صفحات الثقافة

فارس خاشوق يوثقّ فنياً الثورة السورية ويلوّن المدن المنكوبة

 

          ريّـان ماجـد

“ولدت في حمص من عائلة متواضعة جداً، وعشت طفولتي كلّها هناك. نلت شهادة هندسة الكومبيوتر من جامعة حلب، وسافرت لإتمام الماجيستير والدكتوراه في باريس في الفن الرقمي وفنّ التواصل البصري. انتقلت بعدها للتدريس الجامعي والعمل في مجال الإعلان والتسويق البصري في الإمارات. عندما اندلعت الثورة في سوريا، فقدت قدرتي على التركيز، خاصة عندما كان جزء من عائلتي محاصراً تحت القصف في حمص. فتركت عملي”.

كان الفنّان السوري فارس خاشوق يعمل قبل الثورة أيضاً في مجال التصوير الفوتوغرافي. يصوّر وجوهاً وناساً متنوّعين ومختلفين و”حقيقيين” في أماكن متعدّدة من سوريا وباريس وغيرهما .”كنت أصوّر “بورتريه” بشكل أساسي، فالإنسان بالنسبة لي هو محور العمل الفنّي. والتحدّي في هذا النوع من التصوير يكمن في التقاط اللحظة الأنسب عند الشخص، من حيث التعبير الوجهي والجسدي والسياق العام. المسافة صغيرة جداً بين بورتريه يشبه الشخص وبين صورة مزيّفة عنه”.

بدأ فارس خاشوق بتناول الثورة عملياً بعد المجزرة المروّعة التي حصلت في منطقة الحولة (ريف حمص) في أيار العام الماضي، وراح ضحيتها أكثر من مئة شخص، بينهم العديد من الأطفال…”شعرت بعد هذه المجزرة أنه من الواجب خلق لغة بصرية مقروؤة بدون نصّ، لِنقْل حقيقة ما يجري في سوريا”.

أصدر حينها مجموعة بوسترات “مينيماليستية” ثلاثية الألوان، أسلوبها موحّد وتعتمد على البساطة والرمزية في التعبير، حسب وصفه. في البوستر الأول، يقف بشّار الأسد مخبّئاً ساطوراً يمسكه بيديه، وفي مواجهته، أطفال أربعة، ينظرون إليه. إنتشر العمل على صفحات التواصل الإجتماعي، واستخدمته جريدة ال Huffington post الفرنسية في تغطيتها للمجزرة. “قلّة العناصر في البوستر تساعد على الفهم والتذكّر والربط بالحدث”.

“من خلال هذه البوسترات، أحاول توثيق لحظات مهمّة أو شخصيات مؤثّرة من الثورة السورية. إبراهيم القاشوش، حمزة بكور، حمص، معركة حلب، الخطاب الخامس، لافروف”.

لعلّه في اعتماد اللغة البصرية هذه، يُبقي في الذاكرة تضحيات السوريين وتصريحات “المسؤولين” حيالها.

الألوان التي اختارها في بوستراته ليست مألوفة في أعمال تتناول الحرب والبؤس. “يجب أن نواجه بصرياً صورة بلدنا الرمادية والكئيبة والدموية التي تنتشر”. فبعد هذه المجموعة، عمل فارس على تلوين حمص وحلب ودمشق ودير الزور ودرعا. إذ بالرغم من الدمار الرهيب االذي أصاب هذه المدن، ما يزال الإيمان بمستقبل مشرق قائماً. “مدن ملوّنة” هو عنوان 5 بوسترات جديدة نفّذها فارس أخيراً.

وفي سعيه الى بعث الأمل وإظهار الجوانب البهيّة من الثورة السورية والتحذير من إنحرافات تصيبها، عمل فارس على توثيق “سلسلة أقوال في الثورة” منها قول لفادي عزام أن”عنب سورية يمكن أن يكون زبيباً للمؤمنين ونبيذاً للملحدين ودبساً للجميع”، وإظهار مساوئ الطائفية وأشواكها، والتذكير أن الثورة هي “لكلّ السوريين” من خلال بوستر نفذّه لجمعة كانت تحمل الإسم ذاته.

صمّم فارس أيضاً لوغو جريدة “طلعنا عالحرية”، التي تصدر عن لجان التنسيق المحليّة في سوريا. طُبع منها 22 عدداً لغاية اليوم، وهي توزّع داخل المدن والقرى السورية وفي المهجر. ” الذين يعملون على توزيعها داخل سوريا هم أبطال”، يقول خاشوق. “طلعنا عالحريّة” هي واحدة من عشرات الجرائد التي ازدهرت منذ اندلاع الثورة في سوريا.

“غيّرت الثورة علاقتي بكلّ شئ من حولي. بدءاً بالفنّ وصولاً الى علاقتي بالوطن الذي يتراءى لي أحياناً كأنه حلم قديم مشوّش، يقذف كل يوم بأناس أحبّهم خارج حدوده، متعبين وخائفين، يحملون بقايا وجودهم الى أبواب السفارات. أشعر أحياناً أخرى بالخجل من نفسي أمام ما يقوم به الشباب والشابات على الأرض هناك”.

لم يفقد فارس خاشوق الأمل بانتصار السوريين المستقبلي على “الطاغوت ورواسبه”، هو فقط يتمنّى أن لا تطول المدّة أكثر. وفي انتظار تحقيق الأماني، يلوّن فارس مُدُنه التي أنهكتها الحرب ويوثّق فنّياً أحداث الثورة وأقوالها…

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى