صفحات الثقافة

غرافيتي الشعراء/ رامي زيدان

يحبّ معظم رواد الغرافيتي الشعارات أو العناوين والكلمات “المشرقطة” على الجدران لأنهم يدركون قوة الكلمة. يعرفون أن بعض الثورات والتحركات الاحتجاجية كانت شرارتها كلمة غرافيتية على جدار، ويعرفون ان الغرافيتي فيض في التعبير يحكي هموم المواطن العادي.

عندما يتم اختيار قصيدة أو أبيات شعرية لرسمها وتزيينها، يجري انتقاء جمل يغلب عليها طابع شعاراتي يرتبط بالحدث أو بالموجة السائدة ووعي الناس. فالغرافيتي من الأدوات المشجعة على الاحتجاج، وربما الاستعراض. تنطوي الكلمة المباشرة في الغرافيتي على شيء من الغواية و”العضلات”، وتختصر الكثير من التفاصيل، ربما لأن الفنان يريد إيصال رسالته من دون مواربة، يهرع إلى الجدران التي تشدّ العابر والمواطن العادي. لهذه الأسباب يختار الفنان الجمل المألوفة والنافلة ويطلسها في اللحظات الخاطفة بطريقة فنية وبصمة خاصة.

في العالم العربي، قلّة من الشعراء العرب والأجانب، استُخدِمت عبارات من قصائدهم لتكون فكرة لعمل غرافيتي أو طبعة “ستنسل” (زنكو) على جدران بعض المدن والبلدات والمخيمات. وعلى رغم أهمية بعض الشعراء وحضورهم الشعبي، لم يندفع الغرافيتيون لاستنباط جمل منهم، ربما لأن شعرهم لا يناسب المرحلة أو لا يتناسب مع وجهة نظرهم الثقافية والسياسية. على ان الثورات العربية ساهمت إلى حد ما في ترويج بعض الشعر، سواء الشعاراتي منه أو الفلسفي والحكمي. لنقل إن بعض الشعر الشعاراتي ساهم في الترويج للثورات من خلال الغرافيتي. ولا بدّ أن يعطينا التأمل في بعض الأعمال المرسومة انطباعاً عن بعض الشعر والشعراء على الجدران، وعن الذائقة الأدبية السائدة.

ثمة مجموعة من الغرافيتيين في بعض البلدان العربية، استخدمت عبارات لأبي القاسم الشابي وأمل دنقل وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وبابلو نيرودا ولوركا ومحمود درويش وتوفيق زياد وأحمد فؤاد نجم. الأبنودي مثلاً، حضر في الغرافيتي المصري، وحضوره أتى كتشجيع للتثوير الاجتماعي. نقرأ من قصائده العامية على رسوم الجدران عبارات “لسه النظام ماسقطش”، و”الثورة مش حكر… لا ملكك ولا ملكي/ ملك اللي يومها سند صدرُه على السونكي/ واللي الرصاصة شالت عينه ولم يبك”. لا يحمل كلام الأبنودي أي تأويل خاص، كلامه ليس كليشيهاً، ولا يتسم بشعرية خاصة، وإن كان يدعو الى تراجيدية ما.

من بين العبارات التي وظفت في غرافيتي الثورة المصرية عبارة للشاعر التشيلياني بابلو نيرودا: “يمكنك أن تسحق الأزهار ولكن ليس بمقدورك أن تؤخر قدوم الربيع”. هذه العبارة الرومنطيقية المثالية الثورية كانت إشارة تفاؤلية الى واقع التحولات السياسية التي حصلت في العالم العربي، ووظفت في مواجهة العقل الأمني والاستبدادي ولبناء الأمل في التغيير، وهي قريبة من شعار آخر كتبه الثوريون “إن عشتَ فعش حراً أو مت كالاشجار وقوفاً”، ومن عبارة الروائي ارنست همنغواي في رواية “الشيخ والبحر”: “قد يتحطم الإنسان… لكنه لن يُهزم”. الأرجح أن في معظم العبارات الشعرية التي توظف في الغرافيتي شيئاً مشتركاً: أنها تنشد الحرية والموقف واحياناً الرمز.

اختيار أقوال الشعراء لتكون غرافيتي على الجدران، يأتي تبعاً لمعايير سياسية و”نضالية” و”نمطية”، وأحيانا ثقافية وعصبوية وثورية ومزاجية. في تونس استحضر بيت الشابي الشهير “إذا الشعب يوماً أراد الحياة…”، الذي كتب على جدران المدارس وأصبح يعبّر عن وجدان المتظاهرين ومرحلة التحولات الجديدة التي حصلت غداة سقوط الرئيس زين العابدين بن علي. كأن لا شيء أقوى من العبارة الشابيّة النمطية، لتكون تعبيراً عن توجهات المحتجين والمتظاهرين. ثمة تقاطع في المعنى بين عبارة نيرودا المذكورة أعلاه وبيت الشابي، لكن الفرق في الموسيقى الداخلية وروحية اللغة والصورة. ففي عبارة نيرودا شعرية خارقة وصورة تتكون في مخيلة القارئ من غير ان يغوص الشاعر في المباشرة، وفي بيت الشابي خطابية جاهزة تشبه القبضات المرفوعة. وعلى هذا لم يكن مستغرباً أن يكون هذا البيت الشعري مستهلكا ليس فقط في أعمال الغرافيتيين فحسب بل في الملصقات الحزبية العربية عموماً والتونسية خصوصاً. فهو يرد في خطب السياسيين وأناشيد بعض الفنانين “الثوريين”، ويستعمله الباحث عن الحرية والآتي من “سلالة الطغيان”، ليصبح مثل عبارة “القدس عروس عروبتكم” لمظفر النواب و”أناديكم” لتوفيق زياد. جمل شعاراتية تستنزف في الاستعمالات الشعبوية والاعلامية والميديائية والسياسية، قالها شعراء وصارت ملكاً عاماً، كلافتات حزبية وعصبية. بالطبع ليس ضرورياً ان يتضمن الغرافيتي شعراً حداثوياً او قصيدة نثر أو تفعيلة، فهو في كل الأحوال له أهداف محددة ويحمل “رسالة” محددة في ظروف معينة.

لا تصالح

توظيف قصيدة “إرادة الحياة” المدرسية التعليمية للشابي في الحراك السياسي والثوري التونسي، يوازيها استعمال قصيدة “لا تصالح” للشاعر المصري أمل دنقل في الحراك الثوري المصري وفي الثورة السورية على جدران مدينة دوما في الغوطة الشرقية. تبدو في البداية أقرب الى “الوصية” الواعظة، لكن من يقرأ القصيدة كاملة يجد نفسه أمام حكاية (حدوتة) مأسوية. استحضرت “لا تصالح” في مراحل سياسية سابقة، فقد كان دنقل بدأ كتابتها قبل توقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، لا لأنه يرفض السلام وإنما لأنه يرفض الاستسلام، فتحولت قصيدة عروبية قومية يسارية “كاريكاتورية” يرددها رافضو التنازلات التي قدمها السادات ثمناً للصلح مع إسرائيل. وكانت حدَّة رفضه السياسي في ذلك الوقت مقرونة بالسخرية التي كانت تدفعه إلى كتابة أسطر من قبيل: “أيها السادة: لم يبقَ انتظارْ/ قد منعنا جزيةَ الصمت لمملوكٍ وعَبْدْ/ وقطعنا شعرةَ الوالي (ابن هند)/ ليس ما نخسره الآنَ…/ سوى الرحلة من مقهى لمقهى/ ومن عارٍ لعَارْ!”. واستحضرت “لا تصالح” على الجدران في كنف تحركات ميدان التحرير ضد نظام الرئيس حسني مبارك وكُتبت بأشكال متعددة ومتنوعة وملونة ومزركشة، وتناقلتها صفحات الـ”فايسبوك” لتصبح نشيد الجيل الجديد في تلك اللحظة. ولم يقتصر استعمالها على عنوانها وعبارتها الأولى الجذرية والوعظية. فبعدما فقد الشاب المصري أحمد حرارة عينيه في تظاهرات الثورة في مصر، ثمة من رسم طبعة “ستنسل” لوجهه الحزين مع مقطع من القصيدة الدنقلية: “أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما، هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى”. كانت قصيدة دنقل الأكثر تعبيراً عن حادثة أحمد حرارة الأليمة والمأسوية، كأنها مكتوبة لتصف حادثة هذا الشاب بالذات.

في دوما السورية رُسمت قصيدة “لا تصالح”، وتكمن أهمية ذلك في المزاوجة بين اللوحة والمكان، فالحائط الذي اختاره الفنان ليرسم عمله، هو ما بقي من منزل دمره قصف الطيران الأسدي. الحائط في ذلك المكان لديه لغة اقوى من الشعر، ويزيد من وقع لغته قصيدة دنقل وألوان الرسام. الغرافيتي، وإن كان فيه شيء من “جمالية الخراب” التي تعشقها الكاميرا، يومئ بالتأكيد إلى جوهر المأساة السورية.

صلاح جاهين

تبدو قصائد الشاعر صلاح جاهين الأقرب إلى وجدان المصريين، فهو وحده من استطاع ان يترجم مشاعر ملايين المصريين وأحلامهم وأفراحهم كلمات حية متوثبة مليئة بالدفء والزهو والنشوة، ويتجلى حضوره في الأعمال الغرافيتية سواء تلك التي كُتبت في الغرف الخاصة أو شوارع الثورة. أحدهم كتب في غرفته فوق سريره: “ياللي يبحث عن إله تعبده/ يبحث الغريق عن أي شيء ينجده/ الله جميل وعليم ورحمن ورحيم/ اجمل صفاته… وانت راح توجده/ عجبي!”. خلال الثورة المصرية لجأ أحد الغرافيتيين الى رسم متظاهر يعيد رمي قنبلة مسيلة للدموع على الشرطة، مرفقة برباعية لصلاح جاهين: “غمض عينيك وارقص بخفة ودلع/ الدنيا هي الشابة وانت الجدع/ تشوف رشاقة خطوتك تعبـدك/ لكن انت لو بصيت لرجليك… تـقع/ عجبي!!”.

ورسم شاب يطلق على نفسه “نيمو”، غرافيتي على مبنى محافظة الدقهلية يتضمن صورة الإعلامي باسم يوسف وجزءاً من إحدى رباعيات جاهين: “قومتوا ليه، خفتوا ليه، لا في إيدي سيف ولا تحت مني فرس”. الغرافيتي كان تضامنيا مع الاعلامي الشهير بسبب الحملات عليه، وقال نيمو: “ما يفعله باسم يوسف يستحق التقدير والاحترام والتكريم، لو كنا في بلد يحترم المواهب والفن ويقدر النقد، لكن للأسف في دولة الإخوان أصبح كل شيء ليس له قيمة”. وأضاف: “من يعارض الرئيس والإخوان يصبح كافرًا، ويستحق الجلد أو القتل ولم أجد أكثر من رسم الغرافيتي للتعبير عن حالة باسم يوسف”.

العدم

من بين الشعراء العرب يبدو محمود درويش الأكثر حضوراً في الغرافيتي الشعري لأسباب مختلفة ومتعددة، سياسية ورمزية وثقافية وايديولوجية. فعدا حضور صورته كغرافيتي، يتراوح انتقاء الغرافيتيين من شعره وفق مزاجيات مختلفة، بين مَن لديهم ذائقة شعرية ذاتية ومَن تأسرهم الكليشيهات والعبارات الطنانة. ثمة من يختار جملاً لدرويش تكون بالنسبة اليه اقرب إلى الموقف الذي يعبّر عن الواقع الفلسطيني مثل “وطني ليس حقيبة” و”صامدون”. ثمة عبارات فيها بعض من ثقافة الحياة. فعلى أحد أسوار مخيم البقعة في الأردن كتب أحد فناني الغرافيتي: “أريد قلباً طيباً لأحشو بندقية”، و”على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، والجملة الأخيرة رسمت في اكثر من عمل وبأشكال مختلفة ومتباينة. ففي بيروت كتبها الفنان الشاب يزن حلواني حين رسم بورتريهاً لدرويش في منطقة فردان قبل أن يأتي احدهم في الظلام ويطلي البورتريه. تتميز اعمال حلواني في أنها تجمع بين الخط العربي المنمق والغرافيتي الأيقوني، محاولاً اعادة الاعتبار إلى الخط العربي قبل الغرافيتي. في فلسطين رُسمت عبارة درويش نفسها مع الرموز الشعبية الفلسطينية مثل الكوفية ونحوها، ورُسمت ايضا مع الشخصيات التراثية الفلسطينية التي نألف ألوانها في لوحات بعض الفنانين.

ثمة غرافيتيات درويشية يغلب عليها الطابع الشعري المحض، مثل غرافيتي يتضمن قصيدة “إنا نحب الورد لكنا نحب القمح اكثر ونحب عطر الورد، لكن السنابل منه أطهر”، أو “تُنسى، كأنك لم تكن/ تُنسى كمصرع طائر/ ككنيسة مهجورة تُنسى،/ كحب عابر/ وكوردة في الليل… تُنسى”، “تنسى كحب عابر… وكوردة في الثلج… تنسى فاعلم بأنك حرٌ وحيّ حينما تنسى” (من قصيدة “الآن، إذ تصحو، تذكر”). أو “انت بداية روحي وانت الختام” من قصيدة “يطير الحمام”، حيث تتنوع اشكال الغرافيتي التي تستوحي شعر درويش بين وضع صورته المألوفة أو وضع رموز من التراث الفلسطيني الشعبي.

من منا لا يعرف لافتات كفرنبل الساخرة المعبّرة وحيطان سراقب الناطقة في سوريا، التي تحولت جريدة للشعر العربي والمواقف. استحضر ناشطو الثورة من ديوان “ورد أقل” قصيدة “ونحن نحب الحياة، إذا ما استطعنا إليها سبيلا”، خطّوها بألوان علم الثورة، الأخضر والأبيض والأحمر والأسود. اختيار الكلمات الشعرية في المدينة السورية كانت يأتي تبعا لانعكاس الأحداث. في البداية كانت الثورة سلمية فكُتبت عبارة درويش التي تتغنى بحب الحياة. لكن على رغم المناداة بالسلمية لم تنج الثورة من جحيم القتل النظامي وقد اختار السراقبيون من ديوان درويش “أوراق الزيتون” فكتبوا بالأحمر: “يحكون في بلادي، يحكون في شجن، عن صاحبي الذي غاب، وعاد في كفن”، و”أنتمي لسمائي الأولى وللفقراء في كل الأزقة، ينشدون: صامدون، صامدون، صامدون”، و”ابتكرنا الياسمين، ليغيب وجه الموت عن كلماتنا”.

كان لتوظيف شعر درويش في الغرافيتي نكهة خاصة مختلفة ربما بسبب كثرة الاختيارات وتنوعها، اذ تحوّلت بعض كلماته مثل “صامدون” و”حاصر حصارك” و”أحنّ إلى خبز أمي”، كليشيهات بسبب استعمالها السياسي والحزبي والثوري، أما معظم العبارات الأخرى فبقيت في اطارها الشعري، إذ بقي للجمل زخمها لأن فيها شيئاً من الغموض ومن تجربة درويش في مرحلة ما بعد القصيدة المباشرة المنغمسة في همّ القضية. ثمة غرافيتي يستحضر عبارة “مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العدم؟” من قصيدة “لاعب النرد” التي يرثي فيها درويش نفسه بطريقة رائدة. فمثل هذه العبارة، حتى وإن كُتبت على جدار في إطار فن الشارع، تبقى نخبوية، ولا تفهمها إلا قلة قليلة من المتابعين الفعليين لمسيرة الشاعر. واختار شبان الغرافيتي عبارات لدرويش من ديوان “كزهر اللوز أو أبعد” الذي يحضر فيه الموت بكل وطأته: “فافرح، بأقصى ما استطعتَ من الهدوء، لأنَّ موتاً طائشاً ضلَّ الطريق إليك. من فرط الزحام… وأجّلك”، و”انت تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ. لا تنس مَنْ يطلبون السلام”. أشعار درويش على جدران سراقب، تنتمي إلى المعنى، وساهمت بشكل فاعل مع الرسوم الأخرى في كسر “السيطرة الغامضة” التي فرضتها ثقافة البعث من خلال نشر الصور التي تقدّس آل الاسد والحاكم. حين حضر شعر أمل دنقل ومحمود درويش على الجدران السورية، كان إشارة الى تحول ما في الشارع السوري، حيث كان الاعلام السوري الاسدي يقصر الشعر على عبارة للجواهري في مديح الاسد: “سلاماً أيها الأسد”، ترد في موسيقى نشرات الاخبار البعثية.

لا تستوي غرافيتيات درويش على سمت واحد، فبعضها كتابات جدرانية عابرة تخلو من أي ملمح فني وتعبيري، ويمكن أي هاوٍ أن يخطّها من دون ارشاد أحد، وبعضها الآخر عبارات مزركشة وأشبه بلوحات تشكيلية مزيّنة بشكل أنيق.

رامبو

في العالم أيضا يحضر الشعر في الغرافيتي وبقوة، إما من خلال التكريمات والمناسبات وإما من خلال المبادرات الفردية. في روسيا يجد العابر قصيدة لبوشكين على جدران محطات المترو، باعتبار انه اقرب الى الشاعر القومي. وفي فرنسا وفي مواقف محطات يلاحظ قصائد لرامبو مرقوشة على الجدران، يتسلى بها المنتظرون، مثل قصائد بوهيمتي، أوفيليا، النائم في الوادي، شعراء السابعة، كيمياء الكلمة، المناولات الأولى، ملهاة العطش. رامبو مالئ الدنيا وشاغل الناس، ترسم صوره على الجدران ويحضر شعره في التظاهرات ولدى الجماعات الشبابية الهيبية، وله رمزية خاصة وأسطورية فيها الكثير من الغواية المنتمية إلى البوب آرت. يمكن أن نجد قصيدته ضمن غرافيتي أو على فنجان شاي، ويمكن أن نتأمل غرافيتي صوره قد اصبحت غلفاً لكتب عنه أو له. السؤال هنا: لماذا رامبو على الجدران وليس جيرار دو نيرفال أو جورج تراكل وإيف بونفوا؟! ثمة سر ما يجعل بعض الأسماء الشعرية أكثر قدرة على اختراق الوعي الجماعي والثقافي والشارعي سواء في الغرافيتي أو حتى في القراءة. ربما هو سحر الرمز. لنتذكر ان نزار قباني كان شعبياً لكن نادراً ما وجدت له قصيدة على جدار! لنتذكر ان غيفارا كان “صعلوكا” في الثورة لكن صورته تطغى على الجدران أكثر من كارل ماركس مؤسس الشيوعية.

في ايران يحضر شعر الشاعر الغنائي حافظ الشيرازي في الأقوال والأمثال وفي الموسيقى التقليدية الفارسية وفي الفنون البصرية والخط الفارسي وصولا الى الغرافيتي. ولا يختلف الأمر مع نيرودا في أميركا اللاتينية وقد وصل صدى شعره الى جدران بيروت والعواصم العالمية. وفي نيويورك لا تزال الصحافة تتحدث عن غرافيتي للشاعر الاسباني لوركا رُسمت على جدار احدى الصيدليات مع مقطع من قصيدة له بعنوان “مدينة لا تنام”. هكذا يزيّن الشعراء بشعرهم جدران المدن، بكلمات تفيض بتعابيرها ومرات تكون نتاج تصحر وجدب.

في معظم الغرافيتيات الشعرية التي وصلتنا او تسنت لنا مشاهدتها، قليلة هي الأعمال التي تحمل بصمة خاصة ومميزة، وإن كان ثمة فيها ما يدل على الاحتراف. مهما يكن، فاستعمال الشعر في الغرافيتي خط ابيض وسط سواد الكلام والتوتر والسوقيات المتنافسة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى