حواس محمودصفحات سورية

عود على بدء المثقف الكردي والسياسي/ حواس محمود ()

 

 

الشعوب المقهورة التي تتعرض للظلم المزمن، تكتسب مع الزمن عادات وتقاليد وممارسات حياتية وميدانية، تكون في جانبها الغالب ذات طابع سلبي، كنتيجة طبيعية عن عملية التأثر المكتسب من البيئة الاستبدادية المهيمنة عليها أو المحيطة بها، والشعب الكردي في سوريا هو احد هذه الشعوب التي ابتليت بنظام قمعي استبدادي شمولي دكتاتوري شرس، يمتلك مهارة فائقة في اللعب بالأوراق الداخلية والخارجية، لإطالة أمد عمره، وقد كانت المسألة الكردية إحدى المسائل المهمة والحساسة في الشرق الاوسط التي لعب عليها النظام، فقد ساند تكتيكياً أطرافاً كردية من كردستان العراق وتركيا، لعملية الضغط على تركيا لحل الخلاف بشأن المياه ونهر الفرات، أي حبس المياه عن سوريا، وعراق صدام حسين لخلخلة وضعه وجعله ضعيفاً، لوجود تنازع مستمر بين النظامين البعثيين، ولم يكن التأييد الامني السوري للـ(ب.ك.ك.) ولا الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي ولا حتى المهادنة ونسج علاقات مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، اقول لم يكن هذا التأييد ضمن خطة استراتيجية لخدمة الشعب الكردي في سوريا، فقد كان الكرد في سوريا مخنوقين ومقموعين وممنوعين من كل الحقوق القومية حتى من حقوق المواطنة، فقد كان النظام قد طبق الحزام العربي عام 1975، وكان يترك قضية المحرومين من الجنسية بدون حل.

إذًا هذه هي الحالة الكردية في سورية الى ما قبل الثورة السورية، مع وجود أحزاب كردية كانت السلطة تتغاضى عن ممارستها للسياسة، وكانت أحزاباً من دون قاعدة شعبية عريضة، لأنها لم تكن تتغلغل بين الجماهير، وكان ينقصها العمل بين الشباب والمرأة والمثقفين، وانشغلت كثيراً بالمهاترات والمنازعات الشكلية غير الفكرية وحدثت الانشقاقات المتتالية التي كانت السلطة وراءها.

مناسبة هذا القول هي أن المشهد السياسي الكردي رغم ضعفه الكبير تحت حالة التنازع الكبير، وهروب القيادات الكردية مع اشتعال الثورة السورية من الميدان وترك الميدان للـ(ب.ي.د.) ونسج الـ(ب.ي.د.) العلاقات مع السلطة وحدوث هجرة كبيرة للكرد منهم نشطاء ونخبة فكرية وعلمية وأطباء ومهندسون ومثقفون وباحثون.. إلخ.

أقول مع هذه الحالة تشتت المثقفون في اتحادات للكتاب تابعة لهذا الحزب السياسي أو ذاك، وللأسف ارتضى الكثيرون من المثقفين هذا الدور التبعي الارتزاقي المقيت، من دون أي احترام وتقدير لقيمة الثقافة ودورها وتأثيرها الكاسح – إن استخدمت بشكل جيد – في تغيير منظومات القيم والأفكار وتحولها نحو الحداثة والعقلانية والتنوير والتغيير.

ومع هذا التشتت (الهجرة الداخلية والخارجية) بات الواقع مأسوياً مع عدم توفر سبل العيش الكريم، إذ تسود سلطة واحدة في مناطق الإدارة الذاتية من دون وجود مشاركة لكل القوى السياسية ولقوى المجتمع المدني على ضعفها وصغر حجمها.

وهنا تكمن ضرورة وجود حراك ثقافي كردي كبير وواسع، لكن لا نجد مثل هذا الحراك، وإن وجد فهو جزئي ومبعثر، ومن يحاولون تقديم أي شيء جديد، يقعون بإشكاليات كثيرة

لكن هنا لا بد من التركيز على وجود حالة عدم فهم مهمة السياسي والمثقف، اذ تختلط المهمتان لدى العديد من السياسيين والمثقفين على حد سواء.

مهمة المثقف التنوير وبث الوعي والمعرفة والفكر، وعدم التقوقع في الأبراج العاجية أو الغرور، أو التعالي على هذا الشعب البسيط المسالم، وإنما خدمته معرفياً وكشف الطريق أمامه جيداً، ويأتي السياسي ليطبق تكتيكياً ما يمكن استخلاصه من المثقف.

لا يرتهن المثقف لإرادة السياسي، الذي من المفترض بعد هذا الخراب الكبير أن توجه إليه أسئلة الأزمة، وسبب هزيمته وتركه الشعب وحيداً يواجه مصيره أمام ذئاب التهريب وأمواج البحر التي لا ترحم اللحم الطري لطفل أو امراة أو عجوز مسن، نحن في حالة كارثة عظمى قلما حدثت في اي قرن من القرون، وهذا يتطلب من المثقف عوضاً عن المسالمة مع الأحزاب أن يقود حالة نهضة تنويرية كبرى وتوجيه المزيد من الاسئلة المحرجة للسياسيين الذين كانوا نتاج حافظ الاسد، ولكنهم لم يحضّروا أنفسهم وأحزابهم وشعبهم للحدث الكبير، وكانوا لا يستندون إلى أي مركز استشاري أو مركز دراسات، وهنا أسأل أحد الأحزاب الكردية لماذا لم يقدم مركز دراسات كردي تابع له في السليمانية أي مشورة له بشأن ما سيحدث بسورية، والخطوات اللازمة للتعامل مع الأزمة، علماً أن كاتب السطور كان يتنبأ بما سيقع ولديه مقال بهذا الخصوص.

لا بد أن يدور النقاش مجدداً بخصوص مسألة السياسي والمثقف. إن نوم المثقف والشعب يحترق غير مقبول بتاتاً أقله بضرورة التحرك ولو ببيانات وتحركات وندوات، لأن الكارثة كبيرة جداً وتزلزل الأرض تحت أقدام هذا الشعب الذي بات خارج وطنه.

الموضوع ذو شجون وأتمنى أن يكون بأثر نقاشي من الزملاء الكتاب والمثقفين لما فيه خير شعبنا الكردي وسلامته.

() كاتب كردي من سوريا

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى