صفحات العالم

فاجعة حمص برسم التخاذل


نقولا زيدان

يدور سباق محموم بين الجامعة العربية من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. فالمفاجأة التي طلعت بها الجامعة العربية بإلغاء اجتماع اللجنة الرباعية المعنية بمتابعة الوضع السوري الذي كان مقرراً عقده في الدوحة السبت في 10 كانون الأول الجاري الى يوم السبت في 17 في القاهرة، كان لها دوي الصاعقة. فقد كانت لها أصداء مخيفة في أوساط المعارضة السورية وقواها الحية الممثلة بالانتفاضة المستمرة منذ عدة شهور ضد النظام الأسدي الذي يمعن في المدن السورية قتلاً وقصفاً وتدميراً منظماً وسط حملات توقيف واعتقال عشرات الألوف من مختلف الفئات الشعبية.

ومرد تلك الأصداء المخيفة ما تقاطعت عليه معلومات وسائل الاعلام وما نقله المسافرون القادمون الى دول الجوار السوري عن الاستعدادات الضخمة التي يجريها نظام دمشق من تحشيدات هائلة من جنود ودبابات وآليات عسكرية تطوق مدينة حمص تمهيداً لاقتحامها وتحويلها الى انقاض وركام وأشلاء. ذلك ان معركة الرستن منذ أسابيع كانت المؤشر والإنذار الدموي لهذه المعركة الفاصلة الدائرة الآن.

ان النظام الأسدي الذي زعم أنه قبل بالمبادرة العربية نسف هذه المبادرة على مستويات ثلاثة:

الأول: يقبل نظام الأسد بالمبادرة العربية ضمن فهمه هو لهذه المبادرة، وقد جرى استبدال عبارة “شروط” بعبارة “فهم” وهذا يعني عملياً وفعلياً العودة الى نقطة الصفر أي بكل بساطة فرض الشروط الأسدية على أي تمرير للمبادرة كمقدمة لإلقائها في سلة المهملات.

الثاني: ضرورة إطلاع النظام الأسدي مسبقاً على عدد وأسماء المراقبين العرب وتدقيقه بملفاتهم الشخصية كل على حدة: لعله يأمل بأن يجرى تعيين عدد من حلفائه في لبنان والعراق والسودان.

الثالث: فور موافقة الجامعة على مضمون هذه المراسلات، يعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية وقف جميع التدابير والعقوبات المتخذة بحق النظام الأسدي، بل وجود اعتبارها باطلة من الأساس.

وهكذا في الوقت الذي كانت تجري فيه هذه المراسلات، المشبعة بالخداع والخبث والرياء والتلاعب، ويدور الهمس المجبول بالخزي والخذلان عن قبول النظام السوري المزعوم بالمبادرة العربية، هذا القبول الذي ينسف المبادرة برمتها، كان الرئيس الأسد يسدد ضربة أخرى لأية فرصة لوقف إراقة الدماء، وذلك في مقابلته الصحفية مع تلك المراسلة الأميركية. هو بكل صلافة ودم بارد لا يصرّ على متابعة حمّامات الدم في طول سوريا وعرضها فحسب بل يسعى للتلاعب بعقولنا والاستخفاف بنا. انه ليس مجنوناً ولا منفصلاً عن الواقع كما نعتته الخارجية الأميركية: انه يعي تماماً ما تجني يداه، ويدرك بالضبط ما يفعل، وهو ماضٍ في طريقه الغارق في بحر من الدماء. وليكن ما يكون.

ثمة حقيقة ماثلة أمامنا في تاريخ البشرية المعاصر، هي ان ما يجمع الأنظمة الديكتاتورية في مسار واحد ليس عبادة الفرد وخضوع السلطة ومؤسساتها لشخص واحد، وانه هو عبقري الدهور لم تلد نظيراً له الأمهات فحسب بل صمّام أمان البلد المسكين الذي يمسك به عن رغبته. فإن سقط فسيسقط معه العالم. فعندما كانت الدبابات السوفياتية قد أصبحت على مشارف برلين (فريدرشفيلده) وكانت آلاف المدافع تحوّل ما تبقى من العاصمة الألمانية الى ركام مشتعل (نهاية عام 1944) كان وزير الدعاية الألمانية جوزيف غوبلز يزرع أروقة المستشارية الهتلرية في باطن الأرض ويصرخ مولولاً: “اننا نسقط! فإن سقطنا سيسقط معنا العالم!”.

ألا يذكّرنا هذا كثيراً بتهديدات الرئيس الأسد في تصريحاته الصحافية عندما يقول انه إذا جرى التعرض لنظامه فإن الشرق سيشتعل من بحر قزوين شمالاً حتى جزيرة العرب جنوباً”؟.

لكن ما جرى على أرض الواقع هو أن “غوبلز” انتحر تماماً كما انتحر “ادولف هتلر” وغالبية قادة النظام النازي الدموي الميامين. وخلافاً لتوقعات وصيحات “غوبلز” لم يسقط العالم. فلا الشرق الأوسط سيشتعل ولا جزيرة العرب ستهتز ولا الأهرامات ستزلزل.

جلّ ما سيحدث هو أن النظام الأسدي وحده هو الذي سيسقط، أما ما سيظل مشتعلاً فهو جذوة النضال العربي الديموقراطي وربيعه المزهر.. والتغيير قادم لا محالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى