذُر تحولات ليست حتماً في مصلحة من اجتهد ليقاتل بدماء غيره، وعلى أرض ليست إيرانية. أبدعت طهران في صنع وكلاء، لكنّ المحاصيل في موسم الحصاد، ليست بالطبع مجرد طموحات، وحسابات بالسياسة والأحلاف والتمويل.

سقط مهندس «الممانعة» في فخ وهم الانتصارات التي يروّج لها، وظنّ أن المنطقة العربية التي كانت يائسة بعد تداعيات «الربيع» والثورات، ستهلّل له، وتنتظره مرشداً لمستقبلها.

لكن ما يثير الخوف هو الآتي وكلفته: مزيد من الدماء في سورية، وتوقّعات بفصل لبناني في الصراع عليها، فيما الحوثيون يمدّدون محنة اليمن، والحسم مع «داعش» ما زال بعيداً… على الأقل في الموصل، حيث بزغ ظلامه.

فبأي خرافة يأمل الأوروبي بدور إيراني للإنقاذ؟… يراه يقتل عربياً ويحلم بتأهيله رجل إسعاف! بعض الأمل قد يكون في صحوة المنطقة على حقيقة المصالح الدولية، ودوافعها. كل الوهم القاتل انتظار «حكمة» التريث لدى الغرب.

الحياة

 

 

 

 

تطورات مهمة ومتزامنة في سوريا والعراق واليمن/ ياسر الزعاترة

من المقاومة الشعبية التي تتطور في اليمن وتستنزف الحوثيين وحليفهم المخلوع، إلى مأزق في العراق يفرض مسارا جديدا في التعاطي مع المعركة، وصولا إلى تطورات ميدانية كبيرة في سوريا، وحتى الهجوم السياسي والإعلامي النوعي على حزب الله في لبنان وسقوط حصانته.. كل ذلك يرتبط بخيط واضح عنوانه: صحوة عربية تركية في مواجهة تغول إيراني تجاوز كل الحسابات والتوقعات.

من الصعب القول إن هذا التزامن بين كل هذه التطورات يأتي عبثا، فما يجري في سوريا وهذا التقدم اللافت منذ تحرير مدينة إدلب، وصولا إلى انتصار جسر الشغور وإفشال هجوم سليماني في الجنوب، لا يمكن أن يكون بلا دلالة، رغم أن جزءا كبيرا منه نتاج جهد الثوار وجهادهم، إذ لا شك في أن هناك بعض الدعم الجيد الذي تلقاه الثوار كي يحققوا تلك الإنجازات، فضلا عن دعم تشكيل “جيش الفتح” الذي حرر إدلب وجسر الشغور. ومن سمع بشار في آخر مقابلاته يتهم تركيا بأنها وراء “سقوط” إدلب (سيقول ذلك عن جسر الشغور أيضا)، سيدرك هذا البعد الذين نحن بصدده من دون شك.

إن تنامي التنسيق بين تركيا والسعودية وقطر في الساحة السورية -وهو ما كشفته الكثير من المصادر السياسية والإعلامية- ليس بالبعد الهين، والسبب أن التناقض بين الدول الثلاث كان يترك آثارا سلبية على مسار المعارك، بل حتى التحرك السياسي في عموم الملف السوري.

ليس هذا تقريرا عسكريا ميدانيا حتى نعرض فيه الإنجازات التي تحققت خلال الأسابيع الأخيرة، لكن لا يمكن لأي متابع للأخبار أن يشك في حقيقتها، بل إن وسائل إعلام التحالف الإيراني نفسه لا تتمكن من إخفائها، في حين تبحث بين طيات الأخبار عن تقدم هنا أو هناك تخفي من خلاله خيبتها. وحين يتساقط جنود النظام السوري والمليشيات التابعة له، والمستجلبة من الخارج، ويظهر بعضهم في أشرطة فيديو، يغدو من الصعوبة بمكان تجاهل الأمر كأنه لم يكن، وبالطبع لما ينطوي عليه من فضائح سياسية.

وقد بات واضحا أن كل المقاتلين الذين يتم جلبهم من كل أصقاع الأرض لم يعودوا قادرين على تحقيق الكثير في مواجهة إرادة الثوار، بما في ذلك الدور الكبير الذي يلعبه حزب الله، والذي وعد أمينه العام بحسم في القلمون قبل حوالي عام، ولم يحدث شيء من ذلك إلى الآن، بل ربما كان التقدم من نصيب الثوار.

في اليمن، لا نحتاج إلى كثير شرح، فالمقاومة الشعبية هناك تتطور بالتدريج، وتنتقل من وضع الفوضى إلى وضع التنظيم، بصرف النظر عن مآل العمليات الجوية التي لم تتوقف عمليا، وكل ذلك يشير إلى أن استنزاف الحوثيين سيتصاعد بمرور الوقت، خاصة في الجنوب الذي لا يحصلون فيه على أي حاضنة شعبية، لا هم ولا المخلوع.

وجاء الموقف الجديد للمخلوع (اعترافه بقرار مجلس الأمن ومطالبته الحوثي بالاعتراف به) كي يشير إلى يأسه من إمكانية الانتصار، لا سيما بعد أن تركه عدد من قادة حزبه وذهبوا إلى السعودية لتقديم الولاء، دون أن يعني ذلك يأسه من إمكانية عقد صفقة مع الخليجيين تتضمن بيع الحوثيين دون شك.

العراق ليس بعيدا عن هذه التطورات، لكن العدو هنا هو تنظيم الدولة الذي تُجمع كل الأطراف على عدائه، ومع ذلك فهو يحرز إنجازات كبيرة رغم خسارته تكريت، مقابل فشل ذريع لما يسمى مليشيات الحشد الشعبي. وعنوان التراجع هنا يتمثل في مبادرة حيدر العبادي إلى تفضيل الدعم الأميركي على المليشيات، خاصة بعدما أعلنت واشنطن أنها لن تتدخل في معركة الأنبار إذا شاركت تلك المليشيات في المعركة، وهو في تكريت اختار الدعم الأميركي على المليشيات، وإن كانت حاضرة على نحو ما، لكن فشلها اضطره للاختيار، فكان الحسم.

وحين يذهب العبادي حدّ القول إنه لا توجد مليشيات في العراق، فكأنما يغطي الشمس بغربال، إذ إنه يبحث عن نافذة دعم تخلصه من المأزق، في ذات الوقت الذي يبحث فيه عن فرصة للموازنة بين النفوذ الإيراني الهائل وبين سلطته، وبالطبع كي لا يكرر تجربة المالكي، وعلى أمل أن يجد إسنادا من الوضع العربي المحيط.

وحين تقرأ في وسائل الإعلام الإيرانية ملامح غضب على العبادي، وإن يكن محدودا، فهذا يعكس شعور قادة إيران بأنه يحاول التقليل من سطوتهم، وأن المليشيات التي أرادوها سيفا مسلطا على رأسه ستضعف على نحو ما، مع أننا لا نعول عليه الكثير، فهو أسير وضعه الطائفي، ومعه الاختراقات الإيرانية التي لا تتيح مجالا كبيرا للمناورة، لكننا نشير فقط إلى وضع ليس بعيدا عن تراجع السطوة الإيرانية، وتصاعد مأزقها كما في سوريا واليمن.

وحين يغيب صوت قاسم سليماني بعد شهور من الزفة التي تمتع بها حتى صار أيقونة تكاد تداني الحسين رضي الله عنه (لا صلة للحسين بمعارك تدعم الطغاة).. حين يحدث ذلك، فهذا يعكس حجم المأزق الإيراني، خاصة في ظل شعور المحافظين بأن عليهم تمرير اتفاق النووي رغم ما ينطوي عليه من دفعة كبيرة لخصومهم من التيار الإصلاحي.

كل ذلك يعني أن مأزق الاستنزاف الإيراني أخذ يتصاعد، ومن يستمع للخطاب الإيراني وخطاب نصر الله يدرك طبيعة الأزمة التي يتخبط فيها القوم، لكن ذلك كله لا يدفعنا إلى القول إنهم يقتربون من تجرع كأس السم، لأن الرحلة وصولا إلى ذلك لن تكون قصيرة على الأرجح، مع الأسف

وكأس السم هنا هو صفقة مع المحيط العربي والتركي تضع كلا في وضعه الطبيعي وليس شيئا آخر، إذ لن يلغي أحد الآخر، وقدر هذه المنطقة أن تتعايش على صعيد الدول، وعلى صعيد الأعراق والطوائف أيضا.

الجزيرة نت

 

 

 

دروس فتح كابول إلى فتح دمشق/ جمال خاشقجي

في 15 شباط (فبراير) 1989 عبر قائد القوات السوفياتية بأفغانستان الجنرال بوريس غروموف على قدميه جسر الصداقة الفاصل بين أفغانستان وأوزبكستان السوفياتية آنذاك، ليكون آخر جندي روسي يغادر أفغانستان بعد غزو وحرب دامية استمرت عقداً كاملاً انتهى بهزيمة السوفيات ومؤذناً بتغيرات هائلة في بلاده والمنطقة.

في أفغانستان كانت الأجواء احتفالية، بدا لهم أن جهادهم على وشك أن يكمل انتصاره، وأنها مسألة وقت وتسقط حكومة كابول الشيوعية التي تركها الروس مثخنة بالجراح وسط محيط شعبي يرفضها وثائر عليها، أجواء الانتصار امتدت إلى حلفاء المجاهدين الأفغان في الرياض وإسلام آباد، أيام وندخل جميعاً كابول نحتفل بالانتصار على تلك الدولة العظمى التي طالما هددتنا جميعاً.

اجتمع قادة المجاهدين، وحولهم مئات الأفغان، قضاة وسياسيين، قادة ميدانيين، تجاراً ومهاجرين في روالبندي في أكبر «لويا جيركا» شهدها تاريخ أفغانستان، يحلمون ببناء أفغانستان جديدة قوامها الإسلام والحرية، كنت يومها واحداً بين عشرات الصحافيين الذين جذبهم هذا المنظر السينمائي، وكأنه من فيلم «لورانس العرب» الشهير، وخصوصاً لقطات اجتماع العرب في قاعة عربية واسعة بدمشق، إذ اختصم عودة أبوتايه (أنطوني كوين) مع الشريف (عمر الشريف)، بينما يتحدث الجميع في وقت واحد من دون ضابط أو رابط.

الأفغان فعلوا الشيء نفسه، بدا بعد يومين أنه من المستحيل أن يتفقوا على تشكيل حكومة انتقالية لتتسلم السلطة من حكومة كابول، لم يستطع رجال الاستخبارات السعودية ولا الباكستانية، ولا قيادات الإخوان المسلمين الذين توافدوا للاحتفال بالانتصار الكبير، وعلى رغم نفوذهم الواسع عليهم، تقريب وجهات النظر بين الأفغان أو حتى ترتيب آلية للاتفاق ووضع حد للفوضى الهائلة التي سادت تلك القاعة الكبيرة.

في اليوم الثالث دخل القاعة مولوي جلال الدين حقاني، وكان أحد قادة المجاهدين البارزين وقتها وانضم إلى الطالبان لاحقاً ومطلوب اليوم أميركياً، وغلق أبواب القاعة بالسلاسل وأوقف رجاله أمامها يمنعون المندوبين من الخروج، هدأت القاعة أخيراً واستمعوا للرجل الذي يحترمونه أو يكرهونه، ولكنهم يهابونه، وزع عليهم خطته، طلب من كل زعيم حزب من الأحزاب السنّية السبعة والحزبين الشيعيين الاثنين اختيار 60 مندوباً عن كل حزب، هؤلاء هم مجلس أهل الحل والعقد الذين سيختارون بالتصويت أعضاء الحكومة الانتقالية، كانت تلك الديموقراطية بالطريقة الأفغانية، فلم يحل مغرب ذلك اليوم إلا وأعلنت أسماء الرئيس ونائبه وأعضاء الحكومة.

الفصل التالي:

اعترفت المملكة وباكستان بالحكومة الانتقالية، التي عقدت أول جلساتها بمزرعة قريباً من جلال آباد، وبعد أسابيع بدأت عملية عسكرية لتحرير المدينة لكهنا فشلت ولم تسقط الحكومة الشيوعية في كابول، وغزا صدام حسين الكويت، وانشغلت السعودية ومعها العالم بهذا التحدي الكبير، ونسي الجميع أفغانستان.

الفصل الثالث:

بعد عامين، فوجئ الجميع بأن كابول على وشك السقوط بيد أحمد شاه مسعود القائد البنشيري، لم يكن هناك وقت كافٍ لدى الأطراف الإقليمية لترتيب الوضع، فدخلت أفغانستان أتون حرب أهلية طاحنة لا تزال تدفع ثمنها ومعها العالم كله حتى الآن.

الدروس المستفادة من القصة السابقة أن الأحداث المهمة لا تنتظر أحداً، الجميع يعلمون أن السعودية مشغولة باليمن حتى توفر له السلم وليس فقط إخراج الحوثيين وصالح من صنعاء لكي تعلن أنها انتصرت، وهذا يحتاج إلى أشهر عدة، والأتراك وتحديداً الحزب الحاكم هناك مشغولون بالانتخابات التشريعية الشهر المقبل، انتخابات مصيرية لا بد أن يحقق فيها انتصار كاسح كي يستطيع تعديل الدستور وتحويل النظام إلى رئاسي، ولكن الثوار السوريين لن ينتظروا هذا أو ذاك. يرون أن صفهم انتظم بوحدة غير مسبوقة، والنظام ينهار، وللانتصار زخمه الذي يجب أن يوظف لمزيد من الانتصارات، وانهيار النظام يأتي معه انهيار معنويات وانشقاقات، وهي فرصة يجب أن تستغل، الأحداث سريعة في سورية، ولن تنتظر اجتماعاً يعقد في الرياض – كما تقول المعارضة إنها تلقت دعوة لحضوره – ولا جولة مفاوضات جديدة مع المبعوث الأممي دي ميستورا لعرض أفكار غير مجربة، القرار بات بيد مجاهدين يجتمعون أسفل شجرة مشمش بريف إدلب، أمامهم خريطة سورية، يرون أن الفاصل بينهم وبين مجاهدي حمص وحماة كيلومترات معدودة، يتواصلون مع إخوانهم جنوباً في درعا وحول دمشق، يقلّبون اختياراتهم ويرسمون خططهم، ويعلمون أنهم لن يتلقوا اتصالاً من الرياض أو أنقرة يطلب منهم الانتظار، بل إن مصلحة البلدين أن يكفيهما الثوار عناء التدخل، وأزمات دولية وإقليمية مع إيران أو الروس، ليتدخلوا لاحقاً مناصرين ومباركين.

ولكن مثلما حصل في أفغانستان في نيسان (أبريل) 1992 فإن «فتح كابل» – كما سماه المجاهدون وقتها – لم ينه الأزمة الأفغانية، وإنما فتح فصلاً آخر منها كان أكثر إيلاماً وأعظم كلفة، كذلك سيكون «فتح دمشق»، فما لم يبدأ منذ اليوم تفاعل سعودي تركي مع الواقع السوري لترتيب اليوم التالي لسقوط بشار، فإن كل شر حصل في أفغانستان يمكن أن يحصل وزيادة في سورية، فالأخيرة كانت بعيدة وكان يمكن إهمالها، ولكنها لاحقت العالم بطائرات تقصف أبراجاً في 11 من أيلول (سبتمبر) 2001. أما سورية فإنها في وسطنا،

هناك ثلاثة تحديات خطرة ستواجه الثورة السورية بعد بشار، أولها وأخطرها: «وحدة الثوار» ومنع حصول صراع بينهم، والذي لا بد أن يحصل، ليس فقط لاختلافات المرجعيات السياسية بين إسلاميين وعلمانيين، بل حتى بين مدينة وأخرى أو حارة وحارة، وتنظيم وتنظيم، مشكلة سورية أنها تفتقر إلى «ديغول» يجتمع حوله كل الثوار، مشكلتها أنهم جميعاً ديغول، وأكبر خدمة تقدمها الرياض لهم هي آلية لاتخاذ القرار (شيء شبيه بما فعل مولوي حقاني في روالبندي)، تمهد لمجلس تأسيسي يفضي إلى انتخابات ورئيس ودستور، مهمة ليست سهلة بعدما تنوعت مشارب الثوار، ولكن الأدوات والقواعد التي استخدمت في تشكيل «جيش الفتح» مشجعة ويمكن البناء عليها.

التحدي الثاني: هو منع إيران من تنفيذ «الخطة ب» أي دولة مذهبية في الساحل، فهي موطئ قدم لها يتنافى مع الأهداف السياسية لعاصفة الحزم التي انطلقت من اليمن ولكن مهمتها أوسع من ذلك، وتفتيت لسورية لا تستحقه ولا يليق بقلب العروبة النابض وموطن حلم الوحدة العربية، كما أنها مشروع تقسيمي للمنطقة على خطوط طائفية وعرقية سيكون في قبوله هنا سابقة لكي يُقبل هناك، وهناك.

إنه ليس مشروعاً إيرانياً علوياً صرفاً، إنما فكرة خبيثة ستجد مؤيدين غير متوقعين لها في إسرائيل وبعض العواصم الأوروبية، وهنا تكمن خطورة المشروع وضرورة التصدي المبكر له.

التحدي الأخير هو «داعش» التنظيم الطفيلي الذي يقتات على انتصارات الثورة، لقد فقد زخمه بفضل انتصارات الثوار والقوى المعتدلة، وكذلك بفضل الروح الإيجابية التي ضختها «عاصفة الحزم» وسط جموع الشباب المسلم المتحمس للتغيير، ولكنه يظل خطراً كامناً بباطنيته وعلاقاته المشبوهة.

بعد فتح دمشق ليت أحداً يرفع شعار «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصليّن العصر إلا في (داعش)»، فلن يقضي على هذه الطغمة إلا مجاهدون يحركهم الإيمان وذاقوا شرهم، فيقيمون عليهم الحجة بالحق والسيف معاً، فيتخلل صفهم ويتفكك جمعهم فيولون الدبر.

إنها فرص أتت مجتمعة، وكأنها على قدر، فاغتنموها.

* كاتب سعودي

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى