فرج بيرقدار: الديكتاتور لا يشبع مالاً وقمعاً
حاوره عدنان عبد الرزاق
يرى الشاعر السوري، فرج بيرقدار، أن جشع الحكام الذين لا يشبعون من المال والدم، وراء إفقار الشعوب العربية، معتبرا بشار الأسد مثالا على الدكتاتوريين الذين لا يشبعون من القمع ومصادرة الحقوق وإفقار الشعوب.
وإلى نص المقابلة:
*من منظور شاعر، كيف ترى منهج الديكتاتوريات في إفقار شعوبها؟
الحكام الطغاة جشعون بطبعهم، بل تتملكهم حالة وحشية بمعنى الكلمة، فحتى الوحوش تصل لمرحلة الشبع والاكتفاء، في حين الديكتاتور لا يشبع من القمع ومصادرة الحقوق والمال وإفقار الشعوب، ونموذج بشار الأسد أكبر دليل على ذلك.
*هل فكرت بمشروع استثماري أو تسعى إلى ثروة مالية؟
أعتقد أن المال مفسدة بكل الاعتبارات، دينية كانت أم اجتماعية أو سياسية، وأنا ابن قرية، القليل يكفيني، وأسعى إلى الاستثمار بقيمي وأخلاقي.
*ما هو فضل الشعر عليك؟ وهل أنت مع أن يصبح الشعر مصدراً للرزق؟
ليس مهماً أن يطعم أي إنتاج فكري إبداعي، كالشعر خبزاً، بل المهم أن يطعم الشعر حرية، ويطوّر من ذوق المتلقين ويشق آفاقاً جديدة في اللغة.
ودعني أشير إلى ما أطعمني إياه شعري، فلو لم أكن شاعراً، لما خرجت من السجن قبل انقضاء فترة حكمي، ولما خضع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد لحملة ضغط دولية، وصلت إلى حد تدخل الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، أسفرت عن الإفراج عني، فالشعر بالنسبة لي ليس مصدر رزق، بل هو طائر الحرية الأجمل.
وأعتقد أن سوق الثقافة ما زال رائجاً، ولكن، سوق الشعر ضيّق، ويتوقف الأمر على كل شاعر وظروفه وشروطه.
قد أكون أنا من المحظوظين بين الشعراء، لأني حصلت على منحة مالية في السويد لأتفرغ إلى كتابة الشعر، كما أحصل على عائد حين تنشر كتبي، في حين لم تتح تلك الظروف لزملائي، ما دفعهم للكتابة بالصحافة، أو ممارسة عمل آخر.
*ترجمت أشعارك لست لغات، هل تتلقى مقابلا مالياً جراء ذلك؟
طبعاً، أول كتاب ترجم لي في السويد، كان عائده تقريباً خمسين ضعفاً لما أتلقاه من دار نشر أو وزارة ثقافة، في أوروبا الحقوق محفوظة وبالكامل.
*هل تتعامل بالكاش (نقداً) أم بالفيزا كارد في عملية الشراء؟
خلال وجودي في سورية، لم أكن أعرف شيئاً عن المصارف ولم يكن لدي حساب، وأذكر أول مرة دعيت خلالها إلى ألمانيا بعد خروجي من السجن، سألوني: هل تريد دخلك كاش أم نضعه في حسابك، فقلت كاش. لأني لا أعلم شيئاً عن هذه الخدمات، بل كنت كأهل الكهف خارج من السجن بعد اعتقال 14 سنة. والآن أتعامل بالفيزا كارد لأنه قلما يحمل الإنسان في السويد مبالغ مالية كبيرة في جيبه.
*قال المتنبي “بضاعة الشعراء إن أنفقتها نفقت”، فما رأيك بمن يتكسب من شعره في مدح الحكام؟
التكسب موجود عبر التاريخ، هناك شعراء بلاط وشعراء معارضون، وآخرون ليسوا في كلا الخندقين، لأنهم يختارون الإبداع كونه قيمة جمالية وفنية ضد البشاعة، والديكتاتوريات بمجملها قمع وبشاعة، لذا نراها تكره المبدعين، فتحاصرهم أو تخيّرهم، بالترغيب أو الترهيب.
*هل كسا اليأس الشاعر فرج بيرقدار، إثر تحويل ثورة سورية إلى ساحة صراع دولية، أم لديك أمل باقتلاع الديكتاتورية وانتصار الشعب؟
حالياً أرى الموضوع بمنتهى الألم، التضحيات هائلة. صحيح أن الثورات يتخللها ضحايا وأثمان باهظة كي تنتصر، ولكن ليس بهذه البشاعة والدم والتخريب الذي تعانيه سورية.
أعتقد أن ما يجري للثورة السورية، هو حالة نادرة عبر التاريخ، من جهة تركها يتيمة وأحيانا استهدافها من الأنظمة العالمية، بالإضافة إلى وحشية النظام. ومع ذلك، من وجهة نظري أن اقتلاع الأنظمة القمعية يحتاج تضحيات هائلة كي تزول، ولم يكن من خيارات أمام السوريين، فإما عبيد إلى الأبد أو الحرية ودفع الثمن.
ولعل ما حققته الثورة السورية شيء مهم وكبير، لأنها ألغت فكرة الأبدية، لذا أعتقد أن الضحايا أسست للأجيال القادمة، فطالما نسف السوريون الديكتاتوريات فباتت التحولات ممكنة وإن لم يحصد جيلنا ثمارها بعد، ويوجد أمثلة عبر التاريخ، حققت الحرية، بعد دفع أثمان باهظة، مثل أوروبا.
العربي الجديد