صفحات الحوار

فرج بيرقدار: الشعر هو الوسيلة المثلى لمحاربة القبح وما قرأته عن جهنم متواضع أمام جحيم سجن تدمر

يعتبر نفسه خلطة من نزار قباني والسياب وشعراء الأرض المحتلة

السويد: حوار عبد الحاج: لا تحتاج الكثير من الوقت كي تفهم فكرة فرج بيرقدار، الشاعر الذي قضى في السجون مايقارب ال 16 عاماً في سجون الأسد، كتاباته توحي بأنه يعثر على ضالته في اللحظة التي يشرع فيها بالتفكير، يستطيع كشف أسرار صنعته، بعد أن تمكّن منها، ولايسعى إلى التضامن المؤقت من القارئ. يتواجد فرج دائماً في الموقع الأكثر تأثيرا وفي المتراس الأكثر خطورة للتعبير، ، كلما تقدم به العمر أصبح قويا على التصريح بعيوبه الشخصية. نحاول في هذا الحوار الدخول إلى عالم فرج.

*هذا حواري الأول معك، اتفقنا على ان يكون الحوار عبر البريد الالكتروني. ماذا تعني لك كتابة الحوار بعيداً عن الشفوية وما الى هنالك؟ هل تريد القول ان الحوار أيضاً يشكل جزءاً من عملية الكتابة بأسرها؟

*جرّبتُ كل أشكال الحوارات الصحافية والإذاعية والتلفزيونية، وكذلك المكتوبة والشفوية، وأرى أن لكل شكل وظيفته واستهدافاته ودوائر استقطابه. الحوار الشفوي عموماً ينطوي على حرارة أعلى، وأيضاً على احتمال انتزاع إجابات أكثر عفوية وجِدّة وتورّطاً، هذا في حين أن الحوارات المكتوبة يمكن أن تكون أكثر جديّة وتفكيراً ومسؤولية، وبالتالي قابلية لديمومة أطول، أو قابلية لأن تشكل جزءاً من عملية الكتابة الإبداعية ولاسيما إذا تمّ جمعها في كتاب. بصورة عامة لم يكن لديّ أي ميل أو ارتياح إلى إجراء مقابلات من أي نوع. أتوجس منها ربما لأنها توحي لي في أحد وجوهها بشكل من أشكال التحقيق. ولكني بعد خروجي من السجن وجدتُ نفسي مضطراً أو أمام نوع من الواجب في ضرورة عرض ما لا يعرفه الآخرون عن السجون والتعذيب والمعتقلين. بعد الثورة السورية كان ضغط الإحساس بالواجب أعلى، ومع تكرار وتنوّع أشكال المقابلات صار نفوري أو توجّسي منها أقلّ، وإحساسي بجدواها أكبر.

*ليس كل شيء واضحاً في الحياة أو في الكتب. كان الشعر يوضح غوامض الحياة في مقابل فهم غموضه الخاص. هل تتوقع استمرارية أسئلة يجيب عنها الشعر أو هل يقدم الشعر إجابات حقيقية عنها؟

*لا أحمِّل الشعر ما لا طاقة له به. الإجابات مهمَّة البحث والدراسات والفلسفة. لا أطمح من وراء كتاباتي الشعرية إلى أكثر من محاربة القبح بالجمال، والأسر الواقعي بحرية الخيال، هذا بالإضافة إلى محاولة فتح خطوط أفق إضافية لأسئلة جديدة أو غير معتادة، ولنوع من العزاء الذي لا يستطيعه الواقع.. وأيضاً لمحاولة خلق غوامض شفيفة مقابل صفاقة الغوامض التي تحكم مجتمعاتنا، فلا شيء يوضح شيئاً إذا لم يكنهُ وما من كلام سواه.

*لنعد قليلا الى الوراء: كيف كتب فرج بيرقدار الشعر؟ هل يذكر قصيدته الأولى؟ ماذا كان يريد من ذلك؟ من هم الشعراء الذين أثروا بك في تلك الفترة؟ لكل واحد منا أب في الكتابة، من هنا من كان أبا فرج بيرقدار الشعري؟

*حين لم يتمكّن أهلي من تأمين عدّة الرسم لأكثر من مرة، أغلقت الحلم على الرسم. كان القلم والأوراق أقلّ كلفة بكثير. في الصف السابع كتبت أول قصيدة من ستة أبيات، كان عنوانها ‘حريتي’. لم يكن مفهوم الحرية عندي أبعد من الحرية الشخصية والاجتماعية مع شيء من الحرية الوطنية وفق ما تلقّاه جيلي في مدارس الأنظمة القومجية. في الصف العاشر بدأت النشر في جريدة العروبة التي تصدر في حمص، وكان الهجاء والرثاء طاغيين على مواضيعي، وكان المتنبي معلّمي ومثلي الأول. في البكالوريا اخترت معلّمين آخرين كنزار قباني والسيّاب وشعراء الوطن المحتلّ. باختصار أنا خلطة من كل أولئك، ويهمّني أن أشير إلى أن قراءاتي للروائي كازانتزاكي قد رفدت قاموسي الشعري وأفكاري والمناخات التي تشدّني وأكتب في مضاميرها.

دخلت السجن في مطلع عام 1987.’

*هل تذكر شكل اليوم الذي دخلت فيه السجن. . صباحاً أم مساء؟

*قبل هذا الاعتقال تعرّضت لاعتقالين في عام 1978، الأول في المخابرات الجوية، وكان علي مملوك مقدّماً وجميل حسن ملازماً أول، وكان شكل علي مملوك يرعبني. بعد خروجي من الجويّة بيوم اعتقلني فرع الأمن الداخلي التابع لمخابرات أمن الدولة. الاعتقال الأخير عام 1987 كان من قبل شعبة المخابرات العسكرية- فرع فلسطين. الشعبة الوحيدة التي لم أجرّب سجونها هي شعبة الأمن السياسي التي جرى اعتقالي بعد الإفراج الأخير عني بناء على برقية قديمة لها، اعتقلتُ في دائرة الهجرة والجوازات وسفّروني إلى فرع حلب للأمن السياسي، ولكني بعد وصول الفرع بساعات أفرجوا عني لأن القضية كانت مقضية. لهذا أعتبر أن اعتقالي الأخير هو اعتقال فرع فلسطين 1987. كان وقت الاعتقال صباحاً، ولكني وأنا عائد في الليل إلى غرفتي في مخيّم فلسطين تبعني شخص، عرفت لاحقاً أنه عبدالكريم عباس المتهم بالمشاركة في اغتيال الحريري، وقد استطعتُ تضييعه قبل أن أدخل إلى الغرفة، ولكنهم طوّقوا المخيم في تلك المنطقة وفتّشوها بيتاً بيتاً، وحين حدّدوا مكاني انتظروا حتى الصباح ثم داهموا الغرفة. هم يعرفون أني شاعر وأني لا أحمل ولو سكيناً، ومع ذلك كانت سرايا الشرطة العسكرية في الخارج بكامل عتادها العسكري تحتلّ الشوارع والأسطحة. كان ذلك في صباح 31 آذار 1987، وكان الاعتقال الأطول الذي دام قرابة 14 عاماً.

*هل تعتقد أن السبب السياسي هو ما لفت إليك الأنظار؟

*كان معي مئات بل آلاف السياسيين من رفاقي وغيرهم. ومعظمهم أمضى حكمه وزيادة عليه بضع سنوات. العالم المتمدّن لم يعد يهتمّ كثيراً بالمعتقلين السياسيين في بلداننا. ولكن بعد أن قدّمت مرافعتي أمام محكمة أمن الدولة، وبعد ترجمة المرافعة وإذاعتها في أكثر من إذاعة انتبه العالم المتحضّر إلى أن صاحب المرافعة شاعر، وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيس لاهتمام أوروبا بي وإهمالها لآلاف السجناء السياسيين. لم أكن سعيداً لذلك، وقد وجّهت لممثل السفارة الفرنسية ‘كريستوف جيّو’، حين زارني في قريتي، كلاماً اعتبره كريستوف ظالماً وقاسياً بشأن موقفي من سياسة شيراك الذي طالب بي وتناسى الآلاف.

*من ماذا حررك السجن؟

*حرّرني من الخوف أولاً.. كنت حين أكتب أراعي الرقيب الذي في داخلي. بعد السجن انتهت القصة وأدركت أننا أخلاقياً على الأقلّ أقوى منهم بكثير. حين تنتهي جولات التعذيب والتحقيق يصبح السجين والسجان شخصين شبه متكافئين، والحاضر والمستقبل بينهما. إذا أدرك السجين هذه الحقيقة فلا بد له أن يكون أقوى من جلاده.

وحرّرني السجن أيضاً من نفسي شخصاً وتاريخاً وأنماط كتابة.في السجن فقط استطعت تحقيق ادعاء حافظ الأسد بأنه ‘لا رقابة على حرية الفكر سوى رقابة الضمير’.

*كيف هي علاقتك بالمرأة في الشعر..؟

*في الحقيقة حتى الآن لا أعرف بالضبط. سنوات السجن ازدلفت بالكثير من الأمور والمشاعر إلى غير مواقعها ومواصفاتها. أربعة عشر عاماً وأنا أحاول تكوين امرأة في منتهى التنقيح والتنزيه والرمزية. ورغم ذلك أشعر أن موقفي الشعري من المرأة متناقض في كثير من الأحيان. من الصعب، إن لم أقل المستحيل، أن تكون المرأة واقعياً حبيبة وأماً وأختاً وممرّضة وقديسة. ولكنّ بيئتي وتربيتي وثقافتي جعلتني أقرب إلى المتصوّفة وشعراء الغزل العذري. لهذا قد أستطيع اختصار الأمر بكلمتين: المرأة مرآتك.

*ماذا تتذكر اليوم عن سجن تدمر؟

*أتذكّر الكثير وأحاول النسيان مؤقتاً، ولكني سأتذكّر أكثر عندما أقرّر أن أكتب بتفصيل عن تجربة سجن تدمر. تعرف أني نشرت كتاباً مكثفاً عن تجربتي في سجن تدمر، ولكن لدي أوراق سجائر كثيرة مهرّبة وفيها الكثير من الوقائع والتفاصيل، وأنتظر الظروف المواتية لنشرها في كتاب أكثر شمولاً.أقل ما يمكن أن يقال عن سجن تدمرهو أنه ازدرى جهنّم وكل ما قرأت عنها.

*أما زلت ترى أن الشاعر لابد أن يكون له همٌ سياسي واجتماعي؟!

*ما من شاعر أو شخص بدون همّ سياسيّ واجتماعيّ. السياسة والاجتماع شأنان لا يخلو أحد منهما إلا المرضى. لا أعني السياسة والاجتماع بمعناهما الضيق. أليست الورود والأرصفة والحدائق والسجون والسكاكين والتشرّد والمحبّة كلها شؤوناً سياسية واجتماعية؟ أليس الخبز أوالحجر شأناً سياسياً واجتماعياً. من يتبرّأ من العام فليذهب بخاصّه إلى الجحيم.ولكن ينبغي أن أشير إلى أن الهمّ السياسي بمعناه العام لا يعني الالتزام السياسي أو الحزبي.

*الى أي مدى يمكن الحديث عن تأثير التجربة السياسية والنضال لفرج بيرقدار في شعره؟

*قبل اعتقالي الأخير كان لهما بعض التأثير، وقد حرّرني السجن منهما، إضافة إلى تحريري من الخوف ومن قيود سياسية واجتماعية وكتابية لها أول وما لها آخر.

*هل يمكننا اعتبار المكان رافداً (أعني المكان الطبيعي، في مداراته’الواسعة وأنت اليوم مقيم في السويد) من روافد حساسيتك الشعرية؟

*أنا من قرية دير معلا المتاخمة لحمص، ثمانية كيلومترات إلى الشمال، أي على مضرب فتحة الرياح في جبال طرابلس لبنان. كنت من غرفتي أرى الرياح وهي تشدّ الأشجار من شعرها إلى حد كنت أسمع معه أنين الأشجار. وأتذكّر جدّي لأمي يفلح أرضه بمحراث آسيوي على بقرتين أو بغلين. وسهرت على حراسة ري أراضٍ كثيرة، إذ كنت أسقي أراضي الآخرين في الليل. الأمر لا يحتاج إلى حساسية شعرية. أن ترى الطيور في طبيعة ما، تنفر من الناس، وتراها في طبيعة ثانية تمارس دلالها على الناس. هذا لا بد أن ينعكس في الشعور والتفكير والكتابة. ستوكهولم أرخبيل من حوالى 25 ألف جزيرة، رؤيتها أشبه بدورة تدريبية على الجنّة، وسوريا كانت تتصحّر طبيعةً وأخلاقاً، وهي اليوم قصف وتدمير وخرائب، أي ما يشبه دورة تدريبية على جهنم. ما رأيت جانباً من جماليات الطبيعة في ستوكهولم إلا تذكّرت نقيضه في سوريا التي حاولتْ وتحاول عصابة الأسد نسبتها إلى عار اسم عائلتها. عرفتُ سجون سوريا وطلبت من السلطات السويدية زيارة أحد سجون السويد.. حساسيتي الشعرية كانت في أقصى توتّراتها وأنا أقيم المقارنة وتناقضاتها المريعة. السجن أيضاً مكان وإن كان بدون جماليات على حد قول باشلار، أو في الحقيقة هو مكان مضادّ بامتياز.

*ما هو مشروع فرج بيرقدار؟

*ليس لي مشروع واضح، إلا إذا اعتبرتُ أن نشر كل ما كتبتُ وما قد أكتب هو مشروعي. أشعر أني أصغر من أن أفكّر بمشروع.. غير أني أحلم أن يحقّق شعبنا مشروعه في الحرية والكرامة وحدّ مقبول من العدالة، فإن حقّقه فقد تحقّق مشروعي الأهمّ.

*هل ترصد تحولات الجيل الحالي؟

*للأسف لم تتح لي ظروف السجن والغربة هذه الرغبة أو هذا الادعاء.. ولكني رصدت بعضها في السجن وبعده، وأتذكّر أن ثاني رسالة هرّبتها من الخارج إلى السجن كانت تتحدث عن أربعة شعراء من حمص متجاوزين كثيراً تجاربنا حين كنا في أعمارهم، ليس على مستوى الكتابة فحسب، وإنما أيضاً على مستوى الوعي والجرأة.

*ما الدور الذي يلعبه الشعر في الظرف السوري الراهن؟

*لا شيء يُذكر على صعيد الداخل. الأغنية والصورة والفيلم أكثر أهمية الآن، وربما دفعتني هذه القناعة إلى عرض أغنيتين لي على مغنيين سوريين آمل أن نسمعهما منهما قريباً. أما على صعيد الخارج فأعتقد أن الشعر السوري وغيره من أنواع الكتابة قد حقّقت أكثر مما هو متوقّع. ثورة الشعب السوري وتضحياته لفتت انتباه العالم إلى السوريين. وليست مصادفة أن تأتيني خلال السنة الماضية وهذه السنة عروض لترجمة قصائدي وبعض كتبي إلى الفرنسية والإيطالية والإنكليزية والإسبانية والتركية والألمانية.

*في ظل الاشتغال على اللغة لدرجة أنها أصبحت تقنية من تقنيات الكتابة، ولما لها ارتباط بالمجتمع وتراثه وحساسياته الإيديولوجية، فبين أن يبقى الأدب ابن لغته من جهة، ولما للعربية من جماليات من جهة أخرى، فما سر جمالية النصوص غير المكتوبة بالعربية لكن من طرف كتاب ذوي قوميات أخرى، ككتابات الأكراد مثلا؟

*رغم ما ترتكبه الترجمات من ‘خيانات ذهبية’ فإن ترجمات جاك بريفير وشيركو بيكاسه على سبيل المثال، منحتنا روحاً وأدباً وإحساساً لا سبيل لنا إليه خارج الترجمة. حين يكون الأدب حقيقياً تصل الترجمة. أستثني من ذلك النصوص التي تلعب على خصوصية اللغة والكلمات، ولدي الكثير من ذلك الذي لا تستطيعه الترجمة. لم أتعرّض لسليم بركات لأنه يكتب بالعربية، ولكن حين تخضع كتاباته للترجمة، فأظن أن حاله قريب من حالي، وليس لنا أن نتطيَّر حيال عدم وصول الجزء المعتمد على خصوصيات اللغة من جناس وإحالات لفظية تاريخية خاصة. حين يعرض الأدب روحه وأفكاره بجمال وبساطة ودهاء وصدق ومهارة وابتعاد عن اللعب اللفظي الخاص، فلا بد أن يصل بصورة أفضل إلى الآخر أياً تكن لغته. أعرف الآن ما هي كتاباتي الأكثر نجاحاً أو الأقل نجاحاً في الترجمة. وأعتقد أن هذا هو سرّ جمالية نصوص بعض الكتّاب من الكرد وغيرهم بعد ترجمتها.

*الثنائية الشعرية الموسيقية التي جمعتك بالفنان وسيم اسماعيل في باريس، تشبه الثنائية التي جمعت الشاعر الأردني المغترب أمجد الناصر بالموسيقار العراقي نصير شمه، فهل تطلّب القرن الحالي أن نعيش مع الشعر بحس موسيقي؟

*حين جئت إلى باريس لم يكن همّي قراءة أشعاري، ولكن بعض الأصدقاء رغبوا في أن أقرأ شيئاً منها. حينها التقيت مصادفة بالفنان وسيم اسماعيل، وكنت حقاً سعيداً بالتفاهم السريع بيني وبينه. أتمنى أن تتكرر التجربة بوصفها تجمع بين فنّين يرفد كل منهما الآخر، وليس لأن القرن الحالي تطلّب أن نعيش مع الشعر بحسّ موسيقي، فأنا أكتب الشعر العمودي والتفعيلة والنثري. ولكن الشعر والموسيقا، إذا انسجما كما أنا ووسيم، فزيتٌ على زيتون. أقمت أمسيات شعرية كثيرة بدون موسيقا، وقد كنت مرتاحاً لنتائجها. ولكن أن يكون الشعر مع الموسيقا، فذلك أمر لم يكن شائعاً في تراثنا، وأتمنى أن يولي الشعراء والموسيقيون عناية خاصة لذلك، بوصفه فناً إضافياً أو جديداً ويجمع فنّين يمكنني اعتبارهما شقيقين.

*هل لعب الشعر الأجنبي أي دور في صوغ عالمك الشعري؟ أم أنك تجيء من شعر عربي خالص؟ أطرح السؤال وأنا أفكر في العديد من المقولات التي لا تزال تظهر أحيانا باتهام الشعر الجديد (المنثور، الحر، قصيدة النثر…) بأنه يتنكر لتراثه، وبأن ما يكتب اليوم ليس سوى أفكار مستوردة، وما الى هنالك من تعقيبات تقف ضد القصيدة الجديدة؟

*للأسف أن اطّلاعي على الشعر الأجنبي أقلّ مما ينبغي بكثير. أمّا أن الشعر الجديد يتنكّر لتراثه، فذلك يتوقّتف على كلّ شاعر على حدة. هناك من هم أصلاء وهناك من هم كما تقول. معايير الحكم على قصيدة النثر لم تتبلور كفاية، وهذا طبيعي. الإبداع أولاً والتقعيد لاحقاً. ولكن لي مجموعتان منشورتان من الشعر النثري أو المنثور وثالثة على الطريق.. لا أشعر أني أختلف مع نفسي في الشعر العمودي أو التفعيلة أو النثر. ثم لدينا شعراء نثريون رائعون، وشعراء نثريون مسترخِصون. الأصيل بالمعنى الأدبي لا تضيره تلك التصنيفات.

*تقاسمت أنت وياسين حاج صالح وغسان الجباعي الخبز والكتابة والسجن وفيلم ‘رحلة إلى الذاكرة’، ترافقتم كثيراً أثناء الحديث عن سجن تدمر الصحراوي في الذاكرة، ذاكرة جيل عشتموها.. وجيل قادم، من أنتم الآن من بعض؟

*من حسن المصادفات، وربما التأسيسات، أننا كنا وما زلنا، بعد الثورة بخاصة، على نفس الخطّ أو النسق. كأننا أصدقاء مؤبّدون. أشعر أنه يحق لي دائماً الاعتزاز بصداقتهما. مغامرة فيلم ‘رحلة إلى الذاكرة’، وهي مغامرة بسيطة نسبة إلى تجارب كلّ منا، أضافت لصداقتنا بعداً أوسع مما هو معتاد عموماً. هناك مئات الآلاف، وربما أكثر ممن شاهدوا الفيلم، جعلوا صداقتنا نوعاً من الاستثناء. ثم إن المخرجة هالا محمد شاعرة في الأصل.. وأظن أنها كسبتنا وكسبناها في صداقة يندر أن تتيح الظروف مثلها. أنا أحب الشعر والتصوّف، ولا أحب السياسة بمعناها الضيّق رغم ضرورتها، ولكني أمنح ثقتي حين وحيث ينبغي من وجهة نظري كشاعر.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى