“غوغل”: الطريق إلى “داعش” لا يمرّ بي!/ روجيه عوطة
قبل الخميس الماضي، كان بمقدور مستخدم محرك “غوغل” أن يكتب في خانة البحث “كيف ألتحق…”، لتظهر أمامه إحتمالات أو اقتراحات عدة، تكمل عبارته، من بينها “كيف ألتحق بالدولة الإسلامية؟”. لكن، بعد قرار شركة الإنترنت الكبرى بإلغاء هذا الإحتمال، ما عاد يمكن للمستخدم أن يستفهم عن تلك الكيفية، وينتظر جواباً حولها.
محا “غوغل” الإستفهام عن الإلتحاق بـ”داعش”، بالإنطلاق من مشاركته في الحرب الإلكترونية على التنظيم الذي، مثلما صار معلوماً، يبرع في استعمال الإنترنت، والإنتفاع منه. وكان إحتمال الإلتحاق بـ”داعش” يبرز تلقائياً أمام المستخدم، نظراً إلى كثرة التفتيش عنه، أي نتيجة نقر الآلاف لجملة “كيف ألتحق بالدولة الإسلامية” في “غوغل”. لذا، ارتأى القيمون على المحرك، إيقاف التلقائية هذه، كي لا تشكل بداية من بدايات الإنضمام إلى التنظيم الإرهابي.
إنها حرب الشركة العملاقة على “الدولة” التي استطاعت أن تجذب الآلاف من العالم، الأوروبي على وجه الدقة. وذلك، من خلال ظهورها أمامهم كإقتراح على الشبكة العنكبوتية، تماماً كما هو الوضع في “غوغل”. إذ أن “داعش” تسللت إليه، وثبتت في الإقتراحات التي يقدمها محركه البحثي. أي أنها، بطريقة أو بأخرى، استفادت من آلية عمله، التي تجمع بين المحرك كمصدر بياني واسع من جهة، وبين المستخدم كباحث عن معلومة غير محددة من جهة أخرى.
فقد دخلت “الدولة” إلى محرك البحث، من باب إقتراحاته التي يقدمها للمستخدمين الواقعين في حيرة من الموضوع الذي يفتشون عنه. إذ تظهر تلك الإقتراحات أمامهم لمساعدتهم في بحثهم عن معلومة شبه مجهولة أو غير كاملة. فاستفهام “كيف ألتحق…”، الذي لا يذكر موضوعه، قد ينم عن حاجة إلى عمل، إلى وظيفة، وباختصار، إلى دور أو موقع ما. وهو لما يُكتب في خانة المحرك البحثي، من دون تعيين موضوع الإلتحاق، تقترح “غوغل” إكماله، وتحويله إلى جملة إستفهامية مفيدة.
إذاً، هناك مستخدم حائر، لم يهتد إلى موضوع تفتيشه، وهناك شركة تبدي رأيها في حيرته، وتقدم له النصائح في شكل عبارات تخمّن أنه يبحث عنها، فتسهّل فعله هذا. بين الحيرة والنصيحة، تظهر “الدولة الإسلامية” كإحتمال يمكن البحث فيه، وكموقع يمكن الإلتحاق به.
وهذا ما تحاربه “غوغل”، أي أن يكون محرك بحثها طريقاً إلى “داعش”، وهو طريق حفره الكثيرون بالإستفهام عنه، فيصبح إقتراحاً تقدمه الشركة لمستخدميها. بالتالي، كي لا تكون “الدولة” موقع إلتحاق، أزالتها “غوغل” من محركها، وأبعدتها من إقتراحات خانة البحث، بحيث أضحى المستخدم يكتب “كيف ألتحق…”، ولا يجد جواباً “داعشياً”، قد ينقله إلى “الشام والعراق” على أساس حيرته. بالطبع، ما قررته “غوغل” لا يلغي هذه الحيرة، التي تحمل المفتش إلى موقعها، لكنه يشير إلى أمرين على الأقل: أولاً، أن “غوغل”، بإلغائها اقتراح “داعش” في محركها البحثي، تخل بآلية من آليات عملها، وهي تلقائية الإقتراح. وثانياً، تبدو كأنها تغير نظرتها إلى المستخدم، أو تتعامل معه بالإرتكاز إلى صورة أخرى عنه. فعندما يكتب “كيف ألتحق…”، لا تعتقد، من الآن وصاعداً، أن حيرته قد تحثه على التفكير في الإلتحاق بـ”الدولة الإسلامية”. فهو ما زال حائراً من أمر إلتحاقه، لكنها لا تخفف من حيرته بفتح الطريق أمامه نحو تنظيم “الدولة”.
وفي حال تعمّد البحث عن هذا الطريق – طريق الإلتحاق بـ”داعش” – فلن تسعفه “غوغل”، أو تقترح عليه الدخول إلى هذا المنتدى أو ذاك الموقع، ليصل إلى المعلومة التي يريد. فالشركة ترفض أن يمرّ عبرها الطريق إلى “الدولة”، وأن يكون لتنظيم “داعش” موقعاً للبحث عبر موقعها. وبمسعاها هذا، تهدد عملها نفسه، لأنها توجه حيرة المستخدمين نحو مواضيع بعينها دون سواها، أو تسير نحو إلغاء حيرتهم التي تدفعهم إلى البحث. ولنتذكر هنا أن حيرة المستخدم تتضاعف عند ازدياد عدد الاحتمالات أمامه، والعكس صحيح.
في النتيجة، مع إلغاء الشركة لإقتراح “كيف ألتحق بداعش؟”، فإنها تهدد سؤال “كيف ألتحق بغوغل؟” أيضاً، لأنها تتنازل عن كيفية عملها كمحرك قائم على تعدد الاحتمالات. هكذا، وكي تقضي “غوغل” على “داعش” الذي ظهر كاقتراح في المسافة بين محرك البحث وحيرة المستخدم، ألغت المسافة نفسها، وأبقت المستخدم على حيرته. كأن “غوغل” تقول له: “فلتبقَ حيرتك بلا موضوع، بلا سؤال أو إجابة.. أو: فلتتخلَّ عن حيرتك، لكن إياك أن تلتحق بداعش”. غير أن القول هذا، إذا تفاقم، فسيعطل الإلتحاق بها، ليتركها في حيرة من أمرها، وتبدأ البحث عن نفسها! “غوغل” تبحث في محركها عن “غوغل”.. لنتخيل المشهد.. هل تلتحق بالدولة الإسلامية، إثر ذلك؟
المدن