صفحات الثقافةممدوح عزام

عينان أم غابتا نخيل؟/ ممدوح عزام

 

 

ظلّ موضوع المرأة، التي صارت وطناً، يشغل بال جيلنا طوال سنوات. وفي الغالب، فإن اليسار هو الذي أوغل في تكبير هذه العلاقة، وأفرط أيضاً في تكبيلها، وفرضها على الوجدان العام للقرّاء في زماننا.

وقد يكون هذا الموقف وراء الحملات التي رفضت شعر نزار قباني، لدى الكثير من أجنحة الشباب الذكور. كنا نقول إن نزار يحتقر المرأة، حين لا يرى فيها سوى شريكة في الفراش. ثم يمكن سحب الشواهد من دواوين الشاعر، ورفعها في المحكمة التي كانت قد أدانت الشاعر سلفاً، ورفضت شعره.

وقد تسبّبت هذه اليقينيات في تخريب آلاف العلاقات العاطفية البسيطة بين الشبّان والبنات، حين أخذ جيل كامل يرى المرأة وطناً. وفي الغالب، فإن المرأة انقسمت في نظر هؤلاء، فالمتعلّمة هي الوطن المقدّس، بينما غير المتعلّمة هي المرأة التي يمكن أن تكون زوجة.

وقد ساهمت النظرية في إفساد العلاقات الطبيعية بين الشبّان والشابّات، وكثير من مشاريع الزواج تمّت تحت مظلّة الارتباط بوطن أيضاً، وهو أمر انكشف أو ينكشف سريعاً، بعد يوم واحد من زواج يفترض أن المرأة الوطن سوف تضطرّ لطبخ الفاصولياء، أو الذهاب إلى الحمّام.

اللافت في الأمر أن مثل هذا الخيار قد يستبطن موقفاً آخر، يرمي الفكر من ورائه، لإخفاء حقيقة أن الثقافة لا تناصر تحرّر المرأة. ولهذا يجري الهرب من الواقع، الذي بدأ يفرض أجندة التحرير على الذكورة المسيطرة، بتحويل الهدف المعني إلى رمز.

لا يُمكن لأحد أن يشكو أو يذمّ ثقافة تقدّس المرأة مثلما تقدّس الوطن! وخاصة حين تصبح عيناها غابتي نخيل ساعة السحر، أو شرفتين راح ينأى عنهما القمر. وبهذا، يستطيع الشعر، أو تستطيع الثقافة أن تدعو لتحرير المرأة، دون أي التزامات عينية على الأرض، فالمرأة التي ندعو لتحريرها، ليست موجودة في الواقع، بل في القصيدة. أو أن أجندة تحريرها مؤجّلة، أو متعلّقة بالنضال السياسي التحرّري المتعلّق بالوطن. أليست وطناً؟

أظنّ أن جذور النظر إلى المرأة المقدّسة، أو جذور تحويل المرأة من كائن من لحم ودم وعواطف وأفكار، إلى هلام كلامي خال من الملامح، متأصّلة في التراث العربي، أو في الشعر العربي الذي لم يكن يخاطب المرأة، ولم يجسّدها، بل كان يحوّلها إلى سياق رمزي هو جزء من قصيدة، لا من حياة وعلاقة ومشاعر.

ومثلما كان الأمر في الشعر العربي القديم، الذي لا تجد فيه ملامح لأية امرأة، فلا تعرف شكل ليلى أو بثينة البتّة، استمر الأمر في الأدب العربي الحديث، الذي صارت فيه المرأة وطناً. وفي الغالب، فإننا لم نعرف شكل النساء في قصيدة المقاومة، ولا في شعر الحداثة. وريتا اليهودية، التي سمّيت باسمها آلاف البنات العربيات، تفصلنا عنها بندقية.

وفي الخفاء، كان يتسلّل إلى دفاتر أحدهم شعر نزاري، يحتفظ به لنفسه، أو يخاطب به محبوبته، شرط ألا تكون مزوّدة بفكر رافض لموضوع الغزل. وفي الخفاء أيضاً، يترك الوطني العربي حبيبة القصائد، ليتزوّج امرأة لم تقرأ تلك القصائد قط.

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى