صفحات العالم

فرصة لمبادرة عربية ثلاثية

 

محمود الريماوي

الأحوال في سورية تزداد سوءاً، والطرفان: الحكم والمعارضة يتحدثان عن انتصارات عسكرية، عما بحوزة كل طرف من جغرافياً (سيطرة على الأرض) .الأزمة السياسية تتفاقم، والاحتكام إلى السلاح سيد الموقف . التحذيرات من حرب أهلية لم يعد لها معنى، ذلك أن هذه الحرب قائمة . وإذ تسير البلد إلى ما يشبه الانهيار الاقتصادي، فإن تدهور الوضع الأمني من شأنه أن يؤدي إلى هذا المحذور خلال شهور مقبلة، وذلك مع تعطل الإنتاج الصناعي والزراعي وتوقّف النشاط الخدمي وبالذات في قطاع السياحة . تتحدث دوائر الحكم بصورة متقطعة وبصوت خافت عن حوار يفضي إلى حل سياسي . لكن لا شيء يدل على توافر بيئة صالحة لانطلاق الحوار، بما في ذلك تعيين أطراف هذا الحوار العتيد أو مجرد الاعتراف بوجودهم . وقوى المعارضة المشتتة، تحتكم بدورها إلى السلاح وحده في الرد على الحل الأمني .

في هذه الغضون لم تحمل استقالة المبعوث العربي  الدولي كوفي عنان من مهمته أي جديد، فقد سبق له منذ نحو شهر أن أعلن عن فشل خطته لاحتواء النزاع، فيما التباعد مازال مستمراً بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على سبل معالجة الأزمة السورية التي تذر بقرنها نحو لبنان والأردن والعراق .

من المؤسف حقاً إظهار العجز عن حل الأزمة المحتدمة في بلد عربي داخل “البيت العربي”، على نحو يجنب هذا البلد المزيد من الخراب . وفي القناعة فإن الفرصة وفي ضوء التفاعلات القائمة مازالت متاحة ل “تدخل سياسي” عربي يضع الأطراف المتنازعة أمام مسؤولياتها، ويفتح أفقاً لحل سياسي جدي . والمبادرة في هذا الشأن لا بد أن تصدر عن دول أعضاء في الجامعة العربية، وليس عن الجامعة ذاتها بالنظر إلى تجميد عضوية سورية فيها، والمقصود دول وازنة ومؤهلة لمخاطبة أطراف الأزمة، والدول المدعوة إلى أخذ زمام هذه المبادرة هي أولاً: مصر .

من المفهوم أن العلاقة بين القاهرة ودمشق مجمدة، وقد رفض الرئيس المصري الجديد برقية التهنئة التي أبرق بها إليه الرئيس السوري، ومن المعلوم أن المرجعية “الفكرية” للرئيس محمد مرسي “إخوانية” نظراً لعضويته الطويلة في الجماعة الإسلامية . أمام هذه الحيثيات يبرز أن مصر في عهدها الجديد تحظى بنفوذ كبير في الشارع العربي وكلمتها مسموعة، والاحتكام إليها هو من مصلحة الأطراف السورية المتنازعة جميعها، من جهة ثانية فإن القاهرة لم تنغمس في النزاع السوري الداخلي بصورة مباشرة أو غير مباشرة . أما المرجعية الإخوانية لقيادتها فإنها تؤهلها لمخاطبة المعارضة السورية، وبالذات للمكون الإخواني في هذه المعارضة، وكذلك مخاطبة مكونات مسلحة إسلامية في صفوف هذه المعارضة .

هذه الاعتبارات تؤهل القاهرة لأداء دور وازن في إنهاء الأزمة، تعبر من خلاله إلى العالم العربي مجدداً، وتكرس حضورها السياسي العربي الذي ما زال مغيباً بعد نحو عشرين شهراً على طي صفحة النظام السابق الذي غيّب حضورها وتأثيرها في المعادلات السياسية . وكي تنجح مصر في أداء هذه المهمة الجليلة لا بد أن تبادر إلى الإعلان عن الاستعداد للنهوض بهذا الدور، وأن تجري المشاورات اللازمة والتنسيق المطلوب مع طرفين عربيين آخرين مؤهلين للمشاركة بهذه المبادرة وهما: الجزائر وسلطنة عمان .

الجزائر لما تتمتع به من وزن في المغرب العربي، ولأنها احتفظت بخطوط اتصال وتواصل مع العاصمة السورية، من دون أن تتخذ موقفاً سلبياً من المعارضة السورية، بما يؤهلها لمخاطبة سائر أطراف الأزمة في هذه المرحلة، وتفادياً للانتقال إلى ما هو أسوأ من نزاع أهلي شامل ومسلح، يجري في جانبٍ منه بالوكالة عن أطراف إقليمية ودولية عديدة . ورغم الاختلاف الكبير بين الأزمة السورية وما عانته الجزائر في التسعينات، فإن الجزائر تتوافر على خبرة في اشتقاق الحلول السياسية واحتواء النزاع الداخلي يمكن الإفادة منها، وبالطبع مع أخذ تأثيرات الربيع العربي وإضافاته المفاهيمية في الاعتبار .

سلطنة عمان هي الطرف العربي الثالث المؤهل للانضمام إلى مصر في أداء هذا الدور المقترح، فإلى ما قبل تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية ظلت مسقط تحتفظ بخطوط اتصال مع دمشق، إضافة إلى علاقة وثيقة ظلت ومازالت تربطها مع طهران حليف دمشق . وبالوسع القول إن مسقط تتخذ موقفاً هادئاً من الأزمة، لكنها بالطبع تلتزم السياسة الخارجية العامة في إطار مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يتطلب حُكماً موافقة المجلس مُسبقاً على هذه المشاركة، كما على المضمون السياسي لأية مبادرة في هذا الاتجاه . . وهو ما يملي أن تكون المبادرة جدية، وتحقق تطلعات السوريين، وتؤذن بانفراج حقيقي .

لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي قراراً يدعو إلى انتقال سياسي ووقف تام للعنف في سوريا . هذا ليس تطوراً هيناً أو حدثاً إعلامياً، فهو يعكس رؤية الأغلبية الغالبة من الأسرة الدولية . ليس الانتقال السياسي وهماً مثلما تتشبث القيادة السورية، فالعودة إلى الوراء هو الوهم بعينه، وليس الخيار المسلح هو الخيار الصالح كما تتفق على ذلك عملياً السلطة والمعارضة معاً . بوسع الدول الثلاث فتح ثغرة كبيرة في الجدار، ومنح الأمل للسوريين، ووقف النزف والاستنزاف الذي يجعل هذا البلد منكوباً، بصرف النظر عن الوضع السياسي فيه .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى