فداء عيتاني: (الترانسفير) السوري من القلمون أصبح أمر واقع
مضر الزعبي: كلنا شركاء
شهدت الساحة السورية خلال الأيام الماضية تطوراتٍ عديدة، بدأت باتفاق المناطق الأربع الذي تم في (الأستانة) مطلع شهر أيار/مايو الجاري، إلى اتفاق مناطق “خفض التصعيد” الذي لم يختلف كثيراً عن الاتفاقات السابقة، ولاسيما من جهة تطبيق النظام وحلفائه له والتزامهم به، بالتزامن مع إعلان زعيم ميلشيا (حزب الله) انسحاب الميلشيا من الحدود السورية اللبنانية.
ولمعرفة حقيقة انسحاب ميلشيا (حزب الله)، ومستقبل الشمال السوري في ظل اتفاق (الأستانة)، بالإضافة لدور السوريين في الاتفاقات الذي تم حول سوريا في (الأستانة)، وصولاً إلى (جنيف)، وعن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الملف السوري، وللحديث عن وضع السوريين في لبنان في ظل حملات الكراهية ضدهم، أجرت (كلنا شركاء) مع الصحفي اللبناني المختص بالشأن السوري “فداء عيتاني”، الحوار الآتي:
كيف تنظر الى عملية انسحاب (حزب الله) من المناطق الحدودية السورية مع لبنان، وتصريح “حسن نصر الله” الأخير بهذا الخصوص، وهل تعتقد أنه تم تحت ضغط ما؟
بالفعل أنهى حزب الله جزءً كبيراً من مهمته في مناطق القلمون الغربي المتاخمة للبنان. لقد استنزفته هذه المنطقة واستنزفها أيضاً، وفي المحصلة أخلاها من كافة القوى المقاتلة، ومن جزء كبير، أو بالأحرى، الجزء الأكبر من سكانها المدنيين، وخاصة أولئك الذين انتفضوا على النظام السوري.
أولاً: لقد أصبح “الترانسفير” السوري من القلمون والفرز السكاني وإعادة توطين سكان جدد مكان السكان المنتفضين مسألة أمر واقع، وستتم من اليوم وصاعداً وفق السرعة التي يقررها حزب الله.
ثانياً: أنجز حزب الله عملية ضرب كل مراكز الثورة والقوى العسكرية المعادية له في المنطقة، وأجبرها في النهاية، سواء عسكرياً أم بالاتفاقات، على الإخلاء.
ثالثاً: استطاع أن يسحب عناصره من جهة ليشرك قسماً منهم في معارك في مناطق مختلفة، وبالتالي يعيد توزيع القوى، ويرفع مستوى فاعلية المقاتلين لديه، والجزء الأكبر هو الذي سيعيد الحزب تأهيله في هذه المنطقة أو في معسكراته في لبنان وسوريا.
رابعاً: سيعيد الحزب عملية بناء كوادر ومقاتلين نخبة، بعد أن استهلكت المعارك في سوريا خيرة مقاتليه وقادته الميدانيين، وهو يعاني اليوم من تغير في طبيعة مقاتليه، وفي نقص في القادة المنضبطين في الميدان. خروج مقاتلي المناطق والثوار سيريح الحزب.
خامساً: سيتفرغ الحزب الآن أكثر، ليس لنقاط الاشتباك في المناطق الأخرى، بل أيضاً لمشكلته المستعصية في جرود عرسال، وهي مناطق لا تزال تضم مجموعات متوسطة من هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا).
أما إن كان السؤال حول الانتصارية التي طغت في خطاب الأمين العام للحزب حسن نصر الله، فإن هذه اللغة تعبوية لا ضرورة لإضاعة الوقت في تحليلها.
ماذا عن اتفاق المناطق الأربع، وهل تعتقد بأنه قابل للحياة، وما دور السوريين فيه؟
لا دور للجانب السوري، لا في اتفاق المناطق الأربع ولا في غيره من الاتفاقات المبرمة في الأستانة، إن الاجتماعات في الأستانة في الحقيقة هي منصة لتفاوض القوى اللاعبة، وخاصة روسيا وتركيا وإيران، واقتسام المناطق، وإدارة الصراع بانتظار (أو في محاولة لاستباق) التسوية الكبرى مع الولايات المتحدة وباقي اللاعبين.
وبالتالي فإن كل ما يجري الاتفاق عليه في الأستانة هو سحب البساط من تحت أقدام المؤتمرين في جنيف، وإن آلية الأستانة التي يفترض أن تتعلق فقط بالأمور العسكرية التقنية تحولت إلى مركز رئيسي للتفاوض بالنيابة عن النظام السوري وعن القوى السورية المنتفضة والثائرة والمقاتلة.
أما الاتفاق حول المناطق الأربع فهو يعيش نفس حالة الاتفاقات السابقة لوقف النار، والهدن، ويعمد الجانب الروسي إلى تغطية كل الخروقات بالإشارة إلى مسؤولية أو الوجود الميداني لـ “تحرير الشام” (النصرة) المستثناة من الاتفاق، وأحياناً لا يغطي الخروقات، كما يحصل في درعا، إلا بكلام مبهم ومعلومات مغلوطة، وبالتالي فإن اتفاق المناطق تماماً مثل اتفاق الهدنة السابق، هو اتفاق ينطبق على جانب واحد، أما الجانب الآخر (أي النظام وإيران وروسيا) فيتصرف كما يريد.
الجميع يسأل: ماذا عن الشمال السوري ولاسيما محافظة إدلب، وهل تعتقد أن هناك احتمالية لدخول قوات تركية؟
ليست تركيا وحدها من يخوض السباق ويحاول ترسيخ أقدامه واقتطاع أجزاء من الشمال السوري، هناك الدعم الأميركي، والوجود الأميركي في مناطق الأكراد، وأيضاً الوجود الروسي في مناطق الأكراد لجهة عفرين، كل ذلك يشير إلى أن الشمال السوري سيكون مركز مساومة بين قوى كبرى تتحكم بمصير سوريا وشعبها.
بات من المعلوم الطموح التركي في اقتطاع مناطق من الشمال، وإقامة تجمعات كبرى سكانية وعسكرية تابعة لقوى حليفة لتركيا، سواء أكان اسم هذه القوى شرطة، أو جيش حر، أو “هيئة تحرير الشام” (النصرة)، وبات من المعلوم أن تركيا تعتمد أولاً فصل المناطق الكردية عن بعضها بعضا، وطرد (داعش) من مناطق الشمال وصولاً إلى الشمال الشرقي إن استطاعت، وكذلك محاولة منع تسلح الأكراد والحد من قوتهم وانتشارهم.
يقابل ذلك الدعم الأميركي الذي يشير إلى ثقة الأميركيين بالمقاتلين الأكراد، واعتمادهم عليهم، ومشاركتهم حتى في العمليات العسكرية ضد تنظيم (داعش)، ويبدو أن اجتماعات واشنطن بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان قد باءت بالفشل، ولم تؤد إلى نتائج ذات قيمة في الملف السوري وخاصة منطقة الشمال، وبالتالي فإن حسم الأمور في المنطقة لا يزال ينتظر المزيد من المساومة، وفي هذه الأثناء لن يترك الروس المنطقة دون أن يحصلوا منها أيضاً على حصة أو موطئ قدم.
هذه المنقطة التي حشدت فيها تركيا كل المقاتلين الإسلاميين وغير الإسلاميين لن تترك دون نزاع مرير. ولن تكون إلا بحالة فوضى شاملة إلى حين نهاية المساومة الدولية حول مصيرها وحجم الحصص فيها. ومرة أخرى لم يعد الأمر بيد السوريين.
منذ وصول إدارة الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض لاحظنا اختلافاً بالتعاطي مع نظام بشار الأسد من قبل الأمريكان، فهل تعتقد أن الإدارة الحالية قادرة أن تضغط على الجانب الروسي؟
بالتأكيد، ولكن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا وموقفها من واقعها الحالي غير واضحين لحد اللحظة، وثانياً روسيا تصارع لتكون دولة نافذة القرار في الشأن السوري وغير الشأن السوري. الأمور ستخضع لتجاذب قوى حين تتخذ الإدارة الأميركية الحالية قرارها، هذا إذا تم اتخاذ القرار بشكل واضح قريبا، وإن كان هناك من اتجاه لحسم الأمور سياسيا، وقد تمضي فترة الرئاسة الأميركية والسوريون ينتظرون من الإدارة الحالية ما انتظروه من الإدارة السابقة، ويطالبونها عبثاً بالضغط على روسيا أو سحب إيران من سوريا.
الأرجح أن هناك مجموعة من المطالب الأميركية في سوريا لا تشمل سحب روسيا لقواتها، ولا حتى للوصول إلى تسوية سياسية مستقرة، بل تعتمد على حلول لمجموعة من التفاصيل التقنية، على سبيل المثال وقف السباق الإيراني لوصل الحدود السورية بالعراق، وإفساح المجال أمام القوات الأميركية والتابعة للجيش الحر بإغلاق معابر الحدود الصحراوية وقطع الطريق البري ما بين العراق وسوريا. وغيره من الأمور.
بالانتقال لوضع السوريين في الداخل اللبناني، كان هناك حملة عليهم ومطالبة بعدم تشغيلهم، فما هو السبب وراء ذلك، وهل الشارع اللبناني يؤيد مثل هذه الحملات؟
في لبنان حملة مبرمجة تقوم بها قوى سياسية حاكمة لإثارة النعرات ضد اللاجئ السوري، إذا أردت الأمور ببساطتها المطلقة فإن هناك ثلاثة أسباب لما يحصل:
أولاً: نظام الحكم في لبنان بحالة من الترهل والتكلس تمنعه حتى من إدارة البلاد، الفشل الكامل للدولة اللبنانية يجب أن يحمل مسؤوليته جهة ما، وهنا تم تحميل المسؤولية لغير المسؤولين الفعليين عنها، المسؤول الحقيقي هم قادة الطوائف المتشاركة في الحكم، كلهم دون استثناء، وبشكل أكبر حزب الله، وحلفائه من التيار الوطني الحر الذي أصبح جنراله ميشال عون في سدة رئاسة الجمهورية، إضافة إلى باقي القوى الحليفة.
العجز عن القيام بأي حل أو حتى معالجة جزئية للأمور البسيطة للمواطنين يدفع باتجاه إلقاء المسؤولية على أطراف أخرى، عادة ما يتقاذف القادة اللبنانيون مسؤولية الفساد والتدهور على بعضهم بعضا، ولكن هذه المرة يبدو أن هناك اتفاق على تحميلها للاجئ السوري، فهذا من ناحية سيريح كل القوى، وسيسمح لهم بممارسة الفساد والتقاعس عن القيام بمهامهم دون أن يرف لهم جفن.
ثانياً: استجرار المعونات الدولية، فالفشل ليس سياسياً أو إداريا فقط، بل أيضاً هناك فشل اقتصادي عميق يعود لأكثر من ربع قرن، آن أوان التعيش على حساب الآخرين، فمن موضوع اللجوء السوري يمكن استجرار الكثير من المساعدات الدولية وابتزاز الغرب والدول الممولة لحجب خطر موجات اللجوء عنها.
ثالثاً: معضلة جرود عرسال، حيث لا يزال حزب الله يحاول إشراك القوى العسكرية اللبنانية في تصفية وجود المقاتلين في جرود عرسال لرسم منطقة حدودية وخالية من السكان تابعة لنفوذه من أقصى الحدود اللبناني – السورية إلى أقصاها.
كلنا شركاء