فساد ثقافي/ هيفاء بيطار
منذ شهر دُعيت للمشاركة في ندوة ثقافية فكرية موضوعها (دور المثقف في الربيع العربي)، في إحدى دول الخليج، وأتعمد الا أذكر اسم الدولة لسبب وحيد هو إجماع تلك الدول على موقفها من الشعب السوري. قبلت الدعوة بفرح إذ أن السفر خارج سوريا صار من عجائب الدنيا السبع، كما أن موضوع الندوة قد ملأني حماسة وحرّض في ذاكرتي الكثير من الأفكار والمشاعر المُختزنة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. ولم أفهم لم كان رد فعلي السريع والعفوي أن أعيد قراءة كتاب إدوارد سعيد – المثقف والسلطة -! كما لو أن حدسا» خفيا» ومؤكدا» يهمس بأذني أن الثقافة في عالمنا العربي لا تزال خادمة للسياسة ولا تزال ترضخ تحت سلطات مستبدة عديدة كسلطة الحاكم والدين والعقلية الاجتماعية المتكلّسة والمتخلّفة.
كتبت المحاضرة بحماسة وأرسلتها للجهة الداعية، التي سارعت إلى إبداء رضاها عما كتبت وطلبت مني أن أستفيض أكثر في الكتابة لأنها ستطبع محاضرات المشاركين في كتاب. ولم أتأخر في تلبية المطلوب، فأرسلوا لي الاستمارة من أجل التأشيرة، وطلبوا مني صورة عن جواز سفري. حتى أن المنسق – وهو رجل قمة في التهذيب واللطف أبلغني بقيمة المكافأة العالية التي سيدفعونها لي.
فرحت جداً بتلك الندوة ليس بسبب موضوعها الحيوي – دور المثقف العربي في الربيع العربي – بل لأنها تزامنت مع صدور كتابي الجديد «وجوه من سوريا» الذي يمثل كل وجه من وجوهه آلاف المواطنين السوريين المروعين من هول ما يحصل في سوريا النازفة المدمرة. وبدأت بالتحضير للسفر في انتظار بطاقة الطائرة ، إلى أن تلقيت اتصالاً من السيد المكلف الاتصال بالمدعوين يفيد أنهم (هم!) يعتذرون عن استقبالي وأنهم (هم!) لا يعطون تأشيرة لسوري. وكان يعتذر ويتأسف إلى أن قاطعته لأعفيه من الاستفاضة بالكلام وسألته: طيب لم وجهتم إليَّ الدعوة الخ الخ وأنتم تعلمون أن (هم) لا يعطون تأشيرة لسوري؟ ولم يعطني أي تفسير واضح سوى أن عبارة إن شاء الله تكررت إلى ما لا نهاية. إن شاء الله قريباً تكونين ضيفتنا.
وصدقاً لم يفاجئني اعتذارهم ، بل شعرتُ أنني كنت أنتظره بلا وعيي، فهل يختلف وضع المثقف السوري عن وضع المواطن السوري الذي أوصدت دول الخليج أبوابها بوجهه؟ لكنها فتحتها بوجه اللصوص أصحاب المليارات من السوريين الفاسدين الذين نهبوا المال العام وأمعنوا في استغلال ونهب السوريين من دون محاسبة، وكان أن استقبلتهم دول الخليج بالأحضان وأعطتهم الاقامة وفتحت أمامهم أبواب الاستثمار على مصراعيها. لكن من المخجل والمُخزي أن يُدعى مثقف سوري يعيش داخل سوريا لندوة ثقافية في دوله كانت سباقة في تظاهرها بدعم ثورات الشعوب العربية وخاصة ربيع سوريا، دوله أنتجت نجوماً من المثقفين والمحللين السياسيين الذين نافسوا نجوم الشباك في الأفلام العربية بسبب إطلالاتهم اليومية تقريباً على الفضائيات. دول الخليج التي كرست مثقفين بارعين في الكلام عن ثورات الربيع العربي وعن الحرية والكرامة والعدالة وحقوق الإنسان الخ من العبارات الطنانة. هي نفسها تمنع مثقف سوري من المشاركة في ندوة ثقافية أساسها الحرية وقبول الآخر والعدالة وحقوق الإنسان، وإلا ما مفهوم الربيع العربي! دول الخليج اتكأت على مثقفين أسماءهم طنانة وكتاباتهم مثقله بالقيم الإنسانية وبالدفاع عن الشعوب المضطهدة من الحكم الاستبدادي، لكن هؤلاء المثقفين ليسوا سوى موظفين بأجور خيالية لدى السياسة التي تعتبر الثقافة خادمة أو وصيفة بينما السياسة هي الملكة.
ما ذنب الشعب السوري أن يُنبذ من دول الخليج – خاصة – لأنه سوري، ما كان ذنب يوسف حتى تآمر عليه إخوته ليقتلوه؟
ثم أية مؤتمرات وندوات ثقافية تتبجح بالحرية وثورة الحرية والكرامة وحقوق الإنسان وقبول الآخر، وتكلف الملايين وتخرج بتوصيات وخلاصات بصياغة رائعة، إذا كانت عاجزة ومشلوله ولا تملك قرارها وكرامتها في الدفاع عن حق المثقف وكرامته، وعن حق الشعوب وكرامتها.
السفير