بكر صدقيصفحات سورية

عن محاولات إخوان سوريا الاستحواذ على الثورة

بكر صدقي

في رده على بيان الناطق باسم القيادة المشتركة للجيش الحر فهد المصري، قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا رياض الشقفة إن هناك “موسماً للهجوم” على جماعته، مقللاً من شأن الانتقادات العنيفة التي تضمنها البيان، ومشككاً بالصفة التمثيلية للمصري.

لا نعرف ما إذا كان المصري تصرف بشكل فردي في إصدار البيان، أو أنه عبر فعلاً عن رأي الهيئة العسكرية التي يمثلها. الأهم من ذلك هو أن جزءاً كبيراً مما ورد في البيان هو مما يتداوله الرأي العام المناصر للثورة بغيظ مكتوم منذ وقت طويل، ولا يجهر به حرصاً على وحدة الصف في المعارضة وتوفير كل الجهود لهدف إسقاط النظام.

أما صفة الموسمية التي استخدمها الشقفة، وردَّها جزئياً إلى عوامل خارجية (سياسة إخوان مصر في الحكم)، فهي للتغطية على السبب الحقيقي لتفجر الغضب على الإخوان السوريين. نعم، إن ما يحدث في مصر يخضع لمراقبة لصيقة من السوريين، ويؤثر بحق على صورة إخوان سوريا ويرفع من مستوى التوجس منهم، ليس فقط لأن الفكر الإخواني الواحد يحكم ممارسات الطرفين، بل لأن الجماعة لها قيادة أممية، ومن المشروع توقع تكرار ممارستهم للسياسة في مصر في سوريا ما بعد الأسد أيضاً. توقيت انتقادات بيان القيادة المشتركة يتعلق بالأحرى بموضوع اختيار غسان هيتو الذي يقال إنه محسوب عليهم لرئاسة الحكومة المؤقتة الذي أثار الكثير من اللغط وتسبب في انسحابات جماعية من الائتلاف الوطني (تجميد عضوية) واستقالة رئيسها معاذ الخطيب.

يقول الشقفة وقادة آخرون في الجماعة إن ما يشاع عن هيمنتهم على المجلس الوطني والائتلاف الوطني هو محض افتراء، لأنهم لا يشكلون إلا عشرة في المئة من المجلس، وأقل من هذه النسبة في الائتلاف. هذا رقم نظري لا يعكس واقع الحال إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كثيراً من الأطر والشخصيات “المستقلة” عن الجماعة هم إخوانيون سابقون انشقوا عنها لأسباب داخلية لا يعرفها الجمهور، لكنهم غالباً ما يصوتون معاً عند اتخاذ القرارات العامة.

من جهة أخرى هناك ما يسمى بـ”كتلة الـ88″ المؤسسة للمجلس الوطني وتضم إلى الإخوان والبيئة الإخوانية، أطراً وشخصياتٍ علمانية وليبرالية ويسارية وكردية، حريصة جداً على التصويت معاً كلما تعلق الأمر بتوزيع حصص في السلطة التي يشكلها المجلس الوطني. تتصرف هذه الكتلة الغريبة بطريقة حزبية ضيقة الأفق ولسان حالها الدائم “هناك من يريد سرقة دورنا وما راكمناه من رصيد معنوي. لنكن حذرين ونفشل مخططات هؤلاء الغرباء”.

لقد غرق أعضاء المجلس الوطني في صراعاتهم الصغيرة على السلطة فيه، إلى درجة نسوا فيها الثورة السورية وما يجري على الأرض، أي سبب وجودهم حيث هم، واختزلوا السياسة إلى قرارات داخلية بتشكيل المكاتب أو توزيعها أو تسمية أعضاء الهيئة التنفيذية ورئيس المجلس. تجلى ارتباك الكتلة المذكورة، وضمنهم الإخوان، بصورة فاضحة في الطريقة العجيبة التي أدت إلى تسمية جورج صبرا رئيساً للمجلس في مؤتمره المنعقد في الدوحة في تشرين الثاني 2012. فالجماعة التي لا يحتمل عقلها التصويت لرجل مسيحي المنبت شيوعي العقيدة، أفشلت انتخابه في الأمانة العامة للمجلس، ثم تداركت خطأها، ربما بضغط من حلفائها العلمانيين في كتلة الـ88 وربما لأنهم تذكروا مبدأ التقية السياسية الذي يروزهم والقاضي بـ”القيادة من الخلف”، لترفع الرجل إلى رئاسة المجلس.

لكن جماعة الإخوان والبيئة الإخوانية المنشقة عنها تنظيمياً لا فكرياً، تجاوزت تلك الألاعيب الصغيرة إلى ما هو أخطر. فبعد ترقب استمر أكثر من شهر على بداية ثورة الحرية والكرامة، اتخذوا قرارهم بالالتحاق بها، بعد أكثر من سنتين من “تعليق معارضتهم للنظام” بمناسبة الحرب الإسرائيلية على غزة، بدعوى “دوره الوطني” في دعم المقاومة الفلسطينية. الغاية من التذكير بهذا الموقف هي نقد البراغماتية الإخوانية التي تبلغ حدوداً غير مقبولة مقابل مكتسبات يطمحون للحصول عليها، وغالباً ما يخيب رجاؤهم بسبب سوء تقديراتهم السياسية.

منذ أعلنت الجماعة انحيازها للثورة وهي تخطط كيف تقطف الثمار للقفز إلى السلطة. فالجماعة المغيبة قسراً عن الساحة الوطنية منذ العام 1980 حين صدر القانون 49 الفاشي الذي يقضي بإعدام كل منتسب إليها، أخذت تستثمر المال السياسي لشراء الولاءات، سواء في التنسيقيات المدنية أو المجموعات المسلحة التي أطلقت على الموالية لها منها اسم الدروع. لا أحد ينكر على الإخوان حقهم في المساهمة في الحياة السياسية بعد إسقاط النظام، ولا حقهم في الفوز بالسلطة السياسية إذا تمكنوا من اقناع غالبية الناخبين ببرنامجهم السياسي. لكن للثورة أحكامها ومنطقها الذي لم يفهمه إخوان سوريا، ولن يفهموه أبداً بالعقلية المتقادمة التي يفكرون بها، ورائزهم الأساسي هو الفوز بالسلطة. الثورة بالنسبة لهم مجرد وسيلة لهذه الغاية. أما أنها ثورة حرية واستقلال ثاني، أي ثورة تحرر وطني، فهذا ما يقصر عنه العقل المذكور. إضافة إلى جهلهم التام بالمجتمع السوري الذي أرغموا على الغياب عنه لثلاثة عقود. ما زالوا يتصورون بسذاجة أنهم سيفوزون بأي انتخابات حرة، لأن غالبية سكان سوريا من المسلمين السنة، وبديهي عندهم أن هؤلاء سيصوتون كتلة واحدة لصالحهم. في حين أن السنة في سوريا لم يتصرفوا يوماً كطائفة سياسية، ولن يتصرفوا.

من حق السوريين أن يتوجسوا من الإخوان المسلمين، بالنظر إلى السلوك السياسي للفرع المصري (الفرع الأم) للجماعة بعد وصولها إلى السلطة. فعند الرئيس مرسي وجماعته أنهم حلوا في السلطة محل مبارك وانتهى الأمر. ليعودوا إلى التصرف كما كان نظام مبارك يفعل تماماً في قمعه للحريات العامة وغيرها من الممارسات. كانت ثورة 25 يناير ثورة حرية أيها السادة، لا ثورة من أجل استئناف القمع بتغيير السجان والجلاد.

موقع24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى