عيوب وسلبيات الانتفاضة السورية
زين الشامي
دخلت حركة الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري مرحلة حاسمة من عمرها بعد أن اجتازت مراحل كثيرة صعبة ودقيقة، فقبل نحو أربعة أشهر وحين خرج بضع عشرات من أهالي المعتقلين للتظاهر أمام مبنى وزارة الداخلية في دمشق احتجاجاً على استمرار اعتقال ابنائهم وذويهم، حيث اعتبروا في تلك اللحظة «مشاريع شهداء»، ثم وصولاً إلى خروج نحو نصف مليون متظاهر في مدينة حماة، ووصولاً إلى قرار السلطات السورية إرسال الدبابات إلى المدن والقرى من أجل قمع المتظاهرون، بين تلك اللحظات الأولى وما وصلت إليه حركة الاحتجاجات اليوم من شمولية وعمق واصرار على الاستمرار، يمكن القول حقاً ان هذه الانتفاضة الشعبية قد قطعت أشواطاً كبيرة واجتازت اكبر العوائق والتحديات بنجاح قل له مثيل.
نقول ذلك خاصة وأن الشبان السوريين يواجهون اليوم نظاماً من أعتى الأنظمة في العالم وأكثرها بطشاً، ويواجهون في الوقت ذاته صمتاً عربياً ودولياً مريباً.
باختصار شديد، لقد اجتازت الانتفاضة الشعبية في سورية أصعب المراحل بنجاح وصولاً إلى مرحلة المطالبة بإسقاط النظام، وهذا يعني أن زخم الثورة يتزايد، وأن مطالبها تتصاعد. واجتازت الانتفاضة السورية كذلك مرحلة الانزلاق إلى خطر الحرب الأهلية رغم كل المحاولات التي بذلها النظام والمؤسسات الأمنية، حيث روى الكثير من المتظاهرون والناشطين كيف عملت تلك الأجهزة على الاندساس بين صفوف المتظاهرين ومن ثم تشجيع الشبان المنخرطين والمتحمسين إلى استخدام السلاح ضد أبناء «الطائفة الحاكمة»، ولقد اثبت السوريون وعياً كبيراً في هذا الصدد، وأدركوا مخاطر «تسليح» الانتفاضة على ديمومتها واستمراريتها فيما لو اختاروا هذا النهج. لقد تطلب الصمود في الخيار السلمي دفع الفاتورة والثمن غالياً، وتحمل المتظاهرين ذلك عن طيب خاطر، وقد دفع السوريون من دماء أبنائهم الكثير حيث سقط حتى الآن نحو ألفي قتيل وأضعافهم من الجرحى، وأضعاف أضعافهم من النازحين إلى الدول الأخرى. لكن رغم كل ذلك لابد من الاعترافات أن ثمة عيوباً وسلبيات شابت هذه الانتفاضة، إن الوقوف عند هذه العيوب والأخطاء لا يقلل من نضارتها وزخمها، ولا يقلل من شأنها ونبل أهدافها وصدق نوايا وأهداف المتظاهرين.
أولى الملاحظات هي أن الانتفاضة لم تصل الى كل المناطق والمحافظات السورية، مثل الحسكة والرقة وحلب والسويداء، ان على المعارضين والمثقفين السوريين البحث في أسباب تأخر هذه المحافظات عن اللحاق في ركب الانتفاضة الشعبية، ان ذلك يعكس تقصيراً من قبل هؤلاء المثقفين والمعارضين، لأن دورهم يجب أن يكون مكملاً لدور الشبان الذين يتظاهرون على الأرض، وشبابنا بأمس الحاجة اليوم إلى دخول مناطق جديدة على خط التظاهر وذلك لتخفيف عبء القمع العسكري والأمني عنهم، وثانياً لإعطاء الانتفاضة بعداً وطنياً شاملاً.
ثاني الملاحظات حول هذه الانتفاضة، يتعلق بالقائمين على موقع «الثورة السورية ضد الرئيس بشار الأسد» على موقع الفيسبوك، فهؤلاء الشبان ارتكبوا بعض الأخطاء من خلال إطلاقهم لتسميات لأيام الجمع، لم تحظ بتوافق أو رضا شرائح كبيرة من السوريين، لا بل ان بعض التسميات جعلت الكثيرين من السوريين يحجمون عن الانخراط في صفوف المتظاهرين أو تأييد الانتفاضة. ان أكثر التسميات التي تسببت في حصول لغط حولها هي «جمعة العشائر» و«جمعة الحرائر» و«جمعة الشيخ صالح العلي». على القائمين على هذه الصفحة مراعاة الخصوصية السورية وحساسية بعض الجماعات السياسية والاجتماعية لمثل هذه التسميات. فالعلمانيون واليساريون وهم شريحة كبيرة ومتواجدة بقوة في الحياة السورية، وغالبيتهم يقفون اليوم ضد النظام، كانوا ضد تسمية «جمعة الحرائر» لما تحتويه التسمية من أبعاد دينية لا مدنية.
كذلك فإن الشرائح الاجتماعية ذاتها وقفت موقفاً معارضاً لتسمية جمعة «العشائر». وهناك بعض من شرائح المجتمع عارضت تسمية «جمعة صالح العلي» لأسباب مختلفة. على سبيل المثال، الناشط والصحافي حازم نهار كتب على صفحته: «كي أتقبل الأمر، سأقنع نفسي على أقل تقدير أن حرف العين في جمعة العشائر كان من المقرر أن يكون حرف باء، لكن يبدو أن ريحا رملية هبت ونزعت الباء وأكلت فرحتي بالبشائر وجلبت علينا العشائر». بدوره، الباحث والناشط برهان غليون اعتمد تسمية جمعة البشائر وكتب «سنخرج جميعاً في جمعة البشائر، في المدن والقرى السورية وفي بلدان المهجر».
ومن الملاحظات على الانتفاضة السورية، تأثر عدد من المتظاهرين بالخطاب الديني التحريضي والطائفي وقد لعبت قناتا «وصال» و«صفا» ورجل الدين عدنان العرعور دوراً من الصعب تقديره بدقّة في التحريض على الاحتجاجات المناهضة للسلطة السوريّة.
ورغم أننا لا نميل إلى تضخيم هذا الدور كون العامل الأبرز في الحراك الاحتجاجي كانت الظروف الصعبة التي يئن تحتها الشعب السوري منذ أكثر من أربعين عاماً، مثل انغلاق الأفق السياسي وحاجة المجتمع السوري إلى الحرية والعدالة قبل أي شيء آخر، إلا أنه لوحظ أن هناك حضوراً لمثل هذا الخطاب التحريضي والطائفي.
ما يلفت النظر هو أنّ العرعور يقدّم خطاباً سهلاً وعنده مقدرة على التأثير رغم أنه لم يحصل وان تورط هذا الرجل بجمل طائفية صريحة يمكن القبض عليه من خلالها متلبساً كما يقال. لكن هذا لا يلغي خطورة الدور الذي يلعبه في الأحداث وربما في المستقبل، خاصة إذا ما علمنا السياق الطائفي الموجود في المنطقة العربية، وخاصة في العراق ولبنان، والصراع الخفي بين إيران «الشيعية» وجيرانها العرب «السنة» وسعي النظام الإيراني للسيطرة على النظام السوري، وما تردد سابقاً عن سعي لتشييع بعض السوريين. وأهم من كل ذلك أن تركيبة النظام السوري هي تركيبة طائفية حيث تتركز المناصب الحساسة في أيدي فئة قليلة من أقارب عائلة الأسد، فيما البقية من المشاركين في النظام ما هم إلا ديكور مطلوب لإعطاء بعد تشاركي وصورة كاذبة مموهة عن حقيقة التمثيل في السلطة ومواقع القرار. المشكلة في الخطاب الإعلامي الديني للقناتين المذكورتين والعرعور، أنهم ينطلقون من خلفية السياق الطائفي والصراع الديني القائم في المنطقة ومن احتكار عائلة الأسد وبعض رجال الطائفة العلوية للسلطة في سورية وهنا خطورة المشكلة.
ان ذلك، وفيما لو علمنا ان هناك فئات لا يستهان بها من الشعب السوري واقعة تحت تأثير هذا الخطاب، يشكل الخطر الأكبر على هذه الانتفاضة، ويمنع شرائح كبيرة من المجتمع السوري من الانخراط بها. وخاصة أبناء الأقليات من السوريين، من مسيحيين، وعلويين، ودروز، واسماعيليين، وشيعة، ومرشديين، وحتى سنة علمانيين ويساريين، أو من القوميين السوريين.
هذه كانت بمجملها ملاحظات عامة على حركة الاحتجاجات الشعبية، الغاية منها الحفاظ على زخم وديمومة الانتفاضة واعطاؤها بعداً اجتماعياً ووطنياً أكبر وصولاً إلى النتيجة التي نتمناها جميعاً وهي الوصول إلى دولة ديموقراطية حرة.
كاتب سوري
الراي