صفحات الثقافةيزن الحاج

عودة الـ “فيسبوك” إلى صباه

 

يزن الحاج

بعد ما يقارب سنتين من عمر الثورة، في الحياة الواقعية والافتراضية، عاد الـ “فيسبوك” السوريّ، الذي انطلقت منه الشرارة الأولى للانتفاضة، إلى مهمته الأساسية كـ “موقع تواصل اجتماعيّ” تكون فيه “صباحو” طاغيةً على “صباح الحرية”، و”تصبحون على خير” بديلةً عن “تصبحون على وطن” التي احتكرت الصفحات الشخصية شهوراً طويلة.

هذا الـ “فيسبوك”، كعالم افتراضيٍّ موازٍ، استعاد ألوانه بعد أن احتلّه الأحمر في الصور والفيديوهات بنكهةٍ سوريةٍ مؤلمة. وعادت “جمهورية الأزرق” إلى بريقها الشاب، لتتحقّق النبوءة الخافتة القديمة التي تمّت تنحيتها لصالح اليوميّ والعاجل.. أي “عودة الـ “فيسبوك” إلى صباه”.

منذ آذار 2011، انتقل الـ “فيسبوك” إلى مهمّة نشرة أخبارٍ بديلة لا مذيعين فيها ولا سياسة نشر ولا سقف حريّة تكبح طموح “الصحافي-المواطن” الذي مارس حريّته الكاملة في رفع الصور والفيديوهات التي لا تجرؤ القنوات الفضائية على عرض معظمها لدواعٍ رقابيّةٍ أو إنسانية، ليصبح هذا الصحفيّ-المواطن ذاته هو المتفرج كذلك بفسحة حريةٍ كاملةٍ أيضاً لتأمّل الصور والتدقيق فيها، عدا عن قابلية إعادة الفيديو “المحرّم” مراتٍ ومرات.

صور البروفايل والـ cover تومئ بصراحةٍ إلى التوجّه السياسيّ والفكريّ والثوريّ بل وحتى الميل العسكريّ لكل شخص، فيما تلاشت الأغنية والضحكة والنكتة، علاوةً على إقصاء النصّ “مسحوب الدّسم الثوريّ”، ليتحول إلى تابو فيسبوكيّ أكثر صرامةً من التابو الاجتماعي في الشارع؛ إذ أن السهرات والمشاوير القليلة في الحياة الواقعية أمست أكثر رحابةً من الصفحة الفيسبوكية التي ينبغي أن تكون صارمةً بالضرورة.

تدريجياً، مع تعاقب الشهور السورية الطويلة والانقلاب البطيء للمزاج العام من الحماس إلى الملل والفتور، عادت الأغاني بخجلٍ بدايةً (الشآميات الفيروزية في الغالب)، ثم نشطت المشاركات من “يوتيوب” لتتمّ إزاحة الشيخ إمام ومارسيل خليفة وسميح شقير، وكذلك نجوم الغناء الثوريّ السوريّ الجديد، لصالح زياد الرحباني وأم كلثوم، بل وحتى آخر الأغاني الحديثة. أما “البوستات” فقد خلعت صرامتها لترتدي حللاً ملوّنةً ابتداءً من النكتة وصولاً إلى النصّ الشعريّ والترجمة مروراً برسوم الكاريكاتير التي تتأرجح بين الثوريّ واليوميّ. حتى مشاركات الصور باتت أكثر تنوّعاً، إذ أصبح بالإمكان رؤية قلب حبٍّ في الفالانتاين وقد تجاور ببساطةٍ مع صورة “الفالانتاين السوري” المؤلمة للمبدع تمّام عزام؛ أو بوست عشق متواضع وقد تصدّر الصفحة قبل قصيدةٍ لأمل دنقل مثلاً، دون أن يثير هذا “التّناقض” حفيظة أحد كما كانت عليه الحال قبل أسابيع قليلة، حتى أن عدّاد التعليقات المتبادلة في البوست الفيسبوكيّ، هذا التجمّع الصغير الذي يكسر قيود الحواجز المتناثرة في الشوارع، بدأ يصل أحياناً إلى مائة تعليقٍ أو أكثر لا مكان فيها للألم الصريح الذي فجّر الأرواح.

نافذة “التشات”، كذلك، أشعلت أضواءها الصغيرة الخضراء في سهراتٍ افتراضيةٍ تخلو من التحليلات والتحليلات المناقضة اليومية، وشرعت درفتيها للتحيات الاعتيادية وآخر “تقفيلات” هذه الصفحة الساخرة أو تلك، لنشهد صعوداً متأخّراً للـ “تشات” (الذي كان المضمار الأساسي للـ “فيسبوك” قبل هاتين السنتين الطويلتين.. فسحة صغيرة يغمرها “التلطيش” والغزل والسخرية بل وكذلك تبادل آخر الكتابات والصور الشخصية) إلى واجهة الحياة الافتراضيّة كفعل تمرّدٍ حياتيّ على التمرّد الثوريّ، ليبقى الوجه الأصفر المبتسم إيماءةً لابتسامةٍ تشقّ طريقها ببطءٍ إلى الشفتين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى