صفحات مميزة

عن محادثات “جنيف 4” مقالات مختارة

رؤية دي ميستورا في جنيف تتضمن إعادة الإعمار: مفاوضات مباشرة لتحقيق «الانتقال السياسي»/إبراهيم حميدي

تضمن تصور المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا للعملية السياسية في جنيف اجراء «مفاوضات متوازية ومباشرة» حول جدول الأعمال ذات البنود الثلاثة المتعلقة بتشكيل الحكم وصوغ الدستور وإجراء الانتخابات لتحقيق «الانتقال السياسي» في سورية، لكنه لم يستبعد اضافة بنود اخرى تتعلق بإعادة الإعمار، مع تأكيده ضرورة «عدم الاعتداء اللفظي» من وفدي الحكومة والمعارضة و «عدم الطعن بشرعية» بعضهما بعضاً.

وبعد افتتاحه مفاوضات جنيف مساء الخميس، التقى دي ميستورا وفريقه في اليومين الماضين رئيسي الوفد الحكومي بشار الجعفري و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة نصر الحريري لبحث اجراءات العملية التفاوضية في هذه الجولة التي تستمر الى 4 آذار (مارس) المقبل وفي الجولات المقبلة.

وشجع المبعوث الدولي وفد «الهيئة» توسيع مروحة اتصالاته مع مجموعتي القاهرة وموسكو، بالتزامن مع ضغوطات مورست على «كبير المفاوضين» القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش لسحب تهديده الانسحاب بسبب جلوس وفدي موسكو والقاهرة قرب وفد «الهيئة» في الجلسة الافتتاحية مساء الخميس. وشجع مبعوثو الدول الغربية والعربية والإقليمية الداعمة للمعارضة قيادة «الهيئة» على الانخراط بحوار مع مجموعة القاهرة برئاسة جهاد مقدسي و «عزل» مجموعة موسكو برئاسة قدري جميل. وأسفر اجتماع عقد بين «الهيئة» ومجموعة القاهرة في جنيف عن الاتفاق على «تنسيق» بين الطرفين وتجنب خيار الاندماج، بحيث تكون مرجعية التفاوض لوفود المعارضة القرار 2254 وليس اي مرجعية ثنائية لأي منهما. كما كسر الجليد بين علوش وبعض اعضاء مجموعة القاهرة لدى انضمام القيادي في «جيش الإسلام» الى الاجتماع الثنائي وتحدثه مطولاً عن نتائج اجتماعات آستانة التي رأس وفد الفصائل المسلحة اليها في الجولات السابقة وعن أخطار «التغيير الديموغرافي» في سورية وأحياء دمشق.

وكان دي ميستورا شدد، وفق مصادر المجتمعين، في تصوره للعملية التفاوضية الذي عرضه على الجعفري والحريري على مرجعية القرار 2254، اذ استند الى دعوات مجلس الأمن المتكررة لـ «حل الصراع استناداً الى بيان جنيف الصادر في حزيران (يونيو) 2012 الذي اعتمده المجلس في القرار 2118 في نهاية 2013، وحضه الأطراف السورية على المشاركة في المفاوضات من دون شروط مسبقة» بحيث ان القرار 2254 كلفه (دي ميستورا) بدعوة ممثلي الحكومة والمعارضة للدخول في «مفاوضات رسمية حول الانتقال السياسي».

ووفق التصور، فإن جدول المفاوضات يتضمن «ثلاثة محاور». يتعلق الأول بـ «قضايا الحكم» ذلك ان القرار 2254 نص على «ترتيبات حكم ذي صدقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية»، في حين يتعلق المحور الثاني بـ «الدستور عبر وضع جدول زمني لصوغ دستور جديد»، اضافة الى المحور الثالث، ونص القرار الدولي على «اجراء انتخابات حرة ونزيهة عملاً بالدستور الجديد تحت اشراف الأمم المتحدة بالتوافق على الحكم ووفقاً للمعايير الدولية من حيث الشفافية والمحاسبة ومشاركة السوريين بما في ذلك الذين يعيشون في المهجر ممن لديهم حق التصويت». هنا، علم ان فريق دي ميستورا دعا خبراء سوريين الى جنيف بداية الشهر المقبل لمناقشة صيغ مختلفة لدستور سوري جديد وسط تجنب الأمم المتحدة تبني مسودة طرحتها روسيا للدستور وسلمت نسخة منها الى شخصيات معارضة ودمشق مقابل رفض وفد المعارضة المسلحة تسلم نسخة.

وأكد دي ميستورا في تصوره، وفق المصادر، على ان المفاوضات يجب ان تتناول المحاور الثلاثة بالتوازي بعد تشكيل مجموعات عمل من الحكومة والمعارضة، مع اشارته الى «الإطار الزمني والتراتبية» لبحث هذه المواضيع، علماً ان القرار 2254 الذي صدر نهاية 2015 تحدث عن مرحلة تفاوضية مدتها ستة اشهر لتطبيق البنود الثلاثة خلال 18 شهراً. عليه، فإن التقدم في محور من جدول الأعمال يمكن ان يتم قبل محور آخر لكن «لن يتم الاتفاق على شيء الى حين الاتفاق على كل شيء» للوصول الى اتفاق شامل في اطار «الحزمة الكاملة» التي ستشكل «المخرج النهائي» للعملية التفاوضية وفق تصورات وبرامج ومقترحات يمكن التوصل اليها في ختام هذه الجولة التفاوضية في الرابع من آذار المقبل. وفي حال نجاح هذه الجولة، فإن الأمر يتطلب «جولات عدة من المفاوضات» خلال الأشهر الستة المقبلة بين وفدي الحكومة والمعارضة عبر لقاءات ثنائية، مع الأمل بجهود بين اطراف المعارضة لـ «الوصول الى وفد موحد».

تكامل بين مساري جنيف وآستانة

وكان لافتاً ان المبعوث الدولي رأى تكاملاً بين مفاوضات جنيف واجتماعات آستانة، ذلك ان مسائل «وقف اطلاق النار ومكافحة الإرهاب وإجراءات بناء الثقة» الواردة في القرار 2254، محل بحث في العاصمة الكازاخستانية التي شارك فيها خبراء من مكتب المبعوث الدولي لعرض تصورات لآلية تسجيل خروق وقف النار والتعامل معها، وفي اجتماعات مجموعتي العمل الإنسانية والأخرى المتعلقة بوقف النار في جنيف المنبثقتين من «المجموعة الدولية لدعم سورية» برئاسة اميركية – روسية. هنا، شجع مبعوثون غربيون «الهيئة» على طرح «اجراءات بناء الثقة» من دون ان يصل هذا الى وضعه بنداً على جدول الأعمال، لأن هذه الأمور تبحث في آستانة وسط شكوك على مدى التزام موسكو بها او قدرتها على الوفاء بالتزاماتها خصوصاً بعد التصعيد في ريف دمشق وعدم تنفيذ مهمات المجموعة الروسية – الإيرانية – التركية لمعالجة خروق وقف النار.

واللافت ايضاً، ان دي ميستورا اشار الى احتمال اضافة بنود تتعلق بإعادة الإعمار والدعم الدولي لـ «حزمة الانتقال السياسي»، علماً ان مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني دعت الى عقد مؤتمر دولي يربط اعادة الإعمار بالانتقال السياسي، في بروكسيل في 7 نيسان (ابريل) المقبل.

وإذ جدد اهمية «ضمان تمثيل كامل وفاعل للمرأة» في الوفود التفاوضية والتشاور مع طيف واسع من المجتمع المدني، تمسك فريق المبعوث الدولي بضرورة الحفاظ على سرية المفاوضات والاتصالات وعدم حمل الهواتف النقالة الى قاعات الاجتماعات و «الامتناع عن توجيه الإهانات والاعتداء الشخصي او اللفظي».

وكان الجعفري وعلوش تبادلا في الجولة السابقة من المفاوضات بداية العام الماضي اتهامات وكلمات لفظية قاسية. وأبلغ فريق المبعوث الدولي وفدي الحكومة و «الهيئة» ضرورة «عدم الطعن في شرعية الآخرين» لأن الجميع موجود بموجب دعوات الأمم المتحدة وفق نص القرار 2254.

وبدا واضحاً اختلاف الأولويات بين وفدي الحكومة والمعارضة، اذ اكد الجعفري انه سيدرس الورقة التي تسلمها من دي ميستورا ازاء اجراءات المفاوضات مع تأكيد دمشق أولوية محاربة الإرهاب ووقف الدعم للمعارضة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلق بـ «خنق الإرهابيين»، في حين اكد الحريري أولوية مناقشة «الانتقال السياسي» وتشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة.

كما يعتبر الجعفري مصير الرئيس بشار الأسد «خطاً أحمر» ووصف سفير روسيا في جنيف أليكسي بورودافكين مطلب تنحي الأسد بأنه «سخيف»، في حين قالت عضو وفد «الهيئة» بسمة قضماني في جنيف أمس: «نعلم ان المفاوضات هي المرحلة التي تسبق المرحلة الانتقالية»، موضحة «الانتقالية تعني الانتقال بالسلطات الى هيئة الحكم الانتقالي وفي تلك اللحظة ليس هناك دور لبشار الأسد».

وتابعت «نحن واضحون تماماً في ذلك. ولا نقول اليوم يرحل بشار الأسد قبل ان نأتي الى جنيف، أتينا الى جنيف ونفاوض نظام بشار الأسد».

الحياة

 

 

 

سورية بعد جنيف… الاستسلام أو الحرب الشاملة/ ميشيل كيلو

بدأ في جنيف اللقاء التفاوضي السوري الرابع، في أعقاب محاولة جديدة لوقف إطلاق النار في سورية، أفشلها عجز روسيا عن “إقناع” إيران والنظام ومرتزقتهما بقبوله والالتزام به، أو ميلها إلى الضغط على الفصائل، ولإجبارها على تقديم تنازلات جديدة، بموافقة تركية، أو من خلال تهديدها باستخدام القوة ضدها، وتدمير ما بقي منها بعد حلب، وهو ليس كثيراً، وباستغلال انقسامها الأخير الكبير الذي شطرها إلى نصفين متعاديين، أضعف مواقفها ومواقعها في معقلها الأخير: إدلب ومحافظتها، حيث تسيطر جبهة النصرة تحت اسمها الجديد “هيئة تحرير الشام”، وتعلن جهارا نهارا أنها لن تتساهل مع من يفاوضون الروس أو يتلقون دعما من الأميركيين، وسبق لها أن هاجمت بالفعل وطردت من منطقة إدلب ست فصائل صغيرة ومتوسطة الحجم بإحدى التهمتين.

لم يتوقف إطلاق النار، والسبب وجود نص في اتفاقيته تسمح للأسد وإيران بمواصلة الحرب، بمجرد ادعائهما أنهما يحاربان الإرهاب، كما فعلا في سوق وادي بردى، حيث لم يوقفا الحرب بحجة وجود مقاتلين من “النصرة”، ومع أن الروس نفوا ذلك، فإنهم إما وقفوا عاجزين، أو عزفوا عن فرض الالتزام بالهدنة التي وصفوها بالشاملة، وكانوا عرّابها، بيد أنهم لم يلتزموا بها بعقد إقرارها البارحة، وهم اليوم الطرف الرئيس الذي يقصف مدينة درعا وضواحيها، على الرغم من أن الطرف المقصوف ينتمي إلى “الفصائل المعتدلة”، أي الجيش الحر، والنظام هو الذي بدأ الهجمات، ولو نجح فيها لغيّر الوضع على الأرض، تغييرا جوهريا، كان سيعيده إلي المعابر الحدودية مع الأردن، وسيمكّنه من حصر الجيش الحر بين قواته وجماعات “داعش” في وادي اليرموك.

لم يمنع إفشال النظام وإيران لوقف إطلاق النار، وانتشار مرتزقة حزب الله في جنوب سورية واشتراكهم في الهجوم على درعا ومنطقتها، وإفشال روسيا محادثات أستانة الثانية، وبالتنكّر

“التفاوض سيكون ضرباً من العبث، والسبب قيامه على مبدأ يسلب السوريين حقوقاً أعطتهم إياها وثيقة جنيف 1، وقرارات دولية كثيرة” لتعهدات سابقة، عبر اقتراحها خطة مراقبة لوقف إطلاق النار، ترفض ما تقدمت به الفصائل المشاركة في المحادثات التي اعتبرته التفافا على التزاماتٍ روسية، كانت قد قطعت لها، ومحاولة للتلاعب بوقف إطلاق النار، ولاستخدامه أداة للضغط على مقاتلي المعارضة الذين تقيّدوا به، بدل الضغط على قوات النظام وإيران التي لم تحترمه دقيقة واحدة.

هذا ما يمكن قوله على صعيد العلاقة بين الروس ووقف إطلاق نار، اعتبروه إسهامهم في فتح طريق جنيف وتذليل عقباته، بل وإنجاحه، شريطة إقناع الوفود المفاوضة عموما ووفد الهيئة العليا خصوصا بأحد أمرين: قبول دستورهم، وإن مع ملاحظة هنا وملاحظة هناك، وقبول خطة التفاوض التي أدخلوها إلى قرار مجلس الأمن 2254، وتنص على حصر التفاوض بتشكيل حكومة غير طائفية (وإن شكلها وقادها الطائفي الأكبر بشار الأسد)، وإصدار دستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة. بما أن وثيقة جنيف جعلت الانتقال السياسي جوهر الحل، بينما جعل قرار مجلس الأمن 2118 تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة بداية الحل وأداة هذا الانتقال، فإن بشار الأسد لن يبقى خلال المرحلة الانتقالية، لسبب واضح هو أن الهيئة هي التي ستمارس صلاحيات الرئاسة ودورها، وسترسله بالتالي إلى مكانٍ ينتظر فيه محاكمته بوصفه مجرما، ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. لذلك، لن يكون الانتقال ومصير بشار موضوع نقاش في مفاوضات جنيف 4 التي ستنصب على تطبيق القرار 2254، وما ينص عليه من مهام، كتشكيل حكومة موسعة وغير طائفية مرجعيتها بشار إياه، بما أنه هو الذي سيشكلها وسيشرف على عملها، بينما مرجعية “الهيئة الحاكمة الانتقالية” القرار الدولي رقم 2118، وليس من سيرحل عن منصبه بمجرد تشكيلها، السفاح بشار الأسد.

هذا الفارق بين الوثيقتين الدوليتين اللتين صاغت الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن أولاهما، وقبل العالم الصياغة الروسية لثانيتهما، يجبرنا على القول إن التفاوض، إذا ما حصل فعلا سيكون ضربا من العبث، والسبب قيامه على مبدأ يسلب السوريين حقوقا أعطتهم إياها وثيقة جنيف 1، وقرارات دولية كثيرة وافق عليها الخمس الكبار بالإجماع. لذلك اعتبرت موافقتهم ضمانةً دوليةً لحقهم في التخلص من الأسد ونظامه، وفي بناء نظام ديمقراطي بديل. غير أن القرار 2254 ذهب في اتجاه مغاير لهذا الاتجاه، وتجاهل إرادة الشعب السوري وقرارات المجتمع الدولي والمهام المحددة بدقة في وثيقة جنيف 1 للشرعية الدولية وممثلها الأممي، ستيفان دي ميستورا، الذي يساير اليوم الروس، ويضرب عرض الحائط بجنيف 1 والقرار 2118، مع أنه بدأ مهمته لتنفيذهما حصرا، بما أن القرار 2254 لم يكن موجودا عندما باشر عمله ممثلاً للأمين العام، مكلفا بإيجاد حل للصراع في سورية، يطبق الوثيقة والقرار 2118 تحديدا وبالاسم.

الانتقال السياسي

والآن: كيف نفسر أن دي ميستورا أكد مرات عديدة أن “الانتقال السياسي” هو موضوع الحل الوحيد الذي سيكون محل تفاوضٍ بين المعارضة والسلطة، لكنه “نسي” ذلك، في دعوته التي

“تجاهل قرار مجلس الأمن 2254 إرادة الشعب السوري وقرارات المجتمع الدولي والمهام المحددة بدقة في وثيقة جنيف 1” وجهها، أخيرا، إلى من سيحضرون جنيف 4، وركّز على ما يطالب به الروس: حكومة بشارية بدل هيئة جنيف الحاكمة الانتقالية، واستمرار رئاسة بشار بدل الانتقال إلى الديمقراطية، مع أن وثيقة جنيف جعلته هدف التفاوض ونتيجته الحتمية! هل يعتقد الروس ودي ميستورا أن هذه المخالفات للقرارات الدولية التي تلقي بالحقوق المعترف بها لشعب سورية في سلة المهملات ستفضي إلى حل سياسي، يتفق مع النتائج التي يريدون فرضها علينا، أم أنها ستأخذنا إلى حرب شاملة، ستضع الفصائل أمام أحد خيارين: القضاء التام والناجز عليها، أو التنازل عن حقوق الشعب المقرّرة في وثيقة جنيف والقرارات الدولية التي تحدّد آليات تحقيقها، والقبول، عوضا عن ذلك، بحكومة بشار ودستور موسكو وانتخابات برلمانية ورئاسية، يجدّد فيها لنفسه فترتين جديدتين، مدتهما 14 عاما، حسب نص الدستور المقترح روسيا العتيد، وهو ما يطرح السؤال: إذا كان قد دمر ما بين 60% و70% من شعب سورية وعمرانها خلال ستة أعوام، فمن أين سيأتيه الروس والإيرانيون ببشر يقتلهم وعمران يدمره خلال الأربعة عشر عاما؟ وهل سيبقى بعد فترة حكمه الجديدة شيء اسمه سورية؟

إذا قفز مفاوضو الهيئة العليا من فوق هذا التعارض الجذري بين وثيقة جنيف والقرار 2118 وبين القرار 2254، وقبلوا حكومة غير طائفية، يشكلها ويرأس أعمالها الطائفي الذي قتل الملايين من شعبه، فهل سيقبلون دستورا يلغي الديمقراطية، هدف جنيف الحتمي، ويستبدلها بتركيبةٍ سياسيةٍ شديدة التعقيد، مليئة بالتناقض وقابلة للتفجير عن قرب وعن بعد، تعطي الدولة السورية ما قد يفيض عن الجماعات الهوياتية التي ستتمتع بحكم ذاتي شبه مستقل، لن يترك أي مجال لتعامل الدولة كمركز بندية معها؟ المعروف أن الدولة الديمقراطية تبنى على المواطنة المتساوية، وأنها هي التي تعطي مكوناتها حقوقها كاملة. أما في الدستور الروسي، فستبنى الدولة على ما يفيض عن مكوناتها من صلاحيات، وليس هناك أي ذكر حتى لكلمة ديمقراطية، ناهيك عن ذكر مرتكزاتها التي ستخترق، بالضرورة، جميع تشكيلاتها، بغض النظر عن أسمائها. إلى هذا، لا يترك الدستور للسوريين أي حق في اختيار نمط دولتهم، وأية مشاركة في تحديد هويتها، فإن وافقوا في استفتاء عام، كما هو متوقع، على الدستور الروسي، كانت موافقتهم تعني قبولهم انفراط عقد دولتهم، وقيام دولة هويات متصارعة، ستحاول كل واحدةٍ منها توسيع صلاحياتها ومناطق نفوذها إلى الحدّ الذي يخرجنا من تحت الدلف إلى تحت المزراب، أي من نظام متوحش يخنق مواطنيه ويتنكّر لحقوق مكونات الجماعة الوطنية السورية إلى نظام تتحكم فيه الأطراف بالمركز، والدويلات الهوياتية بالدولة التي يريد الشعب لها أن تكون ديمقراطية، لكن الدستور يقرّر إنقاذ النظام الرئاسي، ويعطي الرئيس صلاحيات قريبة من صلاحيات الأسد الحالية. ويبذل، في المقابل، جهودا مستميتة، صريحة ومضمرة، لمنع قيام مؤسسات دولية فاعلة وقوية إلى جانبه، يمكن لصلاحياتها أن توازن صلاحياته أو تحد من طابعها المطلق، ليكون هناك في سورية القادمة دولة وحياة عامة وحريات.

الانتخابات البرلمانية والرئاسية

أما عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة، فثمة ملاحظتان:

“هل يصدق أحد أن الأمم المتحدة ستتيح أجواء حماية تمكّن السوريين من التعبير الحر عن رأيهم؟”

أولاهما أن الهدن التي تعقد في كل مكان، بفضل قنابل المدافع وصواريخ الطائرات، تتكفل باعادة جزء مهم من الحاضنة الشعبية إلى العيش تحت حكم المخابرات التي تبدأ، فور استسلام المناطق، بترويع الشباب واعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم، وتخترق ضعاف النفوس من المواطنين، وتجدّد التعاون مع عملائها للوشاية بالأهالي وإفسادهم، ولإرعابهم إلى الحد الذي يجعل منهم أداة طيعة في يدها كسلطة متوحشة تخوفهم وتتلاعب بهم، وتلوح لهم بسلاح قمعي فتاك، هو ملاحقتهم ومحاسبتهم عن الفترة الثورية التي خرجوا خلالها من حكم الأسدية، وتخص بالتلويح الشبان والشابات من أبناء المواطنين وبناتهم. هل يصدق أحد أن الأمم المتحدة ستتيح أجواء حماية تمكّن هؤلاء من التعبير الحر عن رأيهم، وهي التي تفرّجت على محاصرتهم وتجويعهم، وهل ستتمكن من حماية من قد يفوز في انتخابات الرئاسة ضد بشار الأسد من أجهزة القمع والعسكريتاريا الطائفية المسعورة التي قتلت وجرحت وشوهت واعتقلت وعذبت، وأخفت قرابة ثلاثة ملايين مواطنة ومواطن سوري وفلسطيني، من دون أن تتمكن الأمم المتحدة، والصحيح المنتحرة، من عقد اجتماع رسمي واحد لمناقشة هذا الموضوع، أو أن تصدر قرارا واحدا يلزمها بكف يد مجرمي النظام عن السوريات والسوريين؟

ثانيتهما أن الأمم المتحدة تتعاون بصورة مفتوحة مع النظام السوري، كأنه لا يقتل شعبه، ولا يخالف القانون الدولي، وليس نظاما مارقا. وهي تمدّه بجميع أنواع المساعدات التي تمكّنه من تزويد شبيحته بفيضٍ من الطعام والدواء، بينما وقفت متفرجةً على حرمان النظام السوريين الجياع من حقهم في البقاء أحياء، من دون أن تسحب اعترافها به ممثلا رسميا للشعب الذي يذبحه. وهي توظف اليوم من يرضى عنهم ضباط أمنه الذين يمنحونهم موافقاتٍ على تشغيلهم لدى الأمم المتحدة، مقابل ابتزازهم وتجنيدهم ضد المواطنين الذين يدخلون إلى مناطقهم باسم الشرعية الدولية! هناك فضائح تستحق فتح تحقيق مسهب حولها، ثم تقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضد مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في خدمة النظام داخل سورية وخارجها. ثم ماذا أبقى النظام الدولي الذي مثله فلاديمير بوتين وباراك أوباما من الأمم المتحدة ودورها وقيمها ومؤسساتها، وبماذا يعد ترامب بغير مزيد من تهميشها وإضعافها؟ لو كان قد بقي منها شيء لرأيناه، ولو مرة واحدة طوال سنوات المجازر الست في سورية، التي ارتكبها نظامٌ سفاح، يرتكب جرائمه تحت سمع أمم متحدة وبصرها، تدعمه بالغذاء والدواء والعملاء، وتساعده على تهجير السوريين من مناطق عيشهم التاريخية، كما فعلت في حمص وأماكن كثيرة.

السؤال الآن: هل ستتمكن أمم متحدة، يعمل قسم كبير من موظفيها مخبرين لدى أجهزة القمع الأسدية، وتعاني من التهميش والعجز، أن تشرف على انتخابات نزيهة في سورية، تحوم فوق مراكزها طائرات روسيا، وتتجول في أروقتها فصائل الحرس الثوري الإيراني، وتسهر على نزاهتها جيوش الشبيحة الأسدية ومرتزقة لبنان وأفغانستان وبنغلادش وتونس وأوزبكستان… إلخ، ويطلب فيها إلى شعب ممزق مشرد مجوّع محاصر معذب مقتول أن يغامر بحياته وحياة أولاده ويصوت ضد بشار الأسد الذي قرّر سادة النظام الدولي الإبقاء عليه رئيسا لشعبٍ فعل به ما سبق ذكر بعضه، على الرغم من مخالفتهم قرارات سابقة، كان قد اتخذها مجلس الأمن والهيئة العامة للأمم المتحدة، تحتم إبعاده؟ على من يضحك الروس، وعلى أية انتخابات نزيهة سيشرف دي ميستورا، إذا كان دستور روسيا وطيرانها للشعب بالمرصاد، وكانت الأمم المتحدة تسهم في الحرب الكونية عليه داخل وطنه، وتسعد بوجوده في مخيمات العار خارجه، وكان العالم قد ثبت الأسد في منصبه ضد إرادة الشعب السوري؟

يقول المثل الشعبي: معك فرنك بتسوى فرنك. ويقول العقل السياسي الصاحي: لا أحد يعطيك ما لا تستطيع انتزاعه منه، بطرق أخرى. قاتل الله الجهل والتهاون في حقوق الشعب وحريته.

العربي الجديد

 

 

 

بين آستانا وجنيف: أفق الأجندات المتضاربة في الأزمة السورية

تحرص موسكو على فرض تسوية للأزمة السورية وفق شروطها في الآستانة تعفيها من التزاماتها السابقة في مفاوضات جنيف لكن خصومها يناورون لإفشال مسعاها.

ملخص

منذ انطلاق مسار آستانا تبدو موسكو في سباق مع الزمن لتحديد أسس الحل في سوريا قبل الوصول إلى جنيف، وذلك على قاعدة إعادة تشكيل وفد المعارضة إلى المفاوضات أولًا، وهو جهد ما فتئت موسكو تعمل عليه منذ أن تدخلت عسكريًا في سورية، وثانيًا من خلال إعادة رسم المحددات الرئيسة للحل، وهو أمر بذلت فيه موسكو جهدًا كبيرًا أيضًا خلال المفاوضات الماراثونية التي أجرتها مع وزير الخارجية الأميركية السابق، جون كيري، وتوصلت خلالها إلى تغيير قواعد جنيف عبر إعطاء الأولوية للاتفاق على تغيير الدستور، يعقبه تشكيل هيئة حكم تمثيلي غير طائفية، يليها الدعوة لانتخابات نيابية ورئاسية يكون الأسد جزءًا منها و”يقرر الشعب السوري مصيره فيها”.

مقدمة

مع قرب اكتمال عامها السادس، دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة، بعد سلسلة تطورات ميدانية شهدها العام 2016، كان أبرزها خسارة المعارضة لمعقلها الرئيس في حلب. وقد استغلت روسيا هذه التطورات لإنشاء مسار سياسي جديد انطلق في آستانا، وبات ينافس مسار جنيف، محاولًا في الحد الأدنى وضع سقف لنتائجه؛ حيث تسعى روسيا إلى فرض تسوية تنطلق من رؤيتها لمتطلبات الحل السوري ومخرجاته. وفيما كانت موسكو تحضِّر لجولة جديدة من محادثات آستانا، يومي 15 و16 فبراير/شباط 2017، كان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، يُعِدُّ لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات في إطار مسار جنيف تبدأ يوم 23 من الشهر نفسه، فكيف تبدو فرص حل الأزمة السورية بين آستانا وجنيف؟ وما أبرز المواقف الإقليمية والدولية منها؟

مسار آستانا: الاستثمار الروسي

بعد سقوط مدينة حلب التي مثلت هدفًا رئيسًا لقوات التحالف الداعم للنظام منذ التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، دعت موسكو إلى اجتماع في آستانا، عاصمة كازاخستان، يومي 23 و24 يناير/كانون الثاني 2017، لتثبيت وقف إطلاق النار الذي كان تم التوصل إليه في أنقرة بين روسيا وفصائل المعارضة السورية بوساطة تركية في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول 2016. وكانت روسيا سارعت بعد إخراج قوات المعارضة من حلب إلى عقد اجتماع ثلاثي في موسكو ضم إلى جانبها تركيا وإيران، وحضره وزراء خارجية ودفاع الدول الثلاث للاتفاق على مبادئ الحل في سوريا، بعد أن قدَّرت روسيا أن المعارضة باتت في وضع يمكن معه انتزاع تنازلات مهمة منها. كما حاولت الاستفادة من غياب الولايات المتحدة شبه الكامل عن جهود تسوية الأزمة السورية في أيام إدارة أوباما الأخيرة، لترتيب الأوضاع السياسية والميدانية في سوريا قبل أن تعود الإدارة الأميركية الجديدة للاهتمام بها. انتهى الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في 20 ديسمبر/كانون الأول 2016 “بإعلان موسكو”، ونص على الاتفاق على توسيع وقف إطلاق النار في حلب ليشمل كافة الأراضي السورية، باستثناء المناطق التي يسيطر عليها “تنظيم الدولة” و”جبهة فتح الشام” (النصرة سابقًا)، وأكد على عدم وجود حل عسكري للأزمة في سوريا، ودعا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015.

اقتصرت الدعوة التي وجهتها موسكو لحضور اجتماع آستانا على فصائل المعارضة المسلحة، فغابت الهيئة العليا للمفاوضات، في حين حضر بعض أعضاء الائتلاف الوطني -الجسم الرئيس للمعارضة- بوصفهم مستشارين لوفد الفصائل. وقد بررت موسكو ذلك بأن المؤتمر لن يناقش قضايا سياسية بل سيقتصر على قضايا فنية وعسكرية يستهدف البحث فيها تثبيت وقف إطلاق النار، ووضع آليات لمراقبة الخروقات وفق اتفاق أنقرة. حاولت موسكو عبر تركيا والأردن إقناع أكبر عدد ممكن من فصائل المعارضة المسلحة بحضور الاجتماع. وشكلت الفصائل التي وقعت على اتفاق أنقرة وفصائل الجبهة الجنوبية، التي كانت في حالة هدنة غير معلنة مع النظام منذ أوائل العام 2016، وفدًا موحدًا إلى آستانا، ترأسه القيادي في جيش الإسلام، محمد علوش.

لكن آستانا لم تكن مجرد اجتماع فني لبحث سبل تطبيق وقف إطلاق النار، كما حاولت روسيا تقديمه، فوفد النظام كان سياسيًّا بامتياز؛ إذ ضم أكثر أعضاء وفده إلى مفاوضات جنيف، وعلى رأسهم بشار الجعفري. فوق ذلك، طرحت موسكو خلال الاجتماع مسودة دستور سوري، قالت: إن خبراء روس عكفوا على وضعه، وطلبت رأي فصائل المعارضة المسلحة فيه. وكان أبرز ما نص عليه مقترح الدستور الروسي سحب بعض صلاحيات رئيس الجمهورية وإعطاؤها للبرلمان، وجاء في المادة 44 منه: “تتولى جمعية الشعب (البرلمان) الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، تنحية رئيس الجمهورية، تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تعيين رئيس البنك المركزي وإقالته”.

انتهى الاجتماع بإصدار بيان ثلاثي، تحفظت فيه المعارضة على اعتبار إيران أحد الأطراف الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، وأقرَّ إنشاء آلية لمراقبة الهدنة من الدول الثلاث. وبعد يومين على انتهاء اجتماع آستانا، دعت موسكو شخصيات من منصات المعارضة السورية المتعددة إلى لقاء وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في موسكو لإطلاعهم على نتائج الاجتماع واستمزاج رأيهم في مشروع الدستور السوري. كانت الدعوة محاولة واضحة لإعادة خلط الأوراق، والاستمرار في جهود تهميش دور الهيئة العليا للمفاوضات؛ إذ تمت دعوة رئيس الهيئة، رياض حجاب، وقياديين من الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، من ضمن 25 مجموعة معارضة سورية.

ومع دعوة موسكو إلى اجتماع جديد في آستانا، يومي 15 و16 فبراير/شباط 2017، فيما غدا يُعرف إعلاميًّا بآستانا 2، يسبق مفاوضات جنيف 4 التي دعا إليها المبعوث الأممي إلى سوريا في 23 الشهر نفسه، بدا واضحًا أن موسكو تؤسِّس لمسار جديد يمكن أن يُمثِّل بديلًا لجنيف، إذا فشلت في تمرير رؤيتها للتسوية في هذا الأخير.

حصيلة جنيف

لم تتوصل مفاوضات حل الأزمة السورية التي استندت إلى إعلان جنيف (30 يونيو/حزيران 2012)، وعقدت حتى الآن جولتين: الأولى مطلع عام 2014 والثانية مطلع عام 2016، من تحقيق تقدم يُذْكَر، وذلك بسبب تمسك النظام وحلفائه بالتفاوض تحت النار، كسبيل لفرض إرادتهم على طاولة المفاوضات، وإصرار المعارضة في المقابل على أن وقف إطلاق النار يعد شرطًا لازمًا وضروريًّا لبدء أية عملية تفاوضية جدية، ليس فقط كإجراء حُسن نية، بل لأنها لا تستطيع أن تفاوض في الوقت الذي يستمر فيه قصف المدنيين من قبل قوات النظام وحلفائه. ويعود السبب في فشل اتفاقات وقف إطلاق النار في المناسبتين المذكورتين (جنيف2 وجنيف3) إلى عدم تمكن الطرفين: الروسي والأميركي، من التغلب على خلافاتهما، فجنيف2 (2014) فشل في تحقيق تقدم بسبب تأزم العلاقات الروسية-الأميركية بعد الأزمة الأوكرانية، ثم قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم. أما جنيف3 (2016) والذي جاء بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، فقد فشل بسبب رفض واشنطن التنسيق أمنيًّا وعسكريًّا مع روسيا في سوريا كشرط وضعته موسكو لالتزام الهدنة بين النظام والمعارضة وتركيز الجهود على ضرب تنظيم الدولة، وبناء عليه سقطت هدنتا فبراير/شباط وسبتمبر/أيلول 2016.

وفي كل الأحوال، فقد مثَّل بيان جنيف لعام 2012 منطلقًا للعملية السياسية؛ حيث نص على تشكيل هيئة حكم/أو جسم انتقالي من النظام والمعارضة ومستقلين، تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية في قيادة المرحلة الانتقالية. لكن هذا المسار تعرض إلى هزَّة كبيرة بسبب التدخل العسكري الروسي في سوريا اعتبارًا من 30 سبتمبر/أيلول 2015. وقد أفرز هذا التدخل مسارًا سياسيًّا طرحته موسكو في فيينا لحصد نتائج تدخلها عسكريًّا في سوريا، وللحيلولة دون الانزلاق نحو مستنقع قد يستدرجها إليه حلفاء المعارضة. ومن خلال فيينا حاولت موسكو تغيير أسس إعلان جنيف، واستبدال طرح “هيئة حكم تمثيلي غير طائفي” بطرح “هيئة الحكم الانتقالي”، على أن يبقى الأسد جزءًا من المرحلة الانتقالية. وعليه، تم التوصُّل إلى اتفاق روسي-أميركي عُرف بـ”اتفاق فيينا”، وذلك في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقدَّم خريطة طريق لحلِّ الأزمة السورية، جرى تضمينها في قرار لمجلس الأمن صدر تحت الرقم 2254، بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، ونصَّ على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتشكيل حكومة تمثيلية ذات طابع غير طائفي، وتعديل الدستور، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة. وبالرغم من تضمينهما في مقدمته، مثَّل القرار الجديد ابتعادًا عن روح بيان جنيف 2012 والقرار 2118 لعام 2013 والذي دعا إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات لقيادة المرحلة الانتقالية للخروج من الأزمة.

آستانا وجنيف: تسابق أم تكامل؟

مع فشل الجهود الروسية-الأميركية في إنتاج اتفاق لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، رغم اللقاءات المكثفة التي عقدها وزيرا خارجية البلدين، سيرغي لافروف وجون كيري، خلال العام 2016، تخلَّت روسيا عن فكرة العمل المشترك مع واشنطن وبدأت تنحو تجاه مقاربة إقليمية بقيادتها لحل الصراع مستفيدة من هشاشة إدارة الرئيس أوباما في شهور حكمها الأخيرة، والتي زادها ضعفًا رفض البنتاغون الالتزام بالاتفاق الذي توصل إليه الوزير كيري في موسكو في التاسع من سبتمبر/أيلول 2016، ودعمه الرئيس أوباما، للتنسيق عسكريًّا وأمنيًّا بين الجيشين الروسي والأميركي في سوريا ضد تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام (النصرة)، كخطوة باتجاه تطبيق وقف إطلاق النار والتعاون في حل الأزمة السورية.

استفاد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من تغير البيئة الإقليمية والتي تمثَّلت بصورة رئيسة في تغير الموقف التركي بسبب تنامي الشكوك حول أهداف الدعم الأميركي للقوى الكردية في الشمال السوري، خاصة منها وحدات حماية الشعب التابعة للحزب الديمقراطي الكردي (PYD)، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، والذي تعده أنقرة حزبًا إرهابيًّا، يهدد وحدتها وأمنها القومي. في الوقت عينه، بدأت أنقرة تعيد تعريف مصالحها في سوريا وعلاقاتها بالقوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المسألة السورية في ضوء المواقف من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بحكم حزب العدالة والتنمية في منتصف يوليو/تموز 2016. وقد أسفر ذلك عن إنهاء الأزمة في العلاقات التركية-الروسية والتي بدأت بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، وبلغت ذروتها في إسقاط مقاتلات تركية طائرة روسية قرب الحدود التركية-السورية أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

أنتج هذا التقارب مسار آستانا الذي تولت فيه تركيا ضمان مشاركة فصائل المعارضة في مقابل ضمان روسيا مشاركة النظام والالتزام بشروط الهدنة، وقد جرى ضم إيران اليه لتفادي قيامها بدور تخريبي بعد تحفظات عديدة أبدتها على اتفاقات ثنائية روسية-تركية بخصوص الأزمة السورية، من بينها اتفاق إخراج المعارضة من حلب، واتفاق وقف إطلاق النار، واعتراف روسيا بفصائل معارضة تعتبرها طهران “إرهابية”.

منذ انطلاق مسار آستانا تبدو موسكو في سباق مع الزمن لتحديد أسس الحل في سوريا قبل الوصول إلى جنيف، وذلك على قاعدة إعادة تشكيل وفد المعارضة إلى المفاوضات أولًا، وهو جهد ما فتئت موسكو تعمل عليه منذ أن تدخلت عسكريًّا في سوريا، وثانيًا: من خلال رسم المحددات الرئيسة للحل وهو أمر بذلت فيه موسكو جهدًا كبيرًا أيضًا خلال المفاوضات الماراثونية التي أجرتها مع وزير الخارجية الأميركية السابق، جون كيري، وتوصلت خلالها إلى تغيير قواعد جنيف عبر إعطاء الأولوية للاتفاق على تغيير الدستور، يعقبه تشكيل هيئة حكم تمثيلي غير طائفية، يليها الدعوة لانتخابات رئاسية “يقرر فيها الشعب السوري مصير بشار الأسد”، على أن يتم قبل ذلك سحب بعض صلاحياته وإعطاؤها للحكومة المنبثقة عن البرلمان.

ولضمان تبني هذه الأجندة، ركزت موسكو جهدها على كسر احتكار الهيئة العليا للمفاوضات تمثيل المعارضة بسبب تمسكها بالحل المستند إلى بيان جنيف حول تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، ورحيل بشار الأسد. وعليه استأنفت موسكو جهود إعادة تشكيل وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف 4، ليضم أكبر عدد ممكن من حلفائها في منصات القاهرة وموسكو وحميميم وغيرها. ولتفويت هذه الفرصة، عقدت الهيئة العليا للمفاوضات اجتماعًا في الرياض، يومي 10 و11 فبراير/شباط 2017، أعادت فيه تشكيل وفدها المفاوض ليضم عضوًا من منصة موسكو وآخر من منصة القاهرة، لكن موضوع تشكيل الوفد ما زال يمثِّل مادة لنقاش حاد في ظل مطالبة هذه المنصات وغيرها بتمثيل متساوٍ مع الهيئة العليا، فضلًا عن استمرار موسكو في محاولاتها الدفع بالفصائل المسلحة للتصدر في مفاوضات الحل، باعتبارها القوى الفعلية على الأرض وصاحبة القرار فيما يخص وقف القتال.

لكن الدول الداعمة للمعارضة لا تبدو في وارد ترك الساحة خالية لروسيا لتنفرد بقرار الحل في سوريا، أو السماح لها باستبدال مسار آستانا بمسار جنيف، وقد جاء رد مجموعة أصدقاء سوريا، التي عقدت اجتماعًا في بون على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة دول العشرين في 16 فبراير/شباط 2017، واضحًا بهذا الشأن؛ إذ أعربت عشر دول عربية وغربية، بينها: السعودية وقطر والولايات المتحدة وتركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا عن دعمها الكامل لمفاوضات جنيف، ورفضت أية محاولات تستهدف استبدالها، أو إطلاق أي حل سياسي بعيدًا عنها، وخارج إشراف الأمم المتحدة وقراراتها، وهو ما اعتُبر بمثابة رسالة واضحة لروسيا بأن أية محاولة للاستفراد بالحل السوري سوف تتم مواجهتها. فيما أكد وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، على رفض أي  تعاون عسكري مع الروس طالما أنهم لم ينأوا بأنفسهم عن موقف دمشق التي ما زالت تعتبر كل فصائل المعارضة، بما فيها التي حضرت آستانا، إرهابية.

رهان هش

تحاول موسكو الاستفادة من تراجع الوضع الميداني للمعارضة بعد خسارة حلب، ورغبة النظام وإيران في الاستمرار بالحل العسكري، ومن اتجاه إدارة ترامب للتركيز في الحرب على تنظيم الدولة، وتغير الأولويات التركية، للضغط على المعارضة للقبول بالمقاربة التي تقترحها للحل قبل الوصول إلى جنيف (دستور-حكومة وحدة وطنية-انتخابات). كما تحاول موسكو في الوقت نفسه التأسيس لمسار مستقل في آستانا في حال فشلت في فرض شروطها للحل في جنيف، وذلك من خلال تجميع أكبر عدد ممكن من قوى المعارضة السياسية والعسكرية إلى جانبها، فضلًا عن النظام والميليشيات الداعمة له، مستفيدة من علاقتها الجيدة بكل من تركيا وإيران، لاجتراح الحل الذي ترتضيه في سوريا، وما زالت تروج له منذ بداية الأزمة. لكن الجهود الروسية قد لا تصل بالضرورة إلى تحقيق غاياتها، رغم الاستثمارات الكبيرة التي وضعتها موسكو فيها، في ضوء اتضاح الصعوبة التي تجدها إدارة ترامب في تحقيق تقارب مع موسكو بشأن سوريا وغيرها، وتمسك القوى الداعمة للمعارضة بمسار جنيف، والذي ترى من خلاله أنه ما لم يحصل تغيير في المقاربة الروسية تؤدي بدورها إلى تغيير حقيقي في بنية النظام في دمشق، فإن الأزمة لن تجد طريقها للحل، وأنه ربما ينبغي على الروس أن يستعدوا للتعاطي مع انتقال المعارضة إلى تبني استراتيجية صراع طويل لن تكون نتائجها في مصلحة أحد، إذا استمرت موسكو في تبني مواقف النظام السوري ومقاربته للحل.

 

 

 

 

جنيف4:التوافق على ركاكة المعارضة/ عمر قدور

من شبه المؤكد أن جلسات مؤتمر جنيف4 لن تكون أفضل من سابقاتها في جنيف2 وجنيف3، يزيد عليها هذه المرة عدم معرفة التوجه الأميركي، إذا كان ثمة توجه أصلاً لدى إدارة ترامب. المبعوث الدولي ديمستورا قال في مؤتمر ميونيخ للأمن، المنعقد قبل أيام قليلة من انعقاد جنيف، أنه لا يعرف موقف إدارة ترامب من موضوع الانتقال السياسي في سوريا. أما رد المبعوث الأميركي لدى التحالف، في النقاش نفسه، فكان أن إدارته تراجع العملية برمتها، مضيفاً بالحرف: “سنكون في غاية الأنانية في ما يتعلق بحماية مصالحنا والعمل من أجلها”. في تغييب واضح لشعارات إدارة أوباما السابقة، الشعارات التي لم تلتزم بها يوماً.

في هذه الظروف كان من المنطق تأجيل المؤتمر حتى تتبلور رؤية أميركية من الملف السوري، لكن ديمستورا مستعجل على انعقاده، تحت زعم التطورات الإيجابية في مؤتمري أستانة لجهة وقف إطلاق النار. بالطبع يتجاهل هذا الزعم فشل الهدنة كلياً، دون مبادرة أي طرف لإعلان وفاتها، ويتجاهل الهجوم الذي تشنه المقاتلات الروسية على جبهة حوران، بينما لا يتوقف النظام عن قصف أحياء ملاصقة لدمشق خارجة عن سيطرته، وصولاً إلى حي الوعر في حمص. ما يعني ألا مبرر فعلياً لاستعجال ديمستورا سوى اقتناص اللحظة التي تكون فيها المعارضة في أسوأ حالاتها، ويكون فيها الراعي الأميركي بلا رؤية إيجابية بينما الراعي الروسي يحصد نتائج تدخله العسكري.

لا يخرج عن السياق ذاته كون المبعوث الدولي يبني على إرث إدارة أوباما، بخاصة ما انتهت إليه من تخلٍّ عن مجمل الملف السوري لصالح الرؤية الروسية، بحيث آلت إلى القبول ببقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وترشحه للرئاسة بعدها. مع المراهنة في الوقت نفسه على عدم وجود تحول في هذا الجانب من قبل إدارة ترامب، إذا كرست الأخيرة جهدها لمحاربة داعش وتقليم النفوذ الإيراني عبر صفقة مع روسيا. ربما هذا ما دفع ديمستورا إلى الضغط على الهيئة العليا للتفاوض كي تقبل بمشاركة منصات أقل جذرية إزاء نظام بشار، بل يعمل بعضها تحت سقف الوصاية الروسية أو وصاية النظام نفسه. فالمطلوب في هذه اللحظة معارضة توقع على اتفاق، أو تقدّم تنازلات كبيرة تمهد له، يتم التنصل فيه من كل أهداف الثورة، وفي مقدمها تنحي قادة الإجرام والإبادة، ومن ثم تكريس حكم هذه الزمرة مرة أخرى. ذلك لا يعني اتهام المبعوث الدولي بصفة شخصية، فهو على الأرجح يراهن على تحول في النظام بطيء جداً، في غياب إرادة دولية تنبئ بالتغيير.

من باب أولى أن موسكو سعت وتسعى إلى أكبر قدر من التهافت والركاكة في خندق المعارضة وفي وفدها المفاوض، وهي من قبل عملت علناً ومن تحت الطاولة على خلق ما يُسمّى بالمنصات، غايتها جعل مسألة المعارضة في غاية الميوعة، ثم استثمار الفوضى للزعم بتساوي الجميع. لم تكن نكتة على هذا الصعيد أن تطالب منصات لا يُعرف لها أي تفويض من قوى منظمة على الأرض، ولا يُعرف لها أي أنصار، بأن تحظى بتمثيل متساوٍ مع الهيئة العليا للتفاوض التي رغم كل المآخذ على أدائها تضم كتلاً أساسية من المعارضة، فضلاً عن تنسيق مع الفصائل التي تقاتل وتسيطر على العديد من المناطق.

الطريف في الأمر أن الهيئة العليا للتفاوض أيضاً لا تبدي اكتراثاً كما في السابق بمؤتمر جنيف، أو لعلها لا تبني عليه أي أمل، فوفدها يفتقر إلى شخصيات ذات خبرة سياسية أو تفاوضية، فيما بدا أن جل اهتمامها منصب على الحفاظ على الحصة الأكبر من التمثيل، وعدم التفريط به تحسباً لجولات لاحقة أفضل. بهذا المعنى ربما تعمدت الهيئة، أو داعموها من خلفها، تشكيل وفد بلا زخم يؤهله لاتخاذ قرارات كبيرة. إذا صح هذا التصور فقد يكون أفضل ما تفعله الهيئة في ظروفها الحالية، لأن وفداً من شخصيات الصف الثاني لا يملك رصيداً يمكنه من إبرام صفقة كبرى تبحث عنها موسكو وديمستورا الآن، ولأن لعبة إشراك منصات موسكو والنظام ستقلل تلقائياً من قيمة المعارضة ككل، ولن يكون للتنازلات المتوقعة من المنصات أي أثر، باستثناء كشف ما هو معروف عن موقعها.

يلوّح البعض بأن “تصلب” المعارضة قد يقلل من المكاسب اللاحقة، طالما أن الوضع الميداني يسير لصالح النظام، ويقيس هذا البعض أحياناً على التجربة الفلسطينية التي مضت من تنازل إلى تنازل. ما يعيب القياس السابق هو عدم رؤية التجربة الفلسطينية ذاتها، فبعد توقيع اتفاقيات أوسلو لم تقصّر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التنصل من مندرجاته، ولم تقصّر في ابتزاز الفلسطينيين والعدوان عليهم، ولم تخفِ مطامعها في قضم الأراضي والحقوق الفلسطينية تباعاً. في الواقع، أمام نظام كنظام بشار فاق الإسرائيليين في وحشيتهم وفظاعتهم، لا فرصة تضيع لحل سياسي، وليس لدى المعارضة ما تخسره مع مرور الوقت.

مهما كان التوافق الحالي على تمييع المعارضة، وإظهارها ركيكة، فالغاية تتهافت عندما يصل التمييع إلى حد لا تعود فيه مقنعة أبداً، الغاية التي تريدها موسكو وأرادتها من قبل إدارة أوباما، أي التوقيع على تسوية مجحفة. مكمن القوة، كان وما يزال، هو في عدم التوقيع على مثل هذه التسوية، حتى إذا كان الثمن انتصارات ميدانية أخرى للنظام. فالأخير لن يكتسب شرعية”وهو على أية حال لم يخسر بعضاً منها” من الخارج فحسب، وستظل شرعيته مفقودة داخلياً طالما لم يحظَ بتسوية تكرسها. أيضاً يعلم النظام وحلفاؤه أنه غير قادر على الوفاء بالتزامات السيطرة على البلد مرة أخرى، ولن يأتي الخارج بلا تسوية تقبلها المعارضة ليساعده على إعادة الإعمار، فلا أمريكا ترامب جاهزة لتقديم مساعدات بينما تهدد بتخفيض مساهمتها في الناتو والمنظمات الدولية، ولا الاتحاد الأوروبي الذي يتعثر بانتشال أحد أعضائه “اليونان”، وربما بموجة يمينية تهدد وجوده، قادر على دعم مشروع مكلف وغير مضمون سياسياً على المدى البعيد.

ذلك لا يعني امتداح ركاكة المعارضة خارج لوحة جنيف4، إذ تبقى قوة المعارضة مطلباً لأجل مشروع وطني مستقبلي ومستدام، مهما بدا هذا المشروع صعب التحقق الآن. استثنائية الثورة لا ينبغي أن تحجب أنها مرحلة في نضال السوريين من أجل التغيير، سبقتها مراحل مختلفة في الكم والنوع، وستليها مراحل أخرى أيضاً. من يرَى هذه اللوحة يدرك استحالة التوقيع على أبد جديد، ويدرك أن السعي الخبيث لجعل المعارضة ركيكة يهدف فقط إلى موازنة ركاكة النظام.

المدن

 

 

 

ضد المفاوضات/ سلامة كيلة

تعود التحضيرات لمفاوضات جنيف بعد فشل مفاوضات جنيف 3، وبعد أن فتح الروس مسرباً في أستانة، جرى خلاله التفاوض مع مجموعاتٍ مسلحةٍ، كانت تعتبرها روسيا مجموعات إرهابية. وخصوصاً بعد التفاهم التركي الروسي، والذي جعل تركيا تميل الى “تليين” مواقف المجموعات التي ترتبط بها، لقبول منظور روسي، يريد إنهاء الصراع عبر إنهاء “تمرّد” الشعب، وتحويل جزء من الذين قاتلوا النظام الى “التحالف” معه ضد “الإرهاب”، أي ضد وهم جرى اختراعه ورعايته من دول متعددة، لكي يخدم تدمير الثورة بحجة الإرهاب.

لهذا يعد الروس لجنيف بما يسمح بفرض “معارضة” هي ليست معارضة، و”معارضة” باتت تقبل الشروط الضرورية لـ “نجاح المفاوضات”، وهي الشروط التي أسّست روسيا رؤيتها عليها منذ بدء دعمها النظام، وخصوصاً بعد تدخلها العسكري. بمعنى أن روسيا ترتب نظاماً على مقاسها، وتحت سلطة بشار الأسد كذلك. ولهذا، فهي تعمل على قضم المناطق التي باتت خارج سيطرة النظام، وإنهاء وجود الثوار فيها، وتقليص المساحة إلى حدّ السيطرة الكاملة على تلك المناطق، والتي لا تشمل مناطق “داعش” وجبهة النصرة، كونهما “وحدات خاصة” سورية، يحمون ويحكمون لمصلحة النظام، على الرغم من أنهم مدعومون من دول متعددة، بدت أنها ضد النظام.

بالتالي، وباختصار، ما تريده روسيا هو حل يبقي النظام ورئيسه، ويؤدي إلى تشكيل حكومة “وحدة وطنية” من أزلام النظام المفروزين بين النظام ذاته و”المعارضة”. ليعاد إنتاج النظام بأشخاص جدد، لا يختلفون عن النظام ذاته، في وقتٍ تكون روسيا قد فرضت سيطرة قواتها وقوات إيران وبقايا قوات النظام (التي باتت الطرف الأضعف والأقل عدداً) على سورية. وهي تشتغل لكي تفرض “مجموعتها” كجزء أساسي في وفد التفاوض، والتي ستكون المجموعة التي تقبل “العودة إلى حضن النظام” تحت مسمى الحل السياسي.

يفرض هذا الأمر أن نكون ضد المفاوضات هذه، وألا يدخل أحد شريف فيها، بالضبط لأنها مسرحية ليس غير، وهي شكل إعادة إنتاج النظام كما هو بلا بتغيير، فالروس عدو يسيطر ويقتل، ولا يجب أن يُنظر إليها بمنظور آخر، وهي التي تريد فرض منطقها انطلاقاً من عنجهية تركبها بأنها باتت قادرةً على “قيادة العالم”، وعلى فرض سطوتها، وهو الأمر الذي جعلها تمارس كل العنف والوحشية، وتستخدم كل سلاحها المتطور، وتصرّ على أن ما قالته منذ البدء هو الذي يجب أن يُفرض في الواقع. وهي لا تفاوض إلا بعد أن تكون قد مارست وحشيتها، لكي يأتي المفاوض قابلاً بما تقرّر، وحين لا يتحقق ذلك تعود الى وحشيتها. وهذا الأمر يجعل الأمر المطروح هو قبول الحل الروسي كما هو أو استمرار عملية التدمير والقتل.

لهذا، لا يجدر التفاوض الآن، ويجب رفض كل علاقة مع روسيا التي باتت تحتل سورية، كذا بكل معنى الكلمة. إنها قوة احتلال، وهي تريد قبول كل الاتفاقات المذلة التي وقعتها مع النظام، وهي عقد إذعان احتلالي. وما يجب أن يجري التركيز عليه هو: كيف يمكن أن تغرق روسيا في أفغانستان جديدة؟ لأن ذلك وحده الذي سوف يجعلها “تتواضع”، وتتخلى عن عنجهيتها، وبالتالي، تعرف أنها فشلت في كسر “الثورات الملونة” (كما تسميها)، وأن الثورة ستنال منها.

روسيا الإمبريالية يجب أن تُواجه، وبالتالي لا بد من ممارسة “حرب عصاباتٍ” ضد قواتها في سورية، كما ضد قوات إيران، وضد كل المجموعات السلفية التي زُرعت لتخريب الثورة. ليست السيطرة على الأرض هي الأساس الآن، بل التحوّل إلى حرب عصابات هو الضروري، ولكي يُفتح الأفق لتفاوض حقيقي، يحقق بعض مطالب الشعب السوري. ليتفاوض النظام وقفاه برعاية روسيا، وليتوهموا أنهم نجحوا في الوصول إلى حل يبقي النظام بكامل أركانه. أما الثورة فيجب أن تمارس فعلها على الأرض، وأن تُسقط من صفوفها كل الذين ركبوا الموجة، وخضعوا لدول وقوى إقليمية ودولية.

ليس هذا زمن التفاوض، بل زمن إعادة لملمة صفوف الثورة.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

حل سياسي بدون سياسيين/ فاطمة ياسين

تغاضت القوى الكبرى عن استمرار الحرب في سورية طوال السنوات الست، واحتفظت، على نحوٍ صارم، بنتيجةٍ غير قابلة للاختراق، وهي منع الحسم النهائي لأي طرف، فالحل سياسي، كما جاء على ألسنة كبار قادة أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وأميركا، مع مراعاة كل العبارات البراقة والخادعة، كالدستور الجديد، والديمقراطية، والدولة المدنية، والانتقال السياسي، وهي مصطلحاتٌ عسيرة على التعريف، على الرغم من وضوحها المعجمي، في ظل غبار عسكري كثيف، وجبهات متعدّدة تكاد تغطي الجغرافيا السورية.

تحت عناوين الحل السياسي، تشكَّل وفد أستانة الثاني المعارض، مناصفة بين السياسيين والعسكريين، وأذيعت أسماء أعضائه علناً، مع ذكر ممثلي كل جهة، بينما لم يعرض الإعلام من وفد النظام إلا بشار الجعفري، باعتبار أن بنية هذا الوفد واضحة، وقد عُبِّرَ عنها قبل بدء المفاوضات بإخراج تمثال حافظ الأسد من المستودعات، ونصبه مجدّداً في إحدى ساحات حماة، الشاهدة على أكبر المظاهرات التي عرفتها سورية في تاريخها الحديث.

تكلف النظام أثماناً عسكرية باهظة في ريف حماة الشمالي، وفي داخل حماة ذاتها، منذ دخلت دباباته إليها في وقت مبكر من عام 2011، ويبدو أنه حالياً يشعر بمزيدٍ من الأمان، بسبب التفوق الجوي له، والانحسار الكبير لقوات “الدولة الإسلامية”، فلم يعر اهتماماً للمدينة التي تتضوّر حاجةً إلى مددٍ إنساني، على شكل تأمين الماء والكهرباء، وتعامى عن مشكلاتها التموينية في توفير الوقود الذي تحتاجه في موسم شديد البرودة، وهذه وظائف إدارية، يجب أن يقوم بها تلبيةً لمهامه السياسية في قيادة الدولة، لكنه عوضاً عن ذلك، مارس أسوأ ما يمكن أن تقدمه قيادةٌ لشعبها، وهو إعادة تعويم تمثال الديكتاتور الذي رفضته هذه المدينة بالذات على شكل انتفاضات شعبية عارمة منذ ثمانينيات القرن الماضي وخلال عام 2011.

كان التجاوب الدولي مع الأحداث السورية، ولا يزال، بطيئاً، وجرى ابتلاع كل المشاهد القاتمة بصمت، وكان للمؤتمرات التي عقدت تحت مسمى أصدقاء سورية صرير إعلامي أكبر بكثير من فاعليتها، فلم توازِ، في مجموعها، فيتو روسياً واحداً.

لم يبدُ على النظام أي غضب وطني، وهو يرى مناطقه ومدنه تتهاوى أمام من كان يسميهم العصابات الإرهابية المسلحة. ولم يعرض ساعتئذ أي حل، كان مصراً على معركةٍ عسكرية يحافظ بها على ما تيسر له من الأرض، مع حرصٍ خاص على العاصمة، وخطوط دفاعية مبالغ فيها حول مناطقه الساحلية، أما أداؤه السياسي فكان معاقاً ووجد في الدبلوماسية الروسية بديلاً ممتازاً، فسلمها زمام الأمور.

كان الدأب العسكري ميزة النظام طوال عهدي الأسد الأب ونجله، فقد تعاملا مع المجتمع بآلتهما العسكرية، وخطابهما الثابت المعروف، ولم يمارسا السياسة لا في الداخل ولا في الخارج، والسياسة حرفةٌ وموهبةٌ وتقاليد دولية لم يكن النظام قريباً منها يوماً، بل اعتمد في الداخل على إعلام ذي منبع وحيد، مع مصادرة الأصوات الأخرى، مهما بلغت درجة خفوتها، متكئاً على عناصره المجهزين بعناية لتجفيف أي صوتٍ معارض، ومن خلفهم سجونٌ متفاوتة الضراوة والقسوة، شكلت جزءاً من منطلقات النظام الأمنية، وأداة فاعلة في لجم المجتمع الذي قُسِّمَ إلى فئاتٍ عمرية، من الطلائع حتى الطلبة، ووضع على رأسها حزب البعث ذا الشعارات الشوفينية الجوفاء. وفي الخارج، اعتمد على المساومة ومنطق البيع والمقايضة، وتحلى بدماءٍ باردةٍ وتَرَيُّثٍ بليد إزاء أي قضية، مع خطابٍ إعلامي جاهز دوماً للشتم والتخوين وتحويل القضايا الثمينة إلى متاعٍ بخس، حين يُجْبَرُ على اتخاذ أي موقفٍ ذي جوهر سياسي.

يُستدعى النظام إلى أستانة ليمارس سياسةً لا يعرفها، فيعيد خطاباً ما زال يتردّد في الأفق، منذ تولي حافظ الأسد السلطة، فيتنكّر رجل الأمن في زي مفاوض، والضباط العسكريون في زي مستشارين، لإعادة حكايات المؤامرة الدولية، والعصابات المسلحة، وهو أسلوبٌ يحرص العربي الجديد

العربي الجديد

 

 

 

المعارضة السورية تستشعر خطر تغيير روسي لهوية المنطقة/ بشير البكر، عبسي سميسم

مع اقتراب جولة المفاوضات الجديدة في جنيف حول سورية، بدءاً من 23 الشهر الحالي، عقب انتهاء جلسات أستانة 2، وزيادة الحراك السياسي على كل الجبهات السياسية، يشرح مصدر مسؤول في المعارضة السورية لـ”العربي الجديد”، رؤيته لأبعاد التحرّك الروسي في ملف الصراع السوري، وتطلّعات المعارضة في جولة المفاوضات المقبلة، ونظرتها للتقارب الأميركي الروسي.

مخاطر الدستور الروسي

يعتبر المصدر أن لدى الروس استراتيجية في سورية، تقوم على فرض مرجعية تخصّهم، لذلك في كل المفاوضات السابقة التي أجرتها المعارضة مع الروس، لم يكونوا يعترفون بالمرجعية الدولية في كل المفاوضات، سواء كانت جنيف أو أستانة أو ميونخ وغيرها. ويشرح المصدر أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما “سايرت الروس إلى أن صدر القرار رقم 2254″، موضحاً أن روسيا دعت لاحقاً إلى أستانة، وكانت لديها ثلاثة بنود تسعى لتحقيقها: الأول عدم وحدة المعارضة، أي تحويلها لمعارضات. والبند الثاني، بحسب المتحدث، هو فصل “المعارضة المعتدلة” عن “غير المعتدلة” على أساس حضور مؤتمر أستانة، إذ تعتبر كل من لم يحضر أستانة إرهابياً. أما البند الثالث فهو تعديل مرجعية المعارضة السورية في أستانة. ويوضح أن الضغط الذي حدث قبل الذهاب ولا سيما القرار رقم 2336 الخاص بموافقة مجلس الأمن الدولي على اتفاق وقف إطلاق النار، لم يساعد روسيا في تعديل مرجعية المعارضة الذاهبة إلى أستانة، إضافةً إلى أنّها لم تتمكّن من الحصول على تسعة أصوات في مجلس الأمن.

ويشرح المصدر في المعارضة أن الروس لجأوا في أستانة إلى دفع المنظومة العسكرية في المفاوضات، لكن ما جرى أنه لم يتم الاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار في المحادثات، حتى أن وفد المعارضة لم يتحدّث عن أي اتفاق، لافتاً إلى أن الخطوة التالية لروسيا كانت تتمثّل في إنشاء منصّة عسكرية، وعسكر المعارضة “بلعوا هذا الطعم الروسي”، التي اكتفت بهذه الخطوة.

ويضيف المصدر: “اقترح الروس في أستانة 2 تشكيل لجنة لصياغة الوفد العسكري إلى جنيف، لكن الوفد رفض الفكرة”، مضيفاً أن الطرف الروسي يعتبر أنه بدأ الآن ينشئ علاقة ثقة مع القوى العسكرية في المعارضة لتساعده في المستقبل، واتضح ذلك في حرص ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أستانة، ألكسندر لافرونتيف، على إيصال رسالة للوفد العسكري في المعارضة مفادها “أن روسيا لا تتبنّى بشار الأسد ولا تدافع عنه، إضافةً إلى أنها لا تدافع عن أي أقليّة، وأنها ستقيم علاقة وثيقة مع جميع السوريين”، مشيراً إلى أنه قدّم تعهّداً بأن الطيران الروسي سيوقف قصفه، وسيعمل على إلزام النظام والإيرانيين بالهدنة. ويصف المصدر هذه النقطة بأنها دليل على أن الروس لا يملكون القرار الكامل، وهو ما يُبعد عنهم صفة الضامن.

ويشير إلى أن جلسات المفاوضات في أستانة أنتجت نوعاً من العلاقة بين المعارضة والروس، غير أنّها لم تنتج أي تغيير على الأرض في الملفات الثلاثة الأساسية، وهي “وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وملف المعتقلين”، موضحاً أن ثمّة تساؤلاً اليوم: هل أن موسكو غير قادرة على ممارسة نفوذها على النظام السوري والإيرانيين أم أنّها لا تريد أن تحقق تقدّماً في هذا المجال؟ ويضيف المصدر نفسه: “موسكو اليوم إيجابية لأنها تريد الذهاب إلى جنيف كلاعب أساسي في ظل انشغال الأميركيين وعدم جهوزيتهم، إضافة إلى أن روسيا لا تريد إفشال المفاوضات كونها لها مصلحة في الحل السياسي ولكن ضمن رؤيتها، التي تتضمّن إعادة تركيب مكوّنات المجتمع السوري، وإعادة تشكيل النظام السياسي وتشكيل المعارضة السورية”. ويصف الدستور الروسي بأنه نموذج لتقسيم المنطقة بأسرها، عبر ما يُسمّى بـ”الدولة الناضجة” والتي تؤدّي إلى استقلال مناطق بحدِّ ذاتها، مضيفاً: “هنا تكمن خطورة الموقف الروسي، لأنه يُعتبر تغييراً للهوية”.

تصاعد النفوذ الأوروبي

تفيد معلومات المصدر المعارض بأن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، سيركّز في جنيف على الملف السياسي من خلال البنود 12 و13 و14 من القرار رقم 2254، والتي تنص على مناقشة الحكم والدستور والانتخابات، مشيراً إلى أن دي ميستورا لم يلفظ كلمة الانتقال السياسي بشكلٍ مباشر لكنّ البنود الثلاثة تشير إلى ذلك. ويكشف أن المعارضة لن تذهب إلى جنيف لمناقشة وقف إطلاق النار والمعتقلين والملف الإغاثي، لأنها كانت مخصّصة للبحث في أستانة، وسيكون التركيز على البُعد السياسي في المفاوضات، موضحاً أن لدى المعارضة وفدين، الأول يقوده رئيس الائتلاف الوطني أنس العبدة، والذي شارك في مؤتمر الأمن الأوروبي، والتقى قبلها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت ودي ميستورا، وتمحورت اللقاءات حول استمرار الدعم الأوروبي لمفاوضات جنيف، بما في ذلك عملية الانتقال السياسي.

ويلفت إلى أنه في فترة أوباما، كانت الأدوار تقوم على أن الأميركيين يديرون الملف السياسي، في حين يتسلّم الأوروبيون الملف الإغاثي، لكن الأوروبيين تخلّوا في أواخر فترة أوباما عن الملف الإنساني واتجهوا لصالح الدور السياسي، ولا سيما فرنسا وألمانيا، متوقّعاً أن “يكون الدور الأوروبي متفاعلاً معنا، في حين أننا في مرحلة استكشاف دور واشنطن، ومدى انخراطها في الجانبين السياسي والعسكري”. ويوضح أن “ملامح الدور الأميركي ليست سلبية حتى الآن، والمعارضة تحاول التواصل مع الأميركيين لتصنيف المليشيات الإيرانية على أنّها منظمات إرهابية ودمجها مع المنظمات الإرهابية الأخرى”. ويكشف المصدر أن المعارضة السورية “تحاول استثمار الخلاف الأميركي – الإيراني للحصول على دعم أميركي، لأن المعارضة تحارب تنظيم داعش في شمالي سورية ضمن عملية درع الفرات، وتحارب المنظمات الإرهابية الإيرانية على جبهات أخرى من سورية”.

لا يتوقع المصدر في المعارضة السورية أن يكون الأميركيون ذاهبين إلى حرب مع إيران، “لكن إدارة دونالد ترامب تحاول إعادة صياغة الاتفاق النووي، لأن أوباما عندما أبرمه مع إيران منحها جائزتي ترضية: الأولى بالسماح لها بتصدير النفط إلى أوروبا وهو ما أزعج روسيا، والثانية أنه سمح لإيران بأن تكون ضمن منظومة أمن الخليج، وهي من أخطر الاتفاقات التي وقّعتها الولايات المتحدة، وشكّلت دافعاً لإيران للتوقيع”. ويشير إلى أن السعودية احتجّت بسبب اعتبار إيران جزءاً من منظومة أمن الخليج وقامت بإثارة موضوع السفارة السعودية في طهران والتي تعرّضت للهجوم، وهو أمر دفع بأوباما للرد وإثارة قانون “جاستا”، مشيراً إلى أنه تم تجميد شق المنافع الاقتصادية لإيران في السوق الأوروبية وجرى ترحيل الصراع مع السعودية إلى الإدارة الأميركية الجديدة.

دور إسرائيلي

ويكشف المصدر نفسه أن الدور الإسرائيلي دخل على خط هذه الأزمات بشكلٍ كبير، ويريد من الدول العربية أن تقدّم تنازلات على المستوى الفلسطيني، وعلى مستوى زيادة دعم الخليج للمنظومة الأميركية وزيادة التطبيع معها، وذلك مقابل تحجيم الدور الإيراني وخطره في الخليج، مشيراً إلى أن المطلبين الإسرائيليين حسّاسان جداً، وأن إسرائيل ستبدأ بالظهور بشكلٍ علني كلاعب أساسي وبشكلٍ صريح في الملف السوري، متخوّفاً من أن تهاجم إسرائيل لبنان خلال الفترة المقبلة، قائلاً: “عندما يتوفّر لإسرائيل دعم أميركي مطلق وتعاني من مشاكل عميقة على الصعيد الداخلي وظروف إقليمية مساعدة، فإنها تتّجه مباشرةً لشنّ حرب خارجية، ومن الممكن أن تكون الحرب على لبنان”. ويوضح المصدر أن “حزب الله” بدأ بسحب مجموعاته من الداخل السوري باتجاه لبنان، وبناء علاقة هادئة مع المعارضة المحيطة به في لبنان.

توقّعات سلبية للمفاوضات

وبالنسبة لمفاوضات جنيف 4 المرتقبة بعد أيام، يتوقع المصدر ألا تخرج بنتائج إيجابية، لكنه يوضح أن ذلك ليس شرطاً لاشتداد الصراع العسكري، مشيراً إلى أن فرصة التوصّل إلى اتفاق في جنيف 4 ضعيفة بسبب عدم وجود تفاهم روسي أميركي واضح حتى الآن، متوقّعاً أن يلجأ دي ميستورا انطلاقا من جنيف 4 إلى تحريك مجموعات عمل تشابه السيناريو الفلسطيني، وهي مجموعات منفصلة تناقش كلّ منها ملفّاً مختلفاً، كالدستور والمعتقلين وغيرها، وتستمر في النقاش إلى أمدٍ طويل. وحول المنطقة الآمنة، يرى أنّها معتمدة على تقاطعات الدول، إذ إنه من المتوقّع تعرّضها للهجمات في حال طرأ أي اختلاف، لكنه يشير إلى أن الطرف الأميركي إذا تدخّل بقوة فإن فكرة إنشاء المنطقة الآمنة ستنجح حتماً، قائلاً إن “ترامب لا يعمل من أجل ولايته الحالية فقط، وإنما لفترات مقبلة، سواء استمر بولايته الحالية أم لم يفعل، وسواء ترشّح لولاية ثانية أم لم يترشّح”.

العربي الجديد

 

 

 

 

جنيف 4″.. المحكوم بالفشل/ مازن عزي

تعقد وفود من النظام والمعارضة السورية، مباحثات غير مباشرة (وربما تشهد جلسة مباشرة)، برعاية دولية وإقليمية، في جنيف، للمرة الرابعة خلال السنوات الماضية. المفاوضات السابقة، فشلت جميعها، ولا يتوقع أن تُحدث المفاوضات الحالية خرقاً في المسار السياسي للقضية السورية. فالمشكلة تتعدى عقد المفاوضات إلى إمكانية حدوث تسوية بين الطرفين، الأمر الذي لا يبدو احتمالاً قائماً.

الأزمة الأولى، التي تعيق إمكانية التوصل إلى تسوية تقلل من سلطوية النظام وتحقق جزءاً من مطالب الثورة، ظاهرة وبديهية، إذ تتعلق بتخارج اللاعبين السوريين. فاعتماد الفاعلين العسكريين المحليين على قوى إقليمية ودولية، جعل من أجندات تلك القوى، أكثر حضوراً على الأرض السورية. في بعض الأحيان باتت الأطراف المحلية منفذة بالكامل لاشتراطات الخارج. وإذا كانت الدول الداعمة للمعارضة، قد خففت مؤخراً من شروطها في ضوء انتصارات المعسكر الإيراني-الروسي، بل ودُفِعَت بعض الفصائل للمشاركة في مؤتمرات جانبية على هامش “جنيف 4” مثل “أستانة 1” و”أستانة 2″، فإن تصريحات روسيا وإيران تزداد تعنتاً مع اعتبار أن التفاوض على منصب رئيس الجمهورية وصلاحياته وشخصه، هي أمور غير قابلة للتباحث. وإذا كان التنازل والبحث عن تسويات بينية، من شروط نجاح المفاوضات، فإن التصعيد برفع سقف الشروط ووضع خطوط حمر يغدو مقتلة للفكرة برمتها.

من جانب آخر، لا يبدو النظام كتلة واحدة، ولا المعارضة كذلك. فتوزع الولاءات وتعدد الداعمين، فتت الفاعلين المحليين. النظام يبدو منقسماً بين مشايعي إيران وموالي روسيا، في العموم، وقواه العسكرية بدورها ثنائية المشارب والأجندات؛ من المليشيات الإيرانية وما لف لفها من “الدفاع الوطني”، إلى القوات الخاصة الروسية و”الفيلق الخامس”.

العميد قيس فروة، من مرتبات “الحرس الجمهوري”، وفي تصعيد عسكري جديد، وضع المعارضة في حيي القابون وبرزة الدمشقيين، الجمعة، بالتزامن مع عقد أول جلسات “جنيف 4″، أمام أكثر من سيناريو ليختاروا ما يرونه مناسباً: وادي بردى، أو داريا، أو أي منطقة خضعت للتهجير أو “المصالحة”. الغريب في عرض فروة، هو صدوره في هذا التوقيت، عن جهة من النظام موالية لروسيا، الراعي الرسمي لـ”وقف إطلاق النار” بكل صيغه المنهارة، وكذلك أحد رعاة “جنيف 4”. ومروحة الخيارات التي قدّمها فروة، هي بالضرورة، إما نموذج روسي يشترط عودة مؤسسات “الدولة” وتهجير رافضي “التسوية” وانتساب المتبقين إلى قوات النظام، أو نموذج إيراني يتمثل في التهجير الكلّي والإبادة. النموذجان سبق وإتحدا في معارك حلب الشرقية، وتهجير سكانها نهاية العام 2016. طرق تحقيق هذه الخيارات متماثلة، عبر التصعيد العسكري، الحصار والتجويع، دائماً.

المعارضة المسلحة بدورها، تبدو مشتتة للغاية، مئات الفصائل تبحث عن مظلات أوسع، وتمويل وتسليح أفضل. ويمكن تصنيف المعارضة المسلحة ضمن ثلاثة اتجاهات عامة؛ الجيش الحر، والإسلاميون المعتدلون، والإسلاميون المتطرفون. ومع تراجع الدعم الخارجي للجيش الحر، باستثناء “درع الفرات” في ريف حلب الشمالي الشرقي، تتمركز القوى الراهنة بين تياري الإسلاميين، والذين تمثلهم بشكل عام؛ “أحرار الشام” و”هيئة تحرير الشام”. الجيش الحر ضاع بين هذين التصنيفين، في إدلب وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي. المجازر الأخيرة التي ارتكبها “لواء الأقصى”، داعشي الهوى، ضد “جيش النصر” أودت بحياة العشرات، قبل أن تؤمن “هيئة تحرير الشام” طريق خروج لـ”لواء الأقصى” إلى الرقة.

التمثيل السياسي لأشتات النظام والمعارضة، يبدو إشكالياً، مع تدخل الخارج لفرض معارضات سياسية أخرى لا ثقل عسكرياً ولا شعبياً لها على الأرض. أزمة الثقة بين الحلفاء؛ إيران وروسيا والنظام، وجدت صداها في انفراط جميع محاولات “وقف إطلاق النار”، ما يفترض أنه مقدمة لأي حل سياسي. إلا أن تفاوت أولويات الأهداف بين الأطراف الثلاثة، لا يجد طريقه إلى وفد النظام المفاوض في “جنيف 4” الذي يبدو متماسكاً بأجندة واحدة. ومع ذلك، لا يمكن إغفال النزاعات ضمن المعسكر الواحد.

أي عملية انتقال سياسي، من نظام استبدادي، إلى آخر أكثر ديموقراطية، يفترض أن يقودها معتدلو النظام، بالتعاون مع بعض أطراف المعارضة، ضمن اتفاق الطرفين على تحييد القوات المسلحة. حمائم النظام يخوفون المعارضة بالصقور، والمعارضة تقنع القوات المسلحة بالتنصل من أفعال القوات الخاصة والأجهزة الأمنية مقابل تحييدها وابقائها في السلطة. تلك تفاصيل أساسية يمكن وصفها باتفاقات صغرى، ضمنية أو علنية، لفتح الباب أمام التغيير، والحؤول دون انقلاب يقوده الصقور يُعيد عقارب الساعة إلى الوراء. النظام في سوريا قام بعملية تطهير واسعة للمعتدلين من صفوفه منذ بداية الثورة. وعدا الإنشقاقات، فإن تصفية “خلية الأزمة”، قد تكون لحظة مفصلية في التصفيات الداخلية لأجنحة النظام، والتي أبقت الساحة من بعدها، للصقور المدعومين إيرانياً.

الشرط الأول للانتقال السياسي، وهو تعميق الشرخ بين معتدلي ومتشددي النظام، حسَمه المتشددون منذ البداية. منذ تلك اللحظة، بدا الحل السياسي أشبه بوهم، في ظل تمسك الصقور بمعادلة كل شيء أو لا شيء. ومن جهة أخرى، لم يعد ممكناً، بعد دخول القوات المسلحة في عمليات إخماد الإنتفاضات المحلية السورية، وتورطها في العنف المسلح، البحث عن دور لحيادها.

المعارضة السياسية تعكس حال التشتت والوهن، لمعسكر الثورة. فـ”الهيئة العليا للمفاوضات” المنبثقة عن مؤتمر الرياض نهاية العام 2015، باتت مجبرة على إدخال المزيد من العناصر إلى وفدها المفاوض. وعملية الضمّ هذه، تتم من يمينها؛ “منصة موسكو” و”منصة القاهرة”، ومن يسارها؛ الفصائل المسلحة. ووفد المعارضة الذي يسعى “المبعوث الدولي إلى سوريا”، إلى تشكيله، يفترض أن يضم مجموع المعارضات، بعد الإشكاليات التي رافقت ضمّ ممثلي “منصة القاهرة” و”منصة موسكو” إلى “وفد جنيف 4″، الذي اقترحته “الهيئة العليا للمفاوضات”.

وهنا يمكن التمييز بين نوعين من المعارضة؛ معارضة كلية، تريد تغيير النظام واستثناء الأسد وفريقه مع نهاية المرحلة الإنتقالية وتمثلها “الهيئة العليا للمفاوضات”، ومعارضة جزئية تريد التوصل إلى تسوية تبقي النظام ورأسه، مع تغيير بعض سماته، وتمثلها “منصة القاهرة” و”هيئة التنسيق”. ومن مروحة المعارضات المتبقية، هناك مجموعة يمكن توصيفها بالانتهازية، وتشمل “منصة موسكو” و”تيار بناء الدولة”، والتي ترضى بالحصول على أي تنازل من قبل النظام.

خريطة المعارضات السابقة، تستبعد الفاعلين المعارضين الأكثر أهمية على الأرض، وهم الإسلاميون المعتدلون والمتطرفون. وإذا كان حضور “جيش الإسلام” في وفد “جنيف 4” ممثلاً عن الإسلاميين المعتدلين، فغياب “حركة أحرار الشام الإسلامية” لا يمكن وصفه إلا بالجوهري، بسبب نفوذها وحضورها على الأرض.

الإسلاميون المتطرفون، مستبعدون بطبيعة الحال، ولكن هل يمكن إقامة أي نوع من الإتفاق الدائم، من دون التواصل مع “هيئة تحرير الشام”؟ السؤال يحوز مشروعية كبيرة، خاصة إذا كانت هناك نية حقيقية للوصول إلى تسوية. و”هيئة تحرير الشام” (تضم “جبهة فتح الشام” المصنفة إرهابية) تسيطر على مناطق واسعة في أرياف إدلب وحلب وحماة، وكان بعض فصائلها، طرفاً مفاوضاً محلياً في العديد من اتفاقات التبادل مع “الحرس الثوري الإيراني” و”حزب الله”. فإذا كانت إمكانية التفاوض على المستوى المحلي قائمة، لماذا يتم رفض ذلك على مستويات أخرى؟ فـ”حزب الله” الشيعي، والمصنف إرهابياً بدوره، يماثل “هيئة تحرير الشام” السنية، في العقيدة والقوة، إلا أنه عنصر فاعل في الحكومة اللبنانية، وقواته تجتاح سوريا بغطاء روسي-إيراني. أداة “التكفير” بـ”الإرهاب”، قد لا تكون فاعلة، في ظرف معقد كالحرب في سوريا. فاستثناء أطراف فاعلة، مهما كان “تقييمنا” لها، يحمل بذور الفشل لأي اتفاق.

ورغم أن لعبة “الضم” و”الإقصاء”، ستأخذ وقتاً، قبل أن تتحدد أحجام الأطراف وقوتها، ضمن عملية الانتقال السياسي، إلا أن توافقاً أولياً يجب أن يتم بين الأطراف كافة، على ضرورة “اللعب ضمن القواعد” المتفق عليها، ضمناً أو علناً. وجود أطراف قادرة على قلب الطاولة، في أي لحظة، هو مقتل رئيسي للتفاوض، ولذا يجب توسيع دائرة الضم، وخفض عدد المستبعدين الأقوياء إلى حدوده الدنيا.

فشل “جنيف 4” ليس قدراً للأسباب السابقة فقط، ولكن أيضاً لعنصر جوهري غائب: انبعاث المجتمع المدني، القادر وحده على توسيع الحيّز الديموقراطي المتفق عليه في مخرجات المفاوضات. فإذا كانت الثورة السورية، قد تمكنت من بثّ الحياة في السياسية اليومية، وأعادت الفضاء العام ليكون هاجساً للجميع، فإن نتائج الحرب تبدو مخيبة للآمال. ففي مناطق النظام، تسيطر المليشيات، وعاد الشأن العام محتكراً من قبل “الدولة”، يُمنع التعاطي به إلا من قبل أفراد لا يجوز اجتماعهم ولا تنظيمهم. هنا سُحبت السياسة مجدداً من المجتمع. الأمر ما زال مختلفاً في مناطق المعارضة، فالمجتمع المدني فاعل وبقوة، رغم الهزات التي يتعرض لها، وعسف الإسلاميين المتطرفين. الجمعة، تم إيقاف بثّ برنامج على “راديو فريش” في الشمال السوري بعد تهديد “هيئة تحرير الشام” القائمين عليه. حادثة ليست الأولى ولا الأخيرة، إلا أن الإندفاعة الأولى للثورة، ما زال في الإمكان مشاهدتها في ريف حلب الشمالي والغوطة الشرقية وحوران.

الطريق من الشمولية إلى الديموقراطية، ليس مستقيماً، ولا غير قابل للعكس. الغموض الذي يحيط بالعملية الانتقالية، وتعدد مخرجاتها، هي أمور طبيعية. ومجموع الاتفاقات والتسويات البينية بين الأطراف، إن تمت من دون تدخل خارجي وحرب بالوكالة، هي ما يمكن أن تتحول إلى تفاهم واسع، يمكن جمعه في “الدستور”. حالياً، بالنسبة للقضية السورية، هذا الإنتقال لا يبدو ممكناً.

المدن

 

 

 

 

ملاحظات حول الجولة الرابعة من المفاوضات/ د.رياض نعسان آغا

– لا أتوقع  أن تحقق الجولة الرابعة (الراهنة) من مفاوضات جنيف أي تقدم على طريق الحل السياسي المنشود.

– النظام يتابع الحسم العسكري وهو غير معني بجدية المفاوضات، وهو يحضرها ليظهر أمام العالم باحثاً عن السلام، لكنه على الأرض يتابع أسلوب المصالحات والتهجير القسري، وهو والإيرانيون لم يلتزموا  بوقف إطلاق النار، والروس يساعدونهم رغم ما يعلنونه من رغبة بتثبيت الهدنة كما فعلوا في آستانة، بينما طائراتهم لم تتوقف عن القصف.

– ديمستورا يدرك أنه لن يحقق أي تقدم في جنيف وقد قال ذلك، وهناك أحاديث في الكواليس عن كون هذه الجولة آخر مهمة له، فالروس غاضبون عليه رغم أنه نفذ أوامرهم وحقق مطالبهم لكن بعد تردد تابعناه.

– يبدو لي أن ديمستورا كان يريد أن يرى المعارضة وفداً واحداً، وأحسب أنه كان يريد استبعاد المنصات التي لم يشر إليها قرار مجلس الأمن 2254 لكنه حرص على أن يكون هناك ممثل لمنصة القاهرة وممثل لمنصة موسكو وقد لبينا طلبه.

– الروس رفضوا أن تمثل موسكو بشخص واحد فقط، مع أن مجموعة موسكو ليس فيها  أكثر من شخص واحد بارز، وكذلك رفضت منصة القاهرة تمثيلها بممثل واحد، ورغبت أن يكون لها ثلاثة ممثلين ومستشاران.

– حين شكلنا وفد الهيئة الذي ضم ممثليْن عن موسكو والقاهرة، قبله ديمستورا وأثنى عليه، ولكنه سرعان ما وجه دعوات للمنصات الأخرى، وبهذا شتت ديمستورا المعارضة وحفزها على أن تكون وفوداً.

– بعد أن قام ديمستورا بتشتيت المعارضة وبدعوة المنصات بشكل متنافس، دعا المعارضة أن تظهر في وفد واحد في الجلسة الافتتاحية في جنيف، ليضم من يطالبون ببقاء الأسد مع من يطالبون برحيله.

– حين رفض أعضاء الهيئة هذا الخليط من المعارضات، وبعضها أقرب إلى الموالاة، هدد ديمستورا بأن الأسد سيدمر إدلب كما دمر حلب، وأن عليهم أن يقبلوا الجلوس معاً ليساعدهم على نجاح المفاوضات.

– من وجهة نظري الشخصية، أرى ما حدث فخاً لعبه ديمستورا ليربك المعارضة، ويدخلها في جدلية تناقضات تجعل النظام يقول (مع أي معارضة سنتفاوض؟).

– يحاول ديمستورا أن يرضي الجميع بالكلام، قال قبل جنيف إنه سيبحث الدستور (الروسي!!) والانتخابات، وإن أي تغيير في برنامج التفاوض سيفتح باب الجحيم، لكنه في جنيف قال إنه سيبحث الانتقال السياسي، معبراً عنه بالحوكمة.

– الفجوة واسعة في الغموض البناء الذي يصطنعه الآخرون لبيان جنيف، وقد صيغ بهذه الطريقة كي يكون ملعباً للاحتيال السياسي على الكلمات.

– يريد الروس ما يريده النظام (حكومة وحدة وطنية) يقودها الأسد ويمكن التكرم بمقاعد وزارية يختارها الأسد لمن يراهم معارضين لطفاء، ثم يعلن أنه حقق الحسم السياسي وليس العسكري.

– نحن في الهيئة العليا للمفاوضات مصرون على متابعة المفاوضات وعلى السعي الدؤوب للوصول إلى حل سياسي حقيقي وليس تجميلي.

– لابد من أن تنضج الإرادة الدولية وتقتنع بأن أي حل ينتقص من إرادة الشعب السوري لا أمل له في الاستمرار ولن يوقف شلال الدم.

– أما التوجه لمحاربة الإرهاب الدولي مع بقاء إرهاب الدولة المنظم ضد الشعب السوري فلن يحقق نهاية وخلاصاً جاداً من الإرهاب.

– لن يتنازل وفد الهيئة العليا عن شيء مهما صغر من مطالب الشعب التي عبر عنها بيان الرياض.

– هناك حملات إعلامية وعلى صفحات التواصل هدفها تشويه صورة الوفد، وأنباء كاذبة عن تنازلات وتصريحات لاصحة لها على الإطلاق.

الفيحاء نت

 

 

 

لاءات المعارضة لن تنفعها في جنيف/ ثائر الزعزوع

لا يمثل القول إن ثمة حلا سياسيا لـ”الأزمة السورية” قد يتمكن مؤتمر جنيف 4 من وضع أسس له سوى ذر للرماد في العيون، طالما أن شكل ذلك الحل وطرق تجسيده واقعا ليسا موجودين أصلا. بل إنه سيظل حبرا على ورق شأنه شأن أطنان من التصريحات التي أطلقت خلال السنوات الماضية، والتي اصطدمت بواقع متغير على الأرض لا يمكن التكهن بما سوف يؤول إليه أو على أي شاطئ سوف يرسو.

وبمقدار ما يبدو مثل هذا الكلام مجازيا، إلا أننا لو تأملنا الخارطة العسكرية في سوريا، وخاصة خلال السنة الأخيرة، ستصدمنا حقيقة أن مساحة الثورة باتت ضيقة، وأن ما يسمى بالمناطق المحررة تضاءل حتى كاد يتآكل. ويمكننا أن نستثني محافظة إدلب وبشكل مؤقت فقط، والتي يبدو وضعها قلقا، بسبب الاقتتال المتواصل بين الفصائل المتحكمة فيها والتي يحاول كل منها الانتصار والتفرد بالقرار، وصولا إلى إعلان المناطق التي سوف تسيطر عليها إمارة وربما إمارات إسلامية، طالما أن بعض تلك الفصائل أصلا، وخاصة التي تمتلك ترسانة الأسلحة الأكبر، هي ذات طبيعة لا تختلف كثيرا عن تنظيم داعش، وإن اختلفت عنه ومعه في بعض التفاصيل الثانوية، لكنها بالمقابل لا تمثل الثورة السورية، وهي لا تبدو مبالية بإسقاط النظام في حال استطاعت التوصل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد معه، برعاية أممية أو سواها. ودون أن ننسى أن محافظة إدلب كانت وما زالت تنتظر أن يكون مصيرها مثل مصير جارتها حلب.

بمقدار ما يمثل هذا الكلام عامل إحباط لجمهور الثورة، إلا أنه يترك الباب مفتوحا أيضا لمراجعة سياسية شاملة ينبغي على قوى المعارضة السورية إجراؤها سريعا وترتيب أولوياتها وربما التخلي عن لاءاتها التي تنوء بحملها وخاصة في ظل انعدام أي دعم فعلي لها، فيما يعيش نظام دمشق مطمئنا بحماية داعميه، وخاصة قبل أن تتدخل الولايات المتحدة لتنفيذ مشروع الرئيس ترامب والذي يسعى من خلاله لإنشاء مناطق آمنة، تخفف حدة الموقف، نظريا، لكنها بكل تأكيد سوف تساهم في تقسيم الجغرافيا السورية المقسمة أصلا إلى دويلات، قد يكون تجميعها لاحقا أمرا في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا، في حال لم يتم إسعاف الوضع السوري بحلول أممية تضع حدا للعنجهية الإيرانية الروسية، وهذا هو المهم، برأينا، لأن الحديث عن النظام السوري واعتباره طرفا مؤثرا في ما يحدث يجافي الحقيقة ولا يتطابق مع واقع الحال، فهو مجرد جهة منفذة للقرارات التي تصل إليه من موسكو أو من طهران، وإن كان يفضل طهران نظرا للترابط الكبير بينهما، إلا أن وجود روسيا على الأرض حوّلها من داعم سياسي، إلى صاحب قرار عسكري، بل ويمكن النظر إليها على أنها صاحبة الكلمة الفيصل في ما يمكن ترتيبه لاحقا.

ولا نقصد بكلامنا أن تتخلى المعارضة عن لاءاتها، التي تذكرنا بلاءات العرب الشهيرة في أعقاب قمة الخرطوم 1967 والتي لم يبق من أثرها شيء الآن، الخضوع للاشتراطات الروسية الإيرانية والتسليم بأن رأس النظام يمكنه البقاء إلى “الأبد” حاكما لسوريا، ولكن على الأقل الوصول إلى صيغة حلّ تقريبية تكون كفيلة بوضع حد للمعاناة السورية بالدرجة الأولى من خلال رفع الحصار عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وإطلاق سراح المعتقلين، والحدّ من تغوّل الجماعات المتطرفة التي باتت تشكل خطرا كبيرا على مستقبل ما تبقى من سوريا شعبا وجغرافيا أيضا. هذا دون أن ننسى أن معالجة قضية الميليشيات الطائفية التابعة والموالية لطهران، وربما التمكّن من إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية، قد تشكل انتصارا ساحقا ستنعكس نتائجه على الأرض مباشرة، ما يعزز موقف ما تبقى من فصائل ثورية أو من فصائل ما يعرف بالمعارضة المسلحة، وهي تلك الفصائل التي ما زالت، رغم قلة حيلتها، تمثل ما يمكن اعتباره حلم السوريين الثائرين، بل إننا نعتقد أن الضغط باتجاه محاربة تلك الميليشيات بأجندتها الإيرانية الواضحة، هو أكثر جدوى في الوقت الحالي من حديث عن ضرورة تنحي الأسد عن السلطة، وهو حديث تدرك المعارضة سلفا أنه لم يعد يجدي نفعا، وهو يصبّ في مصلحة النظام بالدرجة الأولى فهو يستطيع برفض مثل هذا الطلب “التعجيزي” إفشال هذه الجولة كما أفشل ما سبقها من جولات.

وحتى يتحقق شيء من هذا فإن آلة القتل الهمجية مستمرة في حصد أرواح المدنيين بالدرجة الأولى، بأسلحة إيرانية وروسية، فهل تفرض مفاوضات مدينة جنيف السويسرية الآمنة وقفا لإطلاق النار يمنح ما تبقى من السوريين أملا في أن يبصروا شمس اليوم التالي؟

كاتب سوري

العرب

 

 

 

 

أولمبياد جنيف السوري/ شورش درويش

تبقى قولة الاستراتيجي الألماني كلاوزفيتس “الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى” التعبير المقتضب، والوحيد الذي يمكن اقتباسه لوصف الاستعصاء السوري المديد، والكلام الأوضح لفهم موقف القوى الدولية والإقليمية الساعية إلى حل سياسي، بالاتكاء على وسائل عسكرية.

بات واضحاً أن شكل التمثيل المعارض في جنيف 4 يعكس زاوية النظر الدولية الجديدة للأزمة السوريّة، والتي هي خليط سياسي وعسكري، فقد سبق أن حاول المجتمع الدولي إخفاء العسكري (المعارض) لصالح السياسي من دون جدوى، فبموجب قواعد الحرب الدائرة، رضخ المجتمع الدولي إيّاه لفكرة وجوب أن يجلس العسكريون إلى جوار السياسيين، متجاوزاً بذلك الحالات السابقة، ولعل مفاوضات أستانة التي أنتجها التقارب الروسي – التركي شكّل همزة الوصل بين جنيف الفائت وجنيف الجاري، من حيث رسم شكل الوفد المعارض، وبالتالي طبيعة النقاشات العمليّة المتوقعة فيما خص الهدنة والأعمال العسكرية. ولا يجانب واحدنا الصواب في القول إن تحوّل قبول حضور المعارضة المسلحة ومشاركتها يمثّل، في أحد أوجهه، إغراءً روسياً مكشوفاً للفصائل المسلحة التي وصفتها موسكو يوماً بأنها “إرهابية”، لحضور محادثات جنيف 4، حيث عبّرت روسيا، صراحةً، بوجوب إشراك العسكريين من المعارضة في محادثات جنيف، بتمثيل صحيح إلى جوار السياسيين، ما شكّل ملمحاً جديداً في محاولة تفكيك الانسداد السياسي وحلحلته في الجولات السابقة من المفاوضات.

وفي ما يشبه قول نبوءة ما، عبّر المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، في مؤتمر ميونخ الأمني أواسط فبراير/ شباط الجاري، عن نظرته التشاؤمية بقوله إنه لا يستطيع القول إن محادثات جنيف ستنجح، وكذلك صراحته بشأن غموض الموقف الأميركي من الحل السلمي، وعدم إبداء رأي واضح إزاء الوضع الراهن، ما يعد من العقبات المنتظرة.

يبدو أن كثيرين أخطأوا في توصيف العلاقات الروسية – الأميركية بأنها تسير وفق إيقاع منضبط مع وجود إدارة ترامب، ويبدو أن كثيرين أفرطوا في تحليل مجريات مفاوضات أستانة ونتائجها بأنها محادثات روسية – تركية بقبول أميركي على مضض، فيما خص نتائجها، كان يحمل الاستعجال وإطلاق الأحكام المسبقة حول الدور الأميركي في سورية الذي لا يُفهم منه سوى العنوان الرئيسي، وهو محاربة تنظيم داعش، بينما تختفي باقي العناوين الأميركية، أو يصعب تقديرها.

يُفهم من الاستعجال الروسي رغبة موسكو الوصول إلى صيغ تضع حداً لدورها العسكري في سورية، وأنها تخشى عواقب استمرار الحرب التي دخلتها، فقد تحدث مفاجآت. لذا تتبدى الأولوية الروسية الآن في محاولة تفكيك القوى المعارضة المسلحة وفق ثنائية الثواب والعقاب، ووفق منطق تقسيم الفصائل المسلحة واحتوائها، يُضاف إلى ذلك عدم إصرار روسيا على إشراك المعارضة التي تتبع في هواها موسكو، كحال منصة موسكو، وغيرها من الأطراف المتكئة على الدعم الروسي، في مشهدٍ يؤكد أن أولوية موسكو في جنيف هو الحديث عن مسرح الأعمال العسكرية والهدنة وإعادة تحديد الفصائل التي يستوجب قتالها. في مقابل ذلك، يعكس التباطؤ الأميركي رغبة في عدم إخراج روسيا ظافرة على طاولة المحادثات، كما يرمي إلى تفكيك الروابط الروسية التركية الناشئة، لكن الهشة، إضافةً إلى حشر إيران في أضيق الزوايا الممكنة.

الغالب على الظن أنَّ “جنيف” لن يركّز على السير نحو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 بعناوينه العريضة (شكل الحكم الأمثل، الدستور، الانتخابات) بقدر ما سيركّز على تثبيت وقف إطلاق النار الهش، وتوسعته، ليكون جنيف تكراراً لأستانة. وتبقى العقبات القديمة حاضرةً، فبموجب موقف أهل النظام سيتم الإصرار على بقاء الأسد وتحريم النقاش عن رحيله، وكذلك تحويل كل قرار “أممي” بخصوص الأزمة السورية إلى قرار “وطني”، أي أن مسائل الدستور والانتخابات يجب أن يقرّها السوريون بالطريقة التي يريدها النظام، ما سيسمح للنظام الإمعان في مسلكه القائم على تفريغ قرار مجلس الأمن 2254 من مضمونه، الأمر الذي سترفضه المعارضة مجدداً، لتبقى ورقة الهدنة الوحيدة القابلة للنقاش. ومع ذلك، لن يفوّت النظام الحديث عن مسائل محاربة “الإرهاب”، في مقابل مطلب المعارضة انسحاب المليشيات الطائفية المؤازرة للنظام وغيرها من نقاط سيحاول الطرفان تسجيلها وعدم التراجع عنها، مهما كلف الأمر.

ستبقى قاعدة “الحرب امتدادٌ للسياسة…” سارية إلى أن تقرّر السياسة وضع حدٍ للحرب. وإلى ذلك الحين، سيبقى السوريون الفريق الوحيد الخاسر، مهما تعددت المباحثات التي باتت كحال أولمبيادٍ يفوز فيها كل المتنافسين، بينما يبقى السوريُّ الخاسر الوحيد.

(كاتب سوري)

العربي الجديد

 

خلط أوراق في جنيف -4/ وليد شقير

يتبرم ستافان دي ميستورا منذ أسبوعين من أن لا وضوح لديه حول الموقف الأميركي، وحول غياب التفاهم الأميركي الروسي في شأن جنيف-4، ما دفعه إلى استبعاد حصول اختراق في المحادثات مع بدء المفاوضات أمس.

وبصرف النظر عن أجندة التفاوض في جنيف التي غاب عنها عنوان المرحلة الانتقالية، الجوهر الفعلي للقرار الدولي الرقم 2254، أي المرحلة الانتقالية في الحكم المقبل في سورية، فإن بكائية دي ميستورا على افتقاد التفاهم الروسي الأميركي لا تعني سوى أن خلطاً للأوراق حصل قبل التئام المفاوضات الرابعة حول الحرب السورية. وهو خلط يستمر في التمظهر مع بدء جنيف-4.

ليس الموفد الدولي إلى سورية وحده المربك نتيجة افتقاد الوضوح في المعادلة الدولية التي تظلل جنيف، بل إن كل دول العالم تنتظر اتضاح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، بما فيها روسيا فلاديمير بوتين التي كانت تتوقع مرحلة تعاون مع أميركا دونالد ترامب. ومع أن إدارة الأخير ما زالت تدعو زوار واشنطن إلى ترقب بعض التقارب مع موسكو، فإن المقدمات التي تسبق هذا التطور تبنئ بأنه لن يتم في شكل أوتوماتيكي. وفريق ترامب لا يفوّت مناسبة لانتقاد سياسة روسيا في أوروبا وأوكرانيا. وزيارتا نائبه مايك بنس وقبله وزير دفاعه جيمس ماتيس للحلف الأطلسي لتأكيد استمرار التعاون معه، على رغم الخلاف حول دفع حصص دول أوروبا من تمويله، تستدعي النقزة الروسية. والمواقف الأميركية المتشددة إزاء حليفة موسكو «الإستراتيجية»، إيران، مصدر إحراج لروسيا في العلاقة مع الحليف.

أما في سورية، فإن خلط الأوراق يقوض الأسس التي أطلقت المرحلة الجديدة للتفاوض على الحلول تأسيساً على استعادة التحالف الروسي السوري الإيراني حلب من المعارضة، مع «تواطؤ» تركي، ثمنه الحد من توسع «قوات سورية الديموقراطية» في شمالها. هذا أنتج في اجتماعات آستانة، برعاية روسية تركية إيرانية، وقف النار الهش، وإطلاق الحل السياسي.

إلا أن هذا التعاون الثلاثي ما لبث أن أصيب بتصدعات نتيجة الهجوم الأميركي على إيران، والذي يشمل رفض رجال ترامب وحليفتهم المحظية، إسرائيل، استمرار وجود إيران في سورية وكذلك الميليشيات الحليفة لها، العراقية و «حزب الله»، إضافة إلى اندفاع إدارته نحو مزيد من العقوبات ضد طهران ومواجهة تدخلاتها في دول الخليج العربي.

دفع ارتفاع نبرة واشنطن خلافاً لتساهل إدارة باراك أوباما، القيادة الإيرانية إلى الاستنفار والتمسك بأوراقها السورية، بموازاة محاولات فتحها ثغرات ديبلوماسية بطرح الحوار مع دول الخليج. وهي احتاجت في الأسابيع الأخيرة إلى مشاركة قوات النظام في خرق وقف النار، واحتلال المزيد من المناطق وطرد المعارضة منها، خلافاً لاتفاقات آستانة، إما استباقاً لتفاهم أميركي- روسي على حسابها، أو لتحصين موقعها إزاء أي اندفاعة أميركية -إسرائيلية ضدها (قصف الطيران الإسرائيلي مستودعات صواريخ في القلمون). أما التصدع الثاني في التعاون الثلاثي فكان عودة تركيا إلى اتهام إيران بأنها تسعى إلى السيطرة على المنطقة وسورية، ما أطلق حملات إعلامية متبادلة. لكن اتباع طهران خطوات ميدانية مستقلة بالتعاون مع قوات النظام، أفقد موسكو صدقيتها في الحفاظ على وقف النار الذي أرادته ثابتاً من أجل تثمير إنجازاتها العسكرية في الحل السياسي. ومن الطبيعي أن تطلق عودة التمايز التركي عن طهران، معطوفة على تقارب أنقرة مع واشنطن، تحت عنوان العمل على إقامة مناطق آمنة في سورية، قلق موسكو. فهي لطالما عارضت هذه الخطوة مشترطة التعاون مع النظام، الذي سال لعابه حيال واشنطن، متجاوزاً التناغم مع الإيقاع الروسي في الانفتاح على الأميركيين، فأخذ يعد ترامب بالتعاون معه، تحت عنوان محاربة الإرهاب. واكب كل ذلك تقارب سعودي تركي أعاد طرح اقتراح الرياض المشاركة بقوات سعودية خاصة للمساهمة في تحرير الرقة من «داعش»، والتي يتهيأ الأميركيون لإرسال قوات على الأرض للمشاركة فيها أيضاً، بعد توسيع بنية وجود جنودهم في الشمال.

في المقابل سعى النظام إلى استباق دعم ترامب دوراً أردنياً في جنوب سورية لمحاربة «داعش»، عبر قصف الطيران الأردني مواقعه بعد طول غياب. وللحؤول دون استثمار صلات عمّان مع بعض تشكيلات «الجيش السوري الحر»، شن نظام الأسد هجوماً على الأخير، مترافقاً مع العودة إلى لعبة التقاطع مع هجمات «داعش» نفسها على مناطق المعارضة المعتدلة في ريف درعا الغربي، خلافاً للوعد بمحاربة «الدولة الإسلامية».

ملامح التموضعات الجديدة في الميدان السوري تخالف المعطيات التي استندت جنيف -4 إليها. وتقلبات الملعب السوري تخفّض التوقعات مجدداً، فضلاً عن رمزية رئاسة بشار الجعفري السلبية لوفد النظام.

الحياة

 

جنيف 4″… التفاوض إلى أين؟/ حيّان جابر

تنعقد جولة مفاوضات سورية جديدة في جنيف، تترافق مع تجدد آمال السوريين وتطلعاتهم في إيقاف القتال وإنهاء جميع أشكال الحصار، وإطلاق سراح جميع المعتقلين أو جزء كبير منهم من المعتقلات والسجون السورية السرية والتابعة بشكل مباشر للنظام، أو تلك التابعة للمليشيات الموالية له، إلا أن الآمال والتطلعات الشعبية في تحقيق حل سياسي يشكل مقدمة لتضميد الجراح ولملمة الشتات والأحزان باتت شبه معدومة، نتيجة غياب البحث في الحلول السياسية التي تدفع السوريين إلى الخلاص من جميع أشكال الاحتلال الدولية والإقليمية والجهادية والمحلية، والتي تمثل أولى الخطوات لبناء الوطن السوري الجامع لجميع أبنائه.

فمن الواضح أن الشعب السوري قد لمس خلو المفاوضات المزمع عقدها من البحث في متطلبات جميع مكوناته ورغباتهم، لحساب طرح تطلعات ورغبات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ورغباتها بشكل مباشر أو غير مباشر في الساحة السورية، حيث باتت هذه الجولات التفاوضية تعكس، وبشكل فج، الاستبعاد الدولي للسوريين عنها، سواء من الأطراف الداعمة للنظام السوري، وخصوصا الروس، وبشكل أقل فجاجة الإيرانيين، أو من الأتراك، وكذلك تعكس الرغبة الدولية في استحضار بعض الشخصيات والأطراف فقط عند الحاجة لإضافة بُعد سوري للمفاوضات الجارية، وخصوصاً في المفاوضات ذات الرعاية الدولية، والتي شكلت العصب الرئيسي للمفاوضات ذات الرعاية الأممية المزمع عقدها في جنيف.

إذاً هي مفاوضات دولية على سورية أو حولها، و لمزيدٍ من الدقة هي مفاوضات عمادها

“جلسات تفاوض بعناوين دولية أو أممية، لكنها جميعها ذات مضمون روسي” السيطرة والإرادة الروسية، فقد بات النجاح في عقد مفاوضات لحل الأزمة السورية أو في استقراء نتائج هذه المفاوضات مرتبطاً بشكل شبه حصري بالإرادة السياسية الروسية، والتي غالباً ما يؤدي الخطأ في قراءتها إلى بناء آمال وأوهام حول حدوث تغيير جذري في الممارسة الروسية، ومنها الوقوع اليوم في الفخ الذي نصبته الخارجية الروسية، عبر تصويرها أن الإيرانيين والنظام السوري هما الطرفان الرافضان للحل السياسي المزمع الوصول إليه عبر التفاوض، ويرغبان في الاستمرار في العمليات القتالية وفرض الحل العسكري الشامل، على الرغم من عجز التحالف الطائفي والإجرامي السوري والإيرانيين من تحقيق أي نجاحات عسكرية، من دون الغطاء الجوي الروسي منذ ما يزيد عن عام، وهو ما أكده الرئيس السوري، بشار الأسد، نفسه في أكثر من لقاء صحافي أخيرا، فقد اعتبر أن التدخل الروسي المباشر كان السبب الرئيسي في الحيلولة دون انهيار النظام السوري وحليفه الإيراني، أي أن القيادة الروسية هي من تسعى إلى فرض الحل العسكري حتى اليوم. كما تستند الخارجية الروسية إلى صورتها الوهمية المزعومة، راعية للحل السياسي في دعواتها إلى تحقيق التمثيل الأوسع للشعب السوري في جلسات التفاوض، عبر تضمين وفد المعارضة شخصيات ومنصات محسوبة أو مقربة منها، مثل منصتي موسكو والقاهرة، لتصبح موسكو الوسيط والراعي والمشكل الرسمي لجلسات التفاوض السورية وفرق التفاوض القائمة ظاهريا به، فضلا عن كونها عمليا الطرف الأكثر حسما وتأثيرا على مجريات الصراع العسكري الدائر في سورية.

كما نجحت القوة الجوية الروسية في تحجيم التطلعات الإقليمية، وخصوصا التركية، ودفعتها

“الشعب السوري قد لمس خلو المفاوضات المزمع عقدها من البحث في متطلبات جميع مكوناته ورغباتهم”  نحو التنسيق والتعاون مع روسيا، من أجل ضمان المصالح التركية في سورية مستقبلا، ما انعكس على قدرات ومواقف وتكتيكات الفصائل والكتائب والقوى المعارضة السورية، لتسير مرغمة من الأتراك وبعض الدول الداعمة والحليفة للأتراك نحو جلسات التفاوض الدولية والأممية منزوعة من أوراق القوى التفاوضية، وأهمها الشعبية، والتي خسرتها على مدار السنوات الثورية السابقة، نتيجة اتباعها نهج القوى الداعمة، والذي يتعارض مع تطلعات الشعب السوري الثائر وغاياته، ونتيجة سعيها إلى تحقيق مكاسب شخصية مالية وسياسية على حساب السوريين والأرض السورية. كما يبدو أنها خسرت الجزء الأكبر من قوتها العسكرية، نتيجة ضغوط وسيطرة القوى الداعمة عبر تحكمهم في موارد هذه القوى المالية والإعلامية والعسكرية. ما جعل أعضاء عديدين في وفد المعارضة السورية للمفاوضات يعبر عن هذا العجز بطريقة غير مباشرة، مثل اعتبار قرارات مجلس الأمن والتشريعات الدولية مصدر القوة التفاوضية التي تحول دون هزيمة المعارضة السياسية.

إذاً، نحن أمام جلسات تفاوض بعناوين دولية أو أممية، لكنها جميعها ذات مضمون روسي، بمعنى أن السياسة والإرادة الروسية هي المتحكّم الأول في المسار التفاوضي، وفي نجاح الحل السياسي إن أرادت ذلك، إلا أن الممارسة العسكرية الروسية لا تدع مجالا للشك في نيات موسكو في المضي في طريق الحل العسكري، عبر توسيع العمليات العسكرية المدعومة روسياً في كل من محيط دمشق ودرعا، وأحيانا على مشارف مدينة الباب السورية. لذا أقصى ما يمكن أن يقدمه الروس في جنيف، إن حدث، يتمثل في إطلاق سراح أعداد محدودة من المعتقلين، من دون أن تترافق مع آليات تمنع استمرار الممارسة ذاتها، أي الاعتقال، فهي مجرد ورقة يقدمها الروس من أجل امتصاص الأصوات الناقدة، ومن أجل تعزيز صورة الحمامة الروسية البيضاء!. كما تجدر الإشارة إلى الغياب الكامل للحضور الثوري السوري عن جميع الاجتماعات التفاوضية، وخصوصا بعد التوافق التركي – الروسي، حيث كان بعضهم يرى في تركيا الحامي، وربما الحامل السياسي للثورة السورية، نتيجة تغيّب الحركة الثورية الشعبية أو تواريها، وتواري الحناجر الثورية. ليشكل هذا الغياب النقطة الأهم في جميع الجلسات التفاوضية، ما يدفعنا إلى الإيمان بأن عملية استعادة الصوت والفعل والحضور الثوري هي المهمة الأولى من أجل الخلاص السوري من مستنقع الإجرام والاستبداد والإرهاب المستفحل في سورية. وهو السبيل الوحيد لاستعادة القضية السورية من مخالب الدب الروسي ونظرائه الدوليين.

القدس العربي

 

 

 

 

لماذا تضغط الأمم المتحدة لشرعنة بقاء الأسد؟

رأي القدس

تكرّرت مواقف عديدة لمسؤولين مختلفين للأمم المتحدة تصبّ كلها، بطريقة أو أخرى، في خانة الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد بحيث تحوّلت المؤسسة الأممية إلى شريك معلن في الجريمة التي يمثّلها بقاء نظام استنفد كل مقوّمات شرعيته وثبّت على نفسه، بطرق أكّدتها مؤسسات للأمم المتحدة ومنظمات حقوق إنسان، تهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد مواطنيه والجرائم ضد الإنسانية، وهو تناقض مذهل بمقاييس الأمم المتحدة نفسها.

جاء آخر هذه المواقف من ستافان دي ميستورا المندوب الأممي لسوريا من خلال ضغطه على وفد المعارضة السورية بمحاولة مساواة ما يسمى بمنصتي القاهرة وموسكو بوفد المعارضة الرئيسي بحيث يصبح للمعارضة ثلاثة وفود، أحدها محسوب أصلاً على روسيا التي هي طرف رئيسي في الصراع وهو واضح ليس بأجندته السياسية الداعمة للأسد ونظامه بل كذلك بطائراته وبارجاته الحربية وصواريخه التي تنهمر على المشافي والمخابز والتجمعات السكانية في المدن والبلدات والمناطق السورية، وبتحالفه الوثيق مع إيران صاحبة أجندة التغيير الديمغرافي الطائفي والدعم المطلق للنظام، فيما تحتمي المنصّة الأخرى بنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عبّر أكثر من مرّة عن دعمه لـ«وحدة الجيش والمؤسسات السورية»، وهي الصيغة الملطّفة للنظام السوري الذي أفرغ المؤسسات والجيش من معناهما وحوّلهما إلى عصابات وحشية أفلتها على شعبه.

وفد المعارضة السورية الذي أسقط في يده بعد إحساسه بوقوعه في كمين أممي اضطر للموافقة على رغبة موسكو (… وإيران والنظام) التي كان دي ميستورا قد عبّر عنها بطلبه ضم ممثلي القاهرة وموسكو إلى وفد المعارضة وأيّاً كانت النتيجة فإن مطلوب النظام السوري وحليفتيه إيران وروسيا يكون قد تحقّق باستكمال خلخلة وتهشيم أركان المعارضة السياسية من خلال تطعيمها بشخصيات قريبة على النظام، فيما يستكمل النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون وأدواتهم اللبنانية والعراقية في الداخل عملية تهشيم المعارضة العسكرية وتهجير وتجميع حواضنها الشعبية إلى إدلب (ليكون دورها تالياً) أو حصار وقصف وتجويع باقي المناطق المتمردة.

لم يكتف دي ميستورا بذلك بل إنه استخدم، بحسب وكالات الأنباء، تهديدات رئيس النظام السوري للمعارضة لتطويعها بقوله في اجتماع مغلق «إن فشلت المفاوضات سيفعل الأسد بإدلب ما فعله بحلب»، وهو ما يمحو الفارق بين خطاب المنظمة الأممية وخطاب النظام نفسه.

تلغيم وفد المعارضة وإجبارها على الجلوس مع طابور خامس تم تأليفه في موسكو والقاهرة يضاف إلى السقف المفروض عليها للتفاوض وهو القرار 2254 الذي لا يتناول الموضوعة الأسّ لكل ما حصل في سوريا: الانتقال السياسي بل يحافظ على الأسد كرئيس يقود «المرحلة الانتقالية» المفترضة.

تقوم «طبخة» جنيف 4 السياسية إذن على فرضيّة إخضاع المعارضة السياسية كمحصّلة واقعية للتراجعات التي تعرّضت لها المعارضة العسكرية وخصوصاً بعد سقوط مدينة حلب في يد النظام، وإذا كان الاستعجال الروسي لإدخال المعارضة السياسية في ثقب إبرتها للتسوية مفهوماً فإن غير المفهوم هو استعجال الأمم المتحدة ومسؤوليها، وعلى رأسهم دي ميستورا، في اختراع تسوية غير ممكنة تستند إلى قرار واحد كان محصّلة لتقارب إدارتي بوتين وأوباما في الملف السوري وتلغي القرارات السابقة ووثيقة جنيف 1 التي كان الانتقال السياسي الذي يفضي إلى خروج الأسد من السلطة أهم أركانها.

يقوم موقف دي ميستورا على فهمه لموازين القوى الحالية في سوريا التي تميل للنظام ولكنّه بدفنه قرارات الأمم المتحدة ومواقفها السابقة والسياق الأخلاقي والقانوني والإنساني للأزمة التي نتجت عن الثورة على نظام طاغية، يقوم بدفن شرعة الأمم المتحدة ومعناها المفترض.

 

 

مضنية… ومستحيلة؟/ راجح الخوري

في آخر آب من عام ٢٠١٢ وصل الأخضر الإبرهيمي الى دمشق موفداً من الامم المتحدة، ليبدأ ما سمّاه “المهمة المستحيلة”، وهي تلك المهمة التي كانت قد استحالت على سلفه كوفي أنان، وقبلهما على المراقبين الدوليين، وقبل كل هؤلاء على المراقبين العرب.

في ١٠ أيلول من عام ٢٠١٤ صار ستافان دو ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الثالث الى سوريا، وها هو يحتاج الى أكثر من سنتين ليصل الى ما اكتشفه الابرهيمي حتى قبل أن يبدأ، ذلك انه قال مع بدء الجولة الأولى من “جنيف – ٤” يوم الخميس الماضي، إن عمله “مهمة مضنية”، بعدما كان أبلغ بان كي – مون في ٢٤ كانون الأول من العام الماضي انه يريد ان يستقيل من مهمته!

“مهمة مضنية”؟

لكن الضنى واقع على السوريين كلهم من دون استثناء أكثر من الجميع، وليس هناك ما يوحي ولو للحظة بأن المهمة لم تعد مستحيلة، ولعل من المفارقات المثيرة ان دو ميستورا الذي يتذكر الجميع كيف وصل الى سوريا حاملاً خريطة لمدينة حلب، مع اقتراح أن يبدأ وقف متدرج لإطلاق النار منها يشمل كل المناطق، قد بدأ اللقاء في جنيف أول من أمس، بنقل تهديد من الرئيس بشار الاسد الى المعارضين مفاده “أنه إذا فشلت المفاوضات سيفعل بإدلب ما فعله بحلب”!

اذاً ما معنى الذهاب الى جنيف من جديد، اذا كانت المهمة المضنية تزيد استحالة، على رغم ان الضغط الروسي العسكري والسياسي دفع المعارضة الى القبول بنظرية النظام “التفاوض دون شروط مسبقة”، ولكن من أين تبدأ المفاوضات؟

المعارضة التي تكفّل سيرغي لافروف [الأشد براعة في المراوغة وبث الفخاخ] في تقسيمها، وصلت الى جنيف بثلاثة وجوه: أولاً “الهيئة العليا” التي شُكلت في الرياض بناء على قرار الأمم المتحدة، ثانياً ما بات يسمّى “منصة موسكو”، وثالثاً “منصة القاهرة”، وعلى حد علمنا جميعا ان المنصات تعمل عادة على إطلاق الصواريخ لا على ابتداع الحلول، فكيف اذا كانت “مستحيلة ومضنية”؟

في أي حال لا يزال الوضع يراوح عند نقطة “يا حصرماً…” بمعنى ان لا حلول في الأفق، فالخلاف مستمر على عقدة الإنتقال السياسي وموقع الأسد من هذه المسألة، لكن المحيّر والمثير ان يقول احمد رمضان “ان الروس أبلغوا المعارضة أنهم غير معنيين ببشار الأسد ومستقبله إنما بالدولة السورية”، في حين يقول مبعوث روسيا الى الأمم المتحدة أليكسي بوردافكين “إن دعوة المعارضة الى تنحي الأسد مجرد مطالب عبثية”.

وهكذا تفشل “جنيف – ٤” وفي النهاية يخرج دو ميستورا متهماً من دمشق وموسكو بالإنحياز، تماماً مثل كوفي أنان والأخضر الإبرهيمي!

النهار

 

 

مؤتمر جنيف 4: مأزق الحل الروسي في سوريا/ د. خطار أبودياب

راهنت روسيا بعد الهزيمة الاستراتيجية التي تكبدتها المعارضة في حلب، وقبل تمركز الإدارة الأميركية الجديدة على التوصل إلى بلورة “حل سياسي” في سوريا يترجم إنجاز محورها العسكري، بيد أن عدم القدرة على تحويل مسار أستانة إلى بديل عن مسار جنيف الذي بدأ في 2012، أعاد الأطراف المعنية إلى مؤتمر جنيف 4 مع عدم توقع أي اختراق ملموس نظرا إلى عدم وجود تفاهمات أميركية روسية على التفاصيل، ولأن موسكو ليست قادرة على فرض صيغتها ودستورها.

عشية افتتاح المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أعمال المؤتمر، شدد رئيس هيئة الأركان في القوات الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد على أن “التحدي الأكثر استعجالاً هو هزيمة داعش”، واصفا الأزمة في سوريا بأنها “تهديد عابر للحدود الإقليمية”، وأكد أنه “يجب وضع معطيات على الأرض تساعد في الوصول إلى ظروف مهيئة للحل السياسي”.

وهكذا لن تتضح سياسة الإدارة الجديدة إلا بعد تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخطة التي طلبها للقضاء على داعش، وربما سيحسم بعدها موضوع المناطق الآمنة، ولاحقا نظرته إلى الحل النهائي في سوريا. في المقابل، وعند انطلاق جنيف 4، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي ضباط الأسطول الروسي العائد من سوريا، حيث كشف عن قراره الشخصي بإرسال حاملة الطائرات الوحيدة في الخدمة، الأميرال كوزنتسوف، مما أسهم حسب قوله في “توجيه ضربة كبيرة للجماعات الإرهابية”، وفي “تهيئة الظروف لمواصلة محادثات السلام بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة”.

وأبرز ما ورد في التصريحات تجديد القيصر تمسكه بالوضع القائم عندما قال إن مهمة روسيا هي “الحفاظ على استقرار السلطات الشرعية في سوريا وتوجيه ضربة حاسمة للإرهاب الدولي وضمان أمن روسيا”.

تدور أعمال جنيف لأول مرة في غياب الرعاية المشتركة للمايسترو الأميركي جون كيري والعراب سيرجي لافروف، ولذلك من الصعب الدخول في لب العملية السياسية في سوريا قبل اتضاح الصورة الفعلية لتطور العلاقات الأميركية – الروسية.

أثناء عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كان هناك نوع من التركيز على توقيع صفقة مع إيران وممارسة “القيادة من الخلف” في باقي ملفات الشرق الأوسط، مما سمح لروسيا بالتحكم في سوريا والعودة إلى الشرق الأوسط وإلى الساحة الدولية.

لذلك سيسود الانتظار الثقيل عند البعض قبل تلمس القرارات الفعلية لترامب حتى يتبين إذا كانت واشنطن راغبة في استعادة الوزن الأميركي في الشرق الأوسط، أو أنها ستكتفي باختبار القوة مع طهران والتناغم مع بنيامين نتنياهو.

وفي ظل عدم قدرة اللاعبين الأوروبيين والإقليميين ضمن ما يسمى “مجموعة الدعم الدولي” على التأثير على مجرى الأمور، تستثمر روسيا تحكمها بالورقة السورية من أجل تحصين العودة بقوة إلى الساحة الدولية والمساومة مع إدارة ترامب.

مع الإشارة إلى أن تمسك الاتحاد الروسي بالمكاسب في شرق البحر المتوسط يتجاوز الدفاع عن النظام السوري نظرا إلى أهمية دور سوريا الجيوسياسي لناحية الوصول إلى المياه الدافئة وحروب مصادر وممرات الطاقة، وأيضا في سياق ما يتم تقديمه على أنه جهد استباقي ضد “الجهاد الكوني”، وحماية موسكو انطلاقا من صد الإرهاب على الأرض السورية.

وكل هذا يقود إلى تركيز موسكو في جنيف وأستانة ليس على تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، أو تمهيد الدرب لحل واقعي وعادل، بل على الاستناد إلى موازين القوى من أجل تركيب وضع يكرّس استمرارية النظام في ظل الانتداب الروسي والاستحواذ الإيراني، إلى جانب منطقة نفوذ محدودة لتركيا ومساحات نفوذ للأكراد ولداعش أو من يحل مكانهما، ومرابع فيها معارضة محلية مدجنة مع أسلحتها الفردية ضمن نطاق ما يسمى بالمصالحات.

من خلال مناورة طرح الدستور في أستانة والضغط على دي ميستورا من أجل عدم الالتزام بالتسلسل الوارد في القرار الدولي 2254، الذي يضع الانتقال السياسي على رأس الجدول قبل الدستور والانتخابات، تهدف موسكو إلى جعل العملية السياسية مجرد ديكور لأن تصورها لمنعطف ما بعد حلب يعني دخول الصراع السوري مرحلته الأخيرة، ولذا على المعارضة السورية إزاء ذلك الاختيار بين العودة إلى بيت الطاعة عند المنظومة الأسدية، وبين الدمار (من درعا إلى الغوطة الشرقية والتلميح بجحيم في إدلب حسب الإنذار الذي نقله دي ميستورا من النظام إلى رئيس وفد المعارضة نصر الحريري).

أمام هذا الوضع المغلق وميزان القوى الدولي والإقليمي المختل، أراد الجانب الروسي بالتعاون مع طهران وبالالتفاف على تركيا، دفع المعارضة السورية لممارسة سياسة الكرسي الشاغر حتى ينتزع توقيع معارضة جاهزة للتكيف مع الوقائع العسكرية وتوقيع صك الاستسلام. وهذا ما يفسر، عمليا، توالد المنصات المختلفة من موسكو إلى القاهرة ومن أستانة إلى حميميم. ولذا كان مهما إفشال طرح الموفد الأممي القيام بتشكيل الوفد المعارض والتفاهم على إرسال وفد تمثيلي سياسي – عسكري بنسبة كبيرة.

منذ بدايات التفاوض كانت هناك معركة على شرعية تمثيل المعارضة السورية، مع وجود قرار من النظام بعدم الوصول إلى أي نتيجة. إنه الدوران في الحلقة المفرغة ومأزق الحل الروسي في آن.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك- باريس

العرب

 

 

من يمثل وفد المعارضة في جنيف؟/ وائل عصام

ثمة مفارقات لافتة تخص وفود المعارضة السورية التي يفترض أنها تمثل القوى السياسية والعسكرية للثورة مقابل وفد النظام الثابت في كل جولة تفاوضية.

أحد هذه المفارقات أن معظم الشخصيات التي تمثل المعارضة السورية لا تستطيع ربما الدخول لأغلب مناطق المعارضة إلا بحماية خارجية من الدول الداعمة لها، كما حصل مرة عندما أراد الجربا رئيس الائتلاف الدخول لمناطق المعارضة، فحل ضيفا سريعا لساعات وفي منطقة حدودية وسط حماية مشددة من جماهير المعارضة الغفيرة، قبل ان يعلن مواقف اكثر قربا وتحالفا مع اعداء الثوار لاحقا.. القوى الكردية الانفصالية وروسيا.

ولا تعجز الشخصيات المعارضة افتراضيا عن التواجد في مناطق المعارضة، وهو ما يفترض أن يكون عليه القادة الثوريون الممثلون للقوى الشعبية، ليس لأن النظام يمنعها، بل لأن الفصائل العسكرية والقوى السياسية المهيمنة على معظم مناطق المعارضة على قطيعة، بل عداء مع معظم هذه الشخصيات.. ببساطة إنها شخصيات ثورية لا تمثل قوى الثورة.. إلا بالواقع الافتراضي ربما. ولو ألقينا نظرة على خريطة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ولو استثنينا مناطق تنظيم «الدولة»، لوجدنا ان المحافظة الوحيدة التي تسيطر عليها القوى المسلحة المعارضة للنظام هي إدلب، وتكاد تكون التكتل الاكبر والبقعة الجغرافية الأبرز خارج سيطرة النظام، وهي تحت سيطرة مطلقة لتحالف النصرة الجديد مع الجناح السلفي لأحرار الشام المسمى «تحرير الشام»، وهذا التكتل العسكري والمؤسسات التابعة له من محاكم وإدارات مدنية غير ممثل في الوفد المفاوض، إضافة لأنه أعلن معارضته الصريحة لهذه المفاوضات ولكل عملية تسوية.

والأهم أن هذا التكتل العسكري الذي تهيمن عليه النصرة، على عداء فكري وعسكري دائم مع معظم الفصائل المقربة من الشخصيات والتيار المؤيد للمفاوضات، بل ان طرد هذه الفصائل المقربة من الحكومات العربية والغربية وتركيا من إدلب وريفها كان خطوة سابقة لطرد النظام منها، كما حصل مع فصيل جمال معروف، وحركة حزم، والفرقة 16، وجيش المجاهدين مؤخرا، وكما حصل أيضا في حلب المدينة عندما اعتقلت النصرة قادة هذا الخط من الفصائل كالسلطان مراد وغيرها، وسيطرت على مقراتهم بتهمة التخاذل بمواجهة النظام. وإذا نظرت لأحد ممثلي الفصائل البارزين كممثل «جيش الإسلام» الذي كان ناطقا باسم الوفد المفاوض، فإنه وكل زملائه من ممثلي القوة العسكرية من «الجيش الحر» لا يكادون يمثلون سوى جيوب معزولة تبدو وكأنها جزر صغيرة في ريف دمشق وشمال حمص وبعض قرى درعا، في بحر مناطق المعارضة الممتد من الجولان حتى القلمون، وصولا بريف حلب الجنوبي وإدلب الذي تملك النصرة وحلفائها القرار الامني والسياسي الاول فيه، وإن ظهر تواجد شكلي لقوى مسلحة صغيرة.. عدا طبعا عن مناطق تنظيم الدولة الشاسعة شرق الخط الحيوي بين حلب ودمشق. أما مناطق درع الفرات ورغم انها جزيرة ايضا في بحر المناطق الكردية التي تحيطها شرق وغربا على عرض 600 كلم اي معظم الحدود السورية التركية، إلا انها مقاطعة تركية شبه رسمية، يمكن لتركيا بنفسها ان تفاوض عنها، دون عناء إرسال وفد من الفصائل الموالية لها ضمن الوفد.

وإذا كان التمثيل العسكري ضئيلا بهذه الدرجة، فإن التمثيل الاجتماعي والسياسي يكاد يكون معدوما، خصوصا أن شخصيات يسارية وليبرالية وعسكرية انشقت عن النظام لها حضور إعلامي كبير في وفود المعارضة، لا تكاد تجد لها أي حضور شعبي داخل مناطق المعارضة، بينما كانت عمليات التفاوض السابقة المتعلقة بنزاعات الشرق الاوسط في جنيف واخواتها، تجري مع قوى تملك تمثيلا شعبيا وعسكريا وازنا، وعندما قرر الزعيم الفلسطيني ابو عمار اتفاقا للتسوية في اوسلو وجنيف، ورغم القوى المعارضة له، إلا أنه استقبل في غزة واريحا بمئات الالاف من الفلسطينيين المناصرين لحركته سياسيا وعسكريا، ولا اعتقد ان احدا من قادة المعارضة السورية يستطيعون حتى التجول في أي قرية بمناطق المعارضة، خارج كانتونات فصائلهم عدا عن فرضهم لاتفاق تاريخي مع النظام. في المقابل نرى وفدا ثابتا للنظام، يمثل سلطة تملك قرار السلم والحرب في كل المناطق الخاضعة للاسد.

المفارقة الاخرى اللافتة، أن عملية التفاوض ووقف اطلاق النار تجري مع ممثلي فصائل تكاد لا تطلق النار تقريبا على النظام منذ عامين، ورغم المناوشات التي تحدث بين الحين والاخر، بين هذه الفصائل الصغيرة والنظام، الا ان معركة حلب أثبتت أن هذه القوى هي في حالة هدنة غير معلنة مع النظام، وسرعان ما خرجت هذه الهدنة للعلن بمجرد هجوم النظام على حلب المدينة واستعادته لها في أيام قليلة، ليتبين أن الجهاديين وحلفاءهم هم فقط من تصدى للنظام، وإن كان بعد فوات الأوان في حلب. وبالنظر لخريطة المعارك الأساسية في العامين الاخيرين تحديدا، سيظهر بشكل جلي أن القوى العسكرية الممثلة في وفود المفاوضات لم تقم بأي عملية عسكرية ذات تأثير ضد النظام، الا بالإعلام الفضائي وشبكات التواصل الافتراضي ربما، بينما تكفلت التنظيمات الجهادية ممثلة بتنظيم «الدولة» و»النصرة» و»الأقصى» و»التركستان»، و»أنصار الدين»، بالاغلبية الساحقة من الفعل المعارض المسلح المؤثر ضد النظام بعمليات كبرى في جنوب حلب وإدلب ودرعا وتدمر وغيرها، وإن لم تكن حصيلتها النهائية فارقة على الصعيد الاستراتيجي.

وبانضمام الجناح السلفي لاحرار الشام ممثلا بابو جابر الشيخ لتحالف النصرة مشكلين تحرير الشام، حسمت معظم القوة العسكرية الجهادية الفاعلة لاحرار الشام أمرها بترك الجناح الموالي لتركيا وقطر والخاضع للحاكمية الدولية، وانضمت للنصرة وخندقها، الذي ما زال يحاول البقاء على منهجه الرافض لشروط المنظومة الدولية، بالاستقواء بمن يؤلف قلوبهم من الفصائل التي كان يوما يكفرها كالزنكي.. وهكذا فإن الخريطة تشير لثلاثة تيارات تهيمن على مناطق المعارضة، اثنان منها ينتميان للعائلة الجهادية نفسها، قبل ان تفرقها متلازمة النزاع الدموي نفسها بين اخوة العقيدة والمنهج، التي تتواصل منذ قرون، مخلفة صدوعا اكثر عمقا مما يخلفه اعداؤهم مجتمعين.

تكتلان من مناطق المعارضة اذن يهيمن عليهما الجهاديون ممثلون بتنظيم الدولة شرق حلب، وحلف النصرة غرب خط حلب دمشق، وهما يمثلان الغالبية الساحقة من المساحة الجغرافية والقوة العسكرية المناوئة للنظام، ولكنهما غير ممثلين في عملية التفاوض ووفودها، التي يهيمن عليها ممثلو القوى المسلحة المقربة من الحكومات العربية وتركيا والغرب، التي لم تعد تمارس فعليا دورا معارضا للنظام، بل أخذت تنخرط تدريجيا في حروب الآخرين في جبهة مشتركة مع النظام وروسيا، وهي جبهة الحرب على الارهاب، لهذا كله تبدو عملية التفاوض عبثية، بل هي تدور مع طرف معارض لا يملك تأثيرا على المعارضة الفعلية، ولهذا كان من أبرز نتائجها التي تسجل كسابقة أيضا، إنها تعلن عن وقف لإطلاق النار لا يطبق إلا بفضاء الإعلام. وفي كل جولة يواصل اعضاء الوفد التحدث باسم ساحة لا علاقة لهم بها، لهذا هم يعلنون مثلا عشرات المواقف الحاسمة، ثم يخرج بيان المؤتمر بعكسها تماما، كما بالموقف من رحيل الاسد والعملية الانتقالية الخالية من وجود الأسد، وكما حصل عندما قالوا إن مناطق النصرة خاضعة لوقف النار، قبل أن يعلنوا بأنفسهم أنهم تعرضوا لخديعة بنسختين مختلفتين من الاتفاق.

هذه المشاهد لا يمكن ان تحدث مع طرف مؤهل سياسيا وتاريخيا لتمثيل ثورة شعب، قدّم كل هذه التضحيات، عدا عن تواضع القدرات المهنية البحتة، وليس أبلغ من نتيجة على تردي رؤية الوفود المفاوضة، من سقوط منطقة في كل جولة، حلب في جولة، ووادي بردى في جولة ثانية، والآن الغوطة تحت القصف اليومي وتهديد باستعادة إدلب تحت قصف دموي لها، هذا كله ويتحدث القوم عما يسمى بوقف لإطلاق النار. أما السابقة الأكثر طرافة، التي استحدثها وفد المعارضة السوري في عالم السياسة، هو انه يجري مفاوضاته مع النظام برعاة سلام هم انفسهم كانوا وما زالوا اطرافا بالحرب وحلفاء للنظام.. ايران وروسيا

القدس العربي

 

 

 

المفاوضات السورية في جنيف: وفد موحد أم واحد؟/ احمد المصري

عندما سلم المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا ورقته لآليات وأشكال التفاوض لرئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري، استعرضها الأخير سريعا كما قالت الصورة التلفزيونية ووضعها جانبا وقال، سنطلب ردا على هذه الورقة من دمشق بالطرق الدبلوماسية، ما يعني انه سيرسل طلبات المبعوث الأممي إلى الأسد، وهذا يعني ان المفاوضات ستتمدد أياما في أحسن الأحوال.

ويراهن الطرفان، النظام وديمستورا على عامل الوقت، الأول يعتقد ان الحسم العسكري هو الحل رغم كل تعقيدات المشهد السوري وتقاطعاته الإقليمية والدولية، والثاني والذي كان يعمل خلال الفترة الماضية باجتهاد مع كل العواصم المؤثرة لتجديد انتدابه كممثل للأمين العام للأمم المتحدة في الملف السوري خاصة وان مهمته تنتهي فعليا في اذار/مارس المقبل.

عندما اختتم ديمستورا اجتماعاته بوفد المعارضة السورية نهاية الاسبوع وقبل ان ينهي رئيس الوفد نصر الحريري جملته قال «انكم لم تقرأوا جيدا حيثيات القرار الدولي 2254 « بمعنى انه يقول ان فهمه الخاص للقرار الأممي يعني البحث في الانتخابات والدستور والحكومة التي تجمع كل الأطياف بما فيها النظام، وهو ما دفع وفد المعارضة إلى توضيح موقفه اللغوي والسياسي لنقطة البداية وتعني حكما انتقاليا بصلاحيات كاملة تنفيذية وتشريعية وهو ما سيؤدي إلى تشكيل لجنة لإعداد الدستور واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

هذه ليست العقدة الوحيدة أمام هذه الجولة من مفاوضات جنيف، فهناك المنصات المعارضة الأخرى والتي برر قرار مجلس الأمن 2254 وجودهم في جنيف، وهو ما زاد من تعقيد المشهد وتعقيد مهمة الوفد المفاوض. وفيما يبدو وفد النظام مسترخيا تغوص المعارضة في تفاصيل تتعلق في أساس عملية التفاوض.

وبينما كانت كل الخطوط مقطوعة بين وفد الهيئة العليا ومنصتي القاهرة وموسكو والتي كرسها الفصل بين طاولات الوفد المعارض بعشرة سنتيمترات حينما اشترط رئيس الوفد الحريري ان يجلس وفده منفصلا ورفضت المنصات الجلوس خلف وفد الهيئة وهو ما أخر الجلسة الافتتاحية لمدة ساعة كاملة، لينجح ديمستورا في اهداء نفسه نصرا تمثل في الصورة التي جمعت كل الأطراف تحت سقف واحد في خدعة وبدعة أممية جديدة انطلت على أطراف المعارضة السورية.

عقدة التمثيل ما زالت تلقي بظلالها الثقيلة على الانطلاق الجدي لمفاوضات بين النظام والمعارضة، وفي حين طلبت المعارضة بدء مفاوضات مباشرة مع النظام رفض الأخير ذلك. وفي الغرف المغلقة في مقر وفد الهيئة العليا للمفاوضات لا يخفي أعضاء الوفد خشــيــتــهم من ان تتــحـــول المحادثات إلى مفاوضات بين أطــراف متنازعة وليس بين ممثلي المعارضة والثورة السورية والنظام.

في هذه الأثناء كانت الأطراف الإقليمية والدولية في الأروقة الخلفية لمقر سكن المعارضة والمنصات والتي وصفها معارض سوري على انها «ورشة الشياطين» تنشط من أجل جمع منصة القاهرة ووفد الهيئة العليا، وبالفعل تم هذا وجلس وفد الهيئة ومنصة القاهرة في مقر إقامة وفد الهيئة.

وهنا برز نهجان مختلفان، الأول يقول على لسان وفد الهيئة «نحن نرحب بكم لان تكونوا جزءا أساسيا من وفدنا وبالنسبة التي تريدونها، لكننا ملتزمون بالتفويض الذي منح لنا من الشعب والهيئات الثورية وبالتالي البدء بهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات ثم الدستور ثم الانتخابات» وهو ما رفضه جهاد مقدسي من حيث المبدأ متهما وفد الهيئة، معتبرا ذلك مستحيلا في الوقت الحالي ومطالبا بوجوب القبول بالقرار الأممي في ظل المتغيرات على الأرض وانه لا بأس بالقبول بحكومة مشتركة مع النظام في الوقت الحالي، وهنا انفضت الجلسة لكنهم حرصوا على العناق أمام مقر اقامة وفد الهيئة واتفقوا على جلسة أخرى.

وبينما يرى جهاد مقدسي من منصة القاهرة انه يجب ان يكون وفد المعارضة السورية واحدا لكن ليس موحدا مطالبا بان تكون الوفود واحدة لكن ليس بالضرورة موحدة، اعتبر جمال سليمان انه لا يجب ان تواجه الهيئة العليا للمفاوضات الصخرة التي هي ازالة بشار الأسد ويجب عليها ان تركز في أساليب أخرى، الأمر الذي جعل وفد الهيئة العليا في مأزق صحب أما ان يرفضوا المفاوضات شكلا ومضمونا ويغادروا جنيف أو يستمروا على ان يخترع ديمستورا صيغة ترضي جميع الأطراف.

مرة أخرى يحاول ديمستورا عبر الفهم المختلف عليه للقرارات الدولية ادخال المعارضة السورية في شيطان التفاصيل الذي ربما يجعل العملية التفاوضية لا نهائية، ما يوسع من مأزق المعارضة أمام مناصريها حيث أعترض كثيرون على العملية التفاوضية برمتها في ظل استمرار مسلسل القتل اليومي وانتهاك النظام لكل الهدن والاتفاقات المبرمة سابقا بضمانات إقليمية ودولية.

وخلال عطلة نهاية الاسبوع والتي ألقت بنوع من الاسترخاء على الوفد وفي حوارات مكثفة مع أطراف عدة يخرج المراقب باستخلاص جوهره ان المعارضة ستمضي في المفاوضات بالمنهج والاسلوب نفسه الذي اتبعه ديمستورا والنظام وهو المماطلة والتسويف كنهج تفاوضي و«سنستمر في التفاوض دفاعا عن حقوق شعبنا المنكوب بالدمار والقتل والتشريد لنطرح مطالبه مهما طال زمن المفاوضات، للوصول إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات واسعة تكون المعبر الضروري لحل سياسي بضمانات دولية».

القدس العربي

 

 

 

«جنيف 4»… ظروف ومآل وعِبَر/ إياد أبو شقرا

تنطلق اليوم جدياً، كما نسمع، فعاليات مؤتمر «جنيف 4» حول سوريا.

التوقّعات كانت متواضعة. كانت كذلك منذ فسّرت موسكو مقررات «جنيف 1» على هواها، ولم تترجم الاعتراضات الدولية على تفسيرها المجزوء إلى أفعال. بل، حدث العكس عندما بادرت روسيا إلى الفعل عندما اكتشفت أن الآخرين سيكتفون بالكلام. وبخاصة، في أعقاب استخدام نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي في غوطة ودمشق وأماكن أخرى، وحينذاك سقطت «خطوط باراك أوباما الحمراء»، ومعها سقط أي أمل بمقاربة دولية جادة تنهي المقتلة السورية.

اليوم، تحت إشراف المبعوث الدولي (والعربي) إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، يلتقي الطرفان السوريان… المعارضة والنظام، ومعهما ممثلو أولئك الذين لا يريدون الانتساب إلى النظام ولا تصح فيهم صفة المعارضة. ولئن كانت حكاية دي ميستورا معروفة مع ما يعتبره «مُنجزات» تبرر بالنسبة له احتفاظه بمهمته بعدما رفض المضي بها غيره، فإن حال «المعارضات» – الصحيحة واللفظية – وما تبقى من النظام… تستدعي مناقشة أطول وأشمل.

دي ميستورا، الذي أوكلت إليه مهمته قبل نحو ثلاث سنوات (في يوليو/تموز 2014) خلفاً للدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، ارتضى أموراً وتعايش مع «حقائق» رفض غيره السير بها. سكت حقاً عن مسار تآمري لوأد الثورة السورية، وكانت كل مبادراته واقتراحاته – عملياً – تغطية من «الشرعية الدولية» لإجهاض الثورة، ومحاصرة المعارضة، ومباركة العدوان الروسي – الإيراني والتخلي الأميركي. ومن ذلك، مبادرته السيئة الصيت لإخلاء مدينة حلب سلماً، التي جاءت تمهيداً لإخلائها بالقوة فيما بعد تحت ضغط الطيران الحربي الروسي والميليشيات الإيرانية المتعددة الجنسية. ثم قبوله بعملية التهجير الديني والمذهبي التي برمجها النظام وداعموه، ولا سيما في ضواحي العاصمة دمشق.

هذا هو حال دي ميستورا… ولكن ماذا عن النظام والمعارضة، بل «المعارضات».

كان النظام يخوض حربه على شعبه منذ صيف 2011 بطريقة «علي وعلى أعدائي» وفق قناعته التامة القديمة بأن أي تراخ منه في الشق الأمني يعني نهايته المحتومة. والواقع أن نموذج مدينة حماه عام 1982 ما زال ماثلاً في ذاكرة كثرة من السوريين، تماماً كما يتذكر بعض اللبنانيين حصار قوات حافظ الأسد مدينة زحلة عام 1981، ويتذكر بعض الفلسطينيين تصفية الأسد الأب المقاومة الفلسطينية في لبنان، بما في ذلك مشاركة بعض كبار ضباطه بإسقاط مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رأسها تل الزعتر بشرق بيروت.

هذه «المآثر» لا تُنسى. وهي في صلب العقيدة القتالية لنظام جوهره «منظومة أمنية – مذهبية» مستعدة من أجل البقاء لفعل أي شيء. أي شيء بالمطلق. ولذا، ما كان باستطاعته تقديم تنازلات لانتفاضة شعب درعا ومظاهرات شعب حماه الحاشدة بعد 2011، ذلك أن الأمن عنده أهم من الشعب.

إنه النظام المختلف تماماً عن النظام الديمقراطي الذي تحدث عنه أبراهام لنكولن عندما قال: «حكم من الشعب، يختاره الشعب، لخدمة الشعب…». ومن ثم، فأولوياته، واقعياً، صحيحة، كونه ليس مديناً للشعب بأي شيء، ولم يختره الشعب أساساً، ولم يتولَّ السلطة لخدمة الشعب.

وبناءً عليه، أين المشكلة في تنظيم «انتخابات» تحت القصف ووسط عمليات التهجير الممنهج، أو تقليص عدد سكان سوريا إلى ما دون النصف وتوطين آخرين بدلاً منهم؟ وأين الغرابة في الكلام عن السيادة بينما تجوب سماء سوريا طائرات حربية من دول شرقية وغربية… وتتقاسم السيطرة على أراضيها عشرات الجيوش والتنظيمات والزمر الآتية من كل حدب وصوب، بعضها معه وبعضها الآخر ضد و«البعض» الثالث معه فعلياً وضده إعلامياً؟

هذا النظام ما كان في وارد التفاوض عندما شارف على الانهيار قبل أن تنجده الميليشيات الإيرانية، وتدعمه آلة الحرب الروسية، فلماذا يفاوض اليوم؟ على أي أساس؟ ووفق أي منطق يقدم تنازلات بعدما اعتبر نفسه منتصراً؟

في المقابل، إذا كان النظام المنهار قد تمكن مؤقتاً من الوقوف على قدميه بسبب الموقفين الروسي والأميركي منه، فإن الخط البياني للمعارضة سار – للأسف – في اتجاه معاكس بعدما خذلها كثيرون، لكنها هي أيضاً لم تقصّر في إيذاء نفسها وإضعاف صدقيتها.

قد يجادل بعضهم بأن «عسكرة» الثورة الشعبية أسهمت في فقدانها التدريجي الدعم الواسع الذي كانت تحظى به خلال السنتين الأولى والثانية من عمرها. قد يكون هذا صحيحاً. لكن الصحيح أيضا أن الحزازات الشخصية والمطامح الأنانية والولاءات الخارجية ونقص الثقة المتبادلة بين مكوّناتها… عوامل هزّتها وقلّلت من تماسكها. وبالتالي، انقسمت التجمّعات التي أبصرت النور خلال الشهور الأولى وكثرت الاجتهادات. وشاهدنا تبدّل القيادات بصورة لافتة توحي بأن آفتي الفردية والإلغائية المألوفتين في مجتمعات القهر والشك والخوف تحولان دون قيام جبهات عريضة متفاهمة متماسكة.

أيضاً، كان جزء من الدعم الذي أخذت تتلقاه قوى معينة من المعارضة مشروطاً، إما مصلحياً أو عقائدياً، ما رجّح كفة هذه القوى على غيرها من دون أن تكون – بالضرورة – أوسع تمثيلاً، أو أكثر قبولاً. ولم يطل الوقت، حتى اقتنعت قوى لا غبار على مقاصدها بأنها غير مرغوب فيها، ولا يراد لها أن تكون جزءاً من آلية القرار السياسي، فانزوت أو ابتعدت عن المشهد بلا ضجيج. وبعكس هذه القوى، كانت ثمة قوى أخرى لها حسابات وصلات مختلفة، إما كُلّفت بطرح نفسها كقوى «معارضة»، أو وجدت الفرصة مؤاتية لطرح نفسها بهذه الصفة لتحقيق مكاسب من أي تسوية سياسية مع نظام لم تختلف معه إلا بالتفاصيل، وهذا إذا كانت مختلفة معه أصلاً.

أخيراً، لا بد من القول إن الظروف الدولية التي تجرى فيها مباحثات «جنيف 4» ظروف استثنائية. وفي غاية الأهمية محاولة قراءة ما تنوي الإدارة الأميركية الجديدة فعله.

إنه «المجهول الكبير»، وهو ما سيترك انعكاسات على جميع اللاعبين السوريين والإقليميين والدوليين… بدءاً بمصير الأسد ونظامه، مروراً بـ«المشروع الكردي»، وانتهاءً بمصير «مثلث» موسكو – أنقرة – طهران.. . .

الشرق الأوسط

 

 

 

باب.. جنيف!/ علي نون

ربما الصدفة وحدها جعلت افتتاح اجتماعات جنيف ــ 4 متزامنة مع فتح «الجيش السوري الحر» بدعم تركي حاسم، مدينة الباب في الريف الحلبي وطرد «داعش» منها.

والصدفة في كل حال، «خير من ألف ميعاد»، سوى أن الأمر هذه المرّة، يبدو مرسوماً سلفاً وبعناية مميّزة لإبقاء شيء من التوازن المطلوب راهناً، تبعاً لمنع (أو إستحالة) الحل العسكري. ثم تبعاً لمقتضيات تقطيع الوقت بنسبة معقولة من الهدوء بانتظار وصول قطار الحل الى محطته الأخيرة.

وتلك المحطة لا تزال بعيدة.. لكن الشطط الإيراني – الأسدي قريب ومتوتر ومستعجل! ولا بدّ بالتالي من ضبط الإيقاع: الآستانة بعد حلب. وجنيف مع الباب! وفي الأمرين إنكسار للمعنيين وانتصار في الوقت نفسه.. لا العين الوقحة المفتوحة على الآخر لبشار الجعفري تظلّ على فجورها. ولا العين المكسورة للمعارضة تبقى على انكسارها!

صحيح أنّ حلب أكبر من الباب. لكن المساحة في السياسة مطّاطة مثل السياسة وليست رقماً جغرافياً لا يُناقَش ولا يُجادَل. والأمر نفسه في قواميس معظم الحروب: بلدة صغيرة توازي في معركة ما مدينة كبرى. ومعبر واحد يقصم ظهر مدينتين كبيرتين. وتلّة واحدة جرداء توازي عمراناً عسكرياً واسع النطاق.. الخ.

وكذا الحال في لعبة التفاوض خصوصاً إذا كان المطلوب أن لا تنتهي قريباً. وخصوصاً أكثر، إذا كان المتحكّمون بها هم مجموعة حكّام شبه متساوين وليس حكماً واحداً يزمّر بصفّارته على ذوقه وقياسه وحالته.

أكثر من ذلك. تدخل المعارضة الى جنيف وفي يسراها ما يدعم الذي في يُمناها. ميدانياً وسياسياً، إقليمياً ودولياً.. تعود الى طرح قضية الانتقال السياسي تحت سقف تنظيم «خروج» بشّار من الحكم وليس أقلّ من ذلك. وترسّخ في كل الأحوال، واقعة أنّ الحرب على الإرهاب لا تكتمل من دون الضرب في جذوره. وإنها هي، وليس بقايا السلطة الأسدية ولا داعميها الإقليميين، جزء من تلك الحرب، ومعركة الباب أحدث مثال.

.. تدخل الى جنيف من الباب ومعها تطور آخر خطير لا يمكن إغفال تأثيراته على النكبة عموماً. وهو المتعلق بالسياسة المعلنة والمستترة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وسعيه المزدوج والمتعارض، الى مواجهة التمددات الخارجية الإيرانية من جهة وإزالة الشوائب التي علّقها باراك أوباما على العلاقات مع تركيا من جهة ثانية.

وبعد هذا هناك أمر آخر مستجدّ وخطير أيضاً مفاده أن الإدارة الأميركية في صدد الانخراط فعلياً في البحث عن منصّة مشتركة مع الروس لكن وفق شروط مُعدّلة أبرزها تخفيف الصلة بين سوريا والعقوبات الخاصة بالقرم وأوكرانيا، والعلاقات الثنائية في الإجمال. ثم قطع خطوط التواصل مع الأطراف الكردية صاحبة العلاقات الملتبسة مع جماعة الأسد، وحاملة أجندة المواجهة مع الأتراك.

وفد بقايا السلطة الأسدية في عالم آخر. يأتي الى جنيف وفي ذهنه مثال حلب. و«التسوية» الوحيدة التي يفهمها هي أن تعلن المعارضة الاستسلام لا أكثر ولا أقل! أي أن مدوّنة الأوهام لم يطرأ عليها أي تغيير برغم كل ما حصل على مدى السنوات الست الماضية، ولن يضيره في شيء وهم آخر يُضاف عليها، عنوانه مفاوضات جنيف!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى