عن قصة المؤامرة/ مازن كم الماز

بشكل من الأشكال الإصرار على قصص المؤامرات هو اغتيال للحقيقة .. إن رؤية الواقع من خلال هذه المنظور تشوهه أيما تشويه .. في عالم يأكل فيه القوي الضعيف و ينقسم فيه البشر إلى سادة و عبيد , حكام و محكومين , لصوص و منهوبين , كل شيء “يتآمر” على كل شيء , و ما يربحه طرف في هذا الصراع يخسره الآخر , لا توجد علاقة “تكامل” بين الحاكم و المحكوم , بين السيد و العبد , و لا بين السادة أنفسهم , كما يتوهم الكثيرون أو يحاولون إيهامنا , هناك علاقة صراع دائمة , العبد “يتآمر” على سيده عندما يحلم بالحرية , و السيد “يتآمر” على عبيده عندما يخصص لمراقبتهم ما يكفي من الحراس و الأفاقين المهرة من رجال دين و مثقفين و عندما يخصص للآبقين منهم السجون و الزنزانات و المشانق .. في عالم يأكل فيه القوي الضعيف , كل “شعب” أو “طائفة” أو مجموعة تحاول استعباد جيرانها الأقرب فالأبعد , أو أنها ستصبح خاضعة أو مستعبدة لأي منهم … في عالم يقوم على الهيمنة , لا مناص من أن تكون عبدا أو سيدا , و في كلتا الحالتين سيبقى الألم , النفاق , الخداع , القمع , هو حقيقة هذا العالم , ما دمنا لم نقم بعد بتدمير منظومة الهيمنة نفسها من جذورها الأعمق .. أن تحاول قوة صاعدة تحدي السيد المتوج لمنطقة أو للعالم بالعنف و الخداع هو مؤامرة و محاولة ذلك السيد البقاء على عرشه بالقوة و الخداع هي أيضا مؤامرة , تتوقف القضية فقط على الوضع الذي نجد فيه أنفسنا في هذه الشبكة من علاقات الهيمنة .. ذهنية المؤامرة تقلب الحقائق عندما تأسطر الواقع لصالح قوة بعينها , و تثقله بكل بارانويا و عصاب السادة و تجعل منها هستيريا عامة , قاتلة , حمقاء , تماما كحماقة الاستسلام لسيد ما , أيا يكن هذا السيد .. إن صعود قوة ما ليس نتيجة فعل منظم منهجي كما تقدمه نظرية المؤامرة , روسيا الستالينية مثلا فعلت الكثير لكي تصبح قوية , لكنها أيضا فعلت أضعاف ذلك لكي تبقى ضعيفة , كان على ستالين أن يضعف باستمرار كل مؤسسات القمع و التدجين القائمة التابعة لنظامه بالذات و أن يعزز من تناقضاتها البينية لكي يبقى هو و مركزه الوهمي قابضا على كل خيوط اللعبة السلطوية في البلاد , قتل ستالين من جنرالات جيشه أكثر مما فعل “أعداء” روسيا في حروبها الكثيرة و ما قتله من شعبه لا يقل كثيرا عمن قضوا على يد غزاة خارجيين , و مثله فعل الخميني , حتى أمريكا لم تخسر في كل حروبها الخارجية بقدر ما خسرت في حربها الأهلية , أيضا فإن كل حرب خارجية يخوضها سيد ما , ليست فقط طريقة لإخضاع شعوب أو جماعات جديدة , بل هي طريقة لإخضاع شعبه بالذات .. فقط عندما تتغير موازين القوى الإقليمية و الدولية , عندما يسقط السادة القدامى أو يضعفون , تصعد تلك الأنظمة إلى عرش السلطة , تكتمل “المؤامرة” .. فقط بعد أن ضعفت قوى أوروبا الاستعمارية القديمة بعد الحرب العالمية الثانية و على أشلاء عشرين مليون روسي أصبحت روسيا الستالينية ثاني أكبر قوة في العالم , تماما كما جرى مع أمريكا بعد الحرب العالمية الأولى , و كما يجري مع إيران الملالي و الصين النيوليبرالية اليوم .. بالنسبة لماكارثي كان صعود روسيا الستالينية مجرد مؤامرة و كان رده المقترح على تلك المؤامرة واضحا و قاطعا : قمع أي مخالف و ملاحقة أي نقد , أي صوت نشاز , هذه الهستيريا الجماعية الطهرية هي النتيجة الوحيدة لنظريات المؤامرة .. في هذه الغابة التي نسميها مجتمعات إنسانية أو مجتمع دولي أو نظام عالمي جديد و كل أشكاله القديمة منذ ظهور الهيمنة كشكل للعلاقة بين البشر , و حتى يعيش على هذه الأرض بشر أحرار و متساوين , سادة بلا عبيد , سيبقى كل شيء , كل خطوة في صراع السادة , و صراع السادة و العبيد , مجرد مؤامرة