أحمد عمرصفحات الناس

فرق جوهري بين أردوغان والأسد/ أحمد عمر

 

 

 

حجي غاضب من بلدية إسطنبول، التي صادرت بضاعة محل ابنه، وشمَّعته بالشمع الأحمر ثلاثة أشهر، وغرّمت ابنه ما يقارب سبعين ألف ليرة تركية. ابنه “بنيامين” يتاجر بالهواتف المهربة.

– لن أغفر لأردوغان. كيف يصادر بضاعةً حلالاً.

– ما علاقة أردوغان، هو ليس شرطياً، هذه دولة يا ابن العم. كل شاردة وواردة تضعونها برقبة أردوغان

– ألا تضعون كل شاردة وواردة برقبة الأسد؟

كانت حجة قوية، فوجدت نفسي أقول، أولاً: أردوغان فاز بنسبة ديمقراطية هي النصف، بينما فاز الأسد بنسبة استبدادية هي الكاملة. ثانياً: رقبة الأسد طويلة جداً، ويمكن تعليق كل شاردة وواردة بها، وليست مثل رقبة المسكين أردوغان. حاولت أن أتابع الشرح: يعني، هنا، تتحول الغرامات والضرائب إلى رواتب وأجور، أما في بلاد الرقبة الطويلة فتذهب إلى أمعاء المخابرات الغليظة الطويلة. بقي مخالفا: أردوغان إذا لم يطبّق الشريعة سأبقى زعلاناً منه إلى يوم القيامة.

لو كنت أعرف عنوان أردوغان لذهبت إليه، وسعيت في إصلاح ذات البين. مع أن حجي جلمود، يستطيع أن يحلب الثور. أحاول أن أدخله مفاهيم الاقتصاد السياسي: كل الدول تضع قوانين وتجبي رسوماً، ومنها تدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين أمثالك، وتعبّد الطرق، وتبني الحدائق، وابنك تاجر، ولا يزال طليقاً، وسيعوّض الخسائر.

– إنها بضاعة حلال، قرداش، الهاتف للكلام يا عالم.

– الكلام، وهل يدخل الناس النار إلا حصائد ألسنتهم؟

– هواتف وليست مخدرات أو سموماً يا هوووووو.

– من الكلام ما هو أكثر سمّاً من سم العقرب والعنكبوت، وقرارات بوتين وأوباما.

مرَرْنا، أنا وابن العم، على مجموعة من الشباب في حديقة سليمان بخجة، يشربون المنكر، فصاح أحدهم، وبدا لي أنه أحد الجيران: لمَ لا تسلم علينا يا حاجي..

– نظر إليهم غاضباً وصاح: تشربون بول الشيطان، وتريدون أن أسلّم عليكم. لا سلام لأصحاب المنكرات.

وتناول أحجاراً، وهجم، فهرب بعضهم، وبقي واحد منهم، استمر بالشرب. يسمون بول الشيطان في سورية حليب السباع، لأنه يجعل الفأر السكران يتحدى أكبر هرّ في الحارة.

اقترب الهرُّ وتلاسنّا، لكن الشاب بقي هادئاً، الأغلب أنه كان سكراناً، ولا يستطيع أن يهرب، أو يحدد الشرق من الغرب. كانت مفارقة غريبة، العاصي هادئ ومتسامح ومتودد، والتقيُّ غضوب وعدواني.

نهض الشاب مواجهاً حجي، وأمسك كل منهما بتلابيب الآخر، فحجزت بينهما، وارتفعت الأصوات، فهبّ شرطيان، وفصلا بينهما، وربَّت أحدهما على كتف ابن العم، أما الآخر فأعاد الشاب إلى مائدته وواساه. عرف أحد الشرطيين أنني سوري، فهش لي وبشّ، واعتذر، وكأني سائح، وصافحني، وقال كلاماً بالتركية لم أفهمه. كان حجي لا يزال غاضباً، قلت: حجي.. الناس أحرار، تركيا دولة علمانية، وفيها فصل بين الدين والدولة، والخمر واللبن، وإنك لا تهدي من أحببت، ولا يمكن أن يدخل كل الناس الجنة، ولست قاضياً، ولا شرطياً حتى تقيم الحدود على الناس، لا بد لجهنم أن تمتلئ بأمثال هؤلاء، وتبقى الجنة لي ولك، أنا وبس يا حلاوتنا، فابتسم، ولا أدري هل اقتنع بالبراهين العقلية، أم أنه سعد بدخول السكران جهنم؟ أعتقد أن حجي يريد أن يذهب إلى الجنة وحده، ويغلق الباب وراءه، ويرمي المفتاح في البحر.

غاب الشرطيان، غذّ الحجي السير قاصداً السكارى، بعد أن خلع حزامه، وهو يعضُّ على أسنانه، قال: سأقيم عليهم الحدّ.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى